لجريدة عمان:
2025-04-07@01:07:06 GMT

حول مفهـوم النـظام الإقـليمي

تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT

اعتدْنا، منذ عـقود، على استخدام اصطلاح النظام الإقليمي لوصف حالةٍ سياسيّةٍ عربيّة جماعيّة بينيّة، أي تقع بين نظامٍ وطنيّ (قطريّ) قائم ونظامٍ قوميّ موحّـد لم يقم بعد؛ هي حالةُ اجتماعِ دولٍ عـدّة في نطاق رابطةٍ جامعة يُـرتِّـب الانتسابُ إليها على المنتسبين التزامات العمل بما تقضي به أحكامُها (نظريّـا على الأقـلّ).

هكـذا جرى وصْـفُ هـذه الحالة الجماعـيّة البينـيّة بالنّظام الإقليمي العربي، ووقع الانصرافُ -من حـينِها- إلى البحث في منظومة العلاقات والتّفاعلات التي تجري داخل ذلك النّـظام انطلاقاً من افتراضه نظاماً، ومن افتراض جامعة الدول العربية مسرحا لعلاقاته وتفاعلاته تلك وتجسيداً مؤسَّسيّـاً له، على مثال ما مثّـلـتْهُ منظّـمة الأمم المتّحدة -لدى قسمٍ كبيرٍ من الدّول والمؤسّسات- من إطارٍ مرجعيّ لِمَا دُعِـيَ باسم «المجتمع الدّوليّ»، ومن تجسيـدٍ مؤسسي لعلاقات أطـرافه.

من البيّن أنّ تسمية نظام العلاقات الجماعية العربية الرسمية نظاما إقليميّـا مرجعُها إلى وجودِ إطارٍ مؤسّسيّ جامع (= جامعة الدّول العربيّة) تنوجـد فيه دولٌ مستـقـلّـةٌ ذاتُ سيادة ولكـنّها -في الوقـت عينِه- تلتـقي على مشتَرَكات سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّـة عابرة لحدودها الجغرافيّة السّياديّـة من غير أن تُعطِّل مفعولَ أحكامِ سياداتها الوطنيّـة. ولكنّ الفارقَ كبيرٌ بين أن نُسلِّـم بوجود إطارٍ عامّ للتّـفاعل والتّبادل بين دولٍ محكومة بقوانينها الوطنيّة، وتعترف بها رابطتُها الجماعيّة المؤسّسيّة (= الجامعة) باستقلالها وسيادتها...، وأن نُطلق على هذا اسم نظامٍ إقليميّ؛ إذْ إنّ شرطَ وجودِ نظامٍ، أيّ نظام، هو أن يكون الإطـار المرجـعيّ لعناصره: يَحْكُمها ويفرض عليها سلطانَه بوصفه نظاما حاكما. يستوي في ذلك نظامٌ مجتمعيّ أو سياسيّ أو هندسيّ أو لغوي أو موسيقي...إلخ. وليست هذه الحالُ حالَ هذا الإطار الجامع للدّول العربيّة الذي يبدو إطارا لتنسيق السّياسات أكثر ممّا هـو نظامٌ على الحقيقة.

لدينا ما يكـفينا -ويفيض عن حاجتـنا- من الأدلّـة على افتقار هذا الإطار الجامع للمورد الأساس الذي يجعله نظاما حقّـا: مبدأ الحاكميّة؛ حاكميّةُ العلاقة العليا للعناصر أو حاكميّـةُ بنية الإطار الجامع لمكـوّناته. ولسنا نعني بهذه الأدلّـة على غياب النّظام في العلاقات البيـنيّـة العربيّة أنّ هذه العلاقات تقوم بين دولٍ مستقـلّة ذات سيادة؛ ذلك أنّ نظاما دوليّا، مثل نظام الأمم المتّحدة، ونظاماً إقليميّـاً، مثل نظام الاتحاد الأوروبي، مَبْـنَاهُـما على التّسليم باستقلاليّـة الدّول الوطنيّـة المكـوِّنة لكلٍّ منهما وسيادتها على مجالها الجغرافيّ-السّياسيّ. ليس هذا ما عَـنيْـناهُ بتلك الأدلّـة التي في حوزتنا، إنّما نعني -في المقام الأوّل- كلّ تلك الأدلّـة التي تشهد لحقيقةٍ واحدة: غياب مجالٍ عامّ أعلى في بنية العلاقات العربيّة- العربيّة يكون جامعا ومشتَرَكا ومستقلاّ، استقلالا نسبيّـاً، عن سياسات كلِّ دولـةٍ على حدة ويكون -في الوقتِ عينِه- مأهولاً بنظامٍ قانونيٍّ متمتِّـعٍ بقـدرٍ كبيرٍ من الإلزام: إلزام الدّول الشّريكة فيه بأحكامه.

