نصر عبده يكتب: علموا أولادكم أن نصر أكتوبر عيد
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
علِّموا أولادكم أن نصر أكتوبر عيد يجب الاحتفال به، علموا أولادكم أن نصر أكتوبر أعاد إلينا العِزَّة والكرامة، علموا أولادكم أن نصر أكتوبر رفع رأس العرب جميعًا عالية، وجعل الجميع يُباهي بما شَهِد من بطولات، علموا أولادكم أن نصر أكتوبر كان من أجْلِهم ومن أجل من سبقهم، ومن أجل من سيخلفهم، علموا أولادكم أن نصر أكتوبر لم يأتِ بالرخيص وإنما كلفنا الغالي والنفيس، وأغلى ما كان فيه شهداء فارقونا وضَحَّوا بحياتهم لنحيا نحن مرفوعي الهامة.
علموا أولادكم أن المصري أبدًا لا يُفرِّط في أرضه، أبدًا لا يبيع تراب وطنه، أبدًا لا ينكسر ولا يترك معنوياته لهوى هذا أو ذاك، إنما يتحكم فيها ويقويها دائمًا، ويأخذ بيدها في الكبوات حتى تكون السند الرئيس له في تحقيق النصر. علموا أولادكم أن جيش مصر لا يُقهر.. لا يُهزم.. لا يستطيعه أحد مهما كانت قوته ومهما جَيَّش من عَتاد وعُدَّة وأسلحة، فمقاتله هو خير أجناد الأرض، هو مَن سالت دماؤه من أجل أن يحفظ العَرِين، هو من فاضتْ رُوحه من أجل أن يصون الأرض والعِرْض والكرامة.
علموا أودلاكم أن العدو قد تساعده الظروف، قد يقف معه الأقوياء، قد يشعر بأنه لا يُقهر.. لكن حتى وإن وصل غروره عَنان السماء.. لم ولن يسلب المصري شِبرًا من أرضه.
علموا أولادكم أن العدو حلم كثيرًا بضم سيناء إلى كنفه بعد ما حدث في 1967، وظن الاحتلال الإسرائيلي أنه بعد حرب الأيام الستة كما أطلق عليها لن يترك سيناء أبدًا، وبدأ في بناء وتشييد القلاع والحصون، ولم يعرف أو تناسى أنه يُحارب خير أجناد الأرض، الذين كبَّدُوه وبأقل القليل خسائر في الأفراد والعتاد، ليعلن أبطال الجيش المصري، بأنهم قادمون للأبد.
علِّموا أولادكم أن الاحتلال الإسرائيلي لم يعِ أن الجيش المصري أبطال عِظام كما صوَّرتهم الأساطير وحَكَت عنهم الحكايات.. مقاتلون يرفضون الهزيمة.. يبغضون الانكسار أو الاستسلام.. لا يعرفون إلا النصر أو الشهادة.. لا ينحنون إلا لوجه الله تعالى.. هاماتهم تصل عَنان السماء.. لا يبتغون سوى عِزَّة وكرامة ونصر وطنهم، ولا يلجؤون إلا للعزيز الجبار، طالبين منه العون والمدَد.
علموا أولادكم أن أبطال القوات المسلحة المصرية عندما ردَّدوا الله أكبر.. الله أكبر.. زلْزَلوا الأرض تحت أقدام الجميع، وبثُّوا الخوف في قلوب العدو، وأحاطوه رعبًا وذُعرًا، وجعلوه يعيش أحلك أيامه، وأَجْبروا العالَم على احترام وتقدير وإجلال المقاتل المصري.
علِّموا أولادكم أن يُوجِّهوا التحية لهؤلاء الأبطال الذين أرعبوا ويرعبون وسيُرعبون أعداء مصر في أي مكان وفي كل وقت، علِّموا أولادكم أن يوجهوا تحية إجلال وتقدير لكل من حَرَّر الأرض وصان العِرْض، وعبر على جثث وأشلاء أعداء مصرنا الغالية ليرفع رايتها خفَّاقة، علموا أبناءكم أن جيش مصر يعبر بشعبها دائمًا وأبدًا إلى برِّ الأمان، وأنه يُقدِّر ويُجِل قيمة الأوطان والذَّوْد عنها.
