يوم الانتصار.. من الانكسار إلى الانتصار.. كيف عبر المصريون هزيمة 67 إلى نصر 6 أكتوبر 73.. نضال كبير قدمته الأسرة المصرية لاستعادة أرض الوطن
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
"ليس لدينا أى شيء.. أى شيء مع إسرائيل سوى الحرب.. حرب شاملة، هدفنا هو تدمير الأسطورة الإسرائيلية التى تقول إن إسرائيل باقيةٌ هنا، كل واحد من بين المائة مليون عربى قد عاش مدة الـ ١٩ سنة الماضية على أملٍ واحدٍ ووحيد وهو: أن يموت ليعيش وأن يعيش ليموت فى اليوم الذى يتم القضاء على إسرائيل".. هكذا اشتهر المذيع أحمد سعيد، صاحب الصوت الأشهر فى العالم العربى وإذاعة صوت العرب، وهو يُمعن فى الحشد الجماهيرى للحرب ضد إسرائيل، إلا أن كثيرين فى الوطن العربى لم يتوقعوا أن ينكسر العرب وليس مصر وحدها فى نكسة ٦٧.
وقد أرخت دائرة المعارف البريطانية خسائر الدول العربية فى الصراع أنها "كارثية"، وبلغ حجم الخسائر البشرية فى مصر أكثر من ١١ ألفا والأردن ٦ آلاف وسوريا ألف مقابل ٧٠٠ فقط لإسرائيل، إضافة إلى خسائر فادحة فى الأسلحة والمعدات فى الجيوش العربية، مما أدى إلى إحباط معنويات كل من الجمهور العربى والنخب السياسية.
ولكن سرعان ذلك ما تبدد خلال حرب الاستنزاف وبعد إعلان الشعب المصرى للرئيس عبدالناصر برفضه للتنحي، واستكمال المسيرة لاستعادة الأرض والعرض وأنه زعيم للعرب وليس فقط رئيسا للمصريين، وخلال ٦ سنوات فقط استعادت مصر أرضها فى انتصار ١٩٧٣، ولم يكن الانتصار حربيا أو عسكريا فقط، لكن كان انتصار للعزيمة والقوة فى ظروف معاكسة، واستطاع المصريون العبور من مشاعر الانكسار إلى مشاعر الانتصار.
هجرة واكتئاب وأمراض نفسيةكشف الدكتور على النبوى أستاذ الطب النفسى جامعة الأزهر، أن نكسة ٦٧ أثرت فى الشعب المصرى بعد إصابتهم بصدمة معرفة الحقيقة، ففى الطب النفسى هناك ظاهرة "التعلق العاطفى بشيء ما" والمصريون كانوا محصورين نفسيا بالتعلق بسيناء، وهذا الحب انكسر بعد هزيمة ٦٧، وأثرت النكسة على المصريين فمنهم من هاجر ومنهم من أصابه الاكتئاب ولقد أرخت السير الذاتية هذه الحقبة وتأثيرها النفسى.
وأضاف أستاذ الطب النفسى فى تصريحات لــ "البوابة نيوز" أن المجتمع عاش الانكسار بمشاعر كبيرة ليست فقط تعنى الخسارة ولكنها الصدمة من تلقى واقع أن صورة الجيش القوى والعقيدة الصحيحة قد انهزمت من عدوها اللدود، وهى تعنى صدمة القهر فى الطب النفسي، حيث تلقى الخبر ببشاعة، والإحساس بمشاعر الخذلان، وفقد الثقة، مما أثر على حياتهم الخاصة والعامة.
