بعد نحو عامين من الجمود في ملف الأزمة الليبية تجاوز الأطراف السياسية المتصارعة على السلطة مؤخرا عقبة الإقصاء السياسي بتوافق لجنة الـ 6+6 وموافقة البرلمان على قوانين انتخابية تتيح لجميع الأطراف الترشح في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية دون إقصاء أحد، في خطوة فتحت الباب لسجالات سياسية جديدة حول تحدي تشكيل الحكومة الموحدة التي ستقود ليبيا إلى الانتخابات، في ظل انقسام داخلي ودولي عميق.

الثورة / أبو بكر عبدالله

لربما لعبت كارثة الفيضانات التي هزت المجتمع الليبي بمكوناته السياسية المتناحرة في إقليم درنة دورا مهما في دفع أطراف الصراع الليبي المستمر منذ 12 عاما للتسريع بإنجاز القوانين الانتخابية أو ما اصطلح على تسميته «القاعدة الدستورية» التي طالما عرقلت تنظيم انتخابات انتظرها الليبيون طويلا لإخراجهم من أطول أزمة انقسام وصراع مسلح يعيشونها منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي.
هذه المرة أعلن رئيس البرلمان عقيلة صالح بصوت واثق اصدار البرلمان بإجماع قوانين الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقدمة من لجنة الـ 6+6 المؤلفة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وتشكيل لجنة لقبول طلبات الترشح لرئاسة الحكومة الجديدة الموحدة التي ستحل محل الحكومتان اللتان تتنازعان الشرعية في شرق البلاد وغربها.
أهم ما في هذه القوانين أنها تجاوزت واحدة من أكثر العقبات التي حالت دون تنظيم الانتخابات لخمس مرات، بإقرارها التخلي عن سياسة الاقصاء والسماح لكل الليبيين الذين تتوفر فيهم الشروط الخاصة بالترشح لخوض المعركة الانتخابية سواء كانوا مدنيين أم عسكريين بما فيهم مزدوجي الجنسية وأكثر من ذلك منحها الفرصة لكل من يترشح ويخسر الانتخابات العودة إلى وظيفته السابقة».
توافق داخلي استغرق الكثير من الوقت لكنه في النهاية مثل انتصارا وطنيا بإزلته الكثير من الألغام التي حاولت بعض الأطراف الداخلية والدولية وضعها بداخل القوانين لمنع ترشح بعض الشخصيات السياسية والعسكرية وتفصيلها على مقاسات شخصيات معينة للإمساك بمقاليد الحكم.
على أن القوانين المقرة ستشكل أساساً لتوحيد السلطة في البلاد وإنهاء الانقسام الحكومي الحاصل منذ سنوات وتحقق رغبة الليبيين في انتخابات ديموقراطية تنافسية تضع من يختاره الشعب الليبي على سدة الحكم، إلا أن النيات الحسنة بالخروج من دوامة الصراع والفوضى ولانقسامات بإصدار «القاعدة الدستورية» لا تزال تواجه بعض العقبات التي قد تجعل من هذه الخطوة درجة أولى في سلم طويل يحتاج الليبيون لاجتيازه إلى سنوات.
اتجاهات عامة
حتى اليوم لم ينشر النص النهائي لقوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لكنها تبدو واضحة استنادا إلى المشاريع السابقة والتي توقف البحث فيها في قضية شروط الترشح للانتخابات الرئاسية التي جاءت النسخة الأخيرة منها متضمنة حلا توافقيا لها على قاعدة المشاركة الجماعية دون أقصاء لأحد.
على أن البرلمان الليبي أعلن موافقته على إصدار القوانين إلا أنه لم ينشر محتواها في الجريدة الرسمية، ما جعل إعلان رئيس المجلس النيابي عقيلة صالح اشبه بتطمينات بحتمية المصادقة على التشريعات المقدمة من لجنة الـ 6+6 بعد أن كان أخضع مشاريع القوانين للتصويت بل أخاضعها للنقاش والمصادقة عليها وإصدارها بصورة رسمية.
لكن البعض اعتبر أن خطوة إقرار التشريعات بإجماع لجنة الـ 6+6 ، من وجهة النظر الدستورية والقانونية أساسية حيث أن إقرارها من اللجنة المشتركة المؤلفة من البرلمان والمجلس الأعلى للدولة تعني أنها صارت نافذة استنادا إلى الصلاحيات التي منحها التعديل الدستوري الـ 13 للجنة المشتركة في إعداد القوانين بشكل نهائي وتقديمها للبرلمان للمصادقة عليها دون تعديلات ولم يتبق سوى إعلانها ونشرها في الجريدة الرسمية.
وبعيدا عن التجاذبات السياسية الحاصلة حول الآلية المتبعة في إقرار القوانين الانتخابية، فقد حظيت الخطوة بترحيب من الشارع الليبي خصوصا وأنها تجاوزت عقدة الخلاف الرئيسية المتعلقة بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، والتي كانت من أهم العقبات التي حالت دون انجاز القوانين خلال الفترة الماضية.