علموهم أن يوجهوا التحية إلى كل أبطالنا ممَّن تصدَّوا لشرار الناس في مختلف العصور. علموا أولادكم أن يرددوا دومًا ويقولوا: "تحية لأبطال مصر وفرسان أكتوبر فوق الأرض وتحت الأرض وفي عَنان السماء.. تحية لكم يا خير أجناد الأرض.. منا إليكم الإجلال والإعزاز والتقدير".
سعلموا أولادكم أن يقولوا ويتغنوا في كل وقت ويُردِّدوا: اسلمي يا مصر إنني الفدا.. ذي يدي إن مدت الدنيا يدًا.. أبدًا لن تستكيني أبدًا.. إنني أرجو مع اليوم غدًا.. ومعي قلبي وعزمي للجهاد.. ولقلبي أنتِ بعد الدين دين.. لكِ يا مصر السلامة.. وسلامًا يا بلادي.. إن رمى الدهر سهامه.. أتقيها بفؤادي.. واسلمي في كل حين.. أنا مصري بناني من بنى.
علموا أولادكم في الذكرى الخمسين لانتصارات أكتوبر أنَّ مصر وطن يعيش فينا، ويسري في عُروقنا مسرى الدَّم، وأبدًا لن تنهزم.. أبدًا لن تنكسر.. أبدًا لن تنحني.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حرب أكتوبر نصر اكتوبر
إقرأ أيضاً:
مصطفى الشيمي يكتب: شبه أبيه
اسمي حمزة... أبعث بهذه الكلمات إلى كل من عرفني أو غاب عني؛ علّها تصل إلى من نسيته، أو من غيبه الزمن عن حياتي. لعل في قصتي ما يلمس شيئًا دفينًا في نفوسكم، فما مررت به لم يكن يومًا حكايتي وحدي.
منذ نعومة أظافري، عشت مع أمي وأخي بعد أن افترق والداي؛ انفصالًا بدا وديًّا في ظاهره، لكنه كان عاصفًا في أعماقه. لم يكن زواجهما طبيعيًا، فقد جمعهما دم القرابة، وكم قيل إن زواج الأقارب يحمل معه اضطرابات لا تُحتمل، وقد كان نصيبي أن أعيش في ظل ذلك الاضطراب.
بعد الطلاق، تحولت أمي إلى كتلة من القسوة لا تعرف اللين. كنت أحتمل صمتها وغضبها، وأحتسب ألمها عند الله، مستذكرًا وصايا البر وطاعة الوالدين. ظننت أنني السبب، أنني ربما كنت عاقًّا دون أن أدري، أو عبئًا أثقل روحها. لكنني كنت، كلما نظرت إلى أخي شريف بما يصدر عنه من عقوق، أدرك أنني أمامه كنت كالملَك الطاهر.
كان لشريف الغرفة المُطلة، ولي الغرفة الداخلية. له الثياب الجديدة، ولي ما ضاق عليه. كان يتلذذ بطعام طازج، بينما كنت أبحث في بقايا المطبخ عن فتات الأيام. حاولت مرارًا الهروب إلى أبي، لكن زوجته كانت ترفضني خشية أن أكون جسرًا يعود به إلى أمي.
شريف كان الابن المدلل، والأكثر شبهًا بأمي. أدمن المخدرات، وكانت أمي تعلم لكنها لم تعترض. أما أنا، حين شمّت رائحة السجائر على ملابسي ذات يوم، انهالت عليّ ضربًا وسبابًا ودعاءً ثقيلًا. لم يكن التمييز مقتصرًا على الهدايا، بل تعداه إلى المشاعر. كانت تمنحه القطعة الكبرى من اللحم، وتجلب له أثمن الثياب والعطور، فيما كانت ملابسي من سوق الجملة، وكأنني لقيط لا يمت لها بصلة. وحين أصاب شريف المرض ورسب في امتحاناته، كانت تردد دون ملل او رحمة : "كان أحقّ منك بمقعدك في الجامعة."
