شهدت الاجتماعات السنويَّة للجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة أمْرًا في غاية الغرابة، على عكس ما يبدو عَلَيْه للوهلة الأولى. فمن كلمة الأمين العامِّ للمنظَّمة الدوليَّة إلى كلمات أغلب قادة دوَل العالَم، سمعنا تحذيرات من الأهوال التي تنتظر البَشَريَّة ما لَمْ يتحرك الجميع بسرعة وبجديَّة لمكافحة التغيُّرات المناخيَّة، والالتزام بالأهداف المتَّفق عَلَيْها عام 2015 والمعروفة باتفاقيَّة باريس.
قَبل اجتماعات الجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة، شاركت دوَل العالَم في مؤتمر بنيويورك حَوْلَ مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي ارتبطت بمكافحة التغيُّر المناخي مِثل القضاء على الفقر وتقليل فجوة عدم المساواة حَوْلَ العالَم. وأصدر المؤتمر إعلانًا يحذِّر من الكارثة التي تنتظر البَشَريَّة بسبب التباطؤ في تحقيق تلك الأهداف أو التراجع عَنْها. وبمرور نصف المدَّة على التعهُّد بتلك الأهداف (من 205 إلى 2030) تبدو جهود الدوَل غير كافية، فالبعض لا يفي بالتعهُّدات التي التزم بها، والبعض تراجع حتَّى عن الإجراءات اللازمة لتحقيقها. الغريب في الأمْرِ، أنَّ دوَل العالَم التي حذَّرت وطالبت في بيان المؤتمر، من بَيْنِها الدوَل التي تنكص بتعهداتها أو تتباطأ في تنفيذها. والأكثر غرابة أنَّ دوَل العالَم المتقدِّمة، مِثل أيركا وبريطانيا وغيرها، هي الأكثر تراجعًا عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومكافحة التغيُّرات المناخيَّة. ذلك رغم أنَّ تلك الدوَل الغنيَّة تنتج أكثر من ثلاثة أرباع الغازات المُسبِّبة للاحتباس الحراري، بَيْنَما تُعاني بقيَّة دوَل العالَم النَّامية والصَّاعدة من نتائجها وأضرارها أكثر من الدوَل الغنيَّة المُسبِّبة للكارثة البيئيَّة والمناخيَّة العالَميَّة.
في أحدث تراجع عن أهداف مكافحة تغيُّر المناخ ما أعلنته الحكومة البريطانيَّة هذا الشهر عن تأجيل إجراءات الحدِّ من الانبعاثات لضرورات اقتصاديَّة. فقَدْ قرَّر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك تأجيل موعد حظر بيع السيَّارات التي تعمل بالديزل والبنزين وتغيير طريقة تدفئة البيوت بالغاز الطبيعي إلى عام 2035 بدلًا من عام 2030، بالإضافة إلى إلغاء إجراءات أخرى. وأثارت القرارات حملة انتقادات، ليس من أنصار البيئة وجماعات الضغط المناخيَّة، وإنَّما من كُلِّ أطياف السِّياسة البريطانيَّة من المعارضة إلى نوَّاب في حزب المحافظين الحاكم نَفْسِه. بل إنَّ الشركات والأعمال، التي يفترض أن تكُونَ مستفيدة من التخلِّي عن تعهُّدات مكافحة التغيُّر المناخي انتقدت التراجع عن الالتزامات؛ لأنَّها تؤدِّي إلى التخبُّط في استراتيجيَّاتها الاستثماريَّة. وبدا واضحًا أنَّ هدف سوناك وحكومته هو كسْبُ بعض الأصوات في الانتخابات العامَّة العام القادم بالتميُّز عن حزب العمَّال المعارض في السِّياسة البيئيَّة والمناخيَّة. إنَّما الأخطر هو قرار حكومة سوناك قَبل شهرَيْنِ بالموافقة على أكثر من 100 تصريح بالتنقيب عن النفط والغاز قرب شواطئ اسكوتلندا. ليست بريطانيا وحْدَها التي تتخلَّى عن تعهُّداتها فيما يتعلَّق بأهداف تغيُّر المناخ، ففي أحدث مسح من مؤسَّسة التنوُّع الحيوي في الولايات المُتَّحدة، منحت إدارة الرئيس جو بايدن تصاريح تنقيب عن النفط والغاز في أميركا في عامَيْها الأوَّلَيْن في السُّلطة بما يفوق ما منحته إدارة الرئيس السَّابق دونالد ترامب.
تتناقض تلك السِّياسات الأميركيَّة والبريطانيَّة مع الشعارات المرفوعة من قِبل تلك الدوَل المتقدِّمة. فإدارة الرئيس بايدن تتزعم الجهود الدوليَّة لمكافحة التغيُّرات المناخيَّة. وبريطانيا زعمت العام قَبل الماضي لدى استضافتها مؤتمر المناخ «كوب 26» أنَّه ستكُونُ رائدة في مكافحة التغيُّر المناخي عالميًّا. فتراجع تلك الدوَل عن أهداف المناخ يضرب أكثر الأمثلة سلبيَّة لبقيَّة دوَل العالَم. أضِفْ إلى ذلك أنَّ الاتِّفاق على صندوق الأضرار والخسائر الذي كان أهمَّ نتيجة لمؤتمر المناخ «كوب 27» في مصر العام الماضي لا يلقَى اهتمامًا من الدوَل الغنيَّة. فالمفترض أن يُسهمَ الصندوق الدوَل النَّامية والصَّاعدة المتضرِّرة من التغيُّرات المناخيَّة ويُمكِّنها من التحوُّل في مجال الطَّاقة بكلفة تريليونين ونصف التريليون دولار حتَّى 2030. إلَّا أنَّ ما تمَّ التعهُّد به حتَّى الآن ليس سوى مئة مليار دولار سنويًّا، أي أقلّ من ثُلث المبلغ. وحتَّى هذا التعهُّد ما زال مشكوكًا في الالتزام به من قِبل الدوَل الغنيَّة.
تلك هي القضايا الأكثر تحدِّيًا لمؤتمر المناخ «كوب 28» في دبي في شهر نوفمبر. ومهما حاولت الدوَل الغربيَّة المتقدِّمة حَرْف الانتباه عن تراجعها ونكوصها عن تعهُّداتها بالتركيز على قضايا هامشيَّة لَنْ تستطيعَ إقناع العالَم بأنَّها على حقٍّ. وقَدْ بدأت حملتها الإعلاميَّة والسِّياسيَّة من الآن، لكنَّ غدًا لناظره قريب.
د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: تلک الدو ل ر المناخ
إقرأ أيضاً:
لوك غريب لـ محمد لطفي في فيلم من أيام الجيزة
ظهر النجم محمد لطفي ضمن أحداث فيلم "من أيام الجيزة"، الذي يلعب بطولته النجم إياد نصار، ويشاركهم عدد من النجوم من بينهم عمرو عبد الجليل وحاتم صلاح وآيه سماحة، وضيوف شرف من بينهم محمد ممدوح والنجمة القديرة ميمي جمال.
وكشفت كواليس العمل عن ظهور مميزة لمحمد لطفي، بشكل مُختلف تمامًا عنه، حيث يظهر بلحية بيضاء كثيفه، ونظارة نظر، ويرتدي ملابس كلاسيكية في أغلب أحداث الفيلم، حيث يظهر لطفي في شخصية رجل فيلسوف، تجمعه الأحداث بالشخصية التي يلعبها إياد نصار في العمل.
وانتهى المخرج مرقس عادل خلال الأيام الماضية من تصوير فيلم من أيام الجيزة، ولم يكشف بعد عن موعد طرحه بالسينمات، وهو الفيلم الذي تدور أحداثه في شوارع محافظة الجيزة، حيث يتناول الفيلم الفروقات بين المناطق الشعبية والمناطق السكنية الفاخرة "الكمبوندات"، داخل مدينة الجيزة.