لجريدة عمان:
2025-04-25@08:10:13 GMT

الحكمة العمانية في التعاطي مع الأزمات الراهنة

تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT

في أحد المؤتمرات الفكرية والسياسية منذ عدة سنوات، ونتيجة لما جرى من خلافات وتوترات، ما بعد الربيع العربي في 2011، وما برز جراء ذلك من أزمات معروفة في تلك الفترة؛ في العاصمة اللبنانية بيروت، دار الحديث عما حدث من أزمات، وكيفية وضع الحلول المناسبة والإيجابية لتقريب وجهات النظر بين أطرافها، أو إيجاد مخارج حقيقية لما يجري في بعض الدول تجنبا لما هو أكبر من ذلك، وكون هذه الخلافات عابرة وستنتهي، ولن تبقى للأبد بحكم أنها واقع ولا بد أن تحل، فهذه الأزمات سوابقها كثيرة والحوارات تسهم في حلها وإن تأخرت، لكن سرعان ما تتغير المواقف السلبية إلى مواقف إيجابية.

أحد الكتاب من الجمهورية اليمنية، كان حاضرا في تلك الجلسة كمشارك في هذا المؤتمر، نظر لي وقال: الحقيقة أن سياسة سلطنة عُمان تميزت بسياسات ونظرات رائعة في المشكلات والتوترات العربية القائمة، واتخذت منهجا مختلفا، اتسم بالإيجابية في هذه الأزمات، ولم تنتهج نهج التعاطي مع الأزمات بروح الانفعال والدخول في المشاحنات الجانبية، بل كانت لها نظرة أخرى اتسمت بالرؤية الثاقبة الإيجابية لما يجري من أزمات، فشكرت لهذا الزميل اليمني، هذا التعليق المنصف للسياسية العمانية، مع الأزمات العربية القائمة والتعامل معها، وقلت له مازحا: كانت الشقيقة اليمن يعرف عنها أنها تتميز بـ(الحكمة اليمانية)، لكن الآن الحكمة صارت عمانية بحسب الواقع والتعاطي مع ما يجري بروح إيجابية متميزة، فرد الزميل اليمني قائلا: نعم أنا أعترف معك بهذا القول، حتى في داخلنا الحكمة تراجعت عن إيجاد حلول مناسبة في اليمن، قلت له: هذه قضايا تحدث عندما تغيب المعايير الهادئة التي تقدم المصالح العامة على المصالح الخاصة، لكن لابد من ظهور عقول واعية وثاقبة في بلدكم تتدارك ما تم من الخلافات، وتحل بالحكمة، بدلا من استخدام السلاح في الخلاف، وفي النهاية لا بد من إيجاد منافذ لتعود الحكمة اليمانية إلى مكانها المعروف.

فمنذ قيام الدولة العمانية الحديثة بعد تولي السلطان قابوس ـ رحمه الله ـ الحكم في عام 1970، كان النهج السياسي الذي سارت عليه القيادة السياسية إيجابيا، وكانت مدركة للظروف والمتغيرات المحيطة بالمنطقة وما حولها، وكانت لها معاناتها في الداخل وأسبابها معروفة ولا تحتاج إلى شرح، واستطاعت القيادة السياسية، أن تحل أزمات الداخل بحكمة قل نظيرها في قضايا أخرى جرت في عالم اليوم، واتجهت بلادنا للاستقرار والنماء والنهضة، بعد سنوات من التخلف والتراجع على كل المستويات، ثم تقوية العلاقة مع المحيط القريب، ثم المحيط العربي الأوسع، ثم العلاقات الدولية التي أصبحت من حقائق التاريخ المعاصر وضروراته، فتميزت السياسة العمانية، بشأن مختلف القضايا العربية بالحرص على التعامل الصريح مع مستجداتها، وما سبق منها، وهي الصراحة التي لا تخضع لازدواجية المعايير، أو خلط الأوراق أو اللعب على التناقضات واستثمارها سياسيا لأهداف غير عقلانية، أو المناورات الدبلوماسية التي لا تلامس حقائق الأمور وطبيعتها، وبهذه النظرة الثاقبة والواعية، وضعت سلطنة عُمان يدها بسهولة ويسر في كيفية حل الأزمات والخلافات العربية/ العربية، ومن خلال أولويات الحوار البنّاء الذي يقوم على استبعاد عناصر الاختلاف والتنافر والتوتر. ولعل ذلك يفّسر لنا كيف اتبعت سلطنة عُمان منهجا قويما في كيفية حل الخلافات الحدودية مع بعض جيرانها من الدول الشقيقة.