تحملت... وصبرت بصمت. ظننت أنني أدفع ثمن الوحدة، ثمن الطلاق، ثمن الغياب الذي خلّفه والدي في حياتها.
أتذكر يوم كسرتُ فنجان قهوتها المفضل؟ لم يكن القصد، كانت يداي المرتعشتان أضعف من أن تحمل ثقل الخزف. نظرت إليّ كمن يرى فيّ وصمة عار، لا مجرد خطأ. صفعتني أمام الزوار، ثم ألقت بي إلى البرد القارس خلف الباب، أطرق وأبكي حتى ابتلت ثيابي.
وفي عيد ميلادي، لم تهنئني. لم تنسَ التاريخ، لكنها تعمدت أن تنساني. أما يوم ميلاد شريف، صنعت له كعكة وزينت البيت قبل شهر من يومه. أما يومي فمرّ كأنه لعنة سقطت سهواً في تقويمها. لم أسمع "كل سنة وأنت طيب" إلا من جارة طيبة القلب.
حين مرضتُ ذات شتاء، واشتدت عليّ الحمى، توسلت إليها أن تجلس بجانبي. قالت ببرود: "أنا مش فاضية لدلّعك." تركتني أرتجف وحدي، بينما كانت تطهو حساءً دافئًا لشريف وتضحك معه خلف الأبواب المغلقة.
وذات يوم، في السابعة عشرة من عمري، سُرق هاتفي في المدرسة. عدت مرتجفًا، لا خوفًا على الهاتف، بل من ردّة فعلها. جلست أمامها أشرح، لكنها صرخت في وجهي: "أكيد انت اللي بعته! زيّك زي أبوك، كذاب وبتاع حِيَل!" ثم ألقت حذاءها تجاهي، وأغلقت باب الغرفة بالمفتاح، وتركتني محبوسًا لساعات.
وفي مرة أخرى، تعرضت لمضايقة من أحد الصبية في الشارع. دافعت عن نفسي، وعدت بعين دامية. لكنها لم تسأل عن الجاني، بل حكمت عليّ بجفاء ، وقالت : "عمر الطيبين ما حد يمد إيده عليهم." لم تكن تبحث عن الحقيقة، كانت تبحث فقط عن ذنب تثبت به أنني لا أستحقها.
وذات ليلة، بعد مشادة مع شريف، نظرت إليّ وقالت، بهدوء يخترق العظام: “أنتوا الاتنين ولادي، بس هو ابني اللي بجد. أما أنت، فكلما نظرت إليك، شعرت أنك باقٍ مني غصبًا عني.”
ثم جاءت الجملة التي كشفت لي ظلام السنين، حين قالت لي، كمن يزيح عن كاهله سرًا ثقيلًا: “لو لم يكن شريف موجود ، فأنا متأكدة أنك كنت ستفعل بي كما يفعل أبناء دور المسنين... أنت تشبه أباك في الملامح، في الطباع، في كل شيء. وكلما نظرت إليك، تذكرت كل ما كسرني.”
حينها فهمت ما ذنبي ! لا شيء... سوى أن ملامحي تشبه أبًا كرهته، فصرتُ أدفع الثمن كل يوم . كنت مرآتها، ترى فيّ هزيمتها، فكسرتني كي لا ترى كسرها.
وربما جاءت هذه السطور لتبوح بألمي، لأن كثيرين مثلي يكتمون صرخاتهم. فما لا يُقال، يظل ينخر أرواحنا بصمت. فإن كنت مررت بما يشبهني، فاعلم أنك لست وحدك. وإن لم تمر، فادعُ لحمزة... ذاك الذي كان “شبه أبيه”