لجريدة عمان:
2024-12-25@06:40:27 GMT

حول مفهـوم النـظام الإقـليمي

تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT

اعتدْنا، منذ عـقود، على استخدام اصطلاح النظام الإقليمي لوصف حالةٍ سياسيّةٍ عربيّة جماعيّة بينيّة، أي تقع بين نظامٍ وطنيّ (قطريّ) قائم ونظامٍ قوميّ موحّـد لم يقم بعد؛ هي حالةُ اجتماعِ دولٍ عـدّة في نطاق رابطةٍ جامعة يُـرتِّـب الانتسابُ إليها على المنتسبين التزامات العمل بما تقضي به أحكامُها (نظريّـا على الأقـلّ).

هكـذا جرى وصْـفُ هـذه الحالة الجماعـيّة البينـيّة بالنّظام الإقليمي العربي، ووقع الانصرافُ -من حـينِها- إلى البحث في منظومة العلاقات والتّفاعلات التي تجري داخل ذلك النّـظام انطلاقاً من افتراضه نظاماً، ومن افتراض جامعة الدول العربية مسرحا لعلاقاته وتفاعلاته تلك وتجسيداً مؤسَّسيّـاً له، على مثال ما مثّـلـتْهُ منظّـمة الأمم المتّحدة -لدى قسمٍ كبيرٍ من الدّول والمؤسّسات- من إطارٍ مرجعيّ لِمَا دُعِـيَ باسم «المجتمع الدّوليّ»، ومن تجسيـدٍ مؤسسي لعلاقات أطـرافه.

من البيّن أنّ تسمية نظام العلاقات الجماعية العربية الرسمية نظاما إقليميّـا مرجعُها إلى وجودِ إطارٍ مؤسّسيّ جامع (= جامعة الدّول العربيّة) تنوجـد فيه دولٌ مستـقـلّـةٌ ذاتُ سيادة ولكـنّها -في الوقـت عينِه- تلتـقي على مشتَرَكات سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّـة عابرة لحدودها الجغرافيّة السّياديّـة من غير أن تُعطِّل مفعولَ أحكامِ سياداتها الوطنيّـة. ولكنّ الفارقَ كبيرٌ بين أن نُسلِّـم بوجود إطارٍ عامّ للتّـفاعل والتّبادل بين دولٍ محكومة بقوانينها الوطنيّة، وتعترف بها رابطتُها الجماعيّة المؤسّسيّة (= الجامعة) باستقلالها وسيادتها...، وأن نُطلق على هذا اسم نظامٍ إقليميّ؛ إذْ إنّ شرطَ وجودِ نظامٍ، أيّ نظام، هو أن يكون الإطـار المرجـعيّ لعناصره: يَحْكُمها ويفرض عليها سلطانَه بوصفه نظاما حاكما. يستوي في ذلك نظامٌ مجتمعيّ أو سياسيّ أو هندسيّ أو لغوي أو موسيقي...إلخ. وليست هذه الحالُ حالَ هذا الإطار الجامع للدّول العربيّة الذي يبدو إطارا لتنسيق السّياسات أكثر ممّا هـو نظامٌ على الحقيقة.

لدينا ما يكـفينا -ويفيض عن حاجتـنا- من الأدلّـة على افتقار هذا الإطار الجامع للمورد الأساس الذي يجعله نظاما حقّـا: مبدأ الحاكميّة؛ حاكميّةُ العلاقة العليا للعناصر أو حاكميّـةُ بنية الإطار الجامع لمكـوّناته. ولسنا نعني بهذه الأدلّـة على غياب النّظام في العلاقات البيـنيّـة العربيّة أنّ هذه العلاقات تقوم بين دولٍ مستقـلّة ذات سيادة؛ ذلك أنّ نظاما دوليّا، مثل نظام الأمم المتّحدة، ونظاماً إقليميّـاً، مثل نظام الاتحاد الأوروبي، مَبْـنَاهُـما على التّسليم باستقلاليّـة الدّول الوطنيّـة المكـوِّنة لكلٍّ منهما وسيادتها على مجالها الجغرافيّ-السّياسيّ. ليس هذا ما عَـنيْـناهُ بتلك الأدلّـة التي في حوزتنا، إنّما نعني -في المقام الأوّل- كلّ تلك الأدلّـة التي تشهد لحقيقةٍ واحدة: غياب مجالٍ عامّ أعلى في بنية العلاقات العربيّة- العربيّة يكون جامعا ومشتَرَكا ومستقلاّ، استقلالا نسبيّـاً، عن سياسات كلِّ دولـةٍ على حدة ويكون -في الوقتِ عينِه- مأهولاً بنظامٍ قانونيٍّ متمتِّـعٍ بقـدرٍ كبيرٍ من الإلزام: إلزام الدّول الشّريكة فيه بأحكامه.

