ميلاد رسول الله «دراسة تربوية بلاغية لبعض آي الذكر الحكيم» «2»
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
..هذا أول وصف للرسول الكريم؛ حيث لم يكن ملاكًا، ولا رئيس ملائكة، وإنما جعله الله بشرًا، ولو شاء لجعله ملكًا، قال الله تعالى:(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) (الانعام ـ 9)، والوصف الثاني له (صلى الله عليه وسلم) هو:(عزيزٌ عَليه مَا عَنتّم)، وهو كناية عن رقة قلبه الشريف، وخوفه على أصحابه، وتابعيه، فهو يعز عليه عنتنا، وهلاكنا، ودمارنا؛ جراء عصياننا لربنا، وعدم سماعنا لما يأمر به الدين، وينبه عليه سيد المرسلين، و(عزيزٌ) صفة مشبهة، وتعني أن هلكتكم أمر يعز عليه مدى حياته، ويرجو ألا يكون لكم، و(ما) فاعل عزيز، والصفة المشبهة تعني دوام الوصف لصاحبه، سواء أكان فردا أم جماعة، فقد جاء الرسول لإنقاذكم من الهلكة، ويأسى لأن يهلك أحدكم في نار جهنم.
كلمة (عَنتّم) تحكي بتشكيلتها الصوتية العنت، والألم حيث أدغمت التاء في التاء، وكأن صاحبها تكلف على نفسه، وضغط نفسه، وتآكلت أعضاؤه، وتداخلت غمًّا وهمًّا، وعنتًا، وتعبًا، فأصلها (عَنتتم)، ولكن التاء تداخلت في التاء؛ لتحكي عنت صاحبها وتآكلها هلاكًا، وغمًّا، وألمًا، وهمًّا.
وقوله:(حَريصٌ عليكم)، كناية عن شدة حبه، وعمق مودته، وسهره عليكم، (وحَريص) صفة مشبهة، تعني أن الحرص ثابت له، مستمر معه إلى يوم الدين، و(عليكم) تعني حمايته، وعنايته، وظله الوافر علينا، وتظليلنا بحرصه، كـأنه حصن
لنا يظلل علينا من لهيب الحياة، ووهج الواقع، ومرارة الأيام، وبأس الله في بعدنا عنه، فهو حريصً علينا، وهو حريصٌ علينا جميعًا(كم) حيث جاء الضمير(كم) ليبين مدى بصره بنا جميعًا، وحدبه علينا نحن أمة الإسلام، وأنه يضمنا تحت لوائه، ويتفرَّسنا، ويقلب عينيه الشريفتين فينا حرصًا وخوفًا علينا، ورحمة ورأفة بنا.
وقوله:(بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ)، غاية في الرقة والحنان، حيث قدم شبه الجملة(بالمؤمنين) ليدفعنا دفعًا إلى مزيد من الإيمان، وحسن الاتصال بالله، حيث بشرّنا ـ نحن المؤمنين بالله ـ بأنه علينا رؤوف ورحيم، وهما صفتان مشبهتان، يعنيان دوامهما واستمرارهما، وأزليتهما، وتمثلت رأفته ورحمته في سيرته العطرة، وسنته المباركة، قولًا وفعلًا، ومن قرأ السيرة وتعمق فيها، وتهدأ في قراءتها علم عمق الرأفة، واتساع الرحمة، وشمول المودة منه (صلى الله عليه وسلم)، وأن وصف الله له هو وصف غاية في الدقة، والسمو، والصدق، فوزن:(فعول وفعيل) من أوزان الصفات المشبهة، ومن أوزان صيغ المبالغة، فما عليكم إلا أن تستقري السيرة فستجد في كل سيرته، وسلوكياته، وسنته ما يرافق هاتين الصفتين في كل قول أو فعل، أو صمت، وتقرير، مع الكبير والصغير، والعدو والصديق، في الحل والترحال، وفي كل حال، حياته (صلى الله عليه وسلم) كلها رأفة ورحمة وحدب ونعمة، ولذلك قال أهل التفسير ما جمع الله لنبي صفتين من صفاته الكريمة إلا الرسول الكريم:(قال الحسين بن الفضل ـ رحمه الله: لم يجمع الله لأحدٍ من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه قال: بالمؤمنين رءوف، رحيم وقال: إن الله بالناس لرءوف رحيم(.
فكان مولده الشريف ـصلى الله عليه وسلم ـ أكبرَ النعم، وأجلَّ المِنَن، وقد قال الله من قبلُ في كتابه عن شخصه الشريف:(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (آل عمران ـ 164).
ونواصل الحديث حول الآيات التي وَصَفَتْ نبينا الكريم، نستحضرها في يوم ميلاده، وشهر ميلاده، شهر ربيع الشهور، وريحانة الدهور، وفخر العصور، صلى اللهوسلم، وبارك على صاحب الذكرى العطرة، وعلى آله، وصحبه أجمعين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
Drgamal2020@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
آداب المزاح في الإسلام مع الأصدقاء.. 3 شروط التزم بها
كشف الشيخ هشام ربيع، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، عن آداب المزاح في الإسلام وما ينبغي على المسلمين التأسي به وقت المزاح (الهزار) مع الآخرين.
قال أمين الفتوى، في منشور على فيس بوك، يوضح فيه آداب المزاح في الإسلام، إن هناك ثلاثة آداب للمُزاح (الهِزَار) مع الآخرين.
وأوضح هشام ربيع، أن للمُزَاحِ –وهو الكلام الذي يُرَاد به المُدَاعبة والملاطفة- أصلٌ في الشريعة؛ فقد روى الطبراني حديثَ ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنِّي لأمزح، ولا أقول إلَّا حقًّا»، ومازح النبي صلى الله عليه وآله وسلم طفلًا حين مات عصفوره؛ فقال له: « يا أبا عمير، ما فعل النُّغَيْر؟».
وتابع: وما ذلك إلَّا لأنَّ غريزة النَّفْس البشرية تميل للبشاشة واللطافة، وتَأنَف العُبُوس والكآبة؛ ومع هذا فإنَّ الشريعة الإسلامية حَدَّدت إطارًا بضوابط وآداب لهذه الغريزة تعمل من خلاله دون أن تميل أو تَحيدَ عن جَادتها.
آداب المزاحذكر أمين الفتوى، أن آداب المزاح تتمثل في الآتي:
1- ألَّا يشتمل المُزَاح على قولٍ مُحَرَّم؛ كالغيبة أو النميمة، أو على فِعْلٍ مُحرَّم؛ كانتقاص وازدراء الشعائر الدينية التي الأصل فيها التعظيم.
2- البُعْد عن الكلام الفاحش، وتَجنُّب سيء الحديث؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيَّ» (أخرجه البخاري في الأدب المفرد).
3- ألَّا يتضمن المُزَاح إلحاق الضرر –بكل أنواعه- بالغير، فإيذاءُ الناس مذمومٌ في الشرع، وقد وَرَد المنع والتحذير منه؛ قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].
وأشار إلى أن الذي يَحْمِل الشخص على تحقيق ذلك وامتثاله هو: تَذَكُّر قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 18]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم» رواه البخاري.