تبنّي السلوكيات الإيكولوجية يجعل المرء أيضا أكثر سعادة
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
غالبًا ما يُنظر إلى الاستجابة للتغير المناخي على أنها تضحية وجهد وإنفاق يؤدون إلى نقص على مستوى رفاهية الإنسان. ويظل المخرج الوحيد هو قبول الاستغناء عن مُتع معيّنة من أجل إنقاذ الكوكب. يشكّل الطارئ المناخي وتداعياته العاطفية بالتالي زوجا مضرّا بصحة الإنسان في عالمنا اليوم. ووفقًا لمعهد جالوب (Gallup)، فإن الانفعالات الحزينة مثل الغضب والقلق والحزن قد تزايدت بشكل ملحوظ منذ بداية هذا العقد.
لقد نُشر تقرير مجموعة الخبراء الدوليين حول التغير المناخي وتقرير السعادة العالمي في اليوم نفسه، في العشرين من مارس 2023. إن هذا التزامن يتجاوز في نظرنا مجرّد صدفة تحريرية بسيطة. والواقع أن البحوث في مجال اقتصاديات السعادة التي تعنى بالقضايا البيئية تشير إلى وجود علاقة موجبة بين السلوك الأخضر والرفاهية الذاتية. وتقدّم هذه البحوث بالتالي نظرة أكثر تفاؤلية.
يتعلق الأمر إذن بفهم نتائج هذه البحوث وتوظيفها في سبيل الحصول على «ربح مزدوج» جديد ممكن. يشير هذا التعبير في العادة إلى الفرضية القائلة بأن عائدات الضرائب البيئية تحقق فائدة مزدوجة تكمن في بيئة أنظف وفي تقليل التشوهات الناجمة عن الضرائب الأخرى التي سبقتها. لكنه قد يشير هذه المرة إلى حقيقة أن تبني السلوكيات الإيكولوجية يجعل المرء أيضا أكثر سعادة!
هذه هي فكرة «الهيدونية المستدامة»، وفقًا لتعبير أورسوليا ليكيس (Orsolya Lelkes)، الباحثة في مختبر الابتكار الاجتماعي Social City في العاصمة النمساوية فيينا. ويصدق هذا بشكل خاص عندما تكون التكاليف النقدية وغير النقدية (الوقت المبذول والجهد) كبيرة، وفقًا لـ تيلو هافركامب (Thilo Haverkamp) وزملائه.
إن المشاركة في الأنشطة المناصرة للبيئة تؤدي إلى قدر أعظم من الارتياح مقارنة بأخذ حمّام بارد، كما تشير إلى ذلك بطريقة لا تخلو من الفكاهة عالمة النفس كيت لافان (Kate Laffan) من كلية لندن للاقتصاد.
يعدّ الرضا مقياسًا مثيرًا للاهتمام، لكنه يغفل الفارق الدقيق بين السعادة الهيدونية (المشاعر الإيجابية والملذات) والسعادة اليودايمونية (التي تعكس بشكل خاص شعور المرء بكونه نافعا). هذا ما تُظهره أبحاث كيت لافان، التي تقترح أن السلوك المؤيد للبيئة (عمل جيد) يحفّز هذا الشعور لأنه يساهم في إشباع حاجة الأفراد للاستقلالية والعلاقات الاجتماعية، مما يغذّي الرفاهية بالمعنى الأرسطي للكلمة.
وفضلًا عن ذلك، تُشير البحوث التي أجراها كل من هاينز ويلش (Heinz Welsch) ويان كولين (Jan Kühling)، من جامعة أولدنبورج (ألمانيا)، إلى أن التوافق مع المعايير الاجتماعية، والتمتع بصورة ذاتية إيجابية وإمكانية نسج العلاقات الاجتماعية يفسّرون اختيار السلوكيات البيئية. وتُظهر أبحاث أخرى أجراها ستيفانو بارتوليني (Stefano Bartolini)، الأستاذ في جامعة سيينا (إيطاليا)، وفرانشيسكو ساراسينو (Francesco Sarracino)، الباحث في المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في لوكسمبورج، أن الأشخاص الذين يحظون بعلاقات اجتماعية قليلة و/أو سيئة يستهلكون أكثر من أجل التعويض عن ذلك وفقًا لمنطق دفاعي.
يؤثر هذا تأثيرا إيجابيا على النمو الاقتصادي، غير أنه بالمقابل يدفع الأفراد إلى العمل لساعات أطول من أجل الاستهلاك أكثر. وما هو جيد للناتج المحلي الإجمالي في هذا السياق ليس جيدًا البتّة لسعادة الأفراد وللبيئة! وهذا ما تبيّنه أيضا المقاربة القائمة على مؤشر الكوكب السعيد (Happy Planet Index)، الذي يكشف أنه في عام 2019 احتلت فرنسا المركز الثالث والعشرين من بين 152 دولة من حيث الناتج المحلي الإجمالي، لكنها انخفضت إلى المركز الحادي والثلاثين على مؤشر الكوكب السعيد بسبب بصمة بيئية كبيرة.
