الحرب الحوثية تُغرق اليمن في مستنقع الأمراض المعدية والحميات.. الرمد وحمى الضنك يجتاحان المناطق المحررة
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
تجتاح الأمراض والأوبئة اليمن بشكل مقلق، جراء ما تعاني منه مؤسسات الدولة من تجريف تسببت به الحرب التي اندلعت في البلاد عقب انقلاب مسلح نفذته مليشيا الحوثي المدعومة من إيران في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م، وانعكس على خدمات جميع القطاعات، ليظهر أكثر من 26 نوعاً من هذه الأمراض في مناطق سيطرة الأخيرة لوحدها، بعض منها ظهر أيضاً في المناطق التابعة للحكومة.
القطاع الصحي، واحد من القطاعات التي انعكست الحرب على خدماته، حيث خرج أكثر من 50 في المئة من خدماته عن الخدمة، فيما يعاني بقية القطاع من نقص حاد في التمويل سواءً من الحكومة أو المنظمات، علاوة على تغول الفساد فيه وتعرض ما يحصل عليه من دعم للنهب بمنهجية.
كل ذلك كان سبباً في عودة ظهور العديد من الأوبئة والأمراض المعدية والحميات، في البلاد بعد أن كانت قد تخلصت منها شبه كلي، وفق تقارير دولية.
ففي محافظة مأرب، شرقي البلاد، قال مصدر مسؤول في مكتب الصحة بالمحافظة، إنه سُجّل منذ مطلع العام الجاري 2125 حالة إصابة بـ”حمى الضنك“، ولم يتم تسجيل أي حالة وفاة حتى اليوم.
ووفقاً للمصدر، تعود أسباب انتشار الحميات إلى الانتشار الكثيف للبعوض، المسبب الرئيس لحمى الضنك.
وبغية الحد من انتشار المرض يتوجب التخلص من المياه الراكدة، واستخدام الناموسيات أثناء النوم، وعمليات الرش، وتنفيذ حملات توعية صحية.
بالتزامن، انتشر الأيام الماضية، مرض الرمد بشكل واسع في محافظات عدن ولحج وحضرموت الواقعة في نطاق الحكومة اليمنية، خاصة بين طلاب وطالبات المدارس، والمرافق الحكومية، حيث تكمن التجمعات.
وذكرت مصادر طبية، أن مرض رمد العيون انتشر بشكل كبير، حيث سجلت آلاف الحالات في غضون الأيام الخمسة الأخيرة، وسط انتشار عدد من الأمراض المتصلة بالحميات.
وبينما أقرّت مصادر طبية في مستشفى الجمهورية بعدن، تردد عشرات الحالات إلى المستشفى، قالت إنها لا تزال من ناحية الكم والعدد في مستوياتها الآمنة.
وأكدت المصادر، أن طلب الأدوية المضادة لالتهاب العيون وتحسسها الشديد تزايد في الثلاث المحافظات، وهذا لا يعني أن مرض الرمد هو الوحيد الذي انتشر حديثاً، حيث تنتشر الكثير من أمراض الحميات في مختلف المناطق المحررة.
وحذر المختصون من إهمال الإصابة بمرض الرمد، كونه قد يؤدي إلى العمى إذا لم يتم تدارك الأمر ومعالجته في وقت مبكر.
ويمكن أن ينتقل مرض الرمد عن طريق التعامل مع الأدوات الحاملة للعدوى، مثل المناديل، كما يسبب الرمد حكة خفيفة وتهيجًا في العينين والجفون.
انتشار أكثر من 26 مرضاً ووباءً
وفي المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، ظهر أكثر من 26 مرضاً ووباءً من ضمنها أمراض الأطفال القاتلة، بحسب مصادر طبية.
في السياق، أكدت مصادر طبية لوكالة خبر، أن من بين هذه الأمراض "الحصبة، السل الرئوي، شلل الأطفال، والملاريا"، محذرة من مخاطر استمرار تدهور القطاع الصحي في البلاد، وتعرض الدعم الذي تحصل عليه بقية المرافق الصحية العاملة، من المنظمات الدولية أو تبرعات التجار، لنهب منظم من قيادات ومسؤولي مليشيا الحوثي.
في حين تقول إحصائيات وتقارير طبية، إن عدد الحالات المكتشفة بمرض السل القاتل بلغت خلال العام الماضي 2022م، ما يقارب نحو 10411 حالة مقارنة بـ8 آلاف حالة قبل انقلاب 21 سبتمبر/ أيلول 2014م. وأن زيادة عدد الوفيات بمرض السل من 6 لكل 100 ألف شخص إلى 9 لكل 100 ألف شخص من السكان.
مليشيا الحوثي، لم تكتف بعدم تنفيذ حملات لتحصين الأطفال ضد الأمراض القاتلة، ونهب المساعدات، بل قامت بقيادة وزارة الصحة الخاضعة لها بقيادة وزيرها طه المتوكل، بشن حملة تحريض واسعة مطلع العام الجاري ضد التحصين.
وقال وزيرها، في ندوة رسمية أقامتها الوزارة، إن اللقاحات وجرعات التحصين "سموم ومؤامرة يهودية وفكرة شيطانية تهدف إلى قتل ملايين البشر".
وأكدت صحة هذه التحريضات تقارير أممية، ومسؤولون حكوميون في صحة صنعاء أيضاً.
وقالت غادة شوقي الهبوب مدير البرنامج الوطني للتحصين الموسع بوزارة الصحة الخاضعة للحوثيين، إن "الأمراض التي عاودت الانتشار مجدداً هي الحصبة وشلل الأطفال النوع الثاني، وليس البري والسعال الديكي الدفتيريا"، مشيرة إلى أن الأسباب ترجع إلى عدم "تطعيم الأطفال ضد هذه الأمراض والأوبئة".
وأوضحت، خلال حديث لها مع قناة "اليمن اليوم" التي تبث من صنعاء، أن أسباب عزوف الأهالي عن تطعيم أبنائهم يرجع إلى "حملات التحريض الموجهة ضد التطعيم، وانخفاض التغطية وكذلك مستوى التطعيم عند الأطفال المصابين".
وأفادت بأن نشاط التحصين في المراكز الصحية يغطي "35 إلى 40" في المئة من السكان فقط.
في حين قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير حديث، إن اليمن "يشهد تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، بما في ذلك الحصبة".
وأضاف: "منذ بداية العام 2023 وحتى 22 يونيو، تم الإبلاغ عما مجموعه 25935 حالة يشتبه إصابتها بالحصبة، منها 1406 حالات مؤكدة مختبريا و259 حالة وفاة في جميع المحافظات".
وذكر التقرير أن هذا الرقم يمثل أكثر من 96 في المئة، من إجمالي الحالات المبلغ عنها عام 2022، وأن 88 في المئة، من الأطفال الذين تم الإبلاغ عن الاشتباه بإصابتهم بالحصبة لم يتلقوا جرعة واحدة من اللقاح، وكان من الممكن منع هذا الوضع لو تلقى هؤلاء الأطفال جرعتين أو ثلاث جرعات من لقاح الحصبة.
وهذه الأمراض ليست الوحيدة التي يعاني منها سكان البلاد البالغ ما يزيد عن 30 مليون نسمة.
وفي جميع الأحوال، تؤكد الكثير من المصادر الطبية، أن الحرب تظل السبب الأكثر خطراً في استمرار تدهور القطاع الصحي، وتفشي الأوبئة وأمراض الحميات، والأمراض المعدية، التي لم يعد تهديدها حكراً على الأطفال فقط، بقدر ما شمل البالغين.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: ملیشیا الحوثی هذه الأمراض مصادر طبیة فی المئة أکثر من
إقرأ أيضاً:
الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (5)
المُبْتَدَأُ: -
الحَرْبُ ظاهِرَةٌ اِجْتِماعِيَّةٌ وَاِقْتِصادِيَّةٌ مُعَقَّدَةٌ؛ يَصْعُبُ فَهْمُها؛ لِذا فَهُناكَ دَوْماً ضَرُورَةٌ لِتَفْسِيرِها لِلجَماهِيرِ؛ مِنْ وِجْهَةِ نَظَرٍ مادِّيَّةٍ طَبَقِيَّةٍ.
وَالخَبَرُ: -
(40)
من وجهة النظر الماركسية، فالصراع الطبقي -كما ذكرنا من قبل -هو أساس اندلاع الحروب الأهلية، نتيجة لتفاقم التناقضات الطبقية الحادة داخل المجتمع؛ فالنظم الحاكمة غير العادلة، تخلق تفاوتات طبقية عميقة؛ تزيد نسبة البطالة؛ والفقر والتهميش الاقتصادي؛ لفئات كبيرة في المجتمع مما يحفز ويزيد احتمالية اندلاع الحروب الأهلية.
(41)
من هنا نستطيع أن نلمس أن التحليل الماركسي للحروب الأهلية يركز على فهم الصراعات المسلحة من وجهة نظر الصراع الطبقي والعلاقات الاقتصادية. ووفقًا للماركسية، الحروب ليست مجرد صراعات بين مكونات سياسية أو اجتماعية، بل هي نتاج للتناقضات الداخلية في النظم الرأسمالية المسيطرة؛ والصراع بين مكوناتها الاجتماعية على الموارد والثروات والسلطة.
(42)
ومن المهم أن نعي كشيوعيين وتعي الجماهير؛ حقيقة أن الحرب الأهلية هي امتداد للصراع الطبقي، حيث تُستخدم كأداة من قبل الطبقات الحاكمة لحماية مصالحها الاقتصادية وتوسيعها. كما تستخدم أيضا لإلهاء الطبقة العاملة والشرائح الاجتماعية المسحوقة عن مشاكلها المعيشية، وحقها في النضال من أجل حياة أفضل؛ بصرف نظرها وتحويله نحو ويلات الحرب وتداعياتها المؤلمة.
(43)
التعقيد الذي يشوب ظاهرة الحرب؛ وتحليلها من وجهة نظر طبقية؛ ليس شيئا سهل الفهم ميسور للجماهير؛ من هنا تبرز أهمية طرح الحزب الشيوعي لوثيقة فكرية تفسيرية؛ تعالج مسألة الحرب التي اندلعت بتاريخ 15 أبريل 2023م؛ ليس من باب الفذلكة؛ بل سعيا لتبسيط المفاهيم الفلسفية والنظرية المعقدة؛ وحلحلت طلاسمها؛ منعا لأي تشويش أو إرباك؛ يصيب العضوية والجماهير ويضر بوحدة الفكر والإرادة.
(44)
من المفهوم أن واقع الحرب واقعا استثنائي يشل دولاب العمل السياسي؛ ويعيق النخبة الفكرية عن أداء دورها المناط بها؛ فهي تثقل كاهل الجميع بأعباء جسام؛ ولكن قدر الأحزاب الشيوعية وواجبها؛ أن تكون دوما في طليعة الركب؛ خاصة عند المدلهمات حينما تنكص؛ على عقبيها بقية القوى السياسية؛ وتختار سبل السلامة.
(45)
لا يستطيع أحد نكران أن الحزب الشيوعي؛ قد امتص صدمة اندلاع الحرب سريعا؛ وفي أقل من شهرين أصدر مكتبه السياسي "في 24 يونيو 2023م" ورقة (سياسية) نقاش فيها عدة مواضيع؛ أهمها دعوته إلى تأسيس جبهة جماهيرية عريضة لإيقاف الحرب واسترداد الثورة؛ مشدداً فيها على رفضه لعودة الوضع في البلاد إلى ما قبل الحرب أو إلى ما قبل انقلاب 25 أكتوبر 2021م الذي قام به طرفا المكون العسكري حينها وطرفي الحرب الراهنة (الجيش والدعم السريع).كما رفض في الورقة أيضا تحويل البلاد إلى ساحة للصراع والحرب بالوكالة بين (ضواري رأس المال)؛ مبدياً خشيته على أمن ووحدة البلاد.
(46)
ولم تمض سوى ثلاثة أشهر على طرح الورقة السياسة الأولى؛ لِيَلْحَقَ بها المكتب السياسي ورقة سياسية ثانية في 20 سبتمبر 2023م؛ لا تقل أهمية؛ أوضح فيها أهمية أن يفارق النضال من أجل تحقيق استقرار سياسي في البلاد؛ طريق الانقلابات العسكرية ويرسخ لديمقراطية شاملة. وكشفت الورقة أن التآمر على ثورة 19 ديسمبر ومشروعها للتغيير الجذري؛ بدأ باكرا لحظة إسقاط رأس النظام القديم؛ وشددت الورقة على رفض الحزب لاتباع نهج الليبرالية الجديدة الاقتصادي؛ الذي يترتب على اتباعه حمل الشعب على ظهره وزر التبعية وأعباء الديون. كما أعادت الورقة التأكيد على إيمان الحزب بإرادة الشعب السوداني.
(47)
أعقب إصدار المكتب السياسي للحزب الشيوعي للورقتين السياستين الأولى والثانية؛ فترة صمت طويل ناهزت العام؛ تخللها إصدار بعض البيانات والنداءات والمناشدات؛ التي لم تلقى أي آذان صاغية؛ وزاد تعقيد وتشعب مسألة الحرب خلال هذه الفترة؛ لتدفع اللجنة المركزية للحزب في أغسطس 2024م بورقة شاملة؛ ناقشت فيها عدة محاور كان أهمها؛ توضيح أن الصراع الأساسي الدائر في السودان هو صراع وطني وأممي؛ أسهم في تصاعده وتعقيده ضعف حكومات الفترة الانتقالية؛ التي يرى الحزب أن طواقمها قد كانت نتاج تآمر واضحاً على الثورة.
(48)
مما سبق نرى أن الحزب الشيوعي قد بذل مجهوداً مقدراً في مقاربة أزمة الحرب سياسيا؛ فحين غاب التحليل المنهجي النظري لها؛ إلا من شذرات مجتزأ تضمنتها الأوراق الثلاث؛ لم تقو على المحافظة على وحدة فكر وإرادة العضوية؛ ونعكس هذا بدوره على الجماهير إرباكا وتشويشا.
(49)
فيما يبدو لم تَرَّى قيادة الحزب الشيوعي؛ أهمية تذكر لطرح وثيقة (فكرية) تعالج مسألة الحرب؛ وانصب جهدها على إعداد مبادرة سياسية لإيقاف الحرب؛ وقد تأخر طرح هذه المبادرة أيضا لأكثر من "20 شهرا" (15 أبريل 2023-ديسمبر 2024) !!؛ ظلت خلالها عضوية الحزب وجماهيره؛ تتخبط في حيرتها وتتناقض في مقارباتها وتحليلاتها لمسألة الحرب؛ لحد سقوط مجاميع مقدرة في مصيدة الدعاية الكذوبة لطرفي الحرب.
(50)
الجيد في الأمر أن المبادرة المطروحة جاءت شاملة؛ طرحت بجلاء رؤية الحزب الشيوعي لإيقاف الحرب؛ وإن كان ثم قصور شابها وفق آراء البعض؛ فقد انحصر في التأخير وغياب آليات التنفيذ. بالفعل تأخرت المبادرة كثيرا؛ ولكن في اعتقادي أن تخطي طرح آليات للتنفيذ لم يكن هفوة؛ بل قصد منه إظهار حرص الحزب الشيوعي على عدم إثارة أي حساسية سياسية؛ خاصة وهو المتهم دوما من البعض بممارسة الأستاذية في التعامل السياسي مع الآخرين؛ فالمبادرة طرحت مفتوحة أمام القوى السياسية؛ للمناقشة وأبدى الرأي؛ بالحذف والإضافة والتعديل؛ ومن ثم التفاكر والاتفاق على آليات التنفيذ المناسبة.
(51)
ووفقا لما جاء في المبادرة فإن هدفها المطروح هو السعي لتكوين تحالف (قاعدي) عريض؛ من مكونات متعددة (أحزاب وطنية-لجان مقاومة-نقابات-أجسام مطلبية/حركات كفاح وغيرها)؛ على أرضية ميثاق ثورة 19 ديسمبر 2018م. مما يعني بث الروح فيما هو متفق عليه من مواثيق قوي الثورة؛ والحرص على تنقيح وتعديل ما يلزم وفقا لمستجدات واقع ما بعد اندلاع الحرب. وأظن أن هذا الطرح المفتوح يستجيب لضرورات هذه المرحلة المفصلية؛ ويسعى بصدق لتوسيع مظلة المشاركة في هذا التحالف القاعدي المنشودة؛ لضمان استعادة المسار الثوري الذي تصر قوى الثورة المضادة على نسفه؛ بإصرارها على استمرار الحرب.
(52)
طرح مبادرات سياسية تعالج مسألة الحرب؛ وتطرح رواء لمحاصرتها وإيقافها؛ يظل أمر في غاية الحيوية؛ طالما أن المؤسسة العسكرية السودانية، تصر على احتكار الحكم والسلطة؛ وقطع الطريق أمام أي تحول مدني ديمقراطي؛ فإن الحرب تظل حتمية عند نقطة معينة. وحتى إذا ما تمكنا في نهاية المطاف من إيقاف الحرب الراهنة؛ فبمجرد إيقافها، سيتم حتما تهيئة الظروف لحرب جديدة، بينما تغوص البلاد أعمق وأعمق في الأزمة.
(53)
إن الطريق الوحيد المجدي للنضال ضد الحرب؛ هو طريق النضال من أجل تغيير المجتمع، والقضاء على التناقضات والمصالح المادية التي تنتج الحرب. ولن نستطيع قطع هذا الطريق إلا على أساس برنامج ثوري؛ قادر على حشد الطبقات ذات المصلحة. فالسبيل العملي لعلاج معضلة الحروب والعداوات القومية؛ هو الإطاحة والتخلص من النظم العسكرية الفاسدة؛ وإرساء دعائم نظم ديمقراطية مستدامة؛ وهو الحل الوحيد لمشاكل السودان وصراعاته المزمنة.
tai2008idris@gmail.com
تيسير ادريس