الغنوشي.. رحلة قلم وسياسة من السجون وإليها
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
يتوكأ الشيخ راشد الغنوشي على عصا الأيام التي تقترب به من شرفة 83 حولا، ينظر وراءه إلى مسيرة طويلة من الصراعات والاتهامات التي واجهها خلال عقود بكثير من التصميم، وإلى محطات تقلّب فيها بين السجون والنفي ودواليب السلطة.
ألف الرجل -كما تقول عائلته ومقربوه- الصيام فرضا ونفلا، لكنه الآن يلجأ إليه في وسيلة لكسر سوْرة السجن اللاهب، وتذكير العالم بأن شيخا ابن 82 عاما، ذا تراث وتأثير عالمي طويل، ورئيس برلمان منتخبا يقبع في سجن منذ نحو نصف عام، ولا تلوح في الأفق بارقة لإطلاق سراحه.
وبيمينه التي يقبض بها على عزيمة غير شاردة وذهن وقّاد، حبًّر مداده قصة كفاح ونضال سياسي وفكري ومجتمعي من أجل ما يرى أنه الإسلام الأكثر انسجاما مع روحه وروح العصر ومتغيرات الحياة.
تمضي الأيام بطيئة في الزنزانة التي عاد إليها الغنوشي بعد أكثر من عقد من المشاركة في السلطة من مواقع مختلفة، ويبلغ عدد الأيام التي قضاها حتى الآن في السجن نحو 170 يوما، ولا حدود حتى الآن لسقف أيامه الطويلة.
ومن المفارقات أن عودة الرجل إلى السجن جاءت في ظل نظام الرئيس قيس سعيد، الذي ساهمت أكتاف عناصر النهضة في حمله إلى كرسي الرئاسة، وكان دعم الغنوشي له في الجولة الثانية حاسما لإتمام سيره العاصف نحو الرئاسة في تونس.
لا تجمع الرجلين مشتركات عديدة، غير أن عواصف المشهد السياسي في تونس وأمواجه المتلاطمة قذفت به إلى شاطئ الصراع، وانتهى الأمر بسجن الشيخ الذي يخطو منذ سنتين نحو منتصف عقده التاسع.
في شيبة الرجل وغضون وجهه قصةُ تونس الحديثة، فقد تشبّع في طفولته بالوعي والسير نحو الاستقلال، ثم كانت شبيبته وشيبته قصة متواصلة من النضال التونسي في مجالاته المتعددة من الهوية والحرية والديمقراطية، وإشكالات الإسلاميين وسيرهم من الجماعة نحو المجتمع والدولة.
رحلة من السجون وإليها
لم يسر الزمان في حياة راشد الغنوشي على نمط واحد، بل كان في اضطراب دائم وتقلب مستمر، غير أن الغنوشي في كل ذلك كان واحدا مستمرا ومتشبثا بآرائه، كانت روح المواكبة والوئام وثابةً في تفكيره، قادرا على السير بين متناقضات متعددة، وعلى نسج علاقات مع مختلف الأديان والطوائف والأيديولوجيات من يمين أو يسار، دون أن يتنازل عن حرية التعبير عن رأيه والاعتزاز به، هكذا هو الغنوشي كما يرى أنصاره والمنادون بإطلاق سراحه، ومن بينهم 800 من كبار الشخصيات السياسية والفكرية والعالمية.
في المنعطف الأخير من نهاية الاستعمار الفرنسي، ولد الغنوشي سنة 1941 بمدينة الحامة بولاية قابس، والتي ينتمي إليها عدد من رموز المذهب المالكي، وفيها تلقى معارفه الأولى، قبل أن ينطلق في فضاء المعرفة سابحا، طالبا ومدرسا وباحثا في تخصصات واهتمامات متعددة.
وقد حرص والد الغنوشي على أن يأخذ ولده في رحلة تأسيسية مع القرآن الكريم، قبل أن يواصل دراسته في جامعة الزيتونة، حيث حصل على شهادة جامعية في الشريعة الإسلامية، وانتقل إلى ميدان التعليم مدرسا في المدارس الابتدائية، ثم حصل في العام 1964 على منحة دراسية لدراسة تخصص جديد هو الزراعة.
وفي مصر، تعرّف الشاب راشد الغنوشي على الناصرية وهي في أوجها، فانخرط بسرعة في مسارها الفكري، وقد جاء حاملا لبذور الإعجاب بمصر الناصرية من تونس، لكن نكسة يونيو/حزيران 1967 هزت بقوة القناعات الفكرية التي أسسها الغنوشي على أشواق القومية العربية.
