المهرية.. لغة قديمة يحتفل بها اليمنيون ومهددة بخطر "الانقراض"
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
عدن الغد /متابعات
يحتفل اليمنيون بيوم اللغة المهرية، الذي يبدأ في الثاني من أكتوبر كل عام ويستمر لعدة أيام، في محاولة لإحياء واحدة من أقدم اللغات السامية الجنوبية الحديثة وتسليط الضوء على أهميتها التاريخية والإنسانية.
وذكرت دراسة أجريت في جامعة "ساينس" الماليزية أنه توجد ندرة كبيرة في المعلومات حول اللغات القديمة في الجنوب العربي، لكن تم اكتشاف عدد من اللغات، ومنها المهرية، من خلال النقوش الموجودة في مناطق مختلفة في شبه الجزيرة العربية.
واللغة المهرية هي إحدى اللغات الست المعروفة مجتمعة باسم لغات جنوب الجزيرة الحديثة، وهي المهرية، والسقطرية، والحرسوسية، والشحرية، وهوبيوت، والبطحرية، وفقا لموقع بريل الأكاديمي.
ويتحدث اللغة المهريون الذين يعيشون في مناطق معزولة في شرق اليمن، خاصة في محافظة المهرة، ومنطقة ظفار غرب عمان، ويعيش عدد قليل منهم في السعودية بالقرب من الحدود بين اليمن وعمان، وكذلك في الكويت والإمارات، وفقا لموقع أكاديميك أكسيليراتور.
وبحلول القرن الـ19، عاش المتحدثون بها شمالا حتى وسط عمان. وليس لهذه اللغة تقليد في الكتابة، ولم تكن معروفة للأوروبيين إلا منذ القرن الـ19، وفقا لبريل.
ولاتزال المهرية تستخدم كلغة عامية يتحدث بها عشرات الآلاف من المتحدثين في المهرة باليمن وظفار بعمان وفي جزيرة سقطرى، بحسب الدراسة.
ويزعم أهل المهرة أنهم ينحدرون من نسب شخصية تاريخية، وهو مهرة بن عمرو بن حيدان، وتم استخدام اسمه نظرا لشخصيته القوية ذات الشعبية وتأثيره على أهل من يسكنون المناطق الجنوبية والشرقية من الجزيرة العربية، وفقا للدراسة.
وقبل انتشار اللغة العربية مع الإسلام في القرن السابع الميلادي، كان يتم التحدث بالمهرية في جنوب شبه الجزيرة العربية بشكل أساسي. لكن اللغات الجنوبية السامية بدأت تختفي في الجبال والصحاري والجزر اليمنية والبحر العربي ومنطقة ظفار.
والعدد الإجمالي للمتحدثين باللغة المهرية غير معروف، وتختلف التقديرات قليلا، ومن المحتمل أن يكون العدد على الأقل 130 ألفا، ويعيش أكثر من نصف هذه المجموعة في اليمن، بحسب "بريل"، بينما تقول اليونسكو إن العدد يصل إلي ٩٩٩ ألف شخص.
ونظرا لهيمنة اللغة العربية في المنطقة على مدار الـ 1400 عام الماضية، فإن المهرية معرضة حاليا لخطر الانقراض، حسبما تصنفها اليونسكو، وذلك رغم غناها الثقافي والأدبي.
وتعرضت المهرية لنفس مصير العديد من اللغات القديمة التي تراجعت بسبب الحداثة والتحضر الاجتماعي، وفقا لما ذكرته دراسة أجرتها رئيسة قسم اللغة في جامعة ليدز، جانيت واتسون، والباحث العماني، عبدالله المهري.
وأشارت الدراسة إلى أنه يوجد أوجه تقارب بين اللغة المهرية واللغة العربية الفصحى لكن متحدثيها لا يفهمون بعضهم. وعلى سبيل المثال، فإن لفظ "بعير" في اللغة المهرية، وهو نوع من الإبل، له معني إيجابي عندما يستخدم كناية لوصف الرجل قوي البنية.
وأوضحت الدراسة أنه حتى سبعينات القرن العشرين، عاش العديد من المتحدثين باللغة المهرية في الخيام الكهوف الخشبية، وكانوا يعملون في رعي الجمال والماعز والصيد والتجارة، لكن الآن فقد أصبح معظم هؤلاء يعيشون في مجتمعات حضرية ويدخلون المدارس ويتعلمون اللغة العربية بها.
