..هذا أول وصف للرسول الكريم؛ حيث لم يكن ملاكًا، ولا رئيس ملائكة، وإنما جعله الله بشرًا، ولو شاء لجعله ملكًا، قال الله تعالى:(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) (الانعام ـ 9)، والوصف الثاني له (صلى الله عليه وسلم) هو:(عزيزٌ عَليه مَا عَنتّم)، وهو كناية عن رقة قلبه الشريف، وخوفه على أصحابه، وتابعيه، فهو يعز عليه عنتنا، وهلاكنا، ودمارنا؛ جراء عصياننا لربنا، وعدم سماعنا لما يأمر به الدين، وينبه عليه سيد المرسلين، و(عزيزٌ) صفة مشبهة، وتعني أن هلكتكم أمر يعز عليه مدى حياته، ويرجو ألا يكون لكم، و(ما) فاعل عزيز، والصفة المشبهة تعني دوام الوصف لصاحبه، سواء أكان فردا أم جماعة، فقد جاء الرسول لإنقاذكم من الهلكة، ويأسى لأن يهلك أحدكم في نار جهنم.


كلمة (عَنتّم) تحكي بتشكيلتها الصوتية العنت، والألم حيث أدغمت التاء في التاء، وكأن صاحبها تكلف على نفسه، وضغط نفسه، وتآكلت أعضاؤه، وتداخلت غمًّا وهمًّا، وعنتًا، وتعبًا، فأصلها (عَنتتم)، ولكن التاء تداخلت في التاء؛ لتحكي عنت صاحبها وتآكلها هلاكًا، وغمًّا، وألمًا، وهمًّا.
وقوله:(حَريصٌ عليكم)، كناية عن شدة حبه، وعمق مودته، وسهره عليكم، (وحَريص) صفة مشبهة، تعني أن الحرص ثابت له، مستمر معه إلى يوم الدين، و(عليكم) تعني حمايته، وعنايته، وظله الوافر علينا، وتظليلنا بحرصه، كـأنه حصن
لنا يظلل علينا من لهيب الحياة، ووهج الواقع، ومرارة الأيام، وبأس الله في بعدنا عنه، فهو حريصً علينا، وهو حريصٌ علينا جميعًا(كم) حيث جاء الضمير(كم) ليبين مدى بصره بنا جميعًا، وحدبه علينا نحن أمة الإسلام، وأنه يضمنا تحت لوائه، ويتفرَّسنا، ويقلب عينيه الشريفتين فينا حرصًا وخوفًا علينا، ورحمة ورأفة بنا.
وقوله:(بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ)، غاية في الرقة والحنان، حيث قدم شبه الجملة(بالمؤمنين) ليدفعنا دفعًا إلى مزيد من الإيمان، وحسن الاتصال بالله، حيث بشرّنا ـ نحن المؤمنين بالله ـ بأنه علينا رؤوف ورحيم، وهما صفتان مشبهتان، يعنيان دوامهما واستمرارهما، وأزليتهما، وتمثلت رأفته ورحمته في سيرته العطرة، وسنته المباركة، قولًا وفعلًا، ومن قرأ السيرة وتعمق فيها، وتهدأ في قراءتها علم عمق الرأفة، واتساع الرحمة، وشمول المودة منه (صلى الله عليه وسلم)، وأن وصف الله له هو وصف غاية في الدقة، والسمو، والصدق، فوزن:(فعول وفعيل) من أوزان الصفات المشبهة، ومن أوزان صيغ المبالغة، فما عليكم إلا أن تستقري السيرة فستجد في كل سيرته، وسلوكياته، وسنته ما يرافق هاتين الصفتين في كل قول أو فعل، أو صمت، وتقرير، مع الكبير والصغير، والعدو والصديق، في الحل والترحال، وفي كل حال، حياته (صلى الله عليه وسلم) كلها رأفة ورحمة وحدب ونعمة، ولذلك قال أهل التفسير ما جمع الله لنبي صفتين من صفاته الكريمة إلا الرسول الكريم:(قال الحسين بن الفضل ـ رحمه الله: لم يجمع الله لأحدٍ من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه قال: بالمؤمنين رءوف، رحيم وقال: إن الله بالناس لرءوف رحيم(.
فكان مولده الشريف ـصلى الله عليه وسلم ـ أكبرَ النعم، وأجلَّ المِنَن، وقد قال الله من قبلُ في كتابه عن شخصه الشريف:(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (آل عمران ـ 164).
ونواصل الحديث حول الآيات التي وَصَفَتْ نبينا الكريم، نستحضرها في يوم ميلاده، وشهر ميلاده، شهر ربيع الشهور، وريحانة الدهور، وفخر العصور، صلى اللهوسلم، وبارك على صاحب الذكرى العطرة، وعلى آله، وصحبه أجمعين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
Drgamal2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