وجعلت من هذا الموقف مثلا يحتذى على الصعيد الإقليمي والعربي والدولي. كما اتصفت السياسة الخارجية العمانية، بالرجاحة وبعد النظر في الرؤية والرأي، وبالحكمة والجرأة في القرار، وحسن التصرف واللباقة والثبات في الموقف الإيجابي، دون الالتفات إلى صغائر الأمور التي لا تقف عند بعض ما لا فائدة منه للمصلحة العربية العليا، ولا تلتفت إليها. وعندما قامت جمهورية مصر بعقد اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، عُقد بعدها في العاصمة العراقية مؤتمر لقمة عربية طارئة، لبحث هذه الخطوة المصرية، وطلب المؤتمر من الدول في هذا قطع العلاقات مع مصر بسبب هذه الاتفاقية، وحضرت سلطنة عُمان هذه القمة، ولكنها لم توافق على قطع العلاقات مع مصر وتحفظت على هذا القرار، والسبب المنطقي والعقلاني لعُمان، أن هذه المقاطعة سيتأثر منها الشعب المصري في المقام الأول، وهذا ما لا تستسيغه سلطنة عمان سياسيا، ولا يحقق الهدف الذي تتوقعه بعض الدول، وفي النهاية عادت مصر إلى مكانتها في الأسرة العربية، وتحققت الرؤية العمانية العقلانية بعيدا عن التسرع في الأحكام التي ليس لها المردود الإيجابي، وأتذكر أنني كنت أحد الصحفيين الذين حضروا أحد المؤتمرات لوزراء الخارجية لمجلس التعاون عام 1988، في مدينة جدة السعودية، وكانت في تلك الفترة بدايات مناقشة الكثير من قرارات المجلس وقوانينه، وكانت العلاقة آنذاك لا تزال مقطوعة مع مصر، وقد تم التطرق لموضوع مقاطعة مصر في هذه الاجتماع، وقد مر على قطع العلاقة ما يزيد على عشر سنوات، عدا السلطنة التي لم توافق على القطع ـ كما أشرت آنفا ـ رغم النقد والتشكيك والحملات الإعلامية عليها من البعض، وعند رجوعنا للسلطنة، وكنت مع الوفد في رحلة العودة إلى مسقط، واقتربت من الوزير المتقاعد، يوسف بن علوي بن عبد الله، وقلت له: أنا حضرت المؤتمر وتابعت ما دار فيه، لكنني لم أحصل على سبق صحفي في هذا اللقاء، ولا خبر يثير الانتباه والنشر، قال لي اكتب: «نحن في السلطنة لم نقطع العلاقة، ومصر دولة كبرى، ومن حقها أن تتخذ أي قرار سياسي ترى فيه مصلحتها ومصلحة شعبها، وإذا لم يتخذ قرار جماعي لعودة العلاقة مع مصر، فإننا نعلم أن بعض الدول العربية، سوف تتخذ قرارات منفردة لعودة العلاقة مع مصر». وعندما وصلت مسقط سلمت الخبر لجريدة عُمان هاتفيا مساء، وجاءني اتصال بعد ساعة، من رئيس التحرير آنذاك الأستاذ حمود بن سالم السيابي، وطلب تأكيدا مني لهذا الخبر، فأكدت له ذلك، وبعد النشر لاقى الخبر صدى كبيرا في الكثير من وكالات الأنباء العربية والأجنبية، وخصوصا من مصر، وفعلا لم تمر أشهر قليلة حتى عادت العلاقة مع مصر بقرار جماعي، وهكذا كان الأمر مع سياسات بلادنا وتحركاتها لحل الخلافات، وإنهاء التوترات، وتقريب الرؤى بما يحقق المصلحة العليا للأمة، وقد أشرت إلى ذلك في مناسبة سابقة.

