باتفاقيات الدفاع والقواعد العسكرية.. هكذا أصبحت تركيا في طليعة التحالفات الأمنية الخليجية
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
سلط الأستاذ المساعد بجامعة قطر والزميل غير المقيم بالمعهد الأطلسي، علي بكير، الضوء على التوطيد المتوالي للتحالفات الأمنية بين تركيا ودول الخليج العربية، مشيرا إلى أن السنوات الأخيرة شهدت رفع السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وسلطنة عمان لعلاقاتها العسكرية مع أنقرة.
وذكر بكير، في تحليل نشره بموقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن التحالف التركي القطري، على وجه الخصوص، نما بقوة خلال العقد الماضي، وبلغ ذروته في إنشاء اتفاق دفاع عام 2014، ونشر القوات التركية في الدوحة خلال أزمة مجلس التعاون الخليجي عام 2017، وافتتاح مقر القيادة المشتركة في معسكر خالد بن الوليد العسكري عام 2019.
ومع قيام عديد الدول الخليجية بإعادة ضبط شراكاتها الدفاعية، كانت تركيا في طليعة هذا التحول، حيث سعت إلى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية، بحسب بكير، مشيرا إلى أن الديناميكيات المتطورة بين تركيا ودول الخليج ترمز إلى "لعبة شطرنج جيوسياسية أكبر" حسب تعبيره.
وأوضح: "بينما يعاني الشرق الأوسط من فراغ السلطة وتغير الولاءات، تحرص العديد من الدول على تشكيل تحالفات جديدة وتعزيز التحالفات القائمة. وبرزت تركيا، بموقعها الاستراتيجي وبراعتها العسكرية كشريك مرغوب فيه للعديد من دول مجلس التعاون الخليجي أثناء إبحارها في المياه المضطربة للسياسة الإقليمية".
وكانت استراتيجية القواعد العسكرية التركية جزءًا حيويًا من جهودها لإحباط التهديدات الأمنية المتزايدة وتوسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة، خاصة في أعقاب الانتفاضات العربية عام 2011، بحسب بكير، لافتا إلى أن "قطر تستضيف أول قاعدة عسكرية تركية في الخليج، ولكن قد يكون هناك المزيد في المستقبل".
وأضاف أن أنقرة كانت صريحة بشأن نواياها لتوسيع شراكات تركيا العسكرية في الخليج، ففي عام 2017، عندما فرضت الدول المجاورة حصارًا على قطر، كشف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنه اقترح إنشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضي السعودية في عام 2015.
وهنا يلفت بكير إلى أن السعوديين سبق لهم استكشفا تركيًا كخيار أمني في مواجهة التهديد الإيراني منذ فترة طويلة.
اقرأ أيضاً
قواعد تركيا العسكرية.. حماية لمصالحها ومواجهة للتحديات
تعزيز العلاقات
ووفقا لأجزاء رفعت عنها السرية من وثيقة سرية لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، فقد نظر السعوديون رسميا في خيار تركيا كضامن أمني في وقت مبكر من عام 2011، وكانت الرياض تتطلع إلى ما هو أبعد من واشنطن للحصول على ضمانات أمنية، نظرا لعدم الاستقرار الذي أحدثته الانتفاضات العربية، وغياب قوات أمريكية كبيرة في السعودية بعد حرب العراق عام 2003، وتجديد الدبلوماسية الأمريكية مع إيران في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما.
وفي حين أدت الانتفاضات العربية إلى توتر العلاقات التركية السعودية، فقد تم تعزيز هذه العلاقات منذ عام 2021، كجزء من نمط من خفض التصعيد بجميع أنحاء الشرق الأوسط، تُوج بالاتفاق السعودي الإيراني الأخير، الذي توسطت فيه الصين. ومع إدراك الدول لفوائد زيادة التعاون الإقليمي، برزت تركيا كشريك ذي قيمة خاصة.
وفي أغسطس/آب الماضي، وفي خطاب ألقته بمناسبة الذكرى الـ101 لعيد النصر التركي، سلطت السفيرة التركية لدى الكويت، توبا سونميز، الضوء على العلاقات العسكرية والأمنية المزدهرة بين تركيا والكويت، وقالت إن تركيا ستكون مستعدة لإنشاء قاعدة عسكرية في الكويت، إذا أعربت الدولة الخليجية عن هذه الرغبة.
وتظهر تجارب العقد الماضي أن تركيا ملتزمة بحماية حلفائها وأصدقائها في أوقات الحاجة، وهذا لن يكون إجراء غير مسبوق، فقد أرسلت تركيا مستشارين عسكريين إلى الكويت من قبل في أوقات الأزمات، بما في ذلك في أوائل الثمانينيات، وسط جهود لاحتواء الآثار غير المباشرة للثورة الإيرانية ومواجهة المحاولات السوفيتية للوصول إلى الخليج بعد غزو أفغانستان.
وخلال أزمة مجلس التعاون الخليجي، لعبت كل من الكويت وتركيا دورا محوريا في تجنب الصراع العسكري. وتركت الهزات الجيوسياسية في ذلك الوقت الدول الصغيرة المتحالفة مع الولايات المتحدة في المنطقة تشكك في موثوقية الضمانات الأمنية الأمريكية.
