حبا الله دول الخليج خيرات كثيرة، جعلتها مطمعا لكثير من الدول في التجارة والعلاقات السياسية والمصالح المشتركة، وحبا الله عُمان خيرات عميمة ميزتها عن بقية دول الخليج الأخرى، فخيرات هذا البلد العظيم لم تقتصر على المواد الخام والطبيعة المتنوعة من بر وبحر وسهل وجبل، وغاز ونفط ورخام وصخور نادرة ثمينة، بل امتدت لتشمل التاريخ التليد والمتفرد لهذه البقعة المميزة من هذا العالم الفسيح.
قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
بِالعِلمِ وَالمالِ يَبني الناسُ مُلكَهُمُ
لمَ يُبنَ مُلكٌ عَلى جَهلٍ وإقلالٍ
المتأمل في هذا البيت يجد فيه حقائق يمكن إسقاطها على الأمة، كما على الفرد الواحد فيها، وكلما نظرت فيه وتفكرت، طاف بي الخيال والحلم الذي لا يندرج تحت الأوهام السرابية التي لا يمكن تحقيقها، بل مما هو مأمول مرجو حصوله لبلدنا العظيم. والمتأمل في الواقع التاريخي للأمم التي سبقتنا، قديمها وحديثها؛ يجد مآثر وأسبابا جعلت منها نجوما مضيئة في فلك التاريخ ودارسيه. كما يجد لكل أمة من الأمم السابقة واللاحقة نقاطا اشتركت فيها جعلتها باقية مذكورة ننتفع بما خلَّفته من إنجازات شاملة تمتد من الثقافة إلى الاقتصاد.
وكلما قرأت عن تاريخ حضارة عظيمة أو بارزة، أجد لها من الآثار ما أتمناه لموطني لخلوده ورفعته. نقف اليوم على قمة هرم عال، وفي مضمار لا منافسة فيه رغم ما له من أثر يتجاوز الحاضر ليشمل المستقبل نفسه، أعني بذلك المشاريع التي يمكن أن تكون ولا منافسة فيها بعد من قبل الدول الناطقة بالعربية جميعها. تتمثل إحدى هذه المشاريع التي أؤمن أنها لو تحققت ستظل خالدة تُذكر في الصفحات المضيئة للتاريخ، وسيشمل نفعها كل ناطق باللغة العربية. وهو مشروع ليس بجديد في العالم، ولكنه جديد وجدير بأن يكون لأمتنا العربية الكبيرة. يعرف هذا المشروع باسم «The Great Books» أي الكتب العظيمة، وعنوانها الكامل «Great Books of the Western World». وللتعريف بها وكي لا أنحت تعريفا من عندي، أقتبس بتصرف من الصحيفة الإخبارية الإلكترونية اليومية «اليوم السابع» في معرض حديثها عن موسوعة الكتب العظيمة للعالم الغربي، هي سلسلة من الكتب التي نشرت في الولايات المتحدة عام 1952، لتقديم كتب تحتوي على أفكار رائعة في مختلف مجالات الحياة، في مجموعة مكونة من 54 مجلدا، وكانت تغطي العديد من الفئات بما في ذلك «الخيال، والتاريخ، والشعر، وعلم الطبيعة، والرياضيات، والفلسفة، والدراما، والسياسة، والدين، والاقتصاد، والأخلاق. وكان لدى المحررين الأصليين ثلاثة معايير لإدراج كتاب في السلسلة: يجب أن يكون الكتاب ذا صلة بالمسائل المعاصرة، وليس فقط مهمًا في سياقه التاريخي، ويجب أن تكون الكتب مجزية لإعادة القراءة، ويجب أن تكون جزءا من «المحادثة حول الأفكار الرائعة»، ذات الصلة بـ25 فكرة على الأقل من بين 102 فكرة رائعة حددها المحررون، ولم يتم اختيار الكتب على أساس الشمولية العرقية والثقافية، أو التأثير التاريخي، أو اتفاق المحررين مع الآراء التي عبر عنها المؤلفون.