تُشير أبحاثنا الخاصة التي نشرناها في كتابي «بهجة العموم: إسهامات اقتصاديات السعادة من أجل اقتصاد أخضر وودّي»، و«العلوم والسعادة» (فرانسيس مونييه بالتعاون مع مونيكا غيلين رويو (Monica Guillen-Royo)، 2023) إلى أن الأفراد «الذين يحظون بالاعتراف» (وفقا لمقاربة الفيلسوف أكسل هونيث (Axel Honneth)، من جامعة كولومبيا)، بفضل تبنّي سلوك مؤيد للبيئة، يكونون أكثر سعادة.
يلعب الاعتراف الاجتماعي دورا حاسما في رفاهية الأفراد ورضاهم عن ذواتهم. ويرتبط بمشاعر إيجابية مثل احترام الذات والامتنان والاحترام. عندما يعترف بنا الآخرون بفضل إنجازاتنا أو محاسننا، فإن ذلك يعزز إحساسنا بالهوية والفائدة، ويعزز علاقاتنا الاجتماعية وشعورنا بالانتماء إلى المجتمع.
وعلى العكس من ذلك، يكون عدم الاعتراف مصدرًا للإحباط وعدم الرضا والشعور بالضيق. عندما لا يتم الاعتراف بجهودنا ولا نحظى بالاحترام من الآخرين، فإن ذلك يكون له عواقب حزينة على مشاعرنا. وباختصار، يعدّ الاعتراف عنصرًا أساسيًا للسعادة، لأنه يساعد على تعزيز المحاسن الفردية المتمثلة في الثقة والاحترام وتقدير الذات مع ضمان الشعور بالفائدة والروابط الاجتماعية.
يبدو لنا أن هذا المنحى في التفكير مثير للاهتمام من أجل تنفيذ سياسات مؤيدة للبيئة لا تستند فقط إلى تحليل التكلفة والعائد كحافز. سوف يكون الأشخاص «المعترف بهم» من طرف الآخرين ومن طرف المجتمع أو المجتمع المحلي أكثر ميلًا إلى تبنّي السلوكيات الخضراء. ومن ثم فإن هذا السلوك يشبه نوعا من الرقابة الأخلاقية من أجل الاستجابة لمعيار اجتماعي، ونوعا من العقلانية الفردية التي تسعى نحو القبول والاعتراف من قِبل المجتمع.
وفي الختام، إن النظر إلى السلوك البيئي باعتباره سلوكا يؤدي إلى تقديم تنازلات وإطلاق دعوات من قبيل «قوموا بتضحيات» أو «نهاية العالم قريبة» هي من العقم بحيث لا تسفر في معظم الأحيان عن شيء. ومن الأفضل تشجيع الناس على اتخاذ إجراءات ضد التغير المناخي من خلال تقديم المواقف البيئية على أنها مواقف إيجابية من الناحية العاطفية.
تمنحنا الأبحاث في مجال اقتصاديات السعادة إذن الفرصة للتركيز على إمكانات أسلوب حياة أخضر يجلب السعادة. وبوسع هذه السرديات الإيجابية أن تُلهم القادة السياسيين من أجل صياغة سياسة بيئية مرغوبة تزيد من رفاهية الفرد والمجتمع، من خلال تحسين الميزات العلائقية للناس على أساس الاعتراف.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من أجل
إقرأ أيضاً:
تعليق جريء من سارة نخلة على زواج إيناس الدغيدي
في خضم الجدل الذي أثاره إعلان زواج المخرجة الكبيرة إيناس الدغيدي من رجل الأعمال أحمد عبدالمنعم، خرجت الفنانة سارة نخلة، لتعبر عن رأيها بكل وضوح، مؤكدة أن العمر لا يمكن أن يكون مقياسًا للحب أو السعادة.
وخلال ظهورها في برنامج "آخر اليوم"، قالت نخلة إن أكثر ما أثار استغرابها هو كم الانتقادات التي وجهت للدغيدي بسبب سنها، مشددة على أن لكل إنسان الحق في اتخاذ قراراته الشخصية دون وصاية.
وأضافت:"إيناس لها الحرية في اختيار شريك حياتها في أي سن ترى أنه مناسب، والسن ليس معيارًا للحب أو السعادة".
وتابعت سارة نخلة حديثها قائلة:"اللي بيهاجموها عشان عمرها لازم يفكروا إن الحب مالوش سن الحياة ماشية، وكل حد من حقه يعيش تجربة جديدة في أي مرحلة".
وأكدت أن الزواج في سن كبير ليس أمرًا غريبًا أو مدعاة للهجوم، بل يعكس رغبة الإنسان في استمرار الحياة والبحث عن السعادة.
وأضافت بسخرية لطيفة :"كل واحد حر في حياته، وطالما قرار شخص ما لا بيضر حد، فـ إنت مالك؟".
وفي ختام حديثها، دعت سارة نخلة الجمهور إلى احترام خصوصيات الآخرين، مؤكدة أن النضج الحقيقي يتمثل في تقبّل اختيارات الناس دون تدخل، قائلة:"مفيش حد ليه الحق يعاتب حد على اختياره، خصوصًا لما يكون القرار يخص حياته وسعادته. احترام حرية الآخر هو قمة النضج والتطور".