◄ العيدروس: عُمان تزخر بإرث تاريخي وثقافي غني يستحق أن يُسجّل على "القائمة العالمية"

◄ نُثمِّن جهود "اليونسكو" في حماية وصون التراث الطبيعية والثقافي في أرجاء العالم

◄ نجاح باهر للسعودية في تنظيم الاجتماع العالمي على مدار 15 يومًا

◄ التعاون بين السعودية وعُمان ومصر عزز من التأثير العربي على القرارات

◄ إدراج 47 موقعًا جديدًا على قائمة "اليونسكو" للتراث العالمي

1199 عنصرًا من 168 دولة مُدرجة على قائمة "اليونسكو" للتراث العالمي

◄ تسجيل موقع "تل السلطان" الفلسطيني على قائمة اليونسكو "إنجاز تاريخي"

 

الرؤية- خاص

أشاد سعادة المهندس محمد بن يوسف العيدروس رئيس الوفد السعودي في لجنة التراث العالمي الـ45 الموسعة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" بدور سلطنة عُمان في تعزيز أدوار المنظمة الدولية ودعم جهود حماية التراث العالمي.

وقال العيدروس- في حوار خاص تنشره "الرؤية"- إن سلطنة عُمان تزخر بإرث تاريخي وثقافي غني يستحق أن يُسجّل على "القائمة العالمية"، مثمنًا في الوقت ذاته جهود السلطنة خلال اجتماع الدورة الحالية التي عُقدت في المملكة العربية السعودية خلال سبتمبر الماضي، وحققت فيها المملكة نجاحًا باهرًا في تنظيم الاجتماع العالمي على مدار 15 يومًا.


سعادة المهندس محمد بن يوسف العيدروس

وأشاد العيدروس بجهود "اليونسكو" في حماية وصون التراث الطبيعية والثقافي في أرجاء العالم. وشدد العيدروس على أن المملكة العربية السعودية مُلتزمة ببناء وتسهيل المزيد من المنصات الدولية للتعاون المفتوح والابتكار، لافتًا إلى أن التعاون بين السعودية وعُمان ومصر عزز من التأثير العربي على القرارات خلال اجتماعات هذه الدورة.

وإلى نص الحوار..

 

 

** من خلال رئاستكم لوفد المملكة العربية السعودية في لجنة التراث العالمي.. كيف تنظرون إلى دور سلطنة عُمان في لجنة التراث العالمي؟

سلطنة عُمان قامت وتقوم بدور فعّال من خلال عضويتها في لجنة التراث العالمي ولديها 5 مواقع على قائمة التراث العالمي، إضافة إلى عدد من المواقع على القائمة التمهيدية، وهي تتمتع بإرث تاريخي وثقافي غني ويستحق أن يُسجّل ضمن الموروث الإنساني العالمي؛ مما يسهم في تنمية السياحة الثقافية العُمانية والعربية. ويسرني أن أتوجه بالشكر للوفد العُماني وأخص بالذكر رئيس الوفد ومندوب السلطنة الدائم لدى اليونسكو سعادة الدكتور حمد الهمامي إلى لجنة التراث العالمي؛ حيث كان هناك تعاون وتنسيق وموائمة بين الوفد السعودي والوفد العُماني والوفود العربية الشقيقة حيال القرارات المطروحة وملفات الترشيح، وقد انعكس ذلك على ظهور الدول العربية بصورة مشرفة كدول داعمة للحفاظ على التراث العالمي؛ كونها تتمتع بوجود الكثير من الأصول الثقافية والتاريخية والأثرية والتراثية.

