جريدة الوطن:
2024-07-06@09:19:04 GMT

عالم غريب

تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT

شهدت الاجتماعات السنويَّة للجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة أمْرًا في غاية الغرابة، على عكس ما يبدو عَلَيْه للوهلة الأولى. فمن كلمة الأمين العامِّ للمنظَّمة الدوليَّة إلى كلمات أغلب قادة دوَل العالَم، سمعنا تحذيرات من الأهوال التي تنتظر البَشَريَّة ما لَمْ يتحرك الجميع بسرعة وبجديَّة لمكافحة التغيُّرات المناخيَّة، والالتزام بالأهداف المتَّفق عَلَيْها عام 2015 والمعروفة باتفاقيَّة باريس.

أمَّا وَجْه الغرابة فلأنَّ أغلب تلك الدوَل التي تحذِّر وتطالِب وتدعو للالتزام هي نَفْسُها التي تتراجع عن تعهداتها المناخيَّة، سواء من ناحية الحدِّ من الانبعاثات للغازات المُسبِّبة للاحتباس الحراري أو وضع وتنفيذ السِّياسات التي تضْمَن تحقيق الأهداف التي وضعتها للوصول إلى تحقيق الهدف الأهمِّ في اتفاقيَّة باريس. ذلك الهدف هو ضمان ألَّا يزيدَ معدَّل ارتفاع درجة حرارة الأرض عن 1.5 درجة مئويَّة وإلَّا أدَّت التغيُّرات المناخيَّة إلى أوضاع كارثيَّة لَنْ يستطيعَ البَشَر تعديلها. ولِتحقيقِ ذلك الهدف تعهَّدت الدوَل الموقِّعة على الاتفاقيَّة وهي 193 دَولة بخفض الانبعاثات والتحوُّل إلى الطَّاقة النظيفة بأكبر قدر ممكن بحلول عام 2030 حتَّى الوصول إلى «صفر كربون» بحلول عام 2050.
قَبل اجتماعات الجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة، شاركت دوَل العالَم في مؤتمر بنيويورك حَوْلَ مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي ارتبطت بمكافحة التغيُّر المناخي مِثل القضاء على الفقر وتقليل فجوة عدم المساواة حَوْلَ العالَم. وأصدر المؤتمر إعلانًا يحذِّر من الكارثة التي تنتظر البَشَريَّة بسبب التباطؤ في تحقيق تلك الأهداف أو التراجع عَنْها. وبمرور نصف المدَّة على التعهُّد بتلك الأهداف (من 205 إلى 2030) تبدو جهود الدوَل غير كافية، فالبعض لا يفي بالتعهُّدات التي التزم بها، والبعض تراجع حتَّى عن الإجراءات اللازمة لتحقيقها. الغريب في الأمْرِ، أنَّ دوَل العالَم التي حذَّرت وطالبت في بيان المؤتمر، من بَيْنِها الدوَل التي تنكص بتعهداتها أو تتباطأ في تنفيذها. والأكثر غرابة أنَّ دوَل العالَم المتقدِّمة، مِثل أيركا وبريطانيا وغيرها، هي الأكثر تراجعًا عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومكافحة التغيُّرات المناخيَّة. ذلك رغم أنَّ تلك الدوَل الغنيَّة تنتج أكثر من ثلاثة أرباع الغازات المُسبِّبة للاحتباس الحراري، بَيْنَما تُعاني بقيَّة دوَل العالَم النَّامية والصَّاعدة من نتائجها وأضرارها أكثر من الدوَل الغنيَّة المُسبِّبة للكارثة البيئيَّة والمناخيَّة العالَميَّة.
في أحدث تراجع عن أهداف مكافحة تغيُّر المناخ ما أعلنته الحكومة البريطانيَّة هذا الشهر عن تأجيل إجراءات الحدِّ من الانبعاثات لضرورات اقتصاديَّة. فقَدْ قرَّر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك تأجيل موعد حظر بيع السيَّارات التي تعمل بالديزل والبنزين وتغيير طريقة تدفئة البيوت بالغاز الطبيعي إلى عام 2035 بدلًا من عام 2030، بالإضافة إلى إلغاء إجراءات أخرى. وأثارت القرارات حملة انتقادات، ليس من أنصار البيئة وجماعات الضغط المناخيَّة، وإنَّما من كُلِّ أطياف السِّياسة البريطانيَّة من المعارضة إلى نوَّاب في حزب المحافظين الحاكم نَفْسِه. بل إنَّ الشركات والأعمال، التي يفترض أن تكُونَ مستفيدة من التخلِّي عن تعهُّدات مكافحة التغيُّر المناخي انتقدت التراجع عن الالتزامات؛ لأنَّها تؤدِّي إلى التخبُّط في استراتيجيَّاتها الاستثماريَّة. وبدا واضحًا أنَّ هدف سوناك وحكومته هو كسْبُ بعض الأصوات في الانتخابات العامَّة العام القادم بالتميُّز عن حزب العمَّال المعارض في السِّياسة البيئيَّة والمناخيَّة. إنَّما الأخطر هو قرار حكومة سوناك قَبل شهرَيْنِ بالموافقة على أكثر من 100 تصريح بالتنقيب عن النفط والغاز قرب شواطئ اسكوتلندا. ليست بريطانيا وحْدَها التي تتخلَّى عن تعهُّداتها فيما يتعلَّق بأهداف تغيُّر المناخ، ففي أحدث مسح من مؤسَّسة التنوُّع الحيوي في الولايات المُتَّحدة، منحت إدارة الرئيس جو بايدن تصاريح تنقيب عن النفط والغاز في أميركا في عامَيْها الأوَّلَيْن في السُّلطة بما يفوق ما منحته إدارة الرئيس السَّابق دونالد ترامب.
تتناقض تلك السِّياسات الأميركيَّة والبريطانيَّة مع الشعارات المرفوعة من قِبل تلك الدوَل المتقدِّمة. فإدارة الرئيس بايدن تتزعم الجهود الدوليَّة لمكافحة التغيُّرات المناخيَّة. وبريطانيا زعمت العام قَبل الماضي لدى استضافتها مؤتمر المناخ «كوب 26» أنَّه ستكُونُ رائدة في مكافحة التغيُّر المناخي عالميًّا. فتراجع تلك الدوَل عن أهداف المناخ يضرب أكثر الأمثلة سلبيَّة لبقيَّة دوَل العالَم. أضِفْ إلى ذلك أنَّ الاتِّفاق على صندوق الأضرار والخسائر الذي كان أهمَّ نتيجة لمؤتمر المناخ «كوب 27» في مصر العام الماضي لا يلقَى اهتمامًا من الدوَل الغنيَّة. فالمفترض أن يُسهمَ الصندوق الدوَل النَّامية والصَّاعدة المتضرِّرة من التغيُّرات المناخيَّة ويُمكِّنها من التحوُّل في مجال الطَّاقة بكلفة تريليونين ونصف التريليون دولار حتَّى 2030. إلَّا أنَّ ما تمَّ التعهُّد به حتَّى الآن ليس سوى مئة مليار دولار سنويًّا، أي أقلّ من ثُلث المبلغ. وحتَّى هذا التعهُّد ما زال مشكوكًا في الالتزام به من قِبل الدوَل الغنيَّة.
تلك هي القضايا الأكثر تحدِّيًا لمؤتمر المناخ «كوب 28» في دبي في شهر نوفمبر. ومهما حاولت الدوَل الغربيَّة المتقدِّمة حَرْف الانتباه عن تراجعها ونكوصها عن تعهُّداتها بالتركيز على قضايا هامشيَّة لَنْ تستطيعَ إقناع العالَم بأنَّها على حقٍّ. وقَدْ بدأت حملتها الإعلاميَّة والسِّياسيَّة من الآن، لكنَّ غدًا لناظره قريب.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: تلک الدو ل ر المناخ