وضرب النبوي، مثالًا بما رواه الدكتور الراحل أحمد شوقى العقباوى من مشاعر الاكتئاب الشديدة الذى عاشها الجيل المعاصر للنكسة، وأن الأسر كانت تُسمى أبناءها باسم الزعيم جمال عبدالناصر، تيمنًا بالقوة ومن بعد الهزيمة شعر المصريون بفقدان الثقة خاصة بما بثته الإذاعة والصحف من انتصار مزيف. وأوضح النبوي، أن مشاعر اللذة والانتصار لا يشعر بها الإنسان إلا بعد مشاعر الانكسار والانهزام، فطعم السكر طوال الوقت لا يمكن أن يشعر به اللسان إلا بعد ذوق الملح، لافتًا إلى أن المصريين استطاعوا التعافى من الاكتئاب وصدمة النكسة بعد الإعداد للحرب، وشعورهم بالمقاومة وأن حروب الاستنزاف نصر جديد للاستشفاء. وأضاف أنه بعد انتصار ٧٣، وفترة حرب الاستنزاف استعاد المصريون تعلقهم العاطفى بالنصر، وتوج نصر أكتوبر فى يوم لا ينسى تناقلته الأجيال حتى الآن فهو نصر متوارث، والاحتفال به يعيد الذكريات مرة أخرى وكأنها حقيقة تعاش للمرة الثانية، ولفت إلى أن ظاهرة "إعادة معايشة الحدث" فى الطب النفسى يعيشه جيل أكتوبر مهما مرت من ذكريات حتى لو ٥٠ عامًا، وأن تأصيل النصر من خلال السير الذاتية والاعلام والدراما أمر مطلوب، مشيرًا لفيلم "الرصاصة لا تزال فى قلبى " الذى وثق حالة الانكسار فى ٦٧ وحالة الانتصار فى ٧٣.
المساندة المجتمعيةفى سياق آخر أكدت الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بعين شمس، أن الشعب المصرى قام بالمساندة المجتمعية للأهالى والأسر المهجرة من مدن القناة بورسعيد والسويس وغيرها، حيث استضافت المحافظات هذه الأسر والعائلات فى منازلها وكان السائقون لا يأخذون أجر التوصيل، بعد ما حدث فى نكسة ٦٧، وانكسار أهالى مدن القناة بعد احتلال جزء من أرضهم وبيوتهم.
وأضافت "خضر" لــ البوابة نيوز"، أن الشعب كان يتعاون أثناء الإعداد للحرب، بحملات لم الشتات وعودة المجهود الحربى وإعداد الجيش عسكريا، من خلال التبرعات العينية والمادية.
وقالت أستاذ علم الاجتماع أن الأسر المصرية أثرت الوطن على الأبناء، فكان هناك أبناء وحيدون لأهاليهم يشاركون فى الحرب تطوعيًا ولم يقتصر الدور على الشباب دون النساء، حيث لعبت النساء والسيدات دورا مهما للمؤازرة المجتمعية وخروج الشعب من حالة الانكسار من خلال التطوع فى الصليب الأحمر وتوزيع المياه على الجنود، وتحية الجنود فى الشوارع وتشجيع أبنائهم فى الجيش، إضافة إلى تلقى أخبار الاستشهاد بالفرح، حتى أن هناك أسرا قدمت أولادها جميًعا لخدمة الوطن.
ولفتت أستاذ علم الاجتماع إلى حفلات أم كلثوم وغيرها من المطربين لصالح المجهود الحربي، وعلى الرغم من غياب سلع استراتيجية كثيرة مثل الأرز والسكر والفراخ، إلا أن المصريين لم ييأسوا من خوض الحرب والانتصار بها.
وكشفت د سامية خضر عن مواقف تعرض بنفسها لها أثناء نكسة ٦٧ حيث كانت طالبة بالجامعة وشعرت هى وزملاؤها بشعور سيئ بعد النكسة، ولم يكن يتوقع الشعب أن كل ماسمعه من الإعلام عن انتصارات هو وهم، وهو ماتسبب فى صدمة أكبر حين معرفة الحقيقة وواقع الهزيمة، وكانت الصدمة وقعها كبير لأن وضع مصر أيضًا بين الوطن العربى كان كبيرًا.