حسنا، ما علاقتنا بهذا كله؟ بنظرة خاطفة سريعة إلى تراثنا العربي وتاريخنا الضارب في العراقة والقدم، لن نستطيع الإلمام بكل شيء يجمع هذا الإبداع المتراكم على العصور. وفي الوقت عينه، سيكون لأي دولة تتبنى مشروع «الكتب العظيمة للعالم العربي» قصب السبق والريادة الحضارية في التَّوِّ والمستقبل. فالقارئ البسيط يدرك بنظرة سريعة إلى أسباب ازدهار الأمم، يجد للثقافة دورا بارزا فيها وماثلا بصورة واضحة. والمشروع الذي أدعو إليه، هو مشروع ضخم يستدعي جلب الخبرات العربية من المحيط إلى الخليج، ويتمثل في إعادة تحقيق الكتب التراثية العظيمة التي ظل تأثيرها باقيا حتى اليوم بنفس المعايير الموضوعة لسلسة «الكتب العظيمة للعالم الغربي». فيتم إعادة تحقيق الكتب التي لم تحظ بتحقيق جيد من قبل، ويتم إعادة نشر الكتب التي لا تستدعي مزيدا من التحقيق وذلك بشراء الحقوق من دور النشر التي طبعتها سابقا.
سيمتد تأثير هذا المشروع على الأجيال الحالية واللاحقة لوطننا الحبيب، وسيسهم في ازدهار ورفعة هذا الوطن والوطن العربي الكبير. وستظل هذه الموسوعة -إن تمت- مرجعا لا غنى عنه لأجيال طويلة. فلم تقم لأمة أو لدولة حضارة حقيقية بالمال وحده، بل كان العلم القدم الثانية والموازية للمال في قيام كل الحضارات السابقة، وسيظل الأمر على ما هو عليه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فهل سنغتنم الفرصة اليوم وقبل أي دولة أخرى لنكون في طليعة العرب ثقافيا وحضاريا؟ أم سنكون في موضع المشاركة فحسب إن تحقق هذا المشروع؟ أعتقد بأن لدينا من الموارد البشرية والمالية ما يمكِّننا من نيل قصب السبق والريادة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
«فن تسجيل الكتب الصوتية» في مكتبة محمد بن راشد
دبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةفي إطار جهودها لتعزيز المحتوى الصوتي ودعم المواهب في مجال التعليق الصوتي، نظّمت مكتبة محمد بن راشد، على مدار يومين، ورشة عمل متخصصة بعنوان «فن تسجيل الكتب الصوتية» مع المدربة الإعلامية فاطمة الحمادي. وسلطت الورشة في يومها الأول، الضوء على الجانب النظري وأساسيات تسجيل الكتب الصوتية، وأهمية الصوت كوسيلة فعالة لنقل المعرفة والثقافة. كما تناولت تقنيات الصوت المستخدمة في هذا المجال، ومن بينها كيفية التحكم بنبرة الصوت، والحفاظ على مستوى ثابت من الأداء، وأساليب الإلقاء الجذابة التي تساعد في إيصال المحتوى بوضوح.
وتطرقت الورشة إلى تقنيات التنفس الصحيحة، والتي تُعد من أهم العناصر التي تؤثر على جودة الأداء الصوتي، حيث تدرب المشاركون على كيفية التحكم في التنفس أثناء التسجيل، وكيفية ضمان تدفق سلس وطبيعي للكلام دون انقطاع أو إرهاق. كما ركزت الورشة على المبادئ الأساسية للتعليق الصوتي، والتي تشمل تحليل النصوص، وتلوين الصوت بما يتناسب مع المحتوى، وطرق الحفاظ على انسجام الأداء على مدار فترات التسجيل الطويلة.
وفي اليوم الثاني، انتقل المشاركون إلى الجانب العملي، حيث حصلوا على فرصة لتطبيق ما تعلّموه، وتم تدريبهم على استخدام الميكروفونات الاحترافية، لضمان إنتاج تسجيلات بجودة عالية. كما عملت المدربة فاطمة الحمادي على تقديم ملاحظات فردية لكل مشارك لمساعدتهم في تحسين أدائهم وتطوير مهاراتهم في التعليق الصوتي. وقد لاقت الورشة تفاعلاً كبيراً من قبل المشاركين الذين عبّروا عن استفادتهم الكبيرة من المحتوى المقدم، وأشادوا بالفرصة التي أتاحتها لهم مكتبة محمد بن راشد لصقل مهاراتهم في هذا المجال المتنامي.
وتأتي هذه الورشة في سياق جهود المكتبة لتعزيز ثقافة الاستماع، وتوفير بدائل رقمية حديثة تواكب التطورات المتسارعة في عالم المعرفة والنشر، بما يسهم في جعل الكتب الصوتية أداة مؤثرة لنشر العلم والثقافة على نطاق أوسع، وانطلاقاً من التزامها بتقديم المزيد من البرامج التدريبية التي تدعم قطاع الكتب الصوتية، وتشجّع على إنتاج محتوى صوتي متميز يخدم مختلف فئات المجتمع.