تحية للرجال.. ننشر مقال محمد حسنين هيكل بعد حديث الرئيس السيسي عنه
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
كشف الرئيس عبد الفتاح السيسي، أنه كان يبلغ من العمر 13عاما في عام 1967 ويتذكّر كل شيء حدث في معارك شدوان ورأس العش، والمدمرة إيلات وحريق الزيتية، وعملية "بالوظة ورمانة"، لافتا إلى أنه وثق أي بيان صدر في هذا الوقت من خلال الصحف والكتب والتي تناولت كافة هذه الوقائع.
وأضاف الرئيس السيسي خلال مشاكرته في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمرور 50 عاما على نصر أكتوبر، أن هناك مقالة وحيدة صدرت ضمن خطط الخداع الاستراتيجي للكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، تحدث خلالها عن محاولات الجيش المصري للعبور والنتائج التي من الممكن أن تحدث فيها، مؤكدا أنه قرأ كل المقالات التي صدرت في هذا الوقت عن الحرب والصراع الموجود وحرب الاستنزاف.
وأشار إلى أن هذه المقالة صدرت في فترة ما بعد عام 1971، مضيفا:"لا أبالغ، ليس لأنني مصري وضابط جيش، لم تكن أي قوة قادرة في ذلك الوقت على تحقيق ما تم سوى الجيش المصري ".
مقال محمد حسنين هيكل بعد حديث الرئيس عنهوتعيد «الأسبوع» نشر مقال هيكل، الذي كان تحت عنوان «تحية للرجال»، بعدما تحدث الرئيس السيسي، عنه خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، اليوم.
تحية للرجال
12 مارس 1971
لقد كان لابد اليوم من وقفة بالتحية أمام الرجال الذين قد يضع التاريخ فى أيديهم ومع أى لحظة، مسئولية وواجب القتال من أجل التحرير.
وبعد هذه الوقفة، نعود فى الأسبوع القادم - بإذن الله - إلى بقية حديث متصل عن "تأملات حول الصراع الكبير".
لابد لى اليوم من وقفة بالتحية، أمام هؤلاء الذين يحملون الآن أغلى أمانة فى تاريخ مصر.
هؤلاء الذين صدرت إليهم الأوامر ليكونوا على استعداد دائم، يصل الليل بالنهار والنهار بالليل تحسباً للحظة قد تجىء فى أى وقت.
هؤلاء الذين سوف ينطلقون مع عواصف النار والدخان والرعود الداوية والبراكين الهادرة على الأرض والصواعق الطائرة فى السماء.
هؤلاء العاملون فى صمت، المقتحمون فى جسارة، المضحون فى جلال، الزاحفون، برغم كل شىء، إلى هدف يتحتم بلوغه لأن أمن مصر وقدر مصر ومستقبل مصر معلقة به.
وأمن مصر وقدرها ومستقبلها، هى نفسها، أمن وقدر ومستقبل أمة بأسرها تعيش نقطة فاصلة فى تاريخها.
.. ..
هؤلاء الرجال على جبهة القتال المصرية لا تكفى لتحيتهم اليوم عيون القصائد من دواوين الحماسة، ولا تنصفهم منابر الخطابة مهما اهتزت وارتجت عاطفةً وانفعالاً.
شىء واحد قد يكفى فى ظنى وقد يفى، وهو أن يكون شعبهم وأن تكون أمتهم على علم وبينة بالصورة العامة التى سوف يمارسون فيها دورهم الوطنى والقومى، ذلك أنه بالقياس إلى حجم المهمة وظروفها، تبدو قيمة الجهد وتكاليفه.
وهذا ما أحاوله فى هذا الحديث، وبالقدر الذى تسمح به متطلبات الأمان وهذه لها أولوية لا يسبقها اعتبار آخر.
أولاً:
إن القوات المسلحة المصرية تواجه معركة من أصعب معارك التاريخ، وليست هذه صيغة مبالغة، وإنما هى وصف حقيقة.
وعلينا أن نتمثل أمامنا طبيعة الأرض التى قد يجد الجيش المصرى نفسه أمامها، ثم ما أقامه العدو من مواقع على هذه الأرض استغلالاً لطبيعتها.