هذا ما هو جـارٍ به العمل في الإطارين اللّـذيْن ألمحنا إليهما (= الدولي والأوروبي) - وهو هو الذي يصنع منهما نظامين - وهذا ما يفـتـقر إليه الإطارُ العربيّ المشتَـرَك؛ أعني إنتاج مساحة بينيّة مشتَركة وموحَّـدة محكومة بنظامٍ قانونيّ وتشريعيّ مرجعيّ من طبيعةٍ حاكمة، أي مبنيّ على الطّابع الإلزامي لقراراته وعابـرٍ للسّيادات على نحوٍ لا يخضع فيه لسياسات الدّول منفردةً بل مجتمعة. هذا المجال العامّ هو ما يفتقر إليه إطارُ العلاقات البينيّة العربيّة ولذلك يعجز هذا الإطار عن الصّيرورة نظاما بغياب شرطه التّحتيّ. نكتفي، في هذا المعرض، بدليلين اثـنيْن نستقيهما من تجربة العمل العربيّ المشتَرك في نطاق جامعة الدّول العربيّـة:

أوّلهما أنّ الإِلزامَ القانوني ليس قاعدة مَدْروجـا عليها في عمل جامعة الدول العربية وأجهزتها ومنظّماتها؛ لأنّه ليس مبدأً تعاقُـديّـاً يقوم عليه إطارُ الجامعة. حتّى قرارات مؤسّسة القـمّة العربيّة لا تُعتَـبر مُلزمة لدى أيّ دولة متى رأت أنّ مصلحتها الوطنيّة تقضي بعدم التزامها. والغالب على أكثر الدّول العربية أنّها تنخرط في «العمل العربيّ المشترَك» وهي مطمئنّـةٌ إلى أنّ ميثاق الجامعة يسلِّم بسيادتها الوطنيّة ولا يملك أيَّ إلزامٍ لها. لذلك غابت قاعدة التّصويت على القرارات بغالبيّة الأصوات واعْتِـيضَ عنها بمبدأ التّوافق الذي هو -على الرّغم من فوائده أحيانا- بابٌ مفتوح أمام كـلّ احتمالٍ بما في ذلك التّعطيل!

وثانيهما أنّ من مقتضيات أيّ نظامٍ -إقليميّ أو دوليّ- أن ينفِّـذ، في الحدّ الأدنى، ما اتّفق عليه أعضاؤُه من اتّفاقاتٍ أو معاهداتٍ ووقّـعوا عليها، والحال إنّ عشرات الاتّـفاقيّـات والمعاهدات أُبْرِمـت في جامعة الدّول العربيّة - على مدار الثّمانية وسبعين عاماً الماضية - ووقَع التّوقيع عليها، غير أنّ أكثرها ظلّ نصّـا مكتوبا لم يَشْـهد على أيِّ تنزيـلٍ ماديّ له!

