صدر حديثاً كتاب "التوقيع الصوتي.. قراءات في التجربة الشعرية للدكتور الشاعر طلال الجنيبي"، من إعداد الشاعر والباحث المغربي الدكتور زكرياء الزاير، ومن منشورات "مطبعة وراقة بلال".

يحتفي الكتاب بتجربة الشاعر الإماراتي الدكتور طلال سعيد الجنيبي في حلولها الشعري الشفيف، عبر أكثر من 15 دراسة وشهادة مختلفة المناهج والرؤى والمقاربات، تناولت أشعار الجنيبي بأكثر من قراءة ودراسة نقدية من مختلف الحساسيات النقدية العربية.

دراسات ثرية

وقد حملت الدراسات النقدية الثرية العناوين التالية: "البنية اللغوية والإيقاعية وأثرها في البناء الدلالي في شعر طلال الجنيبي" للباحث والناقد الدكتور شعبان بدير من مصر، و "التجربة الشعرية للدكتور طلال الجنيبي في مجموعته الإمارات في القلب" للدكتور الناقد مازن موفق من العراق، و"خطاب العتبات وظلال التّصوّف بين الروح والجسد" للناقد الدكتور حافظ المغربي من مصر، و "الإماراتي طلال الجنيبي شاعر مختلف.. أخلص لعمود الشعر" للناقد الدكتور عمر أبو الهيجاء من الأردن، و "طلال الجنيبي يرتدي عباءة الفلسفة من محيط الحكمة" للباحث والناقد علي الستراوي من البحرين، "شاعر يصطاد الضوء، ويحمل الإمارات في القلب "للباحث الدكتور نصر الدين شردال من المغرب، و"الروحانية في شعر طلال الجنيبي" للباحث محمد أحمو الأحمدي من المغرب.

كما شارك الدكتور الباحث عبد الحكيم الزبيدي من الإمارات بورقة نقدية تحدث فيها عن مشاركات طلال الجنيبي في كتب منتدى شهاب غانم الأدبي، بينما تناول الشاعر والناقد نزار أبو ناصر من فلسطين، "التركيبة الأساسية للقصيدة "الجنيبية"، وكتب الناقد والباحث ناظم ناصر من العراق "فضة الماء التي تحولت إلى كلمات تحت ضوء القمر" حول ديوان الجنيبي "على قيد لحظة".

كما اشتمل الكتاب على مجموعة شهادات من كتاب وأدباء ونقاد منهم، براء محمد من سوريا، وورقة "نماذج من المفارقة التصويرية في ديوان "تهفو إليك" لطلال الجنيبي" وزهور كرام من المغرب والتي حملت شهادتها عنوان"عندما يرقى الشعر بصوته" بالإضافة لشهادة لسمية وظيفي من المغرب، أما الباحث والناقد الدكتور أحمد عقيلي من سوريا فقد تناول"وقفات جمالية مع إبداعات الشاعر المتألق طلال الجنيبي"، واشتمل الكتاب كذلك على ترجمة لقصيدة " فضاء زايد" The space of Zayed   للجنيبي ترجمتها للإنجليزية الدكتورة المترجمة والباحثة نعيمة الغامدي من السعودية.

جهود إماراتية

ويقول الدكتور الزاير في تقديمه للكتاب: "إن الكتاب اعتراف بما قدمه طلال الجنيبي للشعرية العربية المعاصرة، واعترف، أيضاً، بالجهد الذي تبذله الإمارات، للنهوض بالفعل الثقافي والأدبي والفني على مستوى الوطن العربي برمته، موضحاً أن شعر الجنيبي انتقائي تبدو عناصره منظومة على أساس إيحائي ينضح بالإحساس والوجدان والشعور الجياش، وفي تلك العناصر تكمن جمالية المتن لديه، وجمالية الغنائية المفتوحة على دلالات عديدة تزخر بها القصيدة العربية على العموم".

ويضيف: "قدمت –القراءات- بحثاً مستفيضاً في الجوانب الدلالية والفنية والأسلوبية في القصيدة الجنيبة، مركزة -هذه الدراسات- على جانب التوقيع الصوتي، باعتباره ميزة اختص بها شاعرنا، وقد كان ذلك، بالاعتماد على مناهج ورؤية نقدية تتميز بالجدة والموضوعية، مؤكداً أن العينة الشعرية المنتقاة في الدراسات نجحت في إبراز مختلف الجوانب التي يمتاز بها شعر الجنيبي خاصة ميزة التوقيع الصوتي".