وأشارت إلى أن المصريات قمن بالتبرع بالذهب لصالح تسليح الجيش ولم شتات الهزيمة، وأضافت أن لحظة إعلان الرئيس جمال عبدالناصر التنحى واجهها المصريون برفض التنحى وكأنه رفض للهزيمة ذاتها، وطالب الشعب المصرى عبدالناصر وقتها باستكمال المسيرة والإعداد للحرب، ثم جاء السادات بعده ليستطيع بدهاء فرض الانتصار بشكل مفاجئ قلب كل مشاعر الهزيمة والانكسار إلى انتصار. فيما أوضحت أ.د هبة عابدين مستشار بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن الشعب المصرى استطاع تجاوز مشاعر الانكسار بسهولة على عكس المتوقع خاصة يوم ٦ أكتوبر بعد ماشهدته الدولة بعدم تسجيل جريمة واحدة فى الأقسام الشرطية، وكأن مساندة الشعب يومها كاملة الانشغال بالحرب، وأن الإعلام لعب دورا فى تأصيل المساندة المجتمعية بحث المواطنين على التبرع بالدم وغيره فى المستشفيات والتجمع على مشروع وطنى واحد.
دور الإعلام من الانكسار إلى الانتصار
أكدت الدكتورة هبة عابدين مستشار بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، لــ "البوابة نيوز"، أن الإعلام لعب دورا مهما فى رفع نفسية المصريين والعرب خلال الفترة مابين نكسة ٦٧ وانتصار ٦ أكتوبر ٧٣.
وأوضحت د هبة عابدين فى تصريحاتها، أن الإعلام تأثر بالمتغيرات المجتمعية بعد النكسة وأيضًا لعب دورا مهما فى التأثير على المجتمع للإعداد للحرب، ورفع الروح المعنوية ونفسية الجمهور. وأضافت أن مصادر الإعلام فى نكسة ٦٧ كانت أولية ووحيدة، فبالتالى المعلومات لم تكن دقيقة وسرعة الوصول إلى المعلومات وإيصالها لم تكن بالسرعة المطلوبة، وكان المواطنون يعتمدون بشكل أساسى على الإذاعة والصحف، وانتشر التليفزيون على حدود ضيقة وكان يتحكم حارس البوابة فى إرسال المعلومات وإيصالها للجمهور.
ولفتت إلى انكسار الإعلام بعد نكسة ٦٧ وعدم ثقة الجمهور فى رسائله، ولكن سرعان ما استطاع الإعلام دوره وثقة الجمهور من خلال تلافى المسئولين لما حدث سابقًا، واستعادة نفسية المصريين تدريجيًا.
وقالت عابدين : " لعب الاعلام دورا مهما فى رفع روح الجنود والمصريين أن النكسة مجرد معركة ولم نخسر الحرب بعد"، مشيرة إلى أن استخدام مصطلح "النكسة" جاء على عكس المتوقع وأكد على أنها مجرد كبوة ولم يتم خسارة الحرب، واستطاع الإعلام الحشد العسكرى والجماهيرى نحو الحرب واستعادة الأرض مرة أخرى.
وأكدت أستاذ البحوث الاجتماعية والجنائية أن تغطية الاعلام للمعارك العسكرية ومرافقة الجنود أثر على مصداقية ما يبث وينشر، وحفظ معنويات الجيش والشعب وجعل الشارع المصرى يتساءل دوما عن موعد الحرب، وكان ذلك له تأثير نفسى واجتماعى جيد.