هذا ما هو جـارٍ به العمل في الإطارين اللّـذيْن ألمحنا إليهما (= الدولي والأوروبي) - وهو هو الذي يصنع منهما نظامين - وهذا ما يفـتـقر إليه الإطارُ العربيّ المشتَـرَك؛ أعني إنتاج مساحة بينيّة مشتَركة وموحَّـدة محكومة بنظامٍ قانونيّ وتشريعيّ مرجعيّ من طبيعةٍ حاكمة، أي مبنيّ على الطّابع الإلزامي لقراراته وعابـرٍ للسّيادات على نحوٍ لا يخضع فيه لسياسات الدّول منفردةً بل مجتمعة. هذا المجال العامّ هو ما يفتقر إليه إطارُ العلاقات البينيّة العربيّة ولذلك يعجز هذا الإطار عن الصّيرورة نظاما بغياب شرطه التّحتيّ. نكتفي، في هذا المعرض، بدليلين اثـنيْن نستقيهما من تجربة العمل العربيّ المشتَرك في نطاق جامعة الدّول العربيّـة:

أوّلهما أنّ الإِلزامَ القانوني ليس قاعدة مَدْروجـا عليها في عمل جامعة الدول العربية وأجهزتها ومنظّماتها؛ لأنّه ليس مبدأً تعاقُـديّـاً يقوم عليه إطارُ الجامعة. حتّى قرارات مؤسّسة القـمّة العربيّة لا تُعتَـبر مُلزمة لدى أيّ دولة متى رأت أنّ مصلحتها الوطنيّة تقضي بعدم التزامها. والغالب على أكثر الدّول العربية أنّها تنخرط في «العمل العربيّ المشترَك» وهي مطمئنّـةٌ إلى أنّ ميثاق الجامعة يسلِّم بسيادتها الوطنيّة ولا يملك أيَّ إلزامٍ لها. لذلك غابت قاعدة التّصويت على القرارات بغالبيّة الأصوات واعْتِـيضَ عنها بمبدأ التّوافق الذي هو -على الرّغم من فوائده أحيانا- بابٌ مفتوح أمام كـلّ احتمالٍ بما في ذلك التّعطيل!

وثانيهما أنّ من مقتضيات أيّ نظامٍ -إقليميّ أو دوليّ- أن ينفِّـذ، في الحدّ الأدنى، ما اتّفق عليه أعضاؤُه من اتّفاقاتٍ أو معاهداتٍ ووقّـعوا عليها، والحال إنّ عشرات الاتّـفاقيّـات والمعاهدات أُبْرِمـت في جامعة الدّول العربيّة - على مدار الثّمانية وسبعين عاماً الماضية - ووقَع التّوقيع عليها، غير أنّ أكثرها ظلّ نصّـا مكتوبا لم يَشْـهد على أيِّ تنزيـلٍ ماديّ له!

نـتأدّى من السياق السابق إلى الاستنتاج بأنّ تسمية بنية العلاقات العربيّة البينيّة باسم النّظام الإقليميّ العربيّ هي إلى الاستعارة والمجاز أقرب منها إلى التّسمية المطابِقة؛ إذْ هي بنيةٌ خِـلْـوٌ من الموارد التي تتحوّل بها إلى نظامٍ إقليمي فعلي على مثال غيره من الأنظمة الإقليميّة. مع ذلك، مع خلُـوّه من الأسباب التي تجعله نظاما فعليّا ذا طبيعةٍ فعّالة وإلزامية، لا نبغي من هذه الملاحظة النـقدية أن تُـقْرَأ بوصفها مصروفةً إلى النَّـيْـل السّلبي من العلاقات العربيّة البينيّة ومن إطار جامعة الدّول العربيّة، بل من حيث هي تُضْمِـر حِرصا على الحاجة إلى تنمية هذه العلاقات -ومعها إعادة بناء الجامعة- على النّحو الذي يتأسّس به نظامٌ جامعٌ فعلاً يتّسع بقيامه المشتَـرَك البيني العربي، وتتعزّز فيه -شيئاً فشيئاً- إرادةُ تكوين مجالٍ عامّ عربي عابرٍ للحدود: يشغل مساحةً بينيّة معتَبَرة خاضعة لقانونٍ جماعيّ عربيّ عامٍّ ملزِم... مثلما هـو ملزِمٌ القانونُ الدولي السّائـد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ول العربی ة ة العربی

إقرأ أيضاً:

السلطات السودانية تفرج عن اثنين من رموز نظام البشير لدواعٍ صحية

كشفت مصادر سودانية مطلعة النقاب عن أنه تم الإفراج عن بكري حسن صالح ويوسف عبد الفتاح وهما من قيادات حكومة الإنقاذ بعد أن أبلغهما مسؤول عسكري بأن السلطات قررت إطلاق سراحهما بسبب تدهور حالتهما الصحية.

وكان صالح وعبد الفتاح قد خضعا للمحاكمة بتهم تتعلق بالانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة المنتخبة في عام 1989، ولكن الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من عام قد عطلت سير المحاكمة.

وقد أوضح عضو هيئة الدفاع عن المتهمين، محمد الحسن الأمين، في تصريحات نقلتها صحيفة "سودان تربيون" أن هذا القرار قد أُبلغ له من قبل عقيد في الاستخبارات العسكرية. كما ذكر الحسن أن الإفراج عن صالح وعبد الفتاح يأتي بعد تدهور حالتهما الصحية، حيث ستُجرى عملية جراحية ليوسف عبد الفتاح الأسبوع المقبل، في حين من المتوقع أن يغادر بكري حسن صالح مستشفى مروي بعد تعافيه في يوم السبت المقبل.