ويقول الباحث والناقد الدكتور شعبان بدير في دراسته: "من أبرز ما يميز الشاعر الجنيبي سعيه الدائم لإيجاد علاقة بين النص والإيقاع الصوتي ليبتكر طريقة خاصة به حتى عرف بشاعر (التوقيع الصوتي) من دون أي أدوات موسيقية وبلغة أخرى هي الإلقاء الملحن للقصيدة استحدث لنفسه مضماراً مختلفاً، يجري فيه بلا منافس مكتسباً هوية شعرية مبتكرة الملامح والأسلوب، والتوقيع أسلوب في تلحين الأشعار، عرفه العرب، وأثنى عليه ابن خلدون في مقدمته".

إلى أن يقول: "السؤال عند الجنيبي عطش وبحث دائم وهيام، ومن ثم يلجأ الشاعر إلى السؤال المعرفي سعياً منه للإجابة عن الأسئلة التي تقض مضاجعه وتربك وجوده، ومن ثم مثل السؤال هاجساً غير طبيعي في شعره، حتى كرره واستخدمه بكل أدواته، ففي قصيدته الأولى (أحدث عنك) في ديوان "على قيد لحظة" والتي مطلعها:
أحدث عنك جميع الفصول       أحدث عنك ليالي السهر
كرر فعل السؤال ومصدره 7 مرات في نقلات جديرة بالتأمل، يقول فيها:
فأسأل عنك بغير سؤال     لينساب لحن رقيق الأثر
تحركه الروح بين الضلوع  بغير حديث كعزف الوتر
ثم يقول:
أحدث عنك عزوف السؤال     وسرك بين خبايا الفكر
فالسؤال طاقة كبيرة في فتح النص حوارياً ودرامياً، فضلاً عما يتركه التنوع الصياغي لها من أثر جمالي في المتلقي".

ظلال التصوف

وفي دراسة "خطاب العتبات وظلال التصوف بين الروح والجسد" للناقد حافظ المغربي التي اشتمل عليها الكتاب، يقول المغربي: "إن شاعراً مثل طلال الجنيبي، لا نستطيع أن نعلن من خلال نصوصه أنه شاعر صوفي كابن عربي وابن الفارض قديماً، وإنما هو شاعر تمثل التجربة الصوفية بمصطلحاتها التي حوّلها إلى خطاب شعري روحاني صوفي، كما تمثلها من قبل الشاعر المصري صلاح عبد الصبور والشاعر التونسي محمد الغُزّي على سبيل المثال لا الحصر، غير أن ما يمكن أن يختلف به الجنيبي عنهما وأمثالهما، أنه لم يستدعِ –في جل قصائد ديوانه- مصطلحات الصوفية بمسمياتها شكلاً، بل استدعى مضامينها.. وبخاصة ما يحوم أو ما يتماهى مع الحقلين الدلاليين والمصطلحين "الروح"و"الجسد"، لقد كانت تجربته في جانب تجديدي في الخطاب الصوفي، أقرب إلى فكر صلاح عبد الصبور".

قريحة خصبة

وفي وقفات جمالية حول ديوان الجنيبي "على قيد لحظة" يذكر أحمد عقيلي: "هذا النتاج الشعري إن دل على شيء، فإنما يدل على حيوية الشاعر، وخصب القريحة الشعرية لديه، ولا يقتصر هدا النتاج على الكم فحسب، بل في الكيف، حيث يلمس القارئ والمتفحص تنامياً وتطوراً إبداعياً ملحوظاً، على صعيد الفكرة والأسلوب، إد نراه يشق بسفينته الشعرية عباب بحار فلسفية جديدة، إضافة إلى ما يرفدها من روافد وجدانية، وإنسانية، واجتماعية، يبصر من خلالها مستقبل أمته ووطنه من جهة، ويلمس نبض روحه ووجدانه من جهة أخرى، علاوة على فلسفته الفكرية الجمالية المعمقة، التي لونت ديوانه الشعري بلون جديد، لتشكل في مجموعها مادة شعرية غنية، يمكنها أن تثري الساحة الثقافية العربية وتغنيها، فباب الإبداع مفتوح، وينابيعه لا تنضب".