ومع انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتلاشي المعسكر الاشتراكي عام 1991، كان الطرح العماني الواقعي والمنطقي في قضايا كثيرة، بما يبعدها عن سياسية محاور جديدة، تنتهج نفس الطريق السابق، وأعطت مصداقية كبيرة في سياستها الخارجية وتعاطيها بحكمة وحسن تصرف مع القضايا الساخنة والخافتة، مع ثبات سياستها في القضايا بما يتفق مع المبادئ التي اتخذتها طريقا في سياستها المعلنة؛ وإسهامها في حل الخلافات الإقليمية والدولية تقديرا من دول العالم لسياستها المتوازنة، في المشكلات والخلافات التي تنشأ بين بعض الأطراف، ودون الانجرار إلى سياسة المحاور، وإثارة التوترات والأزمات، وقد سمعنا وقرأنا من البعض أن سياسة السلطنة تتسم بالعزلة والبعد عن الحضور في كثير من القضايا الإقليمية والدولية، وهذه مغالطة لا تستقيم وسياسة سلطنة عُمان الواضحة والإيجابية، وحضورها الدائم والمؤثر، والسبب أن هؤلاء للأسف، يخلطون بين السياسات التي تتبع عند بعض الدول في القفز على الواقع والظروف القائمة، واتخاذ مواقف ليست مدروسة وواقعية، وبين نظرة سلطنة عمان التي تنظر نظرة مختلفة خصوصا سياسة حرق المراحل والقفز على الواقع، واتباع سياسات فيها الاستعجال والعاطفة، وعدم حساب ما سيترتب عليها من قرارات تكون فيها مجازفة ومخاطرة، دون النظر للمحاذير التي ربما تكون عكسية فيما بعد، وعندما نحضر نحن العمانيين بعض المؤتمرات أو الندوات، نجد الإشادة والتقدير لسياسة السلطنة، وحصافتها في الكثير من القضايا والمشكلات، وهذا ما يزيدنا سعادة وتقديرا لهذه السياسة وتحركاتها في كل القضايا العربية والدولية، وقد عبر جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله- في أحد خطاباته الماضية، بأن العالم قد «عرف عُمان عبر تاريخها العريق والمشرّف، كیانا حضاريا فاعلا، ومؤثرا في نماء المنطقة وازدهارها، واستتباب الأمن والسلام فيها، تتناوب الأجيال، على إعلاء رايتها، وتحرص على أن تظل رسالة عمان للسلام تجوب العالم، حاملة إرثا عظيما، وغاياتٍ سامية، تبني ولا تهدم، وتقرب ولا تباعد، وهذا ما سنحرص على استمراره، معكم وبكم، لنؤدي جميعا بكل عزم وإصرار دورنا الحضاري وأمانتنا التاريخية». وهذا ما سارت عليه سلطنة عُمان في نهضتها الحديثة، والآن في نهضتها المتجددة، بحكمة ورؤية عقلانية وواضحة في كل القضايا التي تهم هذه المنطقة والعالم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العلاقة مع بعض الدول وهذا ما مع مصر

إقرأ أيضاً:

برنامج "تطوير" من "فالي" يستكمل رحلة إلهام وتمكين الكفاءات العمانية

 

 

مسقط- الرؤية

أطلقت فالي النسخة الثانية من برنامجها للمسؤولية الاجتماعية "تطوير"، والذي يهدف إلى إعداد جيل طموح وواعٍ علمياً وعمليا، إذ من المقرر أن ينظم البرنامج عددا من الجلسات واللقاءات الملهمة خلال العام، لصقل مهارات الكوادر الوطنية وتوسيع مداركهم لقيادة دفة المستقبل.