 


 

** لاحظنا خلال الفترة الماضية توجه المنطقة لاستضافة الفعاليات العالمية بعد أن كانت حكرًا على دول معينة.. ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لكم؟

نجحت كل القطاعات الثقافية في المملكة في استقبال الحدث الثقافي العالمي من خلال تنظيم فعاليات الدورة الـ45 الموسعة للجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو، والتي عُقدت في الفترة من 10- 15 سبتمبر الماضي بالرياض. ويأتي ذلك في ظلِ دعمٍ غير محدودٍ تحظى به القطاعاتُ الثقافيةُ من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله، والتي تعكس الزخم المتصاعد الذي حققته خطة التحول الثقافي المنبثقة عن رؤية "السعودية 2030" والتي دعت إلى تعزيز التنوع الثقافي والتنمية الاجتماعية والثقافية من خلال الاستثمار في القطاعات الثقافية والعلمية والسياحية.

 

** ما الذي يمكن أن تُضيفه هذه الاجتماعات إلى الأجندة الإقليمية والسعودية بشكل خاص؟

نُثمِّن جهود منظمة اليونسكو، وكافّة المراكز الدولية للإسهام في حماية وصون التراث الطبيعي والثقافي في أرجاء العالم، وإطلاق الممكّنات التنموية للتربية والثقافة والعلوم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ونعتبر هذه الدورة استثنائية بامتياز؛ فهي أهم تجمع ثقافي عالمي تُعتمد فيه المواقع التي تُسجل في قائمة التراث العالمي في اليونسكو. والمملكة تفتخر باستضافتها لهذه الدورة التي تم التحضير لها في فترة قياسية وبجاهزية عالية، فهي أول دورة تنعقد حضوريًا بعد فترة انقطاع لسنوات طويلة؛ الأمر الذي جعل عدد ملفات الترشيح المقدمة 50 ملفًا وهو رقم قياسي على مستوى الدورات السابقة. إضافة إلى الأعمال والملفات الأخرى التي نوقشت في هذه الدورة، ولذا تم تمديد فترة هذا الاجتماع لتكون 15 يومًا بدلًا عن 10 أيام، وقد نجحت المملكة نجاحًا باهرًا في إعداد وتنظيم هذا الاجتماع العالمي في فترة قياسية مما أبهر الحضور والوفود المشاركة وأظهر مدى استعداد المملكة لاستضافة كبرى الفعاليات والمؤتمرات العالمية وبكل جدارة اقتدار ونتطلع لاستضافة اكسبو 2030.

وباعتبارنا مضيفين، فقد قام الوفد السعودي بالترحيب بالوفود المشاركة ومناقشة سبل تقديم الدعم لملفاتهم والتنسيق مع الدول الأعضاء والجهات الاستشارية وأمانة لجنة التراث العالمي بشأنها للوصول إلى صيغ توافقية ملائمة من النواحي الفنية بهدف الوصول إلى الهدف الأسمى وهو المحافظة على التراث الثقافي العالمي وحمايته وعرضه بأفضل الوسائل الممكنة مع الالتزام بالمعايير العالمية المتبعة في هذا المجال.


 

وقد شارك في هذه الدورة 195 من الدول الأعضاء والجهات الاستشارية والمنظمات غير الربحية ذات العلاقة واليونسكو مثلها أكثر 3000 ممثل ومشارك ومراقب، وقد رحبت بهم حكومة المملكة العربية السعودية ومؤسساتها الداعمة، حيث أتيحت لنا الفرصة لمشاركة ثراء الثقافة والضيافة والتراث السعودي مع العالم.

وتُظهر استضافة الدورة الخامسة والأربعين الموسعة للجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو الزخم المستمر لخطة التحول الثقافي في المملكة العربية السعودية لرؤية "المملكة 2030"، والتي تدعو إلى التنوع الاقتصادي، وتشجع التنمية الاجتماعية والثقافية. ولا شك أن عقد مثل هذا الحدث الكبير، الذي يتضمن التنسيق العالمي بشأن المحافظة على التراث العالمي، وخصصت اللجنة المنظمة مكانًا رئيسيًا للمؤتمرات على مساحة 4450 مترًا مربعًا يتسع لنحو 4000 مشارك- أكبر مكان خالٍ من الأعمدة في المملكة، ومساحة إضافية تشمل 3 قاعات ومواقع للمعارض لاستقبال أكثر من 37 فعالية جانبية، ومعرضًا على مدار أسبوعين، وأكثر من 60 برنامجًا ثقافيًا وجولات إرشادية لتزويد الضيوف بتجارب فريدة في التراث والثقافة والتقاليد والاحتفالات السعودية.