ومن جهة ثانية فقد قللت هذه الخطوة من حدة التوتر بين الأطراف المتصارعة بعد أن أرسلت تطمينات للجميع بحقهم في خوض المعترك الانتخابي بصورة ديموقراطية تنافسية دون الحاجة إلى فرض سلطة الأمر الواقع بالقوة المسلحة ودون الحاجة إلى الحصول على دعم مدفوع لمصلحة أطراف خارجية تتنافس للسيطرة على الموارد الليبية.
الحكومة الموحدة
في ظل المرارات التي عاناها الشعب الليبي من وجود حكومتين تتنازعان الشرعية في شرق البلاد وغربها صارت قضية تشكيل حكومة موحدة تحل محلها موضع تأييد أكثر النخب السياسية والبرلمانية التي ترى ضرورة تشكيل الحكومة قبل إحالة القوانين الانتخابية إلى المفوضية العليا للانتخابات بما يمكن هذه الحكومة من قيادة البلد نحو الانتخابات.
هذا التوجه تضمنته المادتان (86) و(90) من القانون اللتان نصتا بشكل واضح على تشكيل حكومة واحدة لإدارة الدولة نحو انتخابات بحيث لا يشارك رئيسها ولا وزراؤها في الانتخابات، في صيغة عكست التوافق الجديد بين رؤية الأطراف السياسية الليبية مع المقترحات التي حملها المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا عبد الله باتيلي بتنظيم الانتخابات تحت إدارة حكومة موحدة تهيئ المناخ اللازم لنجاح العملية الانتخابية والقبول بنتائجها.
وعلى أن رئيس مجلس النواب اعتبر هذا الأمر «أحد أهم استحقاقات المرحلة التمهيدية لإجراء الانتخابات» فإن احتمالا أن يواجه هذا الاستحقاق عراقيل ولا سيما من الرئيس الجديد للمجلس الأعلى للدولة محمد تكاله المقرب من رئيس حكومة الوحدة الوطنية المقالة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض الاعتراف بأي حكومة سوى التي يشكلها البرلمان المنتخب.
والبعض لا يزال ينظر لقضية تشكيل حكومة موحدة تنهي الانقسام الحكومي الحاصل بين شرق البلاد وغربها كواحدة من أكثر العقبات التي تهدد طموحات الليبيين بتنظيم الانتخابات وذلك بسبب عدم توافق بقية أطراف الصراع على هذه الخطوة رغم التوافق المحرز حولها من البرلمان والمجلس الأعلى للدولة والبعثة الأممية.
وهذا القلق يبدو مشروعا فوجود حكومتين تتنازعان الشرعية وأطراف أخرى تمتلك قوات عسكرية ومليشيات مسلحة ووكلاء لقوى إقليمية ودولية، سيقود بلا شك إلى تنازع حول أحقية تنظيم الانتخابات وقد يؤدي تشكيك أي طرف بالعملية الانتخابية إلى فقدانها الشرعية والاعتراف في بلد يعاني من حالة عداء وانقسام طويل الأمد يهدد ليس فقط الانتخابات بل ويهدد بفقدان الدولة الليبية أمنها وسيادتها ووحدة أراضيها.
احتمالات الفشل
تحدي تشكيل الحكومة الموحدة لا يقلل من شأن ما تم إنجازه اليوم بشأن «القاعدة الدستورية» فأكثر الفرقاء الليبيين يرون التقدم في إقرار القوانين الانتخابية طوق نجاة من شأنه إخراج ليبيا من حالة الانسداد السياسي التي فاقمت إلى حد كبير من الازمة ومعاناة الليبيين الذين يتطلعون لانتخابات تخرجهم من نفق الأزمات والفوضى والانقسام والتناحر على السلطة إلى حالة الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي.
لكن تجارب النزاعات الليبية في هذا الجانب تثير القلق من احتمال عدم الوفاء بالمواعيد المحددة لتنظيم الانتخابات خصوصا وأن التشريعات الجديدة نصت على تنظيمها خلال 8 أشهر من تاريخ اصدار القوانين من البرلمان وليس من تاريخ إقرارها من اللجنة المشتركة.
ذلك أن هذا التوقيت يعني أنه في حال استغرق البرلمان ثلاثة أشهر لمناقشة التشريعات بما في ذلك احتمالات إعادتها إلى اللجنة المشتركة ثم اقرارها فذلك يعني أن مفوضية الانتخابات لن يكون أمامها سوى في 5 أشهر وهو موعد لن يكون كافيا بل سيفتح الطريق لتأجيلات وسجالات قد تتغير معها المواقف وقد تطيح بكل الترتيبات في أي لحظة.
والراجح أن تأخذ عملية المصادقة النهائية للقوانين في البرلمان وقتا أطول في ظل الحاجة إلى توافقات بشأن تشكيل الحكومة الموحدة وإجراءات تمكينها من فرض السيطرة على كامل التراب الليبي وهو أمر قد يأخذ الكثير من الوقت في ظل الخلافات بين المكونات السياسية الليبية على هذه الجزئية.