إذا فعلنا ذلك فسوف نجد معالم الصورة تطالعنا على النحو التالى:
1 - مانع مائى خطير هو قناة السويس.
2 - كثبان رملية على شاطئها الشرقى مباشرة تجمعت وتراكمت بالظروف الطبيعية، ثم أضافت إليها عمليات التطهير المستمرة فى قناة السويس، وكانت دائماً تلقى بقاياها فوق الناحية الأخرى، وعلى هذه الكثبان أقام العدو خطه الدفاعى الأمامى على حافة الماء مباشرةً.
3 - منطقة رمال مفتوحة بعد ذلك ولكنها محاصرة بين شاطئ القناة وبين بداية المرتفعات نحو منطقة المضايق الحاكمة فى سيناء والتى لا تبعد عن القناة نفسها بأكثر من ثلاثين كيلو متراً.
4 - منطقة المضايق نفسها وهى طبيعة صخرية شديدة الوعورة وعليها أقام العدو خط دفاعه الثانى.
5 - الصحراء المكشوفة حول منطقة المضايق وما وراءها بما تقدمه من فرص لعدو يعتمد كثيراً على الطيران.
هذه هى طبيعة الصورة التى يجب أن نتمثلها تماماً ونتفهم تفاصيلها لأن ذلك سوف يتحدث عن الجهد البطولى لرجالنا بأكثر مما تتحدث عنه الكلمات حتى إذا كنا ننحت هذه الكلمات من صميم القلوب.
تبقى الطبيعة أبلغ دائماً من كل الأوصاف.
نلقى نظرات أكثر تأنياً على أهم هذه المعالم التى صنعتها الطبيعة أو أقامها العدو استغلالاً لهذه الطبيعة.. .وبالذات قناة السويس والشاطئ الآخر.
1 - قناة السويس.
مجرى مائى بعرض مائتى متر وبعمق أحد عشر متراً يمتد على خط مستقيم بين بحر وبحر.. .لا يتعرج مجراه ولا يدور، لا يرتفع منسوب الماء فى مكان منه أو ينخفض فى مكان آخر وإنما مستوى واحد على طول الخط الذى رسم وشق وسط الصحراء، وليس هناك فوق هذا المجرى جسر أو معبر واحد.
ومن هنا فإن ثقاة العسكريين فى الغرب وفى الشرق يعتبرون مجرى قناة السويس واحد من أهم الخطوط الدفاعية الطبيعية فى العالم من حيث كونه مانعاً ضخماً أمام المدافع عائقاً ضخماً بنفس المقدار أمام المهاجم.
2 - الشاطئ الآخر.
على حافة الماء مباشرةً وعلى الكثبان الرملية أو تحتها بمعنى أصح أقام العدو خط دفاعه الأول تعزيزاً لدور المانع الطبيعى وهو قناة السويس.
وكان العدو قد بنى على هذا الشاطئ ما عرف فى مرحلة سابقة باسم خط بارليف وشلت المدفعية المصرية هذا الخط وفكت تماسكه ولكن العدو أعاد بناء هذا الخط فى الشهور الأخيرة وعلى صورة مغايرة تماماً للخط القديم.
وتقول تقديرات مراكز الدراسات العسكرية فى عواصم الغرب أن إسرائيل صرفت على إعادة بناء هذا الخط خلال الشهور الستة الماضية مبلغاً يزيد على مائتى مليون جنيه إسرائيلى "أى ثلاثين مليون جنيه إسترلينى" وكان السبب فيما يقدر خبراء هذه المراكز هو أن إسرائيل بعد إتمام بناء شبكة الصواريخ المصرية غيرت تخطيطها للمعركة القادمة.
- قبل عدة شهور كان تخطيطها أن تحارب معركتها ضد أى عملية عبور مصرية فى منطقة الرمال المحصورة بين كثبان شاطئ القناة الشرقى وبين صخور الممرات.
كانت مهمة خط بارليف فى تلك المرحلة هى تعويق أى عبور مصرى.
