لجريدة عمان:
2025-03-30@04:15:03 GMT

حول مفهـوم النـظام الإقـليمي

تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT

اعتدْنا، منذ عـقود، على استخدام اصطلاح النظام الإقليمي لوصف حالةٍ سياسيّةٍ عربيّة جماعيّة بينيّة، أي تقع بين نظامٍ وطنيّ (قطريّ) قائم ونظامٍ قوميّ موحّـد لم يقم بعد؛ هي حالةُ اجتماعِ دولٍ عـدّة في نطاق رابطةٍ جامعة يُـرتِّـب الانتسابُ إليها على المنتسبين التزامات العمل بما تقضي به أحكامُها (نظريّـا على الأقـلّ).

هكـذا جرى وصْـفُ هـذه الحالة الجماعـيّة البينـيّة بالنّظام الإقليمي العربي، ووقع الانصرافُ -من حـينِها- إلى البحث في منظومة العلاقات والتّفاعلات التي تجري داخل ذلك النّـظام انطلاقاً من افتراضه نظاماً، ومن افتراض جامعة الدول العربية مسرحا لعلاقاته وتفاعلاته تلك وتجسيداً مؤسَّسيّـاً له، على مثال ما مثّـلـتْهُ منظّـمة الأمم المتّحدة -لدى قسمٍ كبيرٍ من الدّول والمؤسّسات- من إطارٍ مرجعيّ لِمَا دُعِـيَ باسم «المجتمع الدّوليّ»، ومن تجسيـدٍ مؤسسي لعلاقات أطـرافه.

من البيّن أنّ تسمية نظام العلاقات الجماعية العربية الرسمية نظاما إقليميّـا مرجعُها إلى وجودِ إطارٍ مؤسّسيّ جامع (= جامعة الدّول العربيّة) تنوجـد فيه دولٌ مستـقـلّـةٌ ذاتُ سيادة ولكـنّها -في الوقـت عينِه- تلتـقي على مشتَرَكات سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّـة عابرة لحدودها الجغرافيّة السّياديّـة من غير أن تُعطِّل مفعولَ أحكامِ سياداتها الوطنيّـة. ولكنّ الفارقَ كبيرٌ بين أن نُسلِّـم بوجود إطارٍ عامّ للتّـفاعل والتّبادل بين دولٍ محكومة بقوانينها الوطنيّة، وتعترف بها رابطتُها الجماعيّة المؤسّسيّة (= الجامعة) باستقلالها وسيادتها...، وأن نُطلق على هذا اسم نظامٍ إقليميّ؛ إذْ إنّ شرطَ وجودِ نظامٍ، أيّ نظام، هو أن يكون الإطـار المرجـعيّ لعناصره: يَحْكُمها ويفرض عليها سلطانَه بوصفه نظاما حاكما. يستوي في ذلك نظامٌ مجتمعيّ أو سياسيّ أو هندسيّ أو لغوي أو موسيقي...إلخ. وليست هذه الحالُ حالَ هذا الإطار الجامع للدّول العربيّة الذي يبدو إطارا لتنسيق السّياسات أكثر ممّا هـو نظامٌ على الحقيقة.

لدينا ما يكـفينا -ويفيض عن حاجتـنا- من الأدلّـة على افتقار هذا الإطار الجامع للمورد الأساس الذي يجعله نظاما حقّـا: مبدأ الحاكميّة؛ حاكميّةُ العلاقة العليا للعناصر أو حاكميّـةُ بنية الإطار الجامع لمكـوّناته. ولسنا نعني بهذه الأدلّـة على غياب النّظام في العلاقات البيـنيّـة العربيّة أنّ هذه العلاقات تقوم بين دولٍ مستقـلّة ذات سيادة؛ ذلك أنّ نظاما دوليّا، مثل نظام الأمم المتّحدة، ونظاماً إقليميّـاً، مثل نظام الاتحاد الأوروبي، مَبْـنَاهُـما على التّسليم باستقلاليّـة الدّول الوطنيّـة المكـوِّنة لكلٍّ منهما وسيادتها على مجالها الجغرافيّ-السّياسيّ. ليس هذا ما عَـنيْـناهُ بتلك الأدلّـة التي في حوزتنا، إنّما نعني -في المقام الأوّل- كلّ تلك الأدلّـة التي تشهد لحقيقةٍ واحدة: غياب مجالٍ عامّ أعلى في بنية العلاقات العربيّة- العربيّة يكون جامعا ومشتَرَكا ومستقلاّ، استقلالا نسبيّـاً، عن سياسات كلِّ دولـةٍ على حدة ويكون -في الوقتِ عينِه- مأهولاً بنظامٍ قانونيٍّ متمتِّـعٍ بقـدرٍ كبيرٍ من الإلزام: إلزام الدّول الشّريكة فيه بأحكامه.

هذا ما هو جـارٍ به العمل في الإطارين اللّـذيْن ألمحنا إليهما (= الدولي والأوروبي) - وهو هو الذي يصنع منهما نظامين - وهذا ما يفـتـقر إليه الإطارُ العربيّ المشتَـرَك؛ أعني إنتاج مساحة بينيّة مشتَركة وموحَّـدة محكومة بنظامٍ قانونيّ وتشريعيّ مرجعيّ من طبيعةٍ حاكمة، أي مبنيّ على الطّابع الإلزامي لقراراته وعابـرٍ للسّيادات على نحوٍ لا يخضع فيه لسياسات الدّول منفردةً بل مجتمعة. هذا المجال العامّ هو ما يفتقر إليه إطارُ العلاقات البينيّة العربيّة ولذلك يعجز هذا الإطار عن الصّيرورة نظاما بغياب شرطه التّحتيّ. نكتفي، في هذا المعرض، بدليلين اثـنيْن نستقيهما من تجربة العمل العربيّ المشتَرك في نطاق جامعة الدّول العربيّـة:

أوّلهما أنّ الإِلزامَ القانوني ليس قاعدة مَدْروجـا عليها في عمل جامعة الدول العربية وأجهزتها ومنظّماتها؛ لأنّه ليس مبدأً تعاقُـديّـاً يقوم عليه إطارُ الجامعة. حتّى قرارات مؤسّسة القـمّة العربيّة لا تُعتَـبر مُلزمة لدى أيّ دولة متى رأت أنّ مصلحتها الوطنيّة تقضي بعدم التزامها. والغالب على أكثر الدّول العربية أنّها تنخرط في «العمل العربيّ المشترَك» وهي مطمئنّـةٌ إلى أنّ ميثاق الجامعة يسلِّم بسيادتها الوطنيّة ولا يملك أيَّ إلزامٍ لها. لذلك غابت قاعدة التّصويت على القرارات بغالبيّة الأصوات واعْتِـيضَ عنها بمبدأ التّوافق الذي هو -على الرّغم من فوائده أحيانا- بابٌ مفتوح أمام كـلّ احتمالٍ بما في ذلك التّعطيل!

وثانيهما أنّ من مقتضيات أيّ نظامٍ -إقليميّ أو دوليّ- أن ينفِّـذ، في الحدّ الأدنى، ما اتّفق عليه أعضاؤُه من اتّفاقاتٍ أو معاهداتٍ ووقّـعوا عليها، والحال إنّ عشرات الاتّـفاقيّـات والمعاهدات أُبْرِمـت في جامعة الدّول العربيّة - على مدار الثّمانية وسبعين عاماً الماضية - ووقَع التّوقيع عليها، غير أنّ أكثرها ظلّ نصّـا مكتوبا لم يَشْـهد على أيِّ تنزيـلٍ ماديّ له!

نـتأدّى من السياق السابق إلى الاستنتاج بأنّ تسمية بنية العلاقات العربيّة البينيّة باسم النّظام الإقليميّ العربيّ هي إلى الاستعارة والمجاز أقرب منها إلى التّسمية المطابِقة؛ إذْ هي بنيةٌ خِـلْـوٌ من الموارد التي تتحوّل بها إلى نظامٍ إقليمي فعلي على مثال غيره من الأنظمة الإقليميّة. مع ذلك، مع خلُـوّه من الأسباب التي تجعله نظاما فعليّا ذا طبيعةٍ فعّالة وإلزامية، لا نبغي من هذه الملاحظة النـقدية أن تُـقْرَأ بوصفها مصروفةً إلى النَّـيْـل السّلبي من العلاقات العربيّة البينيّة ومن إطار جامعة الدّول العربيّة، بل من حيث هي تُضْمِـر حِرصا على الحاجة إلى تنمية هذه العلاقات -ومعها إعادة بناء الجامعة- على النّحو الذي يتأسّس به نظامٌ جامعٌ فعلاً يتّسع بقيامه المشتَـرَك البيني العربي، وتتعزّز فيه -شيئاً فشيئاً- إرادةُ تكوين مجالٍ عامّ عربي عابرٍ للحدود: يشغل مساحةً بينيّة معتَبَرة خاضعة لقانونٍ جماعيّ عربيّ عامٍّ ملزِم... مثلما هـو ملزِمٌ القانونُ الدولي السّائـد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ول العربی ة ة العربی