ولا أحد حتى اليوم يمتلك ضمانات بمنع اندلاع نزاع مسلح واعمال عنف بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وهو سيناريو يتوقعه كثيرون بما في ذلك البعثة الأممية، فهناك قضايا سياسية معقدة خارجة عن السيطرة انتجتها حالة الانقسام في المؤسسات الأمنية والعسكرية والتواجد الكثيف للقوات الأجنبية والكيانات المليشاوية التي تنتظر حصتها من الكعكة والمستعدة لتفجير الحرب في أية لحظة.
الانقسام الدولي
التأمل البسيط للخارطة السياسية في ليبيا يفصح عن انقسامات في المواقف الدولية حيال الانتخابات قضية تشكيل الحكومة الموحدة، وهو أمر لاحظه المبعوث الأممي الجديد إلى لبيبا وعبرت عنه دعوته جميع اللاعبين الدوليين إلى التحدث بصوت واحد والتصرف وفقا لذلك.
وباتيلي كان يشير بلغة دبلوماسية إلى حجم الخلافات الدولية بشأن الانتخابات والتي أفضت في تجارب سابقة إلى الغائها في مشهد يمكن تكرره هذه المرة حتى بعد التوافق المحرز على القاعدة الدستورية.
وما لم يقله باتيلي هو أن جميع الأطراف الليبية كانت استعدت لتنظيم الانتخابات في 2021م وتعرقل تنظيمها بسبب الخلافات بين بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا حول ترشح سيف الإسلام القذافي والمشير خليفة حفتر، في دوامة خلافات أفضت في النهاية إلى عرقلة التوافق على القاعدة الدستورية وبالتالي تدمير العملية الانتخابية كليا.
والعديد من المؤشرات تؤكد أن الانقسام في الموقف الدولي تعزز أكثر من قبل، في ظل الصراع الدولي الحاصل في أوكرانيا، وملامحه في الساحة الليبية بدت بوضوح بعد الزيارة التي قام بها المشير خليفة حفتر إلى موسكو والتي حظي خلالها بحفاوة استقبال كبيرة تكللت بلقائه الرئيس فلاديمير بوتين، وهو الحدث الذي أثار غضب الولايات المتحدة مما اعتبر تقارباً روسياً ليبياً.
والموقف الأميركي الغاضب ظهر إلى السطح خلال التحضيرات لمؤتمر دعم درنة بعد أن أبدى السفير الأميركي في ليبيا دعمه لدور فاعل لحكومة الوحدة الوطنية المقالة بقيادة عبد الحميد الدبيبة دون الأطراف الأخرى ما اضطر الحكومة المكلفة من البرلمان في شرق البلاد إلى تأجيل المؤتمر كونه لن يحقق أهدافه طالما وهو لم يحض بدعم أميركي يمكن ان يقنع المانحين بتقديم المساعدات المطلوبة.
هذا الموقف كان بحد ذاته رسالة كافية للداخل الليبي بأن واشنطن لن تتردد باتخاذ أي مواقف لمواجهة التقارب بين المشير حفتر وموسكو ومنها على سبيل المثال تقديم الدعم لسيف الإسلام القذافي بما يعني نقل الصراع إلى مربع جديد أكثر تعقيدا.
ويدرك الليبيون أن المواقف الدولية المتباينة على خلفية الصراع الدولي في أوكرانيا، يمكن أن تنسحب على الشأن الليبي ولا سيما في قضية تشكيل الحكومة الموحدة التي تراهن جميع الأطراف الدولية عليها لفرض الإملاءات والشروط مقابل دعم هذه المشروع.
والموقف الأميركي الأخير من زيارة المشير حفتر لموسكو، ذكرهم بالموقف الأميركي الغربي من آخر زيارة قام بها الرئيس الليبي معمر القذافي إلى موسكو والتي أفضت إلى تحالف دولي أطاح بنظامه في انتفاضة الربيع العربي.
ومن جانب آخر فإن الخلافات الفرنسية الإيطالية كان لها تأثير واضح على مسار الانتخابات الليبية خلال الفترة الماضية، وهذه الخلافات لا تزال قائمة ومن غير المستبعد أن تلقي بتأثيراتها على العملية الانتخابية في حال المضي بتنظيمها في المواعيد المقررة لها.
ولن يكون بعيدا عن ذلك الحسابات الأميركية الصينية حيال التواجد الصيني وكذلك الحسابات التركية مع الشركاء الدوليين سواء في الاتحاد الأوروبي أم مع موسكو على خلفية ملفات الانضمام التركي للاتحاد الأوروبي والحضور الروسي في القوقاز.
ومع ذلك فهناك آمال بإمكانية ان تنعكس التجاذبات والصراعات الدولية لمصلحة الملف الليبي بإعادته إلى أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وهي خطوة ربما تفسح المجال لظهور مواقف دولية داعمة لخارطة طريق يصنعها الليبيون للخروج من أزمتهم المعقدة دون أي تدخلات خارجية.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