أما الطيران الإسرائيلى فكانت عليه مهمة التصدى لقوات العبور المصرية أثناء تقدمها بعد ذلك لمحاولة ضربها.
- وبعد إتمام بناء شبكة الصواريخ المصرية غيرت إسرائيل تخطيطها وأصبح قرارها - فيما يقدر خبراء المراكز العسكرية فى الغرب - أن تكون المعركة الكبرى ضد قوات العبور المصرية على حافة الماء مباشرة بواسطة التحصينات وبواسطة المدرعات وراء هذه التحصينات.
ومن هنا أعيد بناء خط بارليف وفق التصور الجديد للمعركة.
معنى ذلك أن الجيش المصرى فى تقدمه سوف يواجه ما لم يواجهه جيش من قبل. وأظنها سوف تكون - فيما أذكر - أول مرة فى تاريخ الحروب يواجه أى جيش أمامه:
- مانعاً أو عائقاً طبيعياً صعباً [قناة السويس].
- ثم خطاً دفاعياً أقيم على حافتها مباشرةً [خط بارليف فى وضعه الجديد].
من قبل واجهت الجيوش المتحاربة فى أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية عوائق مائية، نهر "الفولجا" فى الشرق أو "الراين" فى الغرب مثلاً - ولكن هذه الأنهار الطبيعية لا تشبه ولا تقارب قناة السويس عمقاً أو عرضاً أو مجرى.
ومن قبل واجهت نفس الجيوش المتحاربة فى أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية خطوطاً دفاعية حصينة، خط "ماجينو" الذى أقامته فرنسا أو خط "سيجفريد" الذى أقامته ألمانيا مثلاً، ولكن هذه الخطوط الحصينة لم تكن قابعة على حافة مانع مائى خصوصاً إذا كان هذا المانع هو قناة السويس.
3 - إذا ألقينا بعد ذلك نظرة على منطقة الرمال المفتوحة فيما يلى الكثبان الرملية المطلة على حافة قناة السويس..
فإن هذه الأرض المحصورة - بين كثبان الرمال وبين مرتفعات منطقة المضايق - هى الأرض التى كان العدو فى مرحلة سابقة من تخطيطه يريدها مسرحاً أساسياً لعربدة طيرانه ضد قوات أى عبور مصرى.
وبعد إتمام تركيب شبكة الصواريخ المصرية غير العدو تخطيطه لأن مدى هذه الصواريخ يمكن أن يغطى هذه المنطقة ويجعل عمل الطيران فوقها محفوفاً بالمخاطر.
وهكذا فى التخطيط الجديد - فيما تقول مراكز الأبحاث فى الغرب - نقل العدو مسئولية العمل فى هذه المنطقة من الطيران إلى المدرعات.
أصبح قراره أن يوجه الصدمة الأولى ضد قوات العبور المصرية من خط التحصينات على حافة القناة.. .لكى تكون هذه التحصينات طبقاً للتصور الإسرائيلى بمثابة مصفاة.
وما ينفد من المصفاة تتلقاه قوات المدرعات فى المنقطة المفتوحة المحصورة بين كثبان الرمال وبين بداية المرتفعات نحو المضايق.
4 - والمضايق بعد ذلك هى خط الدفاع الثابت الثانى بعد الخط الأول المرتكز على حافة القناة.
ومنطقة المضايق سلاسل جبال تتشابك وتدور حول بعضها وهى فى تقدير كل المهتمين بدراسة سيناء - المفتاح الرئيسى للسيطرة على هذه الصحراء المقدسة.
وكانت منطقة المضايق هى هدف عملية الإنزال المشهورة فى ممر ميتلا سنة 1956 وكان الإنزال فيها ثنائى الهدف:
- احتلالها ومنع الكتائب المصرية القليلة فى سيناء وقتئذ من التمركز فيها لوقفة دفاعية تصد الجيش الإسرائيلى عن الوصول إلى قناة السويس.
- ثم إن احتلالها إذا تم بعملية إنزال سريعة تعطى الإسرائيليين فرصة ليعلنوا أن قواتهم وصلت إلى بعد خمسة وثلاثين كيلو متراً من قناة السويس وكانت هذه هى الإشارة المتفق عليها لتتم المؤامرة الثلاثية. ويعلن إيدن - رئيس وزراء بريطانيا - وموليه - رئيس وزراء فرنسا - أن بلادهما سوف تضطر إلى التدخل لفصل المتحاربين حول القناة ولحماية هذا الممر الهام للملاحة العالمية.
5 - وأما الصحراء المكشوفة من حول منطقة المضايق وما وراءها فليست عليها موانع طبيعية حتى بلوغها خط الحدود المصرية الدولى تقريباً.
وفى هذا الاتساع الصحراوى الشاسع والمفتوح فإن إسرائيل تعتمد على المناورة بالمدرعات وعلى تركيز الطيران.
هكذا فإن خطة الدفاع الإسرائيلى أصبحت تعتمد على خطين ثابتين:
الأول - القناة وخط بارليف.. والآخر - جبال المضايق.
كذلك فإنها تعتمد على منطقتين مكشوفتين لعمل المدرعات والطيران:
- أولاهما المنطقة المحصورة ما بين كثبان الشاطئ الشرقى إلى المضايق..
- والأخرى الصحراء المفتوحة من حول المضايق وما يليها.
.. .. .. ..
هذه لمحات سريعة كأنها جوانب مشهد يلتقطه البصر فى طرفة عين ويمضى بعده بسرعة إلى بقية مشاهد الصورة العامة التى سوف يمارس فيها الجيش المصرى دوره الوطنى والقومى.
ثانياً:
إن الجيش المصرى سوف يواجه المعركة وحده.
سوف تصدر بيانات تعلن عن رفع درجة الاستعداد فى جيوش عربية أخرى.
وسوف تنطلق إعلانات تذيع أن قوات هذا البلد أو ذاك على استعداد للتوجه إلى ميدان القتال.
ولكن من سوء الحظ أن المعارك لا تُخاض بالبيانات والإعلانات.
ومن سوء الحظ أكثر أن هذه البيانات والإعلانات لا تساعد الجيش المصرى بقدر ما تساعد عدوه.
وللعقيد معمر القذافى فى هذا التقليد العربى رأى نافذ ولعله رأى جارح يقول فيه:
- لماذا ندعى بعكس الحقيقة.. .لماذا لا نقول برجولة أن الجيش المصرى وحده فى الميدان؟
المشكلة أننا حين نغالط وندعى بوجود غيره فإن كل ما نفعله هو أننا نوحى للعالم أن إسرائيل محاصرة بعدة جيوش وأن دولاً عديدة تكالبت عليها وبالتالى فإننا نفتح لها الباب لكى تشد غيرها معها فى المعركة.
يبقى الجيش المصرى أمامها وحده، وتستغل هى الأوهام التى نطلقها نحن فتجئ بغيرها يساعدونها بالطريق المباشر أو غير المباشر على أساس خرافة أن الأعداء أطبقوا عليها من كل جانب!!
لماذا لا نقول الحقيقة ولو مرة واحدة.
ونقولها ولو حتى بالسكوت ما دمنا لا نملك غيره؟".
ثالثاً:
إن الجيش المصرى سوف يواجه الجيش الإسرائيلى بأكمله، وكل المعلومات - مرة أخرى لدى مراكز الدراسات العسكرية فى الغرب، وفيها الثقاة والخبراء - تشير إلى أن ذلك هو المعنى، الذى يمكن استخلاصه من توزيع القوات الإسرائيلية على الجبهات العربية.
الجبهة الأردنية ليس عليها غير قوات الأمن الداخلى فى إسرائيل.
الجبهة السورية ليس عليها حتى هذه اللحظات غير لواء واحد.
والجبهة المصرية أمامها الآن فى سيناء - غير ما يمكن دفعه بسرعة فائقة من القوات الاحتياطية - ما يلى:
- فرقتان من المشاة الميكانيكية [35 ألف جندى].
- فرقة مدرعة [أربعمائة دبابة بأطقمها].
- لواء قوات كوماندوز محمول جواً بالهليكوبتر [70 طائرة هليكوبتر وثلاثة آلاف من قوات المظليين].