إقرأ أيضاً:

مزيج من الهاتف واللابتوب.. هواوي تبتكر مفهوم الكمبيوتر الهجين

دفعت هواوي Huawei، حدود الابتكار في تصميم الهواتف القابلة للطي، حيث اختبرت مجموعة واسعة من المفاهيم بدءا من الأجهزة القابلة للطي على شكل كتب أو القابل للطي رأسيا بتصميم صدفي، بالإضافة مفاهيم ثلاثية الطي، وأخيرا الهواتف القابلة للطي بشاشة الجانبية. 

ووفقا لما نشره أحد المسربين على موقع Weibo، تعمل هواوي على تطوير جهاز كمبيوتر جديد يحمل “عامل شكل جديد غير متوقع”، يبدو أن الجهاز سيكون مزيجا من أجهزة الكمبيوتر الشخصية والكمبيوتر اللوحي والهاتف المحمول، لكن لا توجد صور لتوضح بشكل دقيق ما يعنيه ذلك.

إطلاق سماعات هواوي HUAWEI FreeArc كأول سماعات أذن مفتوحةHuawei Pura X.. كيف يتميز هاتف هواوي عن منافسيه في السوق؟هواوي تبتكر مفهوم الكمبيوتر الهجين 

إذا كان التسرب صحيحا، فمن المتوقع أن يعمل جهاز الكمبيوتر الغامض بنظام تشغيل هواوي HarmonyOs، وهو إصدار من نظام التشغيل الداخلي المصمم للابتعاد عن جذور أندرويد، إلا أن النظام لم يتم تحسينه بالكامل بعد، مما يعني أن هواوي قد تواجه بعض التحديات في حل المشكلات قبل الإطلاق التجاري.

يمثل المعالج علامة استفهام كبيرة أخرى، حيث يدعي التسرب أن الجهاز سيستخدم شريحة جديدة من هواوي، لكن التفاصيل المتعلقة بها نادرة.

ومع ذلك، كشف تقرير منفصل الأسبوع الماضي عن معالج كمبيوتر يسمى Kirin X90 مؤخرا في قائمة صينية، وقد يستخدم الكمبيوتر القادم هذه الشريحة نفسها.

ومع ذلك، إذا كانت هذه هي الشريحة المقصودة، فلا تتوقع أداء متطور، حيث يشاع أنها تعتمد على تقنية تصنيع 7 نانومتر من شركة SMIC، والتي تتخلف عن أحدث الرقائق من آبل و كوالكوم و إنتل.

تمتلك هواوي تاريخ حافل بتجربة تصاميم جرئية، وغالبا ما تطلقها بكميات محدودة، إذا كان هذا الكمبيوتر الهجين حقيقيا، فقد يكون عرضا تقنيا أكثر من منتجا تجاريا واسع الانتشار.

ومع ذلك، إذا تمكنت هواوي من دمج وظائف الكمبيوتر والجوال والكمبيوتر اللوحي في جهاز واحد سلس، فقد يعيد تعريف ما يمكن أن يكون عليه الكمبيوتر الشخصي كما نعرفه.

مقالات مشابهة

  • تقرير حقوقي: نظام الأسد مارس تدميرا ممنهجا للاستيلاء على ممتلكات السوريين بدرعا
  • تغيرات مهمة في سوق العقارات والمركبات في تركيا
  • الدعم الحوثي لغزة: بين المواجهة مع واشنطن ومعادلة الصراع الإقليمي
  • النظام الغذائي النباتي يساعد مرضى القلب والسكري على العيش لفترة أطول| تفاصيل
  • مزيج من الهاتف واللابتوب.. هواوي تبتكر مفهوم الكمبيوتر الهجين
  • ما مفهوم الإيمان بالله؟.. علي جمعة يجيب
  • انقلاب سيارة نقل محملة بالأنابيب على الطريق الإقليمي بالمنوفية
  • أندرويد بلا تسريبات.. جوجل تخفي تطوير النظام لأول مرة في تاريخها
  • اعتقالات في صفوف فلول نظام الأسد وضبط متفجرات في حملة أمنية بدمشق
  • رأي.. دكتور زاهر سحلول يكتب عن انهيار النظام الصحي في سوريا: دعوة للعمل العاجل والتضامن العالمي