كما أن الدراما بالمسلسلات وإبراز الجهد العسكرى فيما بعد الانتصار أعاد للمصريين ثقتهم بأنفسهم، فأدوار البطولة فى مسلسلات مثل "رأفت الهجان" و"دموع فى عيون وقحة"، أبرزت الأدوار الخفية التى كانت القيادات تقوم بها فى سبيل الإعداد للحرب، وتأصيل شعور الانتصار فى معارك أخرى غير معلنة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: إسرائيل انتصار ١٩٧٣ حرب الاستنزاف الشعب المصرى الانکسار إلى الطب النفسى دورا مهما من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
الكوارث الطبيعية والحروب وتأثيرها على عمل الإعلام في السودان
تقرير خاص سودانايل: قد لا يوجد تأثير مباشر للفيضانات والجفاف على عمل الإعلام بشكل واضح كما في حالة الحروب لذلك نجد أن الإعلام في معظمه يتم في نطاقات خارج دائرة كوارث الفيضانات والجفاف... فالفيضان في السودان في الغالب يؤثر على نطاق محدود هو النطاق النيلي وخاصة الزراعي، وعلى المساكن في الولايات الكبرى مثل الخرطوم التي تبنى بشكل غير مخطط... من المعروف أن مدن ولاية الخرطوم (العاصمة) وطوال امتداد حرب الجنوب وحرب دارفور ظلت تستقبل اعدادا معقولة من النازحين اضطر معظمهم للسكن في حرم الأنهار وفي مساكن ليست بها أدنى مقومات القدرة على الصمود.هنالك تأثير يمكن أن يكون مباشر على قطاع واسع من العاملين في الإعلام نتيجة تساقط الأمطار والسيول في مناطق سكنهم فغالبية الصحفيين يسكنون في مدينة الصحفيين وهي منطقة بعيدة من وسط الخرطوم تم توزيع أراضيها على مجموعة كبيرة من العاملين في الإعلام والصحافة حيث تتقطع بهم السبل أثناء السيول والأمطار لأنها منطقة سكنية منخفضة تتجمع فيها مجاري السيول التي تجرف المنازل أحيانا ولا توجد بها خدمات متكاملة مثل الاحياء في وسط الخرطوم.
أما الجفاف فهو يعتبر كارثة ماحقة في السودان لأن تأثيره يمتد لسنوات وهو أكبر مسبب لموجات النزوح وغالبا ما يؤثر على أنماط الإنتاج وعمليات الاستقرار في المدن الكبرى لأنه يدفع بالكثير من سكان القرى الذين يفقدون وسائل سبل كسب معيشتهم وينزوحون للمدن الكبرى مما يؤثر على الاستقرار وتتزايد على الأثر معدلات الجريمة... بالإضافة الي أنه ينقل طابع الريف للمدن وقبيل الحرب الحالية كان يصدق القول على مدينة الخرطوم أنها عاصمة تم ترييفها وبالتالي تأثرت كل أشكال الخدمات فيها بما في ذلك الإعلام.
التغطية الاعلامية لقضايا البيئة والمناخ
معروف ان الإهتمام بقضايا البيئة يرتبط بمستوى الوعي الجمعي.. كما أنه يرتبط أيضا بمعدلات الفقر، ولما كانت نسبة الفقر مرتفعة للغاية نتيجة للتشوهات الاقتصادية فإن عملية الإهتمام بالبيئة يظل أمر ثانوي جدا بالنسبة لمتخذي القرار ويمكن هنا أن نلاحظ ظاهرة في منتهى الخطورة البيئية وهي تنامي انشطة ما يسمى بالتعدين الأهلي وهو من أكثر النشاطات الضارة بالبيئة وقد غضت الدولة نظرها عن هذه الظاهرة ولم تعمل على مكافحتها بل بالعكس وجد التعدين العشوائي للذهب تشجيع مبطن وأحيانا ظاهرا من الدولة خاصة في الولاية الشمالية ونهر النيل وولاية جنوب كردفان وأحدث إستخدام السياني والزئبق خسائر وأضرار بشرية مباشرة خاصة على المعدنين أنفسهم. وقد كان تناول الإعلام لهذه الظاهرة تناولا شكليا في بعض التغطيات المتفرقة وهي تغطية خجولة لا ترقى لمستوى بث الوعي المجتمعي ناهيك عن مكافحة الظاهرة.. ويعزى ذلك لتوجهات الحكومة في عهد الرئيس السابق عمر البشير الذي لم يكن فيه الإعلام يتمتع باي قدر من الحرية.