وبعد ذلك بفترة وجيزة، انتقل إلى سوريا لدراسة الفلسفة بديلا عن الزارعة، حيث حصل على الإجازة (البكالوريوس) في الفلسفة، ومن دمشق الأموية انتقل الغنوشي إلى باريس ليبدأ أيضا رحلة أخرى؛ هنالك شق نهر حياته مسارا آخر، وتحركت بوصلته تجاه الإسلام ليعيد "اكتشافه" ولكن من زاوية تنظيمية وفلسفية، جعلت من الحرية والتربية مدخلين لبناء نموذج حداثي إسلامي.
مع عودة الغنوشي إلى تونس مطلع عقد ستينيات القرن الماضي، كان الحبيب بورقيبة قد وصل إلى قناعة بأن العلمانية هي الحل الأمثل لتونس. وقد نال بورقيبة الكثير من الإطراء من أنصاره الذين لقّبوه بالمجاهد الأكبر، أما خصومه فقد رأوا أنه كان حينها يعيد بناء تونس على أنقاض الهوية الإسلامية التقليدية، مستوردا "فرنسا" التي غادرت من بوابة الاستقلال، لتعود هويةً ولسانا وثقافة وتشريعات.
في تلك السنوات -بما فيها تلك التي قضاها في باريس- كانت أشواق الحرية تعتمل في قلب وذهن الشاب راشد الغنوشي، وكانت الأفكار والرؤى تصطرع في رأسه؛ فانتسب إلى جماعة الدعوة والتبليغ ليجد فيها ملاذا لأشواقه الروحية، وبردا لغرام النفس، ولكنها وإن أشبعت الجوعة الروحية عند ابن قابس، فإنها لم تجب على الأسئلة الوجودية والقيم التي تتزاحم في بنائه الفكري، وسرعان ما وجد في فكر الإخوان المسلمين نافذة جديدة لاكتشاف الإسلام وتطبيقه، ليبدأ رحلة البحث عن قوة وإطار إسلامي يضخ في شرايينه أزمات تونس وآمالها وآلامها، وعن فكر يضخه في الشرايين التونسية.
وفي العام 1972 قاده ذلك مع 40 من رفاقه إلى تأسيس الجماعة الإسلامية، التي استمرت تنظيما سريا إلى العام 1980، حيث حملت اسم حركة الاتجاه الإسلامي، وبدأت تستعد للإعلان عن نفسها طرفا سياسيا وفكريا يريد أن يُسمع صوته لكل التونسيين.
في العام نفسه، أعلن الغنوشي وعبد الفتاح مورو تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي، في خلال مؤتمر صحفي، وجد صداه لدى السلطة سريعا، فبادرت باعتقال قيادة الحركة، التي أثارت غضب أجهزة الأمن ورجال السياسة في نظام بورقيبة المتقدم في السن والدكتاتورية العلمانية كما يرى خصومه.
نال الغنوشي حكما بالسجن لمدة 11 سنة، قضى منها 3 سنوات مع رفيق دربه عبد الفتاح مورو وآخرين من القادة والشباب، قبل أن يفرج عنهم في عفو عام سنة 1984، في استراحة لم تطل حتى عادوا من جديد إلى الزنازين سنة 1987 في مواجهة حكم بالإعدام، قبل أن يختط لهم القدر فرجا بانقلاب عسكري ناعم أطاح بما بقي من قوة بورقيبة، وأزاحه عن السلطة، وجاء بخلفه زين العابدين بن علي ليجثم على السلطة قرابة عقدين ونصف العقد.
الخروج من "القفص"
رحب الغنوشي ورفاقه بالتغيير الجديد في تونس، وأرسلوا عدة رسائل إيجابية إلى النظام الجديد، وغيروا اسم جماعتهم إلى "حركة النهضة"، لكن مساعيهم للتهدئة باءت بالفشل، وبدا أن السقف لا يزال منخفضا جدا، وأن فصولا جديدة من المواجهة في انتظارهم.
تحوّلت صفحة "التهدئة" التي أراد إخوان الغنوشي كتابتها في العلاقة مع نظام بن علي الوليد، إلى صفحة تصعيد ومواجهة، ففتحت السجون على مصاريعها وألقي بأكثر من 30 ألفا من قادة النهضة وأنصارها في أقبيتها.
ومع اشتداد المضايقات التي حاصرت الحركة وقادتها، استطاع الغنوشي الخروج من تونس مستفيدا من السماح له بأداء فريضة الحج، لتكون تلك الرحلة منعطفا جديدا في حياة الرجل قادته نحو الغرب وتحديدا بريطانيا، ولم يعد إلى بلده إلا بعد سقوط نظام بن علي في مطلع ثورات الربيع العربي عام 2011.
استطاع الغنوشي خلال سنواته مغتربا في بريطانيا أن يجعل نفسه أحد أهم الأصوات والأقلام العربية المنادية بالديمقراطية والحرية، كما استطاع أن يكون أبرز الأصوات المزعجة للرئيس الراحل زين العابدين بن علي، مثلما أصبح بعد الثورة أحد أهم الأصوات المؤثرة في حاضر ومستقبل تونس.
في دائرة الحكم
عاد الغنوشي إلى تونس محمولا على أكتاف الآمال بعد أن غادرها مكرها ذات مساء حزينا خائفا يترقب، وفي فترة وجيرة تحوّل الرجل إلى أحد مفاتيح السياسة والحكم في تونس، وقاد حزبه القديم الجديد إلى نصره الانتخابي الأول، وتولى تشكيلة الحكومة الأولى عقب الثورة برئاسة القيادي في حركة النهضة حمادي الجبالي.
وخلال السنوات اللاحقة، مرت تونس بفترات عاصفة واضطرابات ساهمت أطراف داخلية في تأجيجها، ولا يستبعد البعض أن لأطراف خارجية يدا في إذكائها، وعاد سؤال الأمن يدق بقوة كثيرا من الأبواب والمنافذ التونسية، كما عادت أسئلة التنمية والتشغيل ومطارحات الدستور وحقوق المرأة والحريات العامة تدق بقوة ضمن ضجيج المشهد التونسي.
تأرجحت النهضة خلال تلك الفترة بين كثير من المواقف، وعرفت قوتها شدا وجذبا، وإقبالا وتأخرا، لكنها لم تخرج من دائرة التأثير والفعالية، رغم تراجعها عن المرتبة الأولى في عدة استحقاقات انتخابية في تونس.
وأثناء ذلك، اختار الغنوشي أن يمسك العصا من الوسط، وينحني أكثر من مرة أمام عواصف السياسة في بلد تتصارع فيه الأحزاب والقوى، كما تتصارع عليه الإرادات الدولية المتناقضة.
وواجه حماس جماهير الثورات بالدعوة إلى التريث والهدوء، كما اختار في مواجهة خصوم الثورات العربية التشبث بمرونة صلبة، وظل يؤكد باستمرار أن الهدوء في تونس ضامن لاستقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط، وأن انهيار عمليتها السياسية وتجربتها الديمقراطية سيشعل نيرانا على أمواج البحر الأبيض الهادئ.
وشهدت البلاد أيضا أهم تحوّل في تاريخها الحديث بثورة الياسمين في العام 2011، فقد شهدت مقدمات تحوّل آخر في العام 2019، عندما تم انتخاب الرئيس قيس سعيد رئيسا للبلاد في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بدعم من حركة النهضة باعتباره "يمثّل قيم ومبادئ الثورة".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته (2019)، اُنتخب الغنوشي رئيسا للبرلمان الذي أفرزته الانتخابات السابقة لأوانها إثر وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي.
لم تطل فترة المودة بين الطرفين كثيرا، فقد أعلن سعيد يوم 25 يوليو/تموز 2021 تفعيل العمل بالفصل 80 من الدستور التونسي، مُعلنًا في خطاب بثه التلفزيون الحكومي إنهاء مهام رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن نوابه.
سارع الغنوشي إلى رفض قرارات سعيد، وبدأ مع قوى سياسية معارضة سلسلة تحركات ونشاطات لإفشال ما وصفوه بـ"الانقلاب الدستوري" الذي نفذه سعيد، لتبدأ بعد ذلك سلسلة ملاحقات ومضايقات لعدد من المعارضين.
وبين مد متوسط وجزر عاصف، وجد الرجل نفسه في مواجهة وجه سياسي جديد، وأزمة أغرقت تونس في واحدة من أصعب فترات الاضطراب السياسي والأمني، لينال بعد عقود من حمله لواء الحداثة الإسلامية تهم الإرهاب وغسيل الأموال، ويزج به من جديد في أقبية السجون.
وإذا كان الغنوشي واحدا من بين المئات ممن زج بهم في السجون في الحقبة "السعيدية" من تاريخ تونس المعاصر، فإنه يبقى الأكثر شهرة من بينهم، وربما الأكبر سنا وتأثيرا في الشارع التونسي.
ست قضايا وعقوبات تصل حد الإعدام
يواجه الغنوشي اليوم وهو في زنزانة الاعتقال تهما في 6 قضايا، بينها "تسفير التونسيين إلى بؤر التوتر" و"تبييض الأموال" وما عرفت بـ"قضية الطواغيت"، ويتعلق الأمر بعبارة قالها الرجل قبل نحو عامين في تأبين أحد عناصر حركته حين قال إنه كان مناضلا من أجل الحرية ولم "يكن يخشى طاغوتا ولا ظالما"، وهو ما اعتبرته إحدى النقابات الأمنية موجها إليها.
أما الغنوشي وأنصاره فيرون في هذه التهم الكبيرة -التي تترتب عليها أحكام قاسية قد تصل حد الإعدام- تهما فارغة بلا مضمون ولا تستند على أي معطى قابل للتحقق، ولا يزال الرجل متمسكا ببراءته وبنضاله من أجل الحرية والديمقراطية في تونس.
في مسيرته مع السجون والمنافي، نال الغنوشي أحكاما عديدة بالإعدام تارة، وبالمؤبد تارة أخرى، وبأحكام دون ذلك، لكن القدر كان يمده بعمر آخر ويفتح له بابا جديدا من أبواب الحرية، سواء بانقلاب كما حصل في عهد بورقيبة، أو بثورة كما حصل في العام 2011 عندما أسقطت ثورة الياسمين والبوعزيزي أقوى الأنظمة البوليسية في العالم العربي، وصاح منادي الشعب "بن علي هرب".
أما اليوم، فتتعدد المآلات المتوقعة للشيخ الثمانيني في سجنه، ولعل من أسوئها -كما يقول أنصاره- أن يقضي الرجل نحبه هناك، خصوصا أن صحته وتقدمه في العمر قد لا يسعفانه في مواجهة ما يصفونه بـ"عسف السجّان" وتجاهل العالم لما يشبه معاناة واحد من أهم العقول في الفكر الإنساني عامة والإسلامي خاصة.
وفي أفق تلك المآلات، لا يبدو سجن الغنوشي مجرد زنزانة تحتضن -على غير المودة والاختيار- سياسيا كبيرا في السن والفكر والممارسة، بل يمد ذاكرة تونس بقصة عشق أخرى مفروضة بين السجون والسياسيين، تفرض سؤالا مفتوحا وأكثر إلحاحا وهو: إلى أين تتجه تونس؟
(عن موقع الجزيرة نت)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الغنوشي السجون تونس تونس الغنوشي السجون سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة راشد الغنوشی الغنوشی على الغنوشی إلى فی مواجهة فی العام فی تونس بن علی قبل أن
إقرأ أيضاً:
القصة الحقيقية للرجل "ذو الألف وجه".. كيف خدع 4 نساء في علاقات جدية؟
تخيل أن تكتشف امرأة أن الرجل الذي أنجبت منه طفلاً لم يكن موجوداً، بل كان شخصية خيالية اخترعها محتال، هذا ما حدث لامرأة باريسية تدعى ماريان، كانت ضحية احتيال رومانسي من قبل رجل عاش عدة حيوات خيالية.
ووفقاً لموقع "دايلي ميل"، الرجل المعروف باسم ريكاردو البرازيلي - ولكن يُدعى أيضاً دانييل وألكسندر، حسب جنسية الشخص الذي يتحدث معه - هو محتال متسلسل قام بخداع أربع نساء في وقت واحد، وعاش علاقات معهن بالتوازي، حيث كان يكيّف شخصيته وقصة حياته لتناسب كل واحدة، مما جعلهن يعتقدن أنهن قد قابلن "الشخص المناسب".
وتم سرد تفاصيل القصة في الفيلم الوثائقي الجديد بعنوان "الرجل ذو الألف وجه"، والذي بدأ عرضه في 22 نوفمبر (تشرين الثاني)، من إخراج الصحفية الفرنسية سونيا كرونلوند.