 

** في ضوء ما تمخضت عنه أعمال الاجتماعات.. ما أبرز نتائج هذه الدورة؟

تكمن أهمية هذه الدورة في أننا أكدنا مجددًا التزام المملكة ببناء وتسهيل المزيد من المنصات الدولية للتعاون المفتوح والابتكار والحوار بين المختصين في هذا المجال، حيث قدمت المملكة مشروع قرار إلى لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو خلال أعمال دورتها الـ45 الموسعة التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض يقترح تشكيل مجموعة عمل مفتوحة تضم كل من يرغب من الدول التي اعتمدت اتفاقية 1972 ويهدف القرار إلى قيام هذه المجموعة بدراسة التوازن في قائمة التراث العالمي لإعطاء أولوية للدول التي ليس لديها مواقع أو الأقل تمثيلا على القائمة؛ حيث تم اعتماد مقترح المملكة بالإجماع والتوصية بأن يشكل فريق العمل المفتوح برئاسة السعودية بما يرشحها لقيادته بغض النظر عن استمرارها أو عدمه كعضو في لجنة التراث العالمي.

وأودُ الإشارة هنا إلى أن هذا الحدث كان له وقع على المستوى الإقليمي؛ حيث أظهر اهتمام الدول العربية بالتراث العالمي وتعاونها مع المجموعات الأخرى على مستوى قارات العالم للحفاظ على الموروث العالمي للأجيال القادمة؛ إذ إن الدول العربية- ممثلة في اللجنة من خلال وفد المملكة العربية السعودية ووفد سلطنة عُمان ووفد دولة قطر ووفد جمهورية مصر العربية- تفاعلت باحترافية عالية وتنسيق وتعاون مع باقي الوفود حيال دعم الملفات والوصول إلى توافقات بشأن المواضيع المطروحة للنقاش؛ مما رفع مستوى الوجود والتأثير العربي على القرارات، وهو ما أكسب المجموعة العربية التقدير والشكر على الجهود المبذولة والتي ساعدت في نجاح الاجتماع.

وقد أدرجت اللجنة في دروتها لهذا العام 47 موقعًا جديدًا في قائمة اليونسكو للتراث العالمي ووافقت على توسيع مساحة 5 مواقع، حيث تحظى هذه المواقع بأعلى درجات الحماية المخصصة للتراث العالمي، ويمكنها أيضًا الاستفادة من فرص جديدة للمساعدة التقنية والمالية التي تقدمها اليونسكو، ويرتفع بذلك العدد الإجمالي للعناصر المدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي إلى 1199 عنصرًا من 168 بلدًا.


 

ونظرت لجنة التراث العالمي في حالة صون 263 موقعًا من المواقع المدرجة أصلًا في قائمة التراث العالمي. وشارك في أعمال هذه الدورة للجنة التراث العالمي التي عُقدت في الرياض ممثلون عن الدول الـ195 الأطراف في اتفاقية التراث العالمي، وكذلك ممثلون عن 300 منظمة تقريبًا من منظمات المجتمع المدني، وقد فكر هؤلاء الممثلون في كيفية التصدي للصعوبات العالمية الكبيرة التي يواجها التراث من اضطرابات مناخية أو تنمية حضرية أو ضغط ديموغرافي أو نزاعات مسلحة أو سياحة جماعية.

وعرضت اليونسكو أيضًا دراسات وحلولًا مبتكرة من أجل الصون والإدارة وإذكاء وعي الجمهور، مثل مشروع "الغوص في ثنايا التراث" الذي سوف يتيح لعموم الجمهور من هنا وحتى عام 2025 استكشاف مواقع التراث العالمي عبر الإنترنت.