إقرأ أيضاً:

"مركز البحوث" يفتتح الصوبة الزراعية السلوفينية بالنوبارية

افتتح مركز البحوث الزراعية الصوبة الزراعية السلوفينية بالقاهرة بمنطقة النوبارية وتعد هذة الصوبة الزراعية هي ثمار الشراكة بين الحكومة السلوفينية وسفارة سلوفنيا  بالقاهرة  اليونيدو .

و قال الدكتور ايمن عبد العال رئيس الإدارة المركزية لمحطات البحوث  بمركز البحوث الزراعية ان الاحتفال بتركيب هذة الصوبة السلوفينية يعد مشروع تجريبي بالتعاون مع الحكومة السلوفينية وسفارة سلوفينيا بالقاهرة واليونيدو  .
وتأتي هذه الشراكة من خلال نقل وتركيب الصوبة السلوفينية والتي استمرت لمدة اسبوعين حيث تم تدريب فريق عمل من مركز البحوث الزراعية علي تشغيل الصوبة السلوفينية .

أكد عبد العال ان هذة الصوبة  تعد اول تجربة يتم تنفيذها في مصر بالتعاون مع الجانب الحكومة السلوفينية وسفارة سلوفنيا بالقاهرة كأحد الدول التي تتمتع بالشراكة مع جمهورية مصر العربية في مجال إنتاج الخضر والتصدير وبصفة خاصة محصول الطماطم والذي يعد من اكبر المحاصيل في مصر وسلوفينيا وتم استخدام أحدث التكنولوجيا لرفع إنتاجية الصوبة الزراعية وعلي هامش الزيارة قام المسئولين المحليين والأجانب بتفقد الصوبة قبل تركيبها للاعلان عن بدء التجارب الحقلية الفترة القادمة وتاكيدا علي قوة ومتانة العلاقات المصرية السلوفينية حضر اللقاء الدكتور ايمن عبد العال رئيس الإدارة المركزية لمحطات البحوث  والمشرف العام علي إدارة الزراعات المحمية والدكتور أيمن حمودة مدير معهد بحوث البساتين والدكتور احمد حلمي رئيس البرنامج الوطني لإنتاج تقاوي الخضر ، وسفير دولة سلوفينيا بالقاهرة وممثل وزارة التجارة السلوفينية و المدير الاقليمي لمنظمة اليونيدو .

مقالات مشابهة

  • "مركز البحوث" يفتتح الصوبة الزراعية السلوفينية بالنوبارية
  • أحمد عبد العال يكتب: «حياة كريمة».. نموذج رائد لتحقيق التنمية
  • استمرار النزاع وكوارث المناخ وراء تضرر 75 ألف يمني منذ مطلع العام
  • التغير المناخي يرفع أسعار الغذاء ويثير قلق البنوك المركزية
  • «منى» تطلب الطلاق بعد 3 أشهر من الزواج لسبب غريب.. السفر كلمة السر
  • اكتشاف قارب غريب يحوي عظاما بشرية "فريدة" بالمكسيك
  • رئيس وزراء باكستان يدعو لمساعدة الدول المعرضة للتغير المناخي
  • جزيرة المارية.. أنشطة صيفية حافلة بالترفيه
  • عرض مذهل حول "عالم الحيوان" على مسرح "الأوبرا السلطانية".. الخميس
  • عرض مذهل حول "عالم الحيوان" على مسرح "الأوبرا السلطانية"