وفي الفيلم، تتعرض ماريان (التي لعبت دورها أوريلي غاشي) للخداع من ريكاردو الذي أوهمها بأنه جراح قضى سنوات في إفريقيا مع منظمة أطباء بلا حدود.
وفي أحد الأيام، أخبرها ريكاردو أنه في تولوز للتدريب على طب الأطفال، بينما كان في الواقع يقضي الوقت مع زوجته الأخرى في كراكوف.
وتدق أجراس الإنذار عندما تكون ماريان في شهرها الخامس من الحمل بطفله، ولا تتمكن فجأة من الاتصال به، لأن أرقام الهاتف التي أعطاها لها كانت مزيفة.
وعندما بدأ ريكاردو يواجه شكوكاً حول علاقاته، كانت استراتيجيته للهروب هي الاختفاء بعد تلقي مكالمة هاتفية تفيد بأن أحد والديه قد توفي أو كان في غيبوبة.
وتحت هوية "ألكسندر"، ذكر ملفه الشخصي على موقع المواعدة أنه يبلغ من العمر 36 عاماً ويعيش في عاصمة فرنسا.
ووصف ريكاردو نفسه بأنه "خجول ومجتهد ومؤنس"، وزعم أنه غير مدخن ويعمل في مجال الطب.
لكنه، في الواقع، كان يتنقل بين العديد من الهويات؛ فقد عرفته نساء أخريات كمهندس بيجو، وطبيب، ومصور، أو يعمل في مجال الاتصالات. حتى أن إحدى الضحايا ادعت أنه كان يواعد 15 امرأة في نفس الوقت.
وُصف ريكاردو في الفيلم بأنه "مريض نفسي"، حيث كان يدير عملية عالمية لمواعدة نساء من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك ريو وبولندا وفرنسا.
وكانت إحدى ضحاياه قد وصفت ريكاردو بأنه "ساحر"، وكان يرسل للنساء صوراً له في أماكن مختلفة، مثل قمرة القيادة في طائرة مرتدياً زي الطيار، وأخرى وهو يرتدي زي حارس أمن، وواحدة وهو يجري عملية جراحية، حتى أنه أرسل صورة له وهو يعزف على مزمار القربة مرتدياً التنورة الاسكتلندية.
كما أرسل لهن صورة شخصية تحمل لافتة مكتوبة بخط اليد تقول "صباح الخير، أحبك" باللغة البولندية، وأخرى "أتمنى لك يوماً سعيداً" باللغة الفرنسية، مع رسم قلب حب.
ومع مرور الوقت، بدأت مجموعة من النساء في كشف شبكة أكاذيبه. فقد اكتشفت إحداهن أنه كان يخونها بعد فتح سجل متصفحه واكتشاف الحسابات التي كان يديرها لشخصياته المتعددة. كما اكتشفت ضحية أخرى أنه كان يرسل صوراً لوالدة ابنته الرضيعة، مما دفعهن للكشف عن ممارساته الملتوية.
وظهرت امرأة في المقطع الدعائي للفيلم عنه، تقول إنها وجدت حوالي 20 رسالة مع "عدة نساء"، وعندما سُئلت ضحية، وهي طبيبة نفسية مؤهلة، عن سبب تصديقها لحكاياته المشكوك فيها، قالت: "كان من المناسب لي ألا أفهم الكثير".
وفقاً لـ Screen Daily، توصلت صانعة الفيلم إلى فكرة الإنتاج بعد أن كانت صديقتها ضحية احتيال حب.
ودفعت هذه الأفعال الصحفية سونيا كرونلوند إلى تعقب الرجل الغامض ومواجهته في محاولة لفهم الدوافع وراء تصرفاته.
وتساءلت كرونلوند عما إذا كانت ضحاياه يمتلكن ملفاً تعريفياً مشتركاً، وأرادت العثور على هذا الرابط لفهم كيف بدأت خدعته الجماعية. وفي نهاية المطاف، نجحت في تعقب ريكاردو إلى شقة بالقرب من كراكوف، حيث تمكنت من إجراء محادثة معه.
وفي إطار الإنتاج الوثائقي، تلعب الممثلات دور بعض النساء اللواتي وقعن ضحية لرفيقهن المزعوم، لكن المثير في هذا العمل هو أن الجمهور لا يعرف من هو "الحقيقي" ومن هو الممثل حتى انتهاء العرض، مما يضيف عنصراً من التشويق والغموض حول هويته الحقيقية.