وخُصِّص تمويل دولي بقيمة إجمالية تبلغ 336000 دولار أمريكي لـ6 مواقع للتراث العالمي تقع في كوت ديفوار وغانا ومصر وهايتي وجزر مارشال وسري لانكا، بغية دعم قيام مشاريع محلية للصون؛ وقد استفاد أكثر من 30 موقعًا من مثل هذه المساعدات المالية خلال عامَي 2022- 2023 التي زاد مجموعها عن مليون دولار أمريكي.

 

** ما تعليقكم على إدراج عددٍ من المواقع العربية على قائمة التراث العالمي لـ"اليونسكو"؟

بالفعل أزاحت هذه الدورة الستار عن العديد من المواقع؛ إذ يُعد الوطن العربي موطنًا للتراث الغني والتنوع الثقافي ووجهة تتضمن العديد من المواقع التراثية المؤهلة للتسجيل في قائمة التراث العالمي، التي تمثل حضارات عريقة دلت عليها الاكتشافات الأثرية الحديثة، فهي تضم 93 مواقعا للتراث العالمي لليونسكو. كما حققت المملكة مكسبًا كبيرًا بإدراج اللجنة خلال هذه الدورة "محمية عروق بني معارض"، والتي تقع على الحافة الجنوبية الغربيّة للرُّبع الخالي، وتضم عددًا من التشكيلات الأرضية والمواطن الفطريّة الطبيعية لقائمة التراث العالمي، وتمثل أول موقع تراث عالمي طبيعي في المملكة يسجل على قائمة التراث العالمي.

ولا يسعنا في المملكة العربية السعودية إلّا أن نُهنئ الأشقاء في دولة فلسطين بالإنجاز التاريخي بتسجيل موقع "تل السلطان" الفلسطيني في قائمة للتراث العالمي وقد جرت عملية تسجيله بسلاسة وبالإجماع، والتهاني أيضًا موصولة للأشقاء في تونس بإدراج موقع " جزيرة جربة" ضمن قائمة التراث العالمي، كما أن نُهنئ أنفسنا في المملكة بتسجيل "محمية عروق بني معارض" ضمن قائمة التراث العالمي؛ لتنضم إلى 6 مواقع سعودية مُدرجة سابقًا على قوائم لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: المملکة العربیة السعودیة فی قائمة التراث العالمی فی لجنة التراث العالمی للتراث العالمی هذه الدورة فی المملکة من المواقع الثقافی فی على قائمة من خلال التی ت موقع ا

إقرأ أيضاً:

فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

ـ السائل يقول: هل يوجد فرق فـي الاطمئنان القلبي بين الذي طلبه إبراهيم عليه السلام «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى لكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» والاطمئنان الذي أراده الحواريون عندما طلبوا مائدة من السماء « قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا»؟

الذي نص عليه كثير من المفسرين أن الذي طلبه الحواريون من نبينا عيسى عليه السلام من إنزال المائدة عليهم إنما أرادوا به فعلا طمأنينة قلوبهم لينتقلوا بإيمانهم إلى درجة اليقين، والعلم الضروري بأن عيسى عليه السلام مرسل من ربه، وأن الذي أيد به من معجزات هي من عند الله تبارك وتعالى، وهذه الطمأنينة هي من حيث النوع الطمأنينة ذاتها التي طلبها إبراهيم حينما سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، إلا أن الدرجة لا شك تختلف، فإبراهيم عليه السلام هو خليل الرحمن وعلى هذا فلا يتصور إلا أنه أراد اليقين الكامل التام، وأما هم فهم المؤمنون الأنصار لعيسى عليه السلام وهم الحواريون فإن درجة اليقين إنما هي بحسب منزلتهم، فكل بحسب منزلته لكن من حيث نوع الطمأنينة المطلوبة هي من جنس برد اليقين الذي ينشدونه من اليقين الذي ينتقلون به إلى العلم الضروري الذي يتحصل لهم دون نظر وتأمل، وهذا مما نص عليه جمهور أهل العلم فـي تفسيرهم لهذه الآية الكريمة خلافا لما ذهب إليها الزمخشري ومن تابعه وهم الأقل.