ماذا ينتظر المهاجرون والمسلمون من الحكومة الفرنسية الجديدة؟

باريس- يبدو أن تأثير أقصى اليمين على السلطة التنفيذية في فرنسا بدأت ظلاله تتكشف بوضوح، وأثبت أن الأوراق بيده في سياق التشكيلة الجديدة للحكومة التي يرأسها ميشال بارنييه والمقترحات الأمنية المناهضة للهجرة التي قدمها وزير الداخلية برونو ريتيليو.

وفي حين يُعتبر بارنييه أحد مهندسي قانون الهجرة في مجلس الشيوخ الفرنسي، جاء تعيين ريتيليو ليكون بمنزلة العودة المؤكدة لملف المهاجرين داخل حكومة ذات توازنات محفوفة بالمخاطر.

ويرى محللون أن تركيز الحكومة الجديدة على الهجرة -بوصفها أولوية وطنية- أمر مبالغ فيه، منتقدين "الخلل الذي ينهش مؤسسات البلاد"، بما في ذلك هيكلة الوزارات وتقسيم السلطات بين الكتل السياسية.

إيقاع يميني

ومنذ اختيار الرئيس إيمانويل ماكرون لبارنييه، حافظ المسؤولون التنفيذيون في حزب أقصى اليمين الذي تقوده مارين لوبان على الغموض بشأن الطرق والتبريرات التي سيمنحون من خلالها الحكومة فرصة الاستمرار، مكتفين بالتشديد على ضرورة "أخذ حالات الطوارئ الكبرى للفرنسيين بعين الاعتبار، أي القوة الشرائية والأمن والهجرة".

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية توماس غينولي أن هيكلة الحكومة تتوافق تماما مع المواصفات المطلوبة "وكان من الضروري دفع الثمن لحزب الجمهوريين اليميني بعدد المقاعد لأن دعمه كان محوريا لتشكيلها، أما باقي المقاعد فخُصصت لأعضاء الكتلة الماكرونية".

