جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-03@07:19:21 GMT

ضمير الوطن سيبقى حيًّا

تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT

ضمير الوطن سيبقى حيًّا

 

حمد الحضرمي **

 

تأكيدًا للمبادئ التي وجهت سياسة الدولة في مختلف المجالات خلال العقود الماضية، وتصميما على مواصلة الجهد من أجل بناء مستقبل أفضل يتميز بمزيد من المنجزات التي تعود بالخير على الوطن والمواطنين، تأسس في عام 1999 جهاز الرقابة المالية للدولة وفي عام 2011 أمر السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- بتوسيع صلاحيات جهاز الرقابة المالية للدولة بإضافة الرقابة الإدارية، وتم تعديل مُسماه ليصبح جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، ومُنح أعضاؤه صفة الضبطية القضائية، ومنذ ذلك الحين والجهاز يواصل جهوده من أجل إعلاء قيم النزاهة والمحاسبة.

وبصدور المرسوم السلطاني رقم (111/ 2011)، أصبح جهاز الرقابة ينعم بحيادية سلطاته، ويحاكي في هيئته الجديدة الأجهزة النظيرة حول العالم؛ إذ يهدف الجهاز إلى حماية الأموال العامة للدولة، والأموال الخاصة التي تديرها أو تشرف عليها أي من الوحدات الخاضعة لرقابته، والتثبت من مدى ملاءمة أنظمة الضبط والرقابة الداخلية وسلامة التصرفات المالية والإدارية، واتباعها للقوانين واللوائح والقرارات التنظيمية، وتجنب وقوع تضارب المصالح والمخالفات المالية والإدارية، وتقييم أداء الجهات الخاضعة لرقابته، والتحقق من استخدام الموارد بطريقة اقتصادية وبكفاءة وفاعلية، والكشف عن أسباب القصور في الأداء والإنتاج وتحديد المسؤولية، وامتدت رقابة جهاز الرقابة لتغطي كافة محافظات السلطنة. وما التقرير السنوي لعام 2022م الصادر عن جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة قبل أيام باسم "ملخص المجتمع"، إلّا ليبين للجميع أن الدولة ماضية في نهضتها المتجددة بقيادة حكيمة من سلطان البلاد هيثم بن طارق المعظم- نصره الله- في تطبيق النظام والقانون على الجميع، وتقرير الرقابة كشف جحم الجهود المبذولة من هذا الجهاز الدقيق في أعماله وتخصصاته، والذي كشف عن جرائم المال العام، واستغلال الوظيفة، والتربح غير المشروع، وغيرها من الجرائم، وقد بلغ عدد قضايا الأموال العامة للدولة في العام 2022 نحو 113 قضية.

وظاهرة الفساد قديمة قدم وجود الإنسان في هذا الكون، ورغم محاولات فهم هذه الظاهرة بأبعادها المختلفة، إلّا أنها ما زالت عصية على العلاج؛ بل إنها تتجدد مع تجدد أنماط الحياة البشرية والمكتشفات العلمية التي تواكبها، فالفساد من حيث المفهوم يعني الخلل والاضطراب وبالتالي إلحاق الضرر بالأفراد والمجتمعات، وهو ناتج عن سلوك البشر مصداقًا لقول الله تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ" (الروم: 41) والإنسان الفاسد هو الشخص غير النزيه الذي لا يتحلى بالأخلاق في تعامله مع غيره، ومنظمة الشفافية الدولية تعرف الفساد بأنه "سوء استغلال السلطة المعطاة للشخص لتحقيق مكاسب شخصية" أي أن الفساد يعني سوء استغلال الموظفين في قطاعات الأعمال لتحقيق مكاسب شخصية لهم، والفساد له عدة سلوكيات غير الرشوة؛ لأن الرشوة كالعمولة تحصل عندما يقوم المتعامل بدفع مبلغ مقطوع، أو نسبة من قيمة المشروع، أو مكافأة أخرى كالأسهم، أو معلومات سرية للموظف الذي يسمى مُرتشيًا في هذه الحالة، وذلك مُقابل حصول المُتعامِل على خدمة أو رخصة ليس له فيها حق كحصوله على مناقصة، أو خصم في الضريبة، أو غيرها من صور التهرب من الواجبات أو الحصول على مكاسب غير مستحقة. أما الابتزاز فيحصل عندما يستغل الموظف سلطته في الحصول على نقودٍ أو مكافأة أخرى، مما يعني أن المتعامل يدفع لخدمة يستحقها، وقد يستخدم الموظف الإكراه أو التهديد، أما الاختلاس هو عبارة عن سرقة موارد الدولة من قبل الموظفين الذين يحققون مكاسب لأنفسهم من غير تواجد متعامل.

وهذا يعني أن كلًا من الرشوة والابتزاز والاختلاس، هي ممارسات تعبر عن تجاوزات الموظفين في مسؤولياتهم وواجباتهم، وإلحاق الضرر بمصالح الدولة، أو الضرر بمصالح المواطنين بمعنى أدق، كما أن الموظف يمكنه إخفاء الكثير من الحقائق والبيانات وتزويرها وتحريفها لتحقيق مصالح شخصية كالتورط في غسيل الأموال، وهذا ما يسمى بالاحتيال، وهناك ممارسات أخرى كاستغلال السلطة العامة، كما إن المحسوبية هي صورة من صور الفساد، وتعني تقديم الخدمات والمنافع للأقارب والأصدقاء من غير استحقاق، كتوزيع الأراضي الحكومية السكنية والتجارية والصناعية والزراعية أو أراضي الانتفاع، ومنح قروض مُيسرة بلا فوائد، لأشخاص غير مستحقين لها، وبصورة أخرى يتم تقليد المناصب لأشخاص لا يستحقونها وغير مؤهلين لها، مع وجود أشخاص ذوي كفاءة عالية، وكل هذه الأفعال والتصرفات وغيرها تكون ضارة بمصالح الوطن والمواطنين.

إن السيطرة على الفساد- لا أقول استئصاله فهذا أمر مستحيل- أمرٌ ممكنٌ إذا توفرت شروطها، وهي كثيرة ومتنوعة بتنوع أشكال الفساد والبيئات التي يوجد فيها، ولدينا تجارب ناجحة حول العالم قد سيطرت على الفساد من خلال وجود قياداتٍ شرعية لها مصداقية، ولديها الإرادة السياسية لمحاربة الفساد وتغيير ثقافة المجتمع ودفعه إلى رفض الفساد بكل درجاته وأشكاله. وقد يكون رئيس وزراء سنغافورة السابق لي كوان يو، مثالًا على هذه القيادات؛ حيث نجحت سنغافورة في عهده بأن تصبح من الدول الأقل فسادًا في العالم بنسبة مئوية بلغت 97.1، وهذا الأمر يتطلب لتحقيقه جهودا كبيرة من سلطات الدولة الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، ووجود قوانين تُلزم مؤسسات الدولة بتوفير معلومات كافية عن سياساتها تمكن بقية مؤسسات المجتمع من تقييم أدائها، أي تعاون مكونات المجتمع وتفاعلها مع مؤسسات الدولة، هو شرط لنجاح مكافحة الفساد، لأنه من غير مشاركة فاعلة من المواطنين، ووسائل الإعلام الحرة، والقضاء المستقل، ليس من الممكن السيطرة على الفساد.

ويوضح مؤشر تصور الشفافية الصادر عن منظمة الشفافية الدولية أن دول الشرق الأوسط وغالبيتها دول عربية، كان تصنيفها دائمًا دون المتوسط العالمي من حيث النزاهة، وغالبيتها دول عربية نفطية، كما تؤكد بيانات البنك الدولي أن أداء دول الشرق الأوسط فيما يتعلق بالشفافية والتعبير عن الرأي وكذلك السيطرة على الفساد، هو دون المتوسط العالمي مع بعض التفاوت، وكل هذه المؤشرات تعتبر جوهرية لتقليل الفساد، وتقرير النزاهة العالمية يقيم الإطار القانوني لمكافحة الفساد ودرجة تنفيذه على أرض الواقع، ويبين مدى قدرة المواطنين على استخدام آليات محاربة الفساد؛ حيث ثبت أن بعض الدول العربية تعاني من ضعف القوانين التي تكافح الفساد، لأنَّ بعض النخب من المسؤولين في بعض هذه الدول لا تسمح بتطبيق القوانين عليها، لأن هذه النخب هي مصدر الفساد، ولكن ضمير الوطن سيبقى حيًّا لا يموت، وسينتهي يومًا هذا الفساد.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الرقابة المالية: نعمل على تنفيذ أجندة إصلاحات لتعزيز دور البورصات في تحقيق مستهدفات التنمية

قال رئيس هيئة الرقابة المالية الدكتور محمد فريد، إنه يتم العمل على تنفيذ أجندة إصلاحات تتضمن سياسات تعزز من دور البورصات في تحقيق مستهدفات التنمية المستدامة باستخدام التكنولوجيا المالية وأدوات الذكاء الاصطناعي.

وأضاف فريد - في كلمته خلال فعاليات مؤتمر «بورتفوليو إيجيبت» اليوم الإثنين بعنوان "البورصات العربية.. تنافس أم تكامل؟" - أن تطوير أدوات وحلول تمويل مبتكرة تزيد مساهمة البورصات في النمو الاقتصادي، وكذلك تعزيز مستويات الادخار اللازم للاستثمار كمطلب أساسي للتشغيل والتوظيف.

وأوضح أن البورصات تقوم بدور محوري في تعبئة المدخرات، بما يعزز من مستويات الادخار القومي مع تخصيصها بالكفاءة المطلوبة بتوجيهها للمشروعات الاستثمارية بالقطاعات الاقتصادية والإنتاجية المختلفة الأمر الذي يسهم في زيادة مستويات التوظيف والتشغيل.

وتابع أن أسواق رأس المال بما تمتلكه من تقنيات تكنولوجية متقدمة وتشريعات مرنة ومتطورة قادرة على دعم جهود الحكومات في تحقيق مستهدفات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ولفت إلى أن النجاح المنفرد أمر شديد الصعوبة في ظل التوترات والاضطرابات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة حاليًا، مؤكدًا أهمية التكامل أكثر من أي وقت مضى لتحقيق ما نصبو إليه لمجتمعاتنا العربية وتشكيل مستقبل ينفع الجميع.

وأشار إلى أن التكامل بين البورصات العربية من شأنه تعزيز الوزن النسبي في المؤشرات الدولية، قبلة صناديق الاستثمار العالمية في توجيه وتخصيص رؤوس أموالهم للاستثمار، وهذا أمر يتطلب النظر جيدًا لكافة الأطر التشريعية والقواعد التنفيذية الحاكمة للقيد والتداول والطرح بأسواق المال العربية بما يعزز من مستويات التجارة البينية في الأوراق المالية بين بلدان منطقتنا العربية.

ونوه بأنه قد يكون من الملائم حاليًا الحوار بشأن توحيد الأطر التشريعية والتنظيمية والتنفيذية الخاصة بأسواق الكربون لتعزيز تأثيرها وتجاوز صعوبات فاعليتها.

وقال رئيس هيئة الرقابة المالية "إننا بحاجة إلى رؤية واضحة وموحدة بين البورصات العربية لمواجهة التحديات الحالية، لزيادة فرص منافستها عالميًا في ظل التوترات الجيوسياسية التي تطرأ على المنطقة"، منوهًا بأن البورصات يمكن أن تعكس صورة للاقتصاد وأن تكون مرآة حقيقة له بشرط تمثيل الشركات الموجودة بكل القطاعات الاقتصادية بالقدر الكافي ضمن الشركات المقيدة لديها.

وأضاف أن أهم أساليب التكامل والربط بين البورصات هو تأسيس سوق مشترك للبورصات العربية، والذي بدأت محاولات العمل عليه منذ عام 2004 بقيادة رئيس اتحاد البورصات العربية ورئيس اتحاد هيئات أسواق المال العربية حينها الدكتور صعفق الركيبي.

وأوضح صعوبة تنفيذ هذه الفكرة منذ وقتها حتى الآن، حيث يتطلب هذا النوع من المنصات توحيد وتنسيق واسع النطاق للتشريعات والقواعد والأنظمة المنظمة لعمليات تداول الأوراق المالية.

وأكد أنه مازال هناك فرص حاليًا لبدايات تعاون عربي مشترك قد تنتج في النهاية سوقًا مشتركًا للبورصات العربية، حيث أن التكامل قد يكون في صورة قواعد محددة وأنظمة تكنولوجية مساندة لأنظمة التداول الموجودة بالبورصات العربية، وهو أمر لا يوجد ما يمنعه حاليًا.

ونوه بأن عمليات التداول التي تتم من خلال منصة مركزية تهيئ فرص التعامل بصورة جماعية في الأوراق المالية للشركات المقيدة ببورصات البلدان المتكاملة، وتتفق البورصات المشاركة في هذه المنصة على شروط الإدراج وتحدد الإجراءات المنظمة لعمليات التداول وشروط عضوية الوسطاء.

اقرأ أيضاًجولد بيليون: أول تراجع للذهب هذا الأسبوع بنسبة 0.4% بالبورصة العالمية

رأس المال السوقي للبورصة المصرية يربح 57 مليار جنيه الأسبوع الماضي

بورصة الدار البيضاء تحقق مكاسب جديدة.. صعود «مازي» و«MASI Mid and Small Cap»

مقالات مشابهة

  • صالح لـ ناجي عيسى: من الضروري استمرار المركزي في المحافظة على الاحتياطيات والاستدامة المالية للدولة
  • اجتماع بصنعاء للأجهزة الرقابية ونيابات الأموال لمناقشة آليات لتعزيز الرقابة والمحاسبة
  • أهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في ندوة توعوية بكلية التربية الرياضية بجامعة أسيوط  
  • "المالية" تحث مؤسسات الدولة على إعداد "الحسابات الختامية" لعام 2024
  • "المالية" تحث مؤسسات الجهاز الإداري للدولة على إعداد تقرير الحسابات الختامية 2024
  • إصدار منشور لإعداد الحساب الختامي للدولة للسّنة المالية 2024
  • "نزاهة" تجري 289 تحقيقًا وتوقف 136 شخصًا خلال سبتمبر
  • "نزاهة" تجري 289 تحقيقًا وتوقف 136 شخصًا خلال سبتمبر - عاجل
  • الرقابة المالية: نعمل على تنفيذ أجندة إصلاحات لتعزيز دور البورصات في تحقيق مستهدفات التنمية
  • رئيس الرقابة المالية: تكامل البورصات العربية سيعزز من قوتها الدولية