وبشأن استمرار اللغة الأمهرية حتى الآن وعدم اندثارها تماما مثل باقي اللغات، ذكرت دراسة جامعة "ساينس" الماليزية، أنه توجد عدة عوامل ساعدت في الحفاظ على المهرية وتحديدا في الجزء الجنوبي من الجنوب العربي.
ومن هذه العوامل أن منطقة المهرة تقع أيضا بعيدا عن مراكز اللغة العربية الفصحى ولهجاتها، حيث تبعد المهرة مسافة طويلة جدا عن أقرب هذه المراكز، وهي المدن الحضرمية والحجاز، وهذه المسافة تغطيها صحاري واسعة وجبال عالية وسهول ووديان عميقة.
والأطعمة الأساسية لشعب المهري هي اللحوم، والأسماك في المناطق الساحلية.
وكان هذا أيضا عاملا رئيسيا في استمرار بقاء القبائل معزولة عن الأحداث الخارجية وتأثيرات التغيير. ولم تكن هناك ظروف ملحة تجبرهم على الاختلاط مع الغرباء، وحتى إذا اضطر رجال القبائل للذهاب لقضاء بعض المشتريات خارج أراضيهم، فإن حوارهم سيكون محدودا للغاية، وبالتالي لم تخضع اللغة لتغييرات.
كما أن الأطعمة الأساسية لشعب المهري هي اللحوم، والأسماك في المناطق الساحلية، والمحاصيل الموسمية، وكان هذا أيضا عاملا رئيسيا في استمرار بقاء القبائل معزولة عن الأحداث الخارجية وتأثيرات التغيير.
ولم تكن هناك ظروف ملحة تجبرهم على الاختلاط مع الغرباء، وحتى إذا اضطر رجال القبائل للذهاب لقضاء بعض المشتريات خارج أراضيهم، فإن أحاديثهم تكون محدودة للغاية، وبالتالي لم تخضع اللغة لتغييرات.
(الحرة)
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: اللغة المهریة اللغة العربیة
إقرأ أيضاً:
لغز الانقراض العظيم: كيف أدى موت النباتات إلى احتباس حراري أبدي؟
قضى "الانقراض العظيم" على 90% من الحياة على الأرض، لكن ما تلاه كان أخطر. دراسة جديدة تكشف أن السبب لم يكن فقط البراكين. اعلان
قبل نحو 252 مليون عام، تعرّض كوكب الأرض لأقسى ضربة بيئية في تاريخه، فيما يُعرف بحدث "الانقراض العظيم"، الذي أباد قرابة 90% من أشكال الحياة على سطح الأرض. لكن ما حيّر العلماء طويلاً لم يكن فقط حجم الفقد، بل ما تلاه من موجة حر قاتلة استمرت 5 ملايين سنة دون انقطاع، حتى بعد توقف النشاط البركاني المسؤول عن الكارثة الأولى.
الآن، وبعد عقود من الأبحاث، يقول فريق دولي من العلماء إنهم توصّلوا إلى تفسير لهذه الظاهرة، بفضل "كنز" من الحفريات النباتية تم جمعه على مدى أجيال في الصين. وتكمن الإجابة، على نحو مفاجئ، في انهيار الغابات الاستوائية.
الدراسة التي نشرت في مجلة "Nature Communications"، لا تكتفي بحل لغز جيولوجي عمره ملايين السنين، بل تحمل تحذيراً صارخاً لمستقبل البشرية، في ظل تسارع التغير المناخي الناجم عن حرق الوقود الأحفوري.
انقراض شامل... واحتباس لا ينتهي
شكل الانقراض العظيم نهاية العصر البرمي، وهو أسوأ الانقراضات الخمسة الكبرى التي مرت بها الأرض. وقد تزامن مع نشاط بركاني هائل في منطقة "مصائد سيبيريا"، أدى إلى انبعاث كميات ضخمة من ثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى، ما تسبب بارتفاع حرارة الأرض، وانهيار الأنظمة البيئية، وموت أعداد لا تحصى من الكائنات البحرية والبرية، وتحوّل المحيطات إلى بيئات حمضية قاتلة.
لكن ما لم يكن مفهوماً هو سبب استمرار الظروف المناخية المتطرفة لفترة طويلة بعد توقف الانفجارات البركانية.
يقول الباحث زين شو، من جامعة ليدز البريطانية، وأحد المشاركين في الدراسة: "مستوى الاحترار كان غير مسبوق، ويتجاوز أي حدث آخر معروف".