وقال غينولي للجزيرة نت إن خط الحكومة السياسي المعلن لن يخضع لرقابة أقصى اليمين، لأنه متوافق ومقبول بالنسبة إليه، والدليل على ذلك تنصيب شخصية يمينية متشددة في وزارة الداخلية، وهو برونو ريتيليو.

من جانبه، يرى الوزير السابق بالحكومة الفرنسية عزوز بقاق أن البلاد أمام بداية النهاية، مفسرا ذلك بالقول "يعلم الجميع أن ماكرون يمهد الطريق أمام اليمين المتطرف للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة لجعل فرنسا تبدو مثل إيطاليا جورجيا ميلوني، وحتى ألمانيا يحكمها هوى سياسي يميني بعد أن حاربت أدولف هتلر والفاشية".

وأضاف للجزيرة نت أن السياسة تدور حول فكرة محورية، وهي أن "كل شيء مباح لكي تحصل على ما تريد"، مشبها ما يحدث في فرنسا بسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يستعد لجعل الحرب على غزة إقليمية لإنقاذ نفسه، أو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي يتبع "المنطق الانتحاري نفسه"، وفق وصفه.

سياسة الهجرة والتخويف

ومنذ تولي ريتيليو منصبه في وزارة الداخلية خلفا لجيرالد دارمانان، الاثنين الماضي، ركز خطابه في أثناء نقل السلطة على كلمة الهجرة، متوعدا بـ"وضع حد للدخول غير القانوني" و"زيادة الترحيل".

وفي اليوم ذاته، أحدث دارمانان زوبعة إعلامية قبل تسليمه مفاتيح ساحة بافاو إلى أقصى اليمين عندما قال: "لو كان اسمي موسى دارمانان، لما تم انتخابي رئيسا للبلدية ونائبا، وبلا شك، لم أكن لأصبح وزيرا للداخلية".

وعلقت رئيسة جمعية حقوق المسلمين (إيه دي إم) سهام زين، قائلة إن ذلك "أثبت أننا على حق بشأن العنصرية الممنهجة، وقد أخفت المتحدثة الرسمية بريسيلا ثيفينوت أيضا جزءا من اسمها، لأنها ابنة لمهاجرين، ونراهم اليوم يعلنون وجود العنصرية بعد ترك مناصبهم الوزارية".

وتابعت "تدعي باريس أنها ستتعرض للغزو من المهاجرين، وهذا كذب مطلق، لأن هناك عددا أقل بكثير من الأجانب الراغبين في المجيء إلى فرنسا في السنوات الأخيرة". وأوضحت للجزيرة نت أن المسلمين في فرنسا أصبحوا هدفا للسياسات الأمنية منذ عام 2015، إذ تم استخدام جميع الأدوات الممكنة التي لا يمكن تصورها لشيطنتهم، مما يزيد من حدة التمييز ويجعل حياتهم صعبة للغاية.

ووفقا لها، وثقت منظمتها كل الاعتداءات على حقوقهم من خلال العمل الميداني، مع الإشارة إلى انتهاكات الحقوق وتنبيه المؤسسات الدولية، متوقعة "زيادة الخطاب العنصري، لأنه لم يعد هناك أي عائق".

أما المحلل السياسي غينولي، فيعتبر أن المبالغة في تخويف الفرنسيين من شبح الهجرة الجماعية "مشكلة لا أساس لها"، مستشهدا بأرقام المعهد الوطني للإحصاءات والدراسات التي تعترف بأن نسبة المهاجرين الوافدين لا تتعدى 0.3% سنويا. لذا، يرى أنه من الجنون مشاهدة وزير الداخلية وهو يعطي الأولوية لهذه المسألة، و"إذا اعتبرت الحكومة أن هناك الكثير من العرب في البلاد، فهذا لا يعني أننا أمام مشكلة هجرة، وإنما عنصرية واضحة".

وبينما أصبحت الهوية الأوروبية قضية رئيسية لعديد من الناخبين في أوروبا، لأن أقصى اليمين فاز في الحرب الدعائية التي اعتمد فيها على خطة التخويف وجعلت من العرب "كبش الفداء"، لا يؤمن بقاق بوجود جالية مسلمة أو عربية في أوروبا أو غيرها. وتساءل "هل يمكن لأحد أن يصدق اليوم أن المسلمين والعرب لا يستطيعون فعل أي شيء لتجنب المذبحة في غزة أو لبنان؟".