ويضيف الحسن أن السلطات قد رفعت مستوى الحراسة المفروضة على صالح وعبد الفتاح، إلا أنها أبقت على مرافق واحد فقط لكل منهما.

وبكري حسن صالح ويوسف عبد الفتاح هما شخصيتان بارزتان في النظام السوداني السابق، حيث شغلا مناصب رفيعة في الحكومة والمجتمع العسكري. بعد سقوط نظام البشير في 2019، تم اعتقالهم ووجهت إليهم تهم تتعلق بالفساد والانقلاب العسكري، وظلوا تحت الاحتجاز في ظروف قانونية وسياسية معقدة نتيجة للأزمة السياسية في السودان.

وجاء القرار بعد سلسلة من الأحداث التي أثرت على سير الإجراءات القانونية المتعلقة بمحاكمة كبار قادة نظام البشير. ففي سبتمبر 2024، تم نقل صالح وعبد الفتاح، بالإضافة إلى الرئيس المخلوع عمر البشير ووزير الدفاع الأسبق عبد الرحيم محمد حسين، من منطقة وادي سيدنا العسكرية في أم درمان إلى مستشفى مروي بالولاية الشمالية بعد تقارير طبية أظهرت تدهور صحتهم بشكل ملحوظ.




كما تسببت الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في تعطيل المحاكمات، حيث فرّ قادة النظام السابق من سجن كوبر ضمن آلاف السجناء بعد اندلاع الحرب، مما فاقم من تعقيد الوضع الأمني والسياسي في البلاد.

واندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في البلاد. هذا النزاع أعاق بشكل كبير سير الإجراءات القضائية ضد الرئيس المخلوع عمر البشير، ونائبه بكري حسن صالح، وعدد من كبار قادة النظام السابق، الذين كانوا يواجهون محاكمات تتعلق بانقلاب 1989 وتهم فساد أخرى.

وقد عانت البلاد من تداعيات هذه الحرب على جميع الأصعدة، بما في ذلك النظام القضائي، الذي أصبح في حالة من الجمود بسبب الظروف الأمنية والسياسية الصعبة. في هذا السياق، تأتي خطوة الإفراج عن صالح وعبد الفتاح لتزيد من تعقيد المشهد السياسي، حيث يتساءل البعض عن مغزى هذا القرار في ظل الوضع المتأزم الذي تشهده البلاد.

ويتوقع مراقبون أن تثير هذه التطورات المزيد من التساؤلات حول الإجراءات القانونية المتخذة بحق رموز النظام السابق، وكذلك حول كيفية تأثير الحرب على سير العدالة في السودان في ظل الظروف الراهنة.

وأواخر مارس / آذار الماضي عاد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان، إلى القصر الرئاسي في العاصمة، وأعلن "الخرطوم حرة"، فيما حاولت قوات "الدعم السريع" التقليل من أهمية هذه الخطوة.

وظهر البرهان، وهو أيضا قائد الجيش، في القصر الرئاسي وسط عشرات الجنود، وقال: "انتهى الأمر.. الخرطوم حرة".

وفي الفترة الأخيرة تسارعت وتيرة تراجع قوات "الدعم السريع" في ولايات عدة، منها الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وشمال كردفان وسنار والنيل الأزرق.

ومن أصل 18 ولاية، تسيطر قوات "الدعم السريع" فقط على جيوب غرب وجنوب مدينة أم درمان غربي الخرطوم، وأجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان.

كما تسيطر "الدعم السريع" على 4 ولايات في إقليم دارفور (عرب)، بينما يسيطر الجيش على الفاشر عاصمة شمال دارفور الولاية الخامسة في الإقليم.

ويخوص الجيش و"الدعم السريع" منذ أبريل 2023 حربا أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء حوالي 15 مليونا آخرين، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدرت دراسة أجرتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.


مقالات مشابهة

  • قفزة نوعية لقطاع التجارة..القصبي: نظاما السجل والأسماء التجارية يسهمان في تيسير الأعمال
  • واشنطن تسلم “جيش الاحتلال” الدفعة الثانية من صواريخ “نظام ثاد” الاعتراضية
  • رئيس البرلمان العربي ورئيسة مجلس الشيوخ الأوزبكي يؤكدان دعم الشعب الفلسطيني
  • خيارات دمشق في التعامل مع فلول نظام الأسد
  • ”الأمن الغذائي“: غالبية شركات الغذاء لا تتجاوب مع متطلبات نظام الإنذار المبكر
  • «العلاقات الدولية» مفهوم ملتبس!
  • ( مجلس شيوخ الجنوب العربي)نقطة نظام..الموضوع قابل للنقاش
  • السلطات السودانية تفرج عن اثنين من رموز نظام البشير لدواعٍ صحية
  • نظام الإنقاذ.. خطة غذائية للتخلص من زيادة الوزن بعد العيد
  • مفاهيم الصراع.. العروبة والحضن العربي