وافتُتحت النسخة الثانية من البرنامج بجلسة قدّمها المدرب ياسر بن بدر الحزيمي، أحد المتخصصين البارزين في مجالات القيادة والتطوير الذاتي في المنطقة، وصاحب خبرة تمتد لأكثر من عشرين عامًا في تصميم وتقديم البرامج التدريبية.

ويعُرف الحزيمي بحضوره الإعلامي الواسع حيث حقق رقماً قياسيًا ضمن موسوعة جينيس لأكثر حلقات البودكاست مشاهدةً عالميًا، كما أثرى المكتبة العربية بعدد من الإصدارات التي تناولت مفاهيم الوعي الذاتي، وتطوير المهارات، وبناء الاتجاهات القيادية، مقدّمًا من خلالها محتوى يعكس واقع الشباب العربي وطموحاته.

وأقيمت الجلسات في كل من مسقط وصحار، بمشاركة ما يزيد عن 500 من طلبة مؤسسات التعليم العالي والكوادر الشابة من مختلف التخصصات. وفي أجواء تفاعلية ملهمة، انطلق المشاركون لاستكشاف آفاق التفكير الإبداعي، وأساليب القيادة المرنة، واستراتيجيات النجاح المستدام، مكتسبين رؤى جديدة لمواجهة تحديات الحياة والعمل بثقة وإصرار، ولم تكن الجلسات مجرد مصدر للمعرفة، بل كانت منصة حيوية حفزت الشباب على اكتشاف ذاتهم، وتعزيز ثقتهم بقدراتهم، ورسم مسار واضح لهم لتحقيق تطلعاتهم للمستقبل.

وقال عبد الله السعدي رئيس الشؤون الإدارية والمؤسسية في فالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "نُدرك أن تنمية الكفاءات الوطنية تبدأ بإيجاد الفرص التي تُسهم في تطوير مهاراتهم وتعزيز جاهزيتهم للمستقبل، ويأتي برنامج تطوير ليترجم هذا التوجّه، إذ نحرص من خلاله على تقديم محتوى نوعي يُواكب تطلعات شبابنا، ويدعم مشاركتهم الفاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ونحن نؤمن أن الاستثمار في الطاقات الوطنية هو مساهمة مباشرة في بناء جيل قادر على قيادة التحوّل نحو اقتصاد مستدام."

ويُعدّ برنامج "تطوير" امتدادًا لالتزام فالي بدعم المبادرات التي تُسهم في إعداد كفاءات وطنية شابة قادرة على المشاركة الإيجابية في خدمة المجتمع. ومع استمراره، تتوسع دائرة أثره بما يواكب التوجهات الوطنية، ويُعزّز دور الشركة في إيجاد بيئة تُشجع على التعلم المستمر، وتدعم بناء قدرات تواكب متطلبات عُمان اليوم وغدًا.

مقالات مشابهة

  • سفيرة الجامعة العربية أمام جثمان البابا فرانسيس: «تأثرت بشدة وذكرت اللحظة التي تحدثت فيها عن معاناة الفلسطينيين»
  • ياسر سليمان: الجائزة العالمية للرواية العربية أصبحت المنصة التي يلجأ إليها الناشر الأجنبي
  • سلطنة عُمان تشارك في مؤتمر نزاهة قطاع النقل في المنطقة العربية بالأردن
  • السيسي: التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي تحتم تكثيف التعاون بين الدول العربية
  • عُمان تترأس اجتماع لجنة تحديث القوانين العربية الاسترشادية
  • برنامج "تطوير" من "فالي" يستكمل رحلة إلهام وتمكين الكفاءات العمانية
  • العلاقات العمانية الروسية.. آفاق واعدة
  • القمة الروسية العمانية.. ملفات هامة وإيجابيات متعددة
  • معالي قيس اليوسف: العلاقات العمانية الروسية تشهد نقلة نوعية
  • بوتين: ندعو سلطنة عمان للمشاركة في القمة الروسية العربية المقررة هذا العام