كيفية رد الدين إذا كان ذهبا .. دار الإفتاء توضح

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما كيفية رد الدين إذا كان ذهبا؟ لأن زوجتي لها عند والدها ووالدتها ذهبًا منذ عدة سنوات، وقد وعد الأب والأم بردّه أكثر من مرة ولم يَرُدَّاه حتى الآن، ما حكم الشرع في ذلك؟

حكم سداد الدين عن طريق الخطأ.. دار الإفتاء تجيب ما حكم سداد ورثة الكفيل الدين المؤجل على الميت بالكفالة بمجرد وفاته؟

وأضافت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال إنه إذا كان الحال كما ورد بالسؤال، فيجب على والدَي زوجة السائل الوفاء بالدّين المذكور، ويُرَدُّ هذا الدين ذهبًا بنفس المقدار الذي أخذاه من ابنتهما، لا بقيمته وقتها ولا وقت الرد.

حكم المماطلة في سداد الدين

وذكرت الصفحة الرسمية لمجمع البحوث الإسلامية، حكم المماطلة في سداد الدين، حيث ذكرت السنة النبوية قول -رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ». صحيح البخاري
(من أخذ أموال الناس) بوجه من وجوه التعامل أو للحفظ أو لغير ذلك كقرض أو غيره، لكنه (يريد أداءها) (أدى الله عنه) أي يسر الله له ذلك بإعانته وتوسيع رزقه.

وتابعت: (ومن أخذ) أي أموالهم (يريد إتلافها) على أصحابها بصدقة أو غيرها (أتلفه الله) يعني أتلف أمواله في الدنيا بكثرة المحن والمغارم والمصائب ومحق البركة.

وقالت لجنة الفتوى التابعة لمجمع البحوث الإسلامية، إن رفض سداد الدين،  أو المماطلة في سداد الدين مع القدرة على السداد حرام شرعًا.

وأوضحت «البحوث الإسلامية» عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في إجابتها عن سؤال «ما حكم المماطلة في سداد دين مع القدرة على سداده؟»، أن مماطلة القادر على سداد الدين «إثم» وحرام شرعًا.

وأضافت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المماطلة في سداد الدين، مستشهدة بما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مطل الغني ظلم».

مقالات مشابهة

  • عاجل - دعاء المطر للشيخ الشعراوي
  • حكم الإقامة للصلاة بصيغة الأذان.. دار الإفتاء تجيب
  • حكم إطلاق أسماء بعض الأشخاص على المساجد
  • كيفية رد الدين إذا كان ذهبا .. دار الإفتاء توضح
  • الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: الشهادتان
  • قصة صحابي اهتز لوفاته عرش الرحمن.. بكى عليه النبي حتى ابتلت لحيته
  • الإفتاء تكشف فضل التبكير لحضور صلاة الجمعة
  • ماذا كان يفعل الرسول يوم الجمعة ؟
  • صيغة الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم يوم الجمعة
  • عالمة أزهرية لـ«ياسمين عز»: خمسة وخميسة لمنع الحسد خرافات