- مائة قاذفة ومقاتلة فى مطارات سيناء القريبة.
- ما بين ثمانمائة إلى ألف مدفع ثقيل.
هذا غير قوات خط التحصينات القابع على حافة الماء مباشرةً وحقول ألغامه، ونطاقات أسلاكه الشائكة، وأسلحته، وما زود هذا الخط نفسه به من المخترعات وحيل الخداع والتمويه.
وهذا أيضاً غير ما تستطيع إسرائيل دفعه بسرعة إلى مسرح العمليات المصرى فى حالة اتساع مدى القتال واضطرارها إلى التعبئة الجزئية أو العامة.
وفى هذه الحالة فإن الجبهة المصرية سوف يكون عليها أن تتحمل طاقة ثلاث فرق مدرعة [1300 دبابة] وخمس فرق من المشاة الميكانيكية، وقوة السلاح الجوى الإسرائيلى كلها [أى حوالى 600 طائرة بينها الفانتوم وسكاى هوك والميراج وغيرها].
رابعاً:
إن الجيش المصرى سوف يقوم بما يتحتم عليه أن يقوم به، ويواجه ما يتحتم عليه أن يواجهه بعد قرابة أربع سنوات حافلة.
1 - كان عليه فى بدايتها أن يتحمل خطايا هزيمة لم يكن الذنب فيها على المقاتلين [وتلك مسألة سوف يدور فيها بعد المعركة بحث طويل يضع الحق فى مكانه ويكتب التاريخ كما ينبغى أن يكتب التاريخ إنصافاً وانتصافاً].
2 - كان عليه أن يتحمل بعد ذلك استفزازات لا قبل لمقاتل شريف بتحملها ولكنه تقبلها بمنطق الكاظمين الغيظ انتظاراً للحظة يستطيع فيها أن يرد على النار بالنار.
ولكى يصحح تصوراً شاع، جعل عدوه أسطورة وجعل منه هو عبرة، والتصور بشقيه على غير أساس فلا عدوه يستحق أن يكون أسطورة ولا هو يستحق أن يكون عبرة!
3 - وكان عليه فيما تلا ذلك أن ينصرف لعملية إعادة بناء نفسه واستيعاب سلاحه واستعادة الثقة فى المثل الأعلى.
وكانت عملية إعادة البناء واستيعاب السلاح واستعادة الثقة، فى أصعب الظروف الطبيعية والإنسانية، من تحمل قسوة الصحراء إلى تحمل سيطرة العدو الجوية على السماء.
4 - وفى هذه الفترة واجه تجربة بالغة القسوة نفسها عليه، تلك هى أن العدو راح يتجنبه وينفذ من فجوات بعيدة إلى عمق مصر، يحاول منها أن يطول المرافق الحيوية أو يتجاوز ذلك إلى الإغارة على أهداف مدنية يقتل فيها الرجال والنساء والأطفال فى المصانع وفى المزارع وفى المدارس.
5 - وتوقفت قسوة التجربة النفسية، تفسح الطريق لتجربة أخرى.
تحول العدو من غارات العمق وراء الجبهة وصب جنونه كله على شريط رفيع من الأرض بمحاذاة الشاطئ الغربى لقناة السويس وبعرض ثلاثين كيلو متراً بعد ذلك عمقاً.
على هذا الشريط المحدد وهو ركيزة الخط الأمامى من الجبهة المصرية كان متوسط غارات العدو اليومية 150 غارة وكان معدل القصف متوسطه 1200 طن متفجرات كل يوم ولأكثر من مائة يوم متواصلة.
وكانت طاقة التحمل المصرى مجيدة حتى استطاعت طلائع شبكة الصواريخ أن تأتى بأسبوع "تساقط الطائرات" المشهور وهو الأسبوع الأول من يوليو1970.
6 - ثم وجد نفسه مدعواً بالتطورات أن ينتقل من عصر إلى عصر فى الحروب.. من عصر الحروب التقليدية إلى عصر الحرب بالإلكترونات، ومن عصر الرؤية النهارية بالنظارات المكبرة إلى عصر الرؤية الليلية بالأشعة تحت الحمراء.