ختاماً فإن كتاب "التوقيع الصوتي" كشف الكثير من خبايا تجربة الشاعر الجنيبي، بأقلام قامات نقدية مبدعة، لها تاريخها في حقل النقد الأدبي، ولا شك أن كل أديب يتمنى أن تتم دراسة نتاجه الأدبي وتسليط الضوء على مكامن وميزات تجربته، كي يستمر في العطاء والإبداع، مستنيراً بالدراسات العلمية والموضوعية، التي تعزز المشهد الثقافي وتزيده نبضاً وحيوية.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة إصدار حديث من المغرب

إقرأ أيضاً:

ما يبقى من الشعر وما يبقى للشعراء

حاتم الصكر

رغم أن تفوهات الشعراء في الاستجوابات الصحافية والنقدية تُعد متوناً خارج نصوصهم، أجدني مهتماً بها ومتابعاً لتفاصيلها بفضول معرفي للمقارنة بينها وما يتحقق في النصوص. بهذا الإحساس قرأت التحقيق الذي أجراه وقدم له الصديق الناقد عبد اللطيف الوراري (القدس العربي-14 شباط/ فبراير2025) وهو ممن يحرصون على متابعة شؤون الشعر وشجونه، وتقلبات كتابته وتلقيه. لذا وضع عنواناً دالّاً بأقل العبارات. إنه يستفتي أربعة من (شعراء اللحظة الراهنة) كما يصفهم العنوان عبر سؤال جوهري (هل ما زال في جعبة الشعر ما يقوله ويصطنع الدفاع عنه؟).

في التقديم خلص الوراري إلى رسم مشهد شديد التفاؤل براهن الكتابة الشعرية. وجدتني أشاطره إياه، مستذكراً تجربتي حين كنت أجمع نصوص كتابي عن الميتاشعري في قصيدة النثر العراقية، ونصوصاً عربية لجزء تالٍ عن قصيدة النثر العربية. فقد أحسست أن النصوص تشي بكثير من المزايا الفنية والجمالية اللافتة، ذكّرني بها ما تحدث عنه الوراري في التقديم. فقد ارتقت الهوامش الشعرية إلى مقام المراكز التقليدية وبرزت حساسيات شعرية جديدة، ووعي منشقّ متسم بالرفض والغضب والجرأة المضمونية والشكلية.

لكن الوراري يضع يده من بعد على أزمة التلقي، فوجد أن (الجمهور) لا يرى في الشعر الجديد ما يرجوه بالمقايسة مع ما عهده في ذخيرته. إن الأزمة في جانب مهم منها في (التلقي)، كما أود تسميته توسيعاً لمصطلح (الجمهور)، وتخلصاً من إحالاته العامة التي يشير لها وضع الجمهور بإزاء الإلقاء والحالة الشفاهية لتوصيل الشعر. وهو عنصر مهم في صراع النصوص الجديدة مع تداوليتها الناقصة. فالجمهور يقيس بما يعيد لذاكرته (دور الشعر) في التحفيز ومعالجة الأدواء الاجتماعية والسياسية الراهنة، فيما يبدو واضحاً أن الكتابة الشعرية لم تعد قادرة على أن تكون صوتاً مناسباً لتسارع ما يجري، وما يتغير كل ساعة من حولنا. ويقابل ذلك إهمال التلقي المطلوب بكيفيات تحفظ شعرية الشعر وحداثته، وأدبية الكتابة أيضاً. وهو ما سنعالجه في فقرة تالية.

استطاع الوراري إذاً أن يضع طرفيْ المشكلة في صلب استفتاءٍ قصد به استجلاء ما يراه الشعراء في تلك التساؤلات، ما داموا ممن يكتبون الجديد، ويمثلون حساسيات عربية من خمسة بلدان.

وبالعودة إلى الإجابات سنرى أن الشاعرة نجاة علي (مصر) تؤكد ما تشهده القصيدة الجديدة، وهي قصيدة النثر عندها، فهي تتطور وتحرر الكتابة من كون الشعر مجرد شكلٍ لحمل مضامين تسلب روحه الحقيقية. وترى أن الشعر ينجو بالعودة إلى ذات الشاعر وأسئلته. ونفهم أن هذا هو دوره في رأيها.

أما سعيف علي – تونس، فيرى أن التلقي بخير، ويحتكم إلى ما تمثله القراءة عبر المنافذ المستحدثة خلافاً لطريقة التلقي التقليدية أي النشر الورقي حيث الأعداد متواضعة. وهو يذهب إلى الكتابة الشعرية ذاتها وينزع عنها أي دور، فهي تقوم بوظيفتها عبر ما تحققه من إنجاز وتلغي المنبرية وتتجه نحو علاقات تلقٍ يراها مناسِبة. ويأخذنا العراقي أحمد ضياء إلى ما هو قريب من قناعات زملائه في فك ارتباط الشعر بالسياسة كعمل مباشر، وهجْر المنبرية والخطابية، ويلفت النظر إلى ما تفعله الثورة الرقمية من تشتيت التلقي. ويكمل عبد الجواد العوفير من المغرب ما يراه زملاؤه، فالشعر ليس له دور حقيقي في التغيير المطلوب اليوم، لكنه يغير عبر مهمة شعرية أكبر يقوم بها الشاعر للتحرر من المسلمات. ويختم اليمني محيي الدين جرمة بالقول إن التغيير بالمعنى السياسي المباشر والنمطي لا يقوم به الشعر، ويوكل له مهمة جمالية تقترب مما يعوّل عليه زملاؤه عبر عزلات مشروعة ورؤى جديدة لكونه اختياراً جمالياً فرديا.

لاحظت من الإجابات أن ثمة قناعة لدى المستفتين بأن الشعر غادر دوره المرتبط بالمنبرية، وتبعية الجماعة. وأنه ينجز دوره مع تعديل الوظيفة والمصطلح عبر الاقتراب من ذات الشاعر والابتعاد عن الدور السياسي المباشر، لا لتعالٍ أو تجنب لما هو مشروع في الحياة، وحق يتعلق بالحرية والعدالة، ولكن دون خضوع لصوت أعلى من صوت الشعر الذي يصر الشعراء على أنه غادر المنبر والخطابية، واكتفى بجمالياته القادرة على استيعاب ما يجري عبر وعي (مضاد) وعميق ينطلق من ذات الشاعر لا من قناعات جمعية جاهزة، لا تدع له مكاناً خاصاً لتوصيل رؤيته.

حسناَ. للشعراء أن يقولوا ما يرون. فهم أمراء الكلام يصرفونه أنّى شاءوا، كما ينقل حازم القرطاجني في «منهاج البلغاء» عن الخليل بن أحمد. ويستطرد حازم على كلام الخليل بصدد حرية أمراء الكلام، فيقول إنهم لا يقولون شيئاً لا وجهَ له. وذلك يتطلب تأوُّل ما يقولون بوجه من الصحة وتخريج كلامهم عليه.

وهم بحسب هولدرلين في مقولته «ما يبقى يؤسسه الشعراء» موكلين بإنجاز حضاري كبير، لكونهم كما في إحدى قصائده:

الشعراء أوعيةً مقدسة

تُحفَظ فيها خمر الحياة

وروح الأبطال

لكن الفرضية التي يحتج بها العرب لتعظيم دور الشاعر، وحقه في التصريف الحر مشروطة أيضاً. لأن الشعراء موكلون (باستخراج ما كلَّت الألسن عن وصفه ونعته، والأذهان عن فهمه وإيضاحه. فيقربون، البعيد ويبعدون القريب، ويُحتج بهم ولا يُحتج عليهم). وهذا يحيلنا إلى ما ورد من تصريح في نماذج الإجابات لشعراء الجيل الراهن. فإعلاء شأن الشاعر يجب أن يكتمل بتقديم ما لا تستطيعه الألسن الأخرى غير الشعرية. ويعني التنبه إلى كثرة التكرار والتماثل في الأصوات والأساليب حتى في نماذج من شعر الحداثة.

وإذا كنا بصدد الكتابة الجديدة وقصيدة النثر تحديداً، فليكن لنا الحق في افتراض أن لكل شاعر قصيدة نثره. بمعنى تلك التي تعبر عن ذاته ورؤيته. وإلا فقد نجد أنفسنا أمام تقليدية جديدة وهو ما حذّر منه بعض من ساهم في الإجابة على تساؤلات الوراري.

ليكن للشعراء الحق في الابتعاد عن منهجيات الخطاب المباشر ونثره الذي لا يناسب مقاصد القصيدة الجديدة. ولكن علينا أن نتعرف ما تعنيه دعوة الشعراء للعودة إلى الذات. وهو ما يتطلب إزالة غموض والتباس كبيرين يحايثان ذلك. فالذات ليست تلك المقصودة في الشعر الرومانسي مثلاً، أو التي تقف مناوئة للأنا الجمعية التي يندرج الشاعر تلقائياً واختيارياً فيها، حين يكون عليه الاصطفاف مع الآخر في حقوقه وفي عصر يتسم بالقسوة وافتقاد العدالة والانحدار السريع نحو الدكتاتوريات وتجلياتها الاجتماعية.

أما ما يشير له الشعراء في إجاباتهم، وكذلك تقديم الناقد الوراري، حول أزمة التلقي فهو إعلان صادق عن إحساس عام لدى الشعراء بأن القراءة أصبحت بعيدة عن مطمحهم. فهم لا يجدون الصدى والرجع المطلوب لما يكتبون، لا بكونهم أفراداً بانتظار تقويم تجاربهم بقدر الحاجة لمعرفة أصداء كتاباتهم الجديدة وموقعها في الخط الشعري المتنامي، والمعبر عن راهن شعري متميز بمعايشة التحولات الكبرى في الحياة وذلك ما لا تحققه لهم ردّات فعل القراءة الراهنة. فالشعر يأخذ شيئاً فشيئا مكانة قصية من اهتمامات الأجيال والدارسين. ويمكننا أن نعزو ذك لعدة أسباب منها عودة الشفاهية الجديدة بسبب الثورة الرقمية والاستغناء عن القراءة والمتابعة. إنها وباء حضارة الفرجة: نقلة أو ردّة شفاهية لا أريد حصرها شعرياً في تراجع الحداثة وتصدر المنبر والوزن، لكنها سياق عام أهم من ذلك، وأخطر بالضرورة تتمثل في الفرجة والشفاهية.

وفي حوار مع ماريو فارغاس يوسا ترجمة الشاعر اسكندر حبش (ضفة ثالثة. 18/12/24) يجيب على سؤال عما يخص الاتجاه الذي يسلكه العالم اليوم؟ وهل نحن على الدرب السليم؟ فيقول يوسا: إننا في حضارة الفرجة صرنا نعيش تراجعاً أو انحطاطاً (فالحرية الاقتصادية وحرية السوق لم ترافقهما حياة ثقافية مكثفة ولا حياة روحانية، لقد أصبحت الثقافة لعبة، ترفيهًا، وتسلية. لقد هُمّشت بطريقة كبيرة إزاء الزينة والسهولة والسوق). وأحسب أن البصر يتفرج الآن، ويرى لاهياً من دون أن يبصر ما يجري، حتى في حالتنا العربية التي يعوزها التبصر بمآلات حاضرنا ووجودنا.

وها نحن نعيش سطحيات العصر الإلكتروني كما يرى أولتر أونج. عصر «يعادل مرحلة ثانوية من الشفاهية، لا يعتمد فيها الفهم والتصور على مجردات الكتابة، بقدر اعتماده على الحكايات المروية والصور التوضيحية ومغامرات الأبطال، حيث تأخذ المؤثرات السمعية والبصرية بلبّ المتلقي وتسلبه قوة التركيز الذهني».

ولدينا عربياً ما يدعو للإحباط وإضعاف التلقي، متمثلاً بدعوات النقد الثقافي الممنهجة بنسخته العربية إلى نبذ جماليات الشعر، والتهشيم المتعمد لرموزه ومشروعه الحضاري، وتراثه وحداثته، بدعوى نسقيته، والحكم عليه بنفاد صلاحيته.

وأحسب أن مناقشة تلك التفاصيل ستفضي إلى التعرف على ما يمكن للشعر أن يفعله في عالم لا شعري بجدارة.

ولكن يبقى الشعر علامة على إنسانية الإنسان  وتجدد خطاب مواجهة الفناء والانحسار الروحي الخطير.

المصدر: القدس العربي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • بالفيديو.. الدكتور أحمد عمر هاشم يكشف عن عدد المرات التي شُق فيها صدر النبي
  • نجم الفرقد
  • ما يبقى من الشعر وما يبقى للشعراء
  • أحترس.. كيف تؤثر الشعرية الجاهزة على الصحة الإنجابية؟
  • تأجيل محاكمة 19 متهما في قضية خلية المرج الثالثة
  • لـ 10 مايو.. تأجيل محاكمة 19 متهما في قضية «خلية المرج الثالثة»
  • "الجنيبي" لـ"الرؤية": مصنع "أملاح الدقم" يغطي 45% من احتياجات السوق المحلية.. وخطط مستقبلية للتوسع في الصناعات التحويلية
  • «إسلامية دبي» تحتفي بختم ثمانية طلاب القرآن الكريم
  • الأمير الوليد بن طلال عن أحفاده: سارة وجنى استقلالية.. فيديو
  • البتكوين تهبط أكثر من 5% بعد التوقيع على إنشاء احتياطي استراتيجي لهذه العملة المشفرة