بعض الفرضيات السابقة كانت تشير إلى أن الاحتباس الحراري قضى على العوالق البحرية التي تمتص الكربون، أو غيّر كيمياء المحيطات بشكل أعاق قدرتها على تخزين الغازات الدفيئة (الغازات التي لها خاصية امتصاص الأشعة تحت الحمراء). إلا أن الفرضية الجديدة، التي قدّمتها جامعة ليدز البريطانية بالتعاون مع جامعة الصين لعلوم الأرض، تطرح تفسيراً مختلفاً: انهيار الغابات الاستوائية غيّر معادلة الكوكب.
Relatedدراسة تحذر: الاحتباس الحراري يضاعف قوة الأعاصير الأطلسيةللحد من الاحتباس الحراري.. فيتنام تحاول تخفيض انبعاثات غاز الميثان الناجم عن زراعة الأرزارتفاع مستويات الميثان: هل يمكن أن يكون ذلك استجابة الطبيعة لظاهرة الاحتباس الحراري؟النبات اختفى... فانهار التوازن
يؤكد بن ميليز، أستاذ تطور النظم البيئية في جامعة ليدز وأحد معدّي الدراسة، أن "الانقراض العظيم فريد من نوعه، لأنه الوحيد الذي شهد موتاً جماعياً للنباتات".
لإثبات ذلك، استخدم الباحثون قاعدة بيانات ضخمة من الحفريات النباتية والصخرية تم جمعها في الصين على مدى عقود، ما أتاح لهم إعادة بناء خرائط لأنواع النباتات التي كانت تعيش على سطح الأرض قبل وأثناء وبعد الانقراض. ووصف ميليز هذه الخرائط بأنها "أول من نوعها في التاريخ".
وأظهرت النتائج أن فقدان الغابات قلّل بشكل كبير من قدرة الأرض على امتصاص الكربون، ما أدى إلى بقاء مستويات مرتفعة منه في الغلاف الجوي لفترة طويلة. فالغابات ليست فقط "مخازن طبيعية" للكربون، بل تساهم أيضًا في عمليات التجوية الكيميائية التي تسحب الكربون من الغلاف الجوي.
يقول ميليز: "عندما تموت الغابات، يتغيّر النظام الكربوني بأكمله. يتوقف امتصاص الكربون، وتتعطل الدورة بين الجو والمحيطات واليابسة، فترتفع حرارة الأرض بشكل كارثي".
تحذير من المستقبل
من جهته، يرى مايكل بينتون، أستاذ علم الحفريات في جامعة بريستول، أن ما تكشفه الدراسة يمثل "نقطة تحوّل حاسمة في تاريخ الأرض". وقال في تصريح لشبكة "سي إن إن": "غياب الغابات يُحدث خللاً كبيرًا في دورة الأوكسجين والكربون، ويمنع دفن الكربون، مما يُبقي نسب ثاني أكسيد الكربون مرتفعة لفترات طويلة".
وأضاف: "هناك "تأثير عتبة" (threshold effect). إذا خسرنا الغابات، لا يعود التعافي البيئي ممكنًا في الأفق الزمني الإيكولوجي".
وهذا ما يثير قلق العلماء بشأن الحاضر. فمع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وازدياد إزالة الغابات المدارية بفعل النشاط البشري، يخشى الباحثون من تكرار سيناريو مشابه لما حدث قبل 252 مليون سنة.
وبحسب ميليز، فإن ما يثير القلق هو أن الاحتباس الحراري قد يستمر حتى لو توقف البشر عن انبعاث الكربون بالكامل، بسبب فقدان "آليات التوازن الطبيعي" التي تتحكم بالمناخ.
هل هناك أمل؟
يشير فريق الباحثين إلى بصيص أمل ضئيل، يتمثل في أن الغابات المدارية الحالية قد تكون أكثر مقاومة للحرارة من نظيراتها في العصر البرمي، نتيجة ملايين السنين من التطور. لكن هذا لا يمنع، بحسب ميليز، من اتخاذ الدراسة على محمل الجد.
ويختم قائلاً: "هناك نقطة تحوّل واضحة. إذا سخّنا الغابات المدارية أكثر مما تحتمل، فإننا نعرف تمامًا ماذا سيحدث... ولدينا سجل جيولوجي يشرح ذلك بدقة. والنتيجة ستكون كارثية".
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة