المولد النبوي بين الخصوصية والعموم «2»
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
لا يزال الحديث موصولًا حول الخصوصية التي تميز بها مولده الشريف ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ وكانت الإشارة إلى ما كان له من إشارات خاصة بمولده (صلى الله عليه وسلم) في مكة.. وغيرها.
ومن أجمل من كتب عن ذلك صاحب كتاب (حياة محمد ورسالته، ص: 55):(حيث يقول: وقبل مولد الرسول، تلقّت أمه النبأ السعيد في رؤيا. ويرشح من بعض أحاديث الرسول أن جدّه سماه محمدا، وأن أمه سمّته أحمد، وقد فعل كل منهما ذلك تبعًا لرؤيا رآها.
وهنا تظهر مناجاة الله خالق الكون ورب الكعبة الذي هو سميع قريب، وسرعان ما استجاب، والأمر الثاني:يقول المؤرخون أن الجدري تفشّى، في غضون ذلك، بجيش أبرهة تفشيا ليس أقوى منه ولا أعنف، محدّثًا في صفوفه ذعرًا رهيبًا، مهلكًا القسم الاعظم من رجاله. أما سائره فلاذ بالفرار في اختلاط كامل وفوضى مطلقة.
واليك وصف القرآن الكريم لهلاك جيش أبرهة:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ)،هذا يظهر أن الجيش ولى الأدبار، فأمست طعاما للنسور.. وغيرها من جوارح الطير. وقد وقعت هذه الحادثة الأعجوبية في آنٍ واحد مع مولد الرسول الكريم، وتقول بعض الروايات:إن هزيمة أبرهة تمّت يوم مولد محمد بالذات، فأي خصوصية وتمييز لهذه المناسبة الشريفة عما سواها، بل وإظهارها للعالمين بصورة تثبت أنه رسول من رب العالمين، فالقدر محكم والعلامات ظاهرة والنور جلي والفضل له ليس بخفي، فاسمه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ خصوصية، وما حدث قبيل مولده خصوصية في الداخل في مكة وخارجها، يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه (فقه السيرة):(إن هذا الكلام تعبير غلط عن فكرة صحيحة، فإن ميلاد محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان حقًّا إيذانًا بزوال الظلم واندثار عهده واندكاك معالمه. وقد كانت رسالة محمد بن عبد الله أخطر ثورة عرفها العالم للتحرر العقلي والمادي).. وللحديث بقية.
محمود عدلي الشريف
ma.alsharif78@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: عبد المطلب
إقرأ أيضاً:
حكم تسييد وتعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأذان والإقامة
قالت دار الإفتاء المصرية إن جمهور العلماء والمحققين من أتباع المذاهب الفقهية المعتمدة ذهبوا إلى استحباب اقتران اسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة في الأذان والإقامة والصلاة؛ إذ لا فرق في ذلك بين النداء والذِّكْر، ولا بين داخل الصلاة وخارجها، بل مراعاة الأدب معه صلى الله عليه وآله وسلم في النداء والصلاة، وهذا ما عليه الفتوى؛ فالأدب مقدم دائمًا معه صلى الله عليه وآله وسلم.
وهناك من الفقهاء من قال بالالتزام بما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم من صيغة ليس فيها ذكر لفظ السيادة، وما دام في المسألة خلاف، فالأمر فيها واسع، والتنازعُ مِن أجل ذلك لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الأذان فسنةٌ ثابتةٌ في الأحاديث الصحيحة، ورد الأمر بها على إطلاقه، ولم يأت نص يوجب الجهر أو الإسرار بها، وإذا شرع الله سبحانه وتعالى أمرًا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثر من وجه فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته، ولا يصح تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل.
وأوضحت الإفتاء أن خير ما يقال في هذا المقام هو ترك الناس على سجاياهم؛ فمن شاء صلى بما شاء كما شاء، ومن شاء ترك الجهر أو اقتصر على الصيغة التي يريدها، والعبرة في ذلك حيث يجد المسلم قلبه، وليس لأحد أن ينكر على أحد في مثل ذلك ما دام الأمر فيه واسعًا.
حكم تسييد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأذان والإقامة
قالت الإفتاء إن الله تعالى علمنا الأداب مع سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حين خاطب جميع النبيين بأسمائهم، أما هو فلم يخاطبه باسمه مجردًا بل قال له: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ﴾ [المائدة: 41] ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ [الأنفال: 64]، وأمرنا بالأدب معه وتوقيره فقال: ﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۞ لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفتح: 8-9].
وقال سبحانه: ﴿لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضًا﴾ [النور: 63]، قال قتادة: أَمَرَ الله عَزَّ وَجَلّ أنْ يُهَابَ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَنْ يُبَجَّلَ وَأَنْ يُعَظَّمَ وَأَنْ يُسَوَّدَ. أخرجه ابن أبي حاتم وغيره في التفسير.
نصوص العلماء الواردة على استحباب تقديم لفظ سيدنا قبل اسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ورد عن أهل الحديث: الإمام المجتهد إسحاق بن راهويه؛ كما نقله الإمام أبو بكر بن المنذر في كتابه "الأوسط" (5/ 443، ط. دار طيبة، الرياض) -من استحباب تسويد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة عليه في صلاة الجنازة- فقال: [وقال إسحاق: إذا كبر الثانية صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأحب الصلاة إلينا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما وصفه ابن مسعود؛ لأنه أجمل ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن يقول: اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلاتَكَ وَبَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى إِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينّ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ، اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مقامًا محمودًا، يغبطه الأولون والآخرون..] اهـ.
وورد عن الحنفية: العلّامة علاء الدين الحَصْكَفي؛ حيث يقول في "الدر المختار شرح تنوير الأبصار" (1/ 71، ط. دار الكتب العلمية): [ونُدِبَ السيادةُ؛ لأن زيادة الإخبار بالواقع عَينُ سلوك الأدب؛ فهو أفضل مِن تركه. ذكره الرملي الشافعي وغيره، وما نُقِل لا تُسَوِّدُونِي في الصَّلاةِ فكذِبٌ، وقولُهم: لا تُسَيِّدُوني بالياء لحنٌ أيضًا، والصواب بالواو] اهـ. وقرر ذلك العلامة ابن عابدين في "حاشيته" عليه، ورد اعتراض مَن ادَّعى مخالفة ذلك لمذهب الحنفية.
- ومن المالكية: الإمام العارف بالله تعالى أبو الفتح ابن عطاء الله السكندري؛ حيث يقول في "مفتاح الفلاح": [وإياك أن تترك لفظ السيادة؛ ففيها سرٌّ يظهر لمَن لازم هذه العبادة] اهـ.
- ومن الشافعية: قال العلامة الجلال المحلي: الأدب مع مَن ذُكِرَ مطلوبٌ شرعًا بذكر السيد؛ ففي حديث "الصحيحين": «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكم»؛ أي سعد بن معاذ، وسيادتُه بالعلم والدين، وقول المصلي: اللهم صَلِّ على سيدنا محمد فيه الإتيان بما أُمِرنا به، وزيادةُ الإخبار بالواقع الذي هو أدب، فهو أفضل مِن تركه فيما يظهر من الحديث السابق، وإن تردد في أفضليته الشيخ جمال الدين الإسنوي، وذَكَر أنّ في حفظه قديمًا أنّ الشيخ ابن عبد السلام بناه على أنّ الأفضل سلوك الأدب أو امتثال الأمر، وأما حديث «لا تُسَيِّدُوني في الصلاة» فباطل لا أصل له كما قاله بعض متأخري الحفاظ. اهـ. يراجع: "الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود" (ص: 134).