دور الإعلام في التوعية بالتغيّر المناخي
من المفترض أن يلعب الإعلام دوراً مهماً تبصير المجتمع وارسال رسائل تحذيرية للمواطنين لأنه شريك في عملية إدارة الكوارث بكل مراحلها وعليه تقع مسئولية التبصير والتوجيه من خلال ما يبثه من رسائل تحذيرية أو تطمينية، ولكن بكل أسف توجد فجوة كبيرة بين خبراء الحد من مخاطر الكوارث والاعلامييين خاصة الاعلام الرسمي من اذاعات وتلفزيون وقنوات فضائية والذي بكل أسف جل اهتمامه هو البعد السياسي ولا توفر الدولة أية امكانيات مادية أو بشرية للاعلام البيئي أو تدرب اعلاميين متخصصين في المجال البيئ.
فالإعلام في السودان للأسف الشديد اعلام غير متخصص ويركز جل اهتمامه على القضايا السياسية اليومية وبالرغم أن قضية التغير المناخي في السودان قضية مهمة وقد تأثرت به معظم ولايات البلاد الا انه لم يلق الإهتمام والتغطية الاعلامية الكافية.. ونجد على سبيل المثال أن عملية التغيرات المناخية أثرت على معظم ولايات السودان تأثيرا كبيرا خاصة في النواحي الزراعية والحيوانية، إلا أن الإعلام اهتم أكثر بإفرازات الظاهرة كالحرب والقبائل المؤثرة والمتأثرة بها أكثر من الولوج لعمق الظاهرة المتمثل في التغيرات المناخية.
الإعلام ودوره في تسليط الضوء على العلاقة بين النزاعات والضغوط البيئية (مثل النزاع على الموارد؟)
يعتبر السودان نموذج للدولة التي تجري فيها النزاعات على الموارد بشكل كبير فمعظم النزاعات التي نشبت في السودان كان عنوانها الابرز مرتبط بقسمة الموائد وذلك لأن السلطة السياسية في السودان ذات طابع مركزي وتهيمن على معظم واردات الأقاليم، ولا تقوم بعمليات تنمية حقيقية لتلك المناطق المنتجة للموارد الطبيعية ويعزى ذلك لعامل أساسي وهو طبيعة السلطة القابضة التي تتطلب انفاقا أمنيا متزايدا.. وهذا الأمر بالتحديد ما حدى بالكثير من الجماعات على التمرد على الدولة وحمل السلاح.. في مثل هذه البيئة بالتأكيد يصعب الحديث على فكرة استدامة الموارد لذلك ظل الطابع العام هو استنزاف الموارد لا إستدامتها.
الممارسة الصديقة للبيئة في عمل المؤسسات الإعلامية
لا توجد اي ممارسات جيدة مستقرة أو أي نظام SOP Standing Operations Procedures لعمل الإعلام فيما يلي التعامل مع البيئة، ونتيجة لكثرة انقطاع التيار الكهربائي فإن معظم الصحف في السودان لديها مولدات كهرباء خاصة بها ومعظم هذه المولدات قديمة ومتهالكة وربما تشتريها المؤسسة الاعلامية بعد أن يكون قد تم استخدامها من قبل second hand وهذه المولدات تعمل على انبعاث ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير وهو احد اكبر عوامل التلوث في السودان وهذا يشمل أيضا كل مؤسسات الدولة العامة والخاصة.
في الآونة الأخيرة وخاصة أثناء هذه الحرب اتجهت معظم الصحف التي لم تتوقف عن الصدور لأن تكون صحف إلكترونية وهذه في حد ذاتها تطور إيجابي لأن الصحف الالكترونية لحد كبير صديقة للبيئة ولا تستخدم الطاقة بصورة كبيرة.
الإعلام ودوره الهام في مرحلة ما قبل وبعد الكارثة
للاعلام دوره الهام قبل وحدوث الكوارث الطبيعية والحروب فقبل وقوع الكارثة يلعب الاعلام دورا هاما في التبصير بأبعاد الكارثة وكيفية تلافيها والحد منها باتباع الارشادات المطلوبة وهذه الخطوة من شأنها تعزيز قدرات أفراد المجتمع وجعلهم ذا مرونة وقدرة عالية لمواجهة الكارثة.
أما دور الإعلام أثناء الكارثة له أهميته القصوى في الحد من الخسائر في الأرواح والممتلكات والتخفيف من حالات الصدمات النفسية وبث الأمن والطمأنينة وتهدئة الرعب والخوف في النفوس وإزالة عوامل الفزع مع إبراز أهمية دور النفير والتطوع وظهر ذلك جليا في الدور الهام الذي قامت به (التكايا) أثناء هذه الحرب وهي عبارة عن موائد أطعام تكفل بها بعض المواطنين خاصة من ابناء السودانيين بالخارج وبعض الميسورين من الداخل ولا زالت تقوم بها من تقديم وجات غذاء متكاملة للمواطنين الذين فقد معظمهم كل ما يملكون من ممتلكات واصبحوا لا يملكون قوت يومهم وقد ساهمت هذه الموائد كثيرا في تخفيف المعاناة عن المواطنين بل انقذت أرواح العديد من المواطنين من الموت جوعا خاصة وسط الاطفال والنساء وظهر ذلك جليا من خلال الطوابير الطويلة التي يقفها المواطنين انتظارا لدورهم في الحصول على وجبة، كما شملت (التكايا) برامج ترفيهية وتنويرية مثل الغناء والمسرح وألعاب للاطفال مما خفف كثيرا على المواطنين.
كان من المفترض أن يلعب الاعلام دورا حاسما في التصدي للشائعات السالبة من طرفي الحرب وتنوير المواطنين بحقيقة ما يحدث بكل تجرد، وأثناء هذه الحرب تلاحظ انقسام الإعلام إلى طرفي نقيض، طرف يعمل بموضوعية وتحرى الدقة والشفافية في نقل المعلومة من مصادرها الأصلية وتوخي البعد الإنساني في نقل وتحليل الأخبار ومراعاة المصلحة الوطنية وهو طرف بكل اسف محدود ومنبوذ من طرفي الحرب ومطارد وملاحق ومغلوب على أمره وقد دفع بعض الصحفيون أثمانا غالية نتيجة لذلك بل تعرض بعضهم للاغتيال والسجن والتعذيب ومصادرة ممتلكاته وبعضهم دفعت أسرهم الثمن خاصة الذين يعملون من خارج السودان، وطرف اخر من الاعلاميين ينساق ويسوق ويصور حسب ما تمليه عليه الجهة التي تخدمه وتصرف عليه وتوفر له الحماية والامتيازات وهذا الطرف بكل اسف يقدم خدمة مضللة لا علاقة لها بالاعلام ولا بالمهنية ولا بالاخلاق وهنا تكمن الكارثة ويدفع ثمن ذلك المجتمع أرواحا وممتلكات.
أما دور الاعلام المفترض بعد الكارثة هو شحذ الهمم والتعافي النفسي لدى الفرد والمجتمع الذي هو في امس الحاجة لذلك لتجاوز اثار الكارثة والإنتقال من مرحلة الدمار النفسي والعيني الى التماسك والإعمار وهذا الدور ضعيف جدا أو يكاد يكون معدوما بكل أسف ونأمل أن يلعب الاعلام دوره هذا عقب انتهاء الحرب والتي لا يظهر في الافق ما يشير إلى قرب انتهاءها.