وانتشرت شائعات في عام 2017 حول احتمال سعي الكويت لوجود عسكري تركي على أراضيها، وهي خطوة اعتبرت في ذلك الوقت بمثابة موازنة للتوترات المتصاعدة في الخليج.
ولكن وسط مخاوف من أن إثارة مثل هذه الخطوة لاستعداء الرياض، بحثت الكويت في مكان آخر عن طبقة ثانية من الحماية، حيث أشارت التقارير في عام 2018 إلى قاعدة بحرية بريطانية محتملة في المستقبل القريب.
وبينما قلل المسؤولون الكويتيون من هذه التطورات، استأنفت الدولتان التدريب العسكري المشترك في عام 2022.
ومع ذلك، وقعت الكويت وتركيا اتفاقية دفاع مشترك شاملة في أواخر عام 2018، ما يؤكد التزامهما بالمصالح الأمنية المشتركة.
اقرأ أيضاً
القواعد العسكرية وطموحات تركيا الإقليمية في العشرينات المقبلة
المصدر | علي بكير/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تركيا الكويت قطر أردوغان السعودية فی عام إلى أن
إقرأ أيضاً:
البحر الأحمر..الخليج الجديد في لعبة النفوذ
منذ أن انطلقت عمليات "عاصفة الحزم" في مارس 2015، كان يُفترض أن تكون عدن هي نقطة التحول الإستراتيجي التي تُعيد رسم خرائط الأمن القومي العربي على ضفاف البحر الأحمر، ذلك البحر الذي ظل طويلا مجرد ممر تجاري في حسابات الدول الكبرى، قبل أن يتحول تدريجياً إلى مسرح مفتوح لتصادم الإرادات، وتنافس المشاريع، واختبار التحالفات.
تحرير عدن في يوليو 2015 لم يكن مجرد انتصار عسكري موضعي، بل كان لحظة نادرة في التاريخ العربي الحديث: لحظة يمكن فيها للعرب، وبقيادة خليجية فاعلة، أن يصنعوا توازنا جديدا في الإقليم، يمنع تمدد إيران، ويغلق الباب أمام مغامرات الإسلام السياسي، ويُعيد للبحر الأحمر موقعه الطبيعي كحزام أمني عربي لا يُسمح باختراقه.
لكن بدلا من تحويل هذا الانتصار إلى نقطة انطلاق نحو إعادة بناء منظومة أمنية عربية فاعلة، دخل الملف في دوامة التشويش، وخضعت الأولويات لمساومات جانبية، وتداخلت الحسابات الإقليمية مع المزايدات الأيديولوجية، وأُفرغت عدن من مدلولها الرمزي والسيادي، ودُفع بالملف اليمني من مساره العربي إلى منطقة التدويل، حيث فقدت العواصم العربية زمام المبادرة، وبدأت القوى الدولية ترسم حدود النفوذ، وتوزّع الأدوار وفق مصالحها لا وفق الضرورات الأمنية للمنطقة.
هنا، ضاعت فرصة تاريخية كان يمكن فيها للعرب أن يفرضوا سرديتهم الخاصة، ويعيدوا تعريف البحر الأحمر بوصفه شأناً عربيا خالصا لا يُخترق إلا بإرادتهم، فلحظة عدن كانت قابلة للتحوّل إلى رافعة لإعادة تشكيل مفهوم الأمن القومي العربي، لكنها أُهملت، بل وأُحبطت بفعل التردد من جهة، والحسابات السياسية الضيقة من جهة أخرى، والمناكفة غير الموضوعية والمراهنة على جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، واعتبارهم امتداداً قبلياً دون النظر إلى توجهاتهم الأيديولوجية أوقع طرفاً عربياً في تقديرات خاطئة ها هو ومعه المنطقة والعالم كاملا يدفع أثمانا باهظة لم يكن أحد في حاجة إلى دفعها لو أنه استحكم العقل والمنطق وقدم أولوية الأمن القومي العربي على المزايدة والرهانات المحكومة بالفشل سلفا.
ومع ذلك، يُحسب للإمارات، وهي أحد أبرز الفاعلين في التحالف العربي، أنها لم تتورط في الفوضى، بل تصرّفت كفاعل عقلاني يُوازن بين ضرورات الأمن والاستقرار وبين تعقيدات الداخل اليمني، فحافظت على مكتسبات تحرير عدن، ولم تفرّط في التوازنات الدقيقة التي تحكم المشهد، ولم تتعامل مع اليمن كحديقة خلفية، بل كفضاء إستراتيجي يرتبط بأمن الخليج والبحر الأحمر معا، بل يمكن القول إنها، حتى اللحظة، هي الطرف الوحيد الذي يتصرف بهدوء، ويعمل على تثبيت معادلات الحضور من دون ضجيج، وبمنطق إستراتيجي يراعي الجغرافيا والتاريخ معا.