لكن هذا ليس هو محل سؤال السائل لأن هذه الآية الكريمة فـيها جملة من المواضع المشكلة التي ناقشها المفسرون لكن محل سؤال هذا السائل الذي وصلنا اليوم إنما هو عن هذه الجزئية، والفرق بين الاطمئنانين هو فـي الدرجة، فإبراهيم عليه السلام هو خليل الرحمن واليقين الذي ينشده هو فـي الكيفـية، فهو يريد أن يتعرف على شيء يكشف له من عالم الغيب يتعلق بكيفـية إحياء الموتى، أما ذات اليقين وأن هذه الطمأنينة التي عبر عنها

حينما أخبرنا القرآن الكريم بأن الله عز وجل قال له: «قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَال بلا ولكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» فدرجة اليقين التي تتحصل لإبراهيم الخليل عليه السلام ليست كدرجة اليقين التي تتحصل لغير الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فالاختلاف فقط إنما هو فـي الدرجة لكن من حيث الذات فمطلوب حواريي عيسى عليه السلام كان هو طمأنينة القلب مع معاني أخرى عبروا عنها: «قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ»

فهم طلبوا ذلك وبيّنوا هذه المقاصد فـي طلبهم من عيسى عليه السلام إنزال المائدة حينما قال لهم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين فبيّنوا أنهم إنما يفعلون ذلك لرغبتهم فـي التيمّن والتبرك بمائدة تنزل عليهم من غير عالمهم،

ينزلها عليهم المولى الكريم ليأكلوا منها ثم بيّنوا العلة الثانية وهي لتطمئن قلوبهم فصرحوا بذلك تصريحا أنهم يريدون أن ينتقلوا من عالم المادة والمحسوسات بخوارق العادات بالمعجزات التي أجريت على يد عيسى عليه السلام أنهم يريدون أن ينتقلوا إلى آية أخرى يشهدونها ويكونون عليها من الشاهدين، ولذلك أضافوا «وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا» أي علم اليقين لا بحسب ما رأيناه فقط من معجزات تقدمت وإنما ننتقل من هذه المرحلة التي تحصلت لنا بنظر واستدلال أن هذه المعجزات لا يستطيعها إلا نبي مرسل من عند الله تبارك وتعالى، فآمنا نحن نريد أن ننتقل بإيماننا إلى درجة اليقين، ثم نكون بعد ذلك شاهدين نبلغ من وراءنا، هذه هي الاعتبارات الأربع التي نص عليها بنو إسرائيل والله تعالى أعلم.

ـ يقول السائل: أحيانا ينشر بعضهم تسجيلا معينا بأنه رأى نورا معينا أورثه درجة من اطمئنان، وأن هذا النور أيضا صعد به إلى مكان عال فوجد شجرة وفـيها اسم شيخه الذي يتلقى منه المعرفة والعلم ثم يبشر بذلك ويجزم ويحلف بأنه فعلا تحقق له هذا الأمر، تتوسع أحيانا مثل هذه الأفكار وتنتشر خاصة مع وسائل التواصل الحديثة إلى درجة التشكيك فـي المعتقد أحيانا، إلى درجة الانتقالات الشديدة غير المنطقية من عقيدة إلى أخرى، فما تفسيركم لهذا الموضوع؟

هذا ليس بالأمر الحادث وليس بالأمر الجديد، فقد نص العلامة السيد محمد رشيد رضا فـي تفسيره المنار فـي هذا الموضع بالذات، وحكى قصتين مما يتعلق بخوارق العادات فـي عادات الناس ومألوفهم، وهو يشير بذلك إلى موقف الناس من هذه القضايا بالماديات معطل لكل ما يمكن أن يكون خارقا للعادة، وبين من يبالغ فـي هذه الجوانب ويجعلها علامة على الولاية والكرامة وحسن الاستقامة والتدين ويسعى إلى أن يجعلها غاية يتوصل بها بأي طريقة كانت، وهو يقول: إن تاريخ الأمم وأحوال الشعوب وهذه المواقف كانت فـيهم، وأن ذلك هو الذي دفع بحواري عيسى عليه السلام إلى طلب مائدة من السماء، ولذلك قالوا ولنكون عليها من الشاهدين وذكر حكايتين لا حاجة إلى إطالة الحديث بهما، يمكن أن يرجع إلى تفسيره فـيهما، وفـي الحكاية الثانية يشير إلى أن بعض ما يظنه الناس أنه من خوارق العادات، أو ما يمكن أنه يجري عند بعض الناس على أنه من الكرامات، إنما هو بإعداد وترتيب وتهيئة، وإن لم يعلمها أكثر الناس، يعني ذكر فـيها جانبا من الكشف أن أحدا ممن يظن أنه من العباد الأولياء أصحاب الكرامات أنه دعا آخر يظن به مثل ذلك وكان كل واحد منهما يريد أن يكتشف ما عند صاحبه من سر، فأخذ المضيف ضيفه إلى جولة ثم زار شيئا من مقابر المسلمين، ثم أخذا يستريحان وقد أنهكهما التعب، فقال له: هل تريد طعاما؟ قال: نعم، قال: فلو جئتك بطعام ساخن قد أعد للتو؟ قال: كيف يكون ذلك إلا لمن هو من أهل الكرامة؟ فمد يده، فـي التراب وأخرج له طعاما ساخنا، من كرش حشيت بالأرز واللحم، والتي طبخت لتوها، فأكل منها فبلغ هذا الموقف بالضيف مبلغا كبيرا ثم تبين أنه كان قد أمر خادمه أن يعد الطعام، وأن يدسه فـي التراب على صفـيح بحيث لا يصيبه شيء من التراب، فـي موضع اتفق عليه، وأوهم صاحبه أن ذلك إنما هو من الكرامة، الحاصل أن السيد رشيد الرضا أيضا يقول: لم أتبين ما الذي كان عند الضيف مما كان يريد ذلك أن يطلع عليه، وهو يقول: إن ذلك كان فـي أوائل طلبه للعلم.

فالحاصل أن هذا الجدل فـيما يتعلق بمثل هذه القضايا الموقف الصحيح منه هو موقف الاعتدال، فـيمكن أن يجري الله تبارك وتعالى ابتلاءً لعباده، شيئا مما لم يألفوه، فإن ثبت فلا حاجة إلى تكلف رده، كما أنه أيضا لا حاجة إلى أن يضفى عليه من الهالات ومن الأوصاف ما يخرج به عن حقيقته، فهو فـي كل الأحوال فتنة من الله عز وجل وابتلاء. والله تعالى أعلم.

ـ السائلة تقول: ما حكم الوضوء بعد وضع كريم واق من الشمس؟

هناك من يقول: إنه يمنع وصول الماء رغم أن هذا الكريم عادي تمتصه البشرة، وهذا هو الأقرب أن أكثر هذه الأدهان والكريمات المستعملة خفـيفة لا تشكل جرما يمنع وصول الماء إلى الأعضاء، فإن كان الحال كذلك فإنه لا يؤثر على الوضوء مع التنبيه على أهمية تبين أن تكون المواد التي صنعت منها هذه الأدهان والكريمات مواد طاهرة، وإلا فإن مبعث التحريم قد يكون سببا آخر وهو نجاسة هذه المواد، أما من حيث عزل الماء فإن ما كان يشكل جرما ثقيلا على البشرة ويمنع وصول الماء فإنه هو الذي لا يصح أن يكون قبل الوضوء، فإذا كان طاهرا فلا مانع من استعماله بعد الوضوء، أما إذا كان ليس بذي الجرم، وإنما هو دهان له مسامات يصل الماء إلى الأعضاء من خلالها فهذا لا حرج فـي استعماله قبل الوضوء والله تعالى أعلم.

ـ ما صحة الحديث الذي ورد فـي صحيح مسلم عن سمر بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسمين غلامك يسارا، ولا رباحا، ولا نجيحا، ولا أفلح، فإنك تقول أثم هو، فـيقول لا» ما صحة هذا الحديث؟

فـيما يبدو أن الحديث صحيح ولكن أكثر أهل العلم على أن النهي عن التسمي بهذه الأسماء إنما هو من باب كراهة التنزيه لأن العلة ذكرت فـي هذا الحديث، فسمر بن جندب حينما ذكر هذه الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر معها أن هذا يمكن أن يدخل سوء ظن عند الناس، إذ من عادة الناس الفأل الحسن،

فـيكون مثل هذا الجواب مدعاة لضد ما يرجون، فـيمكن أن يدخل عليهم الشيطان بوساوسه وأوهامه، وفـي بعض الروايات الأخرى أن النهي عن التسمي بمثل هذه الأسماء لما تحمله من تزكية قد لا توجد عند المسمى بها، لكن الحاصل حتى يطمئن السائل أن أكثر أهل العلم على أن النهي عن هذه الأسماء من باب كراهة التنزيه لا كراهة تحريم. والله تعالى أعلم.

ـ ما تفسير هذه الآية الكريمة « لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِم وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا» كيف يُسأل الصادقون عن صدقهم؟

هذه الآية الكريمة جاءت بعد قول الله تبارك وتعالى: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا» وللمفسرين أقوال فـي معنى قوله جل وعلا ليسأل الصادقين عن صدقهم أشهر هذه الأقوال قولان: إن المقصود هم النبيون الذين أخذ الله تبارك وتعالى عليهم الميثاق المذكور فـي الآية قبلها:

« وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ» ثم خص بالذكر أولي العزم من الرسل قال ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأكد هذا بقوله «وأخذنا منهم ميثاقا غليظا»، وهذا الميثاق هو ميثاق الدين بالإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الخاتم وتصديقه ونصرته لتؤمنن به ولتنصرنه.

إذن فالميثاق الذي أخذه الله تبارك وتعالى على أنبيائه ورسله الكرام عليهم الصلاة والسلام هو تبليغ هذا الدين وأداء هذه الرسالة ونصرة دين الله تبارك وتعالى، والتصديق والإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته إن أدركوه، فقال بعد ذلك ليسأل الصادقين عن صدقهم، قلت أشهر هذه الأقوال قولان القول الأول أنهم النبيون فـيسألون عن صدقهم هو اسم مصدر بمعنى التصديق عن استجابة أقوامهم لهم عمن تلقى عنهم الرسالة وبلغتهم الدعوة تبكيتا للكفار، فإن الله تبارك وتعالى أعلم بأحوال عباده.

وقيل: إن السؤال لكل من يصدق عليهم وصف الصدق، قال: « لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ» هل كانت استجابتهم لأنبيائهم ورسلهم استجابة حقيقية، هي استجابة امتثال والتزام لأمر الله تبارك وتعالى؟ وهذا هو القول الثاني.

مقالات مشابهة

  • اليابان يأمل في إدراج مشروب الساكي التقليدي ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى جامعة الدول يعزي شيخ الأزهر
  • التقويم الاقتصادي أداة التحليل الفعّالة للمستثمرين
  • السودان يشارك في أعمال الدورة 118 للمجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتنمية الإدارية
  • السعودية تعلن إعدام مواطنين بتهم منها انضمام لإرهابيين لارتكاب تفجير داخل المملكة
  • بإجمالي استثمارات 1.2 مليار ريال ومستهدف مبيعات 1.5 مليار ريال: ماونتن ڤيو السعودية تعلن عن تفاصيل مشروع ون ماونتن ڤيو بالرياض أولى مشروعاتها في المملكة
  • في يوم اللطف العالمي.. قائمة الشخصيات الملكية الأكثر لطافة في العالم
  • مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُطلق برنامج “شهر اللغة العربية” بمملكة تايلند
  • المملكة تستضيف الأمانة العامة للشعبة العربية لخبراء الأسماء الجغرافية