7 - وفجأة - والدنيا هائجة مائجة - رحل قائده الأعلى.
إن الدنيا اهتزت كلها لرحيل جمال عبد الناصر، ولكن ما من مكان كان وقع الصدمة فيه مروعاً كما كان فى الجبهة.
كانت الصلة بين عبد الناصر والمقاتلين صلة من نوع خاص.
كان المقاتلون يعرفون أن الرجل الذى يمسك فى يده بزمام المعركة قادر على تحريك عوالم بأكملها وذلك عن طريق مكانته وشخصيته التاريخية التى تملأ منطقة الشرق الأوسط بأسرها وتؤثر منها على العالم.
كانت هناك هالة ثقة - صنعتها التجارب - تحيط به فى كل وقت.. .كان بشكلٍ ما رجل الأوقات العصبية، وكان رجل المعجزة فى زمان بعد عهده بالمعجزات.. .
لكن فترة الانتقال - من المعركة بوجود عبد الناصر، إلى المعركة على طريق عبد الناصر - مرت بأمان.
8 - وكان مطالباً فى النهاية بأن ينتظر السياسة تحل الأزمة - بالسلم - إذا لاح للسلم طريق.
أو تصدر إليه الأمر بالقتال، إذا استحال طريق السلم، وتكون على الأقل قد مهدت له الأجواء كى يؤدى مسئوليته فى أكثر الظروف السياسية ملاءمةً لإنجاح مهمته، ومع المراعاة الكاملة لإطار التوازن الدولى الراهن وهو إطار لا يستطيع أحد أن يتجاوزه بسهولةٍ أو بيسر.
خامساً:
وطول الطريق ومنذ البداية وإلى النهاية فإن الجيش المصرى كان يراوده إحساس أصيل بالانتماء إلى شعبه.
وكان شعوره عميقاً بمدى التضحيات التى قدمها هذا الشعب حتى من قوت يومه لكى يوفر للجيش كل ما هو ضرورى.
وكانت القوات تتشوق مرات كثيرة إلى خوض المعركة ولو قبل تمام الاستعداد لها لكى تختصر بعض العبء على الشعب، وكانت فى ذلك على استعداد لأن تدفع الفارق من تضحيات بالدم إذا دعا الأمر.
وذلك شعور لا يستطيع أن يحس به غير الذين يستطيعون أحياناً أن يلمسوا نبض المقاتلين ويتسمعوا بشفافية العاطفة على دقاته وخفقاته.
وتلك ميزة من ميزات جيش الشعب يختلف بها عن غيره فهو ليس جيش حزب، ولا حزب جيش، كما أنه ليس أداة قمع لسلطان، أو طبقة فوق الطبقات.
وخلال الأيام الأخيرة، ومنذ أعلن أنور السادات فى خطابه إلى الأمة يوم الأحد 7 مارس "أنه قد جاءت اللحظة التى يتحتم فيها على كل مصرى أن يقف ليؤدى واجبه" - فإن أمة بأسرها كانت تحاول من بعيد أن تصغى لأحاديث الجنود.
وكانت الأصداء من هناك حماسة صافية، حماسة الشجاعة المبرأة من كل أثر للمزايدة التى شوهت مع الأسف وجه النضال العربى المعاصر.
هناك لم تكن حماستهم مزايدة.. .إنهم هناك على خط النار.
لا يزايدون.. لأنهم هناك على خط النار.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: قناة السویس عبد الناصر خط بارلیف فى الغرب هذا الخط بعد ذلک على خط
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية يسلم رئيس تشاد رسالة من الرئيس السيسي
التقى الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة، اليوم الجمعة، مع رئيس جمهورية تشاد المشير محمد إدريس ديبي اتنو، في العاصمة نجامينا.
وخلال اللقاء سلمّ الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة، رسالة من رئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى نظيره التشادي، تؤكد على العلاقات التاريخية الوطيدة التي تجمع البلدين الشقيقين، والرغبة في الارتقاء بالعلاقات الثنائية في كافة المجالات.