أما بالنسبة لتصريحات دارمانان، فيصفها بقاق بـ"العار" و"أكبر فضيحة" لوزير الداخلية الذي اكتسب سمعته من الأمن ومكافحة الهجرة وضد المسلمين. وقال إن ذلك يؤكد أنه إذا أردت أن تكون شخصا مهما في فرنسا، فعليك إخفاء أنك مسلم أو عربي، لهذا لم يجرؤ أبدا على القول إنه اضطر إلى إخفاء اسمه الأول موسى من قبل لتحقيق النجاح في المجتمع السياسي الفرنسي.

خلل النظام

وقبل الاجتماع الأول لمجلس الوزراء ظهر الاثنين الماضي، التقى ميشال بارنييه فريقه الحكومي المكون من 39 وزيرا في قصر ماتينيون للتعرف على بعضهم بعضا، بعد أن حل محل غابرييل أتال ودارمانان وبرونو لومير وغيرهم أسماء غير معروفة لعامة الشعب.

وفي ظل هذه التشكيلة الحكومية الجديدة، يستذكر بقاق الفترة التي كان فيها وزيرا، قائلا "لقد كنت عربيا ومسلما وصديقا للرئيس الراحل جاك شيراك ووزير خارجيته دومينيك دو فيلبان الذي كان فرنسيا جمهوريا يتمتع بمهارة دولية، وهذه هي القيم التي اختفت تماما في فرنسا التي تمر بتدهور دبلوماسي واقتصادي وفلسفي خطير وسامّ للغاية".

من جهته، اعتبر المحلل توماس غينولي أن السياسة الفرنسية أظهرت أنه يمكن أن تحدث تحولات غير متوقعة طوال الـ20 عاما الماضية، "فلو أخبرني أحدهم من قبل أن اليمين المتطرف سيحصل على أكثر من 40% في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية كنت سأنفجر ضحكا، وأقول إن ذلك مستحيل".

وبحسب المتحدث، يعود ذلك إلى انهيار الآلة المؤسسية في البلاد بعد أن أصبحت السلطة التنفيذية تمثل عكس الرسالة التي عبر عنها الفرنسيون خلال الانتخابات. ولم يقم ماكرون بأي خطوة غير قانونية أو غير دستورية، لكنه جعل من الممكن أن تتناقض المؤسسات مع حكم صناديق الاقتراع.

وبشأن ما وصفه بـ"الخلل العميق في الديمقراطية الفرنسية"، يفسر غينولي ذلك بالقول إن "اليسار فاز في الانتخابات، لكنه ليس في السلطة، وخسر ماكرون الانتخابات لكنه ظل في الرئاسة، وبينما تعرض اليمين لضربة قوية في الانتخابات، يمثل نفسه اليوم من خلال رئيس الوزراء".

مقالات مشابهة

  • جامعة الدول العربية ترحب بالتفاهمات الليبية الأخيرة والتي أدت إلى حل أزمة مصرف ليبيا المركزي
  • الأوساط السياسية في النمسا تترقب قرار الرئيس بتحديد من سيتولى مسئولية تشكيل الحكومة المقبلة
  • رئاسي ليبيا يشترط النصاب القانوني لاعتماد اتفاق المركزي.. هل ينجح البرلمان؟
  • ليبيا…البرلمان يصوّت على اعتماد محافظ جديد للمصرف المركزي
  • بدء التصويت في الانتخابات البرلمانية النمساوية
  • البرلمان التونسي يصادق بالأغلبية على تعديل قانون الانتخابات
  • ماذا ينتظر المهاجرون والمسلمون من الحكومة الفرنسية الجديدة؟
  • جلسة حاسمة بالبرلمان التونسي لتعديل قانون انتخابات جدلي
  • يو أس أيد: ساعون لدعم الانتخابات في ليبيا عبر “الناخبون من أجل التمثيل العادل”
  • احتجاجات في تونس بعد تصويت البرلمان على تعديل مشروع قانون مثير للجدل