نـتأدّى من السياق السابق إلى الاستنتاج بأنّ تسمية بنية العلاقات العربيّة البينيّة باسم النّظام الإقليميّ العربيّ هي إلى الاستعارة والمجاز أقرب منها إلى التّسمية المطابِقة؛ إذْ هي بنيةٌ خِـلْـوٌ من الموارد التي تتحوّل بها إلى نظامٍ إقليمي فعلي على مثال غيره من الأنظمة الإقليميّة. مع ذلك، مع خلُـوّه من الأسباب التي تجعله نظاما فعليّا ذا طبيعةٍ فعّالة وإلزامية، لا نبغي من هذه الملاحظة النـقدية أن تُـقْرَأ بوصفها مصروفةً إلى النَّـيْـل السّلبي من العلاقات العربيّة البينيّة ومن إطار جامعة الدّول العربيّة، بل من حيث هي تُضْمِـر حِرصا على الحاجة إلى تنمية هذه العلاقات -ومعها إعادة بناء الجامعة- على النّحو الذي يتأسّس به نظامٌ جامعٌ فعلاً يتّسع بقيامه المشتَـرَك البيني العربي، وتتعزّز فيه -شيئاً فشيئاً- إرادةُ تكوين مجالٍ عامّ عربي عابرٍ للحدود: يشغل مساحةً بينيّة معتَبَرة خاضعة لقانونٍ جماعيّ عربيّ عامٍّ ملزِم... مثلما هـو ملزِمٌ القانونُ الدولي السّائـد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ول العربی ة ة العربی

إقرأ أيضاً:

مخاوف إسرائيلية من القيادة الجديدة في سوريا

نقل موقع "والا" الإسرائيلي عن مصادر أمنية أن هناك قلقا داخل المؤسسة الأمنية بشأن القيادة الجديدة في سوريا التي لم تتبنَّ موقفا واضحا تجاه إسرائيل.

وأوضحت المصادر أن إسرائيل ستبحث مع الولايات المتحدة قرار سحب مكافأة الـ10 ملايين دولار المخصصة لملاحقة أحمد الشرع الذي صار قائدا عاما للإدارة السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وفي غضون ذلك، ذكر موقع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن إسرائيل وجهت رسالة إلى القيادة الجديدة في دمشق أنها "لن تسمح بتحرك الجهاديين" جنوب سوريا.

وأوضحت إسرائيل أنه في حال تبين وجود "جهة مسؤولة" في سوريا، فإنها ستفكر في تسليم المنطقة العازلة منزوعة السلاح بهضبة الجولان التي سيطرت عليها عقب سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وفقا للموقع الإسرائيلي.

وكانت إسرائيل أعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا لعام 1974، واحتلت جبل الشيخ السوري، ثم توغلت في ريف درعا وبعض القرى الحدودية مع سوريا، في خطوة نددت بها الأمم المتحدة ودول عربية.

وقد سيطرت فصائل سورية على العاصمة دمشق مع انسحاب قوات النظام المخلوع، وفر بشار الأسد رفقة عائلته إلى روسيا التي منحته "اللجوء الإنساني" لينتهي 61 عاما من حكم حزب البعث، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.

إعلان

وعقب سقوط نظام البعث، تزايدت هجمات إسرائيل على سوريا متسببة في تدمير البنية التحتية العسكرية والمنشآت المتبقية من جيش النظام السوري وتوسيع الاحتلال لمرتفعات الجولان.

مقالات مشابهة

  • جامعة الإمارات تطور نظاماً مبتكراً لاستدامة القوى العاملة
  • جامعة الإمارات تطور نظاما مبتكراً لاستدامة القوى العاملة
  • على مدى عقود.. كيف طوّر السوريون لغة مشفّرة خوفا من نظام الأسد؟
  • سوريا الجديدة ليست صيدًا سهلًا
  • بعد سقوط نظام الأسد.. سوريون يحدوهم الأمل بغدٍ أفضل
  • افتتاح الملتقى الإقليمي حول "حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه في الوطن العربي" بمكتبة الإسكندرية
  • سوريا تبدأ مرحلة جديدة بعد سقوط نظام البعث
  • “زيارة الصفدي إلى دمشق”.. تعزيز التعاون الإقليمي مع الإدارة السورية الجديدة
  • مخاوف إسرائيلية من القيادة الجديدة في سوريا
  • وزيرة التنمية المحلية: مفهوم الصحة الواحدة يعكس وعيا لأهمية الترابط بين النظام البيئي