واستهل الوزير عبد العاطي اللقاء بنقل تحيات وتقدير الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى أخيه المشير محمد إدريس ديبي اتنو، وقدم التهنئة للرئيس التشادي على قرب الانتهاء من الاستحقاق الدستوري الأخير بالفترة الانتقالية.
وأكد وزير الخارجية، عمق العلاقات التي تربط البلدين، والأهمية التي توليها مصر لتطوير أطر التعاون الثنائي وتعزيز العلاقات بين البلدين على المستويات السياسية والاقتصادية والتنموية، مشيراً إلى أهمية متابعة تنفيذ مخرجات القمة التي عقدت بين رئيسي البلدين في نهاية شهر يوليو 2024.
وأشار الوزير عبد العاطي، إلى أنه بناء على توجيهات رئيس الجمهورية، فقد اصطحب خلال زيارته إلى تشاد مجموعة من ممثلي أبرز شركات القطاع العام والخاص المصري، في ضوء التكليفات الرئاسية بدعم تشاد والمساهمة في نهضتها التنموية بقيادة الرئيس ديبي اتنو، منوهاً إلى أن الإمكانات الكبيرة والخبرة التي تتمتع بها الشركات المصرية في إفريقيا تمكنها من تنفيذ مشروعات كبرى في العديد من المجالات الحيوية كالبنية التحتية، والطاقة، والصحة، والزراعة، والدواء لدعم الاقتصاد التشادي. وأوضح إمكانية قيام الشركات المصرية بمساعدة تشاد في بناء السدود وحفر الآبار لحصد مياه الأمطار، واستخدامها لاحقاً في المناطق الصحراوية النائية.
وثمن وزير الخارجية، مذكرة التفاهم التي تم التوقيع عليها بين الجانبين لتنفيذ مشروع طريق الربط البري بين مصر وتشاد، مؤكداً على أهمية تنفيذ هذا المشروع في أقرب وقت ممكن، والذي سيعد شرياناً للتنمية بين مصر وتشاد، وسيحول تشاد إلى مركزاً تجارياً هاماً يربط بين البحر المتوسط وخليج غينيا.
وفيما يتعلق بالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، استعرض وزير الخارجية الرؤية المصرية للتعامل مع تلك الظاهرة من خلال منظور شامل يواجه كافة العوامل المؤدية إلى ظهورها، مشيراً إلى الدور الهام للأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية في توضيح وسطية وسماحة الإسلام في مواجهة التشدد والتطرف، وكذلك البرامج التدريبية التي ينظمها كل من مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام والوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، مؤكداً على أهمية التعاون الثنائي في مواجهة ظاهرة الإرهاب التي تستهدف زعزعة استقرار الدول الأفريقية.
ومن ناحية أخرى، تناول اللقاء عدداً من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، حيث تم تناول المستجدات على الساحة السودانية والجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية للأزمة تفضي إلى إنهاء الصراع، مع أهمية تكثيف التشاور على ضوء تأثير التطورات في السودان بشكل مباشر على مصر وتشاد.
حضرت اللقاء الدكتورة حنان مرسي مرشحة مصر لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، حيث تم استعراض في اللقاء رؤيتها لتعزيز كفاءة عمل مفوضية الاتحاد الإفريقي، وخبراتها الممتدة في المنظمات الدولية في المجالات المالية والإدارية بما يحقق المصالح الجماعية للدول الأفريقية.
من جانبه، طلب المشير ديبي اتنو، نقل تحياته إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، معرباً عن تقديره للعلاقات الأخوية التي تجمع مصر وتشاد، وللدور المصري الفاعل في القارة الإفريقية وجهودها لتعزيز الأمن والاستقرار، ورحب بوفد رجال الأعمال المصري وممثلي الشركات الكبرى المصرية المرافق، مؤكداً على أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين الشقيقين.
اقرأ أيضاًوزير الخارجية يؤكد حرص مصر على دعم قدرات المؤسسات التشادية في مختلف المجالات
وزير الخارجية يؤكد التزام مصر بتعزيز العمل المشترك مع تجمع دول الساحل والصحراء
وزير الخارجية يزور فرع جامعة الإسكندرية في تشاد