فالبحر الأحمر، ببساطة، يتحول اليوم إلى "خليجٍ جديد". خليج لا تُطلق فيه الحروب بالصواريخ فقط، بل بالموانئ، وبالقواعد العسكرية، وبالتحالفات التجارية. من قناة السويس في الشمال إلى مضيق باب المندب في الجنوب، يتشكل خط جيوبوليتيكي أشبه بحزام النار، تمر عبره أكثر من 10 في المئة من تجارة العالم، ويتحكم في رئات الاقتصاد العالمي من الصين حتى أوروبا، هذا البحر، الذي ظل لعقود في الظل، بات الآن في قلب الصراع الدولي على النفوذ، وربما في طليعة الحروب القادمة.
تركيا أعادت التموضع في الصومال، وتسعى إلى موطئ قدم دائم في السودان، إيران وجدت في الحوثيين ذراعا إستراتيجية لتهديد الممرات البحرية، بل وتحويل البحر الأحمر إلى ورقة ضغط دائمة على خصومها، إسرائيل فتحت قنواتها مع السودان وإريتريا ضمن هندسة أمنية قديمة–جديدة، الصين تمتلك قاعدة عسكرية في جيبوتي، وتُراكم استثماراتها في الموانئ الأفريقية ضمن مشروع "الحزام والطريق"، وواشنطن، التي كانت غائبة عن مسرح البحر الأحمر لعقود واقتصر دورها على مكافحة القراصنة الصوماليين منذ تسعينات القرن العشرين، ها هي تحاول الآن بناء تحالف بحري موجه ضد هجمات الحوثيين التي أربكت شريان التجارة العالمية، وفضحت هشاشة المعادلات الراهنة.
كل من هذه القوى يتصرف وفق منطق مصالحه، ويعيد رسم خرائط نفوذه، ويُراكم حضوره العسكري والسياسي والاقتصادي، فيما العرب يراوحون مكانهم، أو يتنافسون على المساحات الصغيرة، ويفرّطون بالمشهد الكبير، فلا يزال العقل العربي أسير البرّ، وكأن الجغرافيا البحرية ليست امتدادا لأمنه، ولا معبرا حيويا لسيادته.
تاريخيا، ظل العرب ينظرون إلى البحار بوصفها حدوداً لا فضاءات. لم تكن لدينا إستراتيجية بحرية إلا حين استشعرنا الخطر، ولم يكن هناك تعريف للأمن القومي العربي في العصر الحديث إلا بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. عند تلك الحرب، اتخذ الزعيم جمال عبدالناصر قراره بدعم الثوار في عدن، ليتحقق الاستقلال الأول في 30 نوفمبر 1967، وبعدها، شرعت بريطانيا في الجلاء عن مستعمراتها في شرق قناة السويس، ما أسهم في تحقيق معظم البلاد العربية لاستقلالها الوطني.
ما نعيشه بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 هو مأزقٌ في البحر الأحمر. حين وصل التهديد إلى السفن والناقلات، تذكرنا أن لدينا ساحلاً طويلاً، لكنه بلا مظلة أمنية عربية مشتركة، ولا مشروعاً جيوسياسياً قادراً على مقاومة التدويل. ما يحدث في البحر الأحمر اليوم لا يمكن فصله عن مأزق العقل الإستراتيجي العربي، الذي لم يُحسن استثمار لحظات القوة، ولم يُدرك أن السيطرة على البر لا تكتمل إلا بالهيمنة على البحر. هذا ما صنعه المصريون عندما كانوا يقودون العالم العربي، حيث ربطوا أمن باب المندب بقناة السويس، فتحقق أمن واحد من أطول البحار في العالم، وفرض العرب سيادتهم عليه لعقود.
لولا ذلك التشويش الذي صاحب تحرير عدن، لربما كان المشهد اليوم مختلفا: ربما كان هناك تحالف عربي صلب، يمنع تدويل باب المندب، ويضع قواعد اشتباك واضحة ضد أي تمدد إيراني أو تركي أو غيره.
ومع ذلك، فإن الوقت لم يفُت بعد، ما زال ممكنا استعادة زمام المبادرة، لا عبر المغامرات، بل ببناء مشروع عربي واضح في البحر الأحمر، يستند إلى ثوابت الأمن القومي، ويضع خطوطاً حمراء لأيّ تمدد معادٍ، ويُعيد تعريف دور الدول العربية في هذه المنطقة التي تُعاد هندستها على نار هادئة.
البحر الأحمر ليس مجرد ممر ملاحي، إنه مرآة لمستقبل الإقليم، ومن لا يملك وزناً فيه، لن يملك صوتاً في تحديد مستقبل المنطقة، فليتحدث العرب مع أنفسهم بصراحة ويعيدوا تصويب المسار، فلا يمكن استمرار الرهان على جماعة الإخوان ولا يمكن أن يترك البحر الأحمر ليقرر مصيره الأتراك أو الإيرانيون أو حتى العم سام، فالقرار يجب أن يكون عربياً خالصاً ولا أخلص من الجنوبيين الذين كانوا وسيبقون في عدن لهم أرضهم وبحرهم.