تمثيل الذاكرة في الرواية العربية
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
إبراهيم الكراوي
نسعى في هذه المقالة الكشف عن مختلف تمثلات الذاكرة في الخطاب الروائي، انطلاقا من الروايتين الأخيرتين لربيعة ريحان وهما: «الخالة أم هاني» و«بيتنا الكبير».
تمثيل الذاكرة الأنثوية: من اللسان إلى الكلام
تشكل العلامة «الخالة» في العنوان، بنية رمزية من حيث مرجعتيها الثقافية والاجتماعية. ففضاء الغلاف يعكس هوية تحيل على الأمومة التي تتجاوز مفهومها البيولوجي، إلى مفهوم رمزي يتمثل القرابة، والانتقال من الانتساب العائلي إلى الانتساب إلى الأمة، ومنه إلى الانتساب التاريخي، إذا استعرنا المصطلح الذي نحته حسن المودن، ولذا، تتشاكل الأمومة مع الأمة، من حيث دوال الأمومة وأبعادها الأنثروبولوجية.
يمثل الصمت/الذاكرة البنية العميقة التي تقع على الحدود الخطيرة مع الموت الرمزي. فتتمثل شيماء الراوي في «الخالة» صورة شهرزاد، لتؤجل وتقاوم فعل الموت الرمزي من خلال فعل الاستنطاق واستبطان النفس، والحفر في الذاكرة، كما تفعل شخصية فريدة في «بيتنا الكبير». فيضطر الجد إلى الهرب من الحدود المقيدة بفضاء المدينة إلى اللامحدود بحثا عن الحرية، في حين تحاول الذات الأنثوية، الراوي الذي يروي بضمير الغائب في كلا الروايتين، الهروب من سلطة الماضي والتقاليد والطقوس الذكورية. فكلا الشخصيتين «فريدة» في بيتنا الكبير، أو الخالة في «الخالة أم هاني»، ظلتا تعانيان من عطالة عاطفية نتيجة جمود مشاعر الرجل ونزوعه الذكوري. تفشل فريدة في تحقيق طموحها في أن تدرس الإخراج المسرحي بعد وفاة العامل المساعد الجد الذي يتموقع بين قطبي الموجب والسالب، المغلق والمنفتح؛ بوصفه يجسد الهيمنة الذكورية في علاقته بزوجاته. وكلا الشخصيتين «الخالة» في الرواية الأولى، و»الجد الحاج كبور» في الرواية الثانية، يرتبطان مع الراوي بعلاقة حميمية، ما يجعلهما حافزا على ولادة سردية الذاكرة، والانتقال من سردية الأفراد إلى سردية التاريخ الجمعي..
معمارية اللغة الروائية وتمثل الذاكرة الأنثوية
تشكل الرواية خزانا يعكس الهوية المغربية معمارا.. حضارة، ذهنيات، ثقافات، تعددا إثنيا ولغويا. ومن ثم، ينتقل بنا الراوي من محكي الذاكرة الفردية إلى محكيات الأمة في مقاومتها للمستعمر، ومختلف صورها التي تكشف الحضارة العريقة التي طبعت فضاء أحداث الروايتين، كما ينتقل بنا على صعيد شكل المعنى من سردية المثل إلى تعدد جماليات اللهجات. فالموريسكي واليهودي والعربي والأمازيغي كلها مكونات ثقافية في الهوية المغربية؛ تستحضرها ربيعة ريحان وتعيد صوغها على لسان سارد يحكي تراجيدية الوجود الأنثوي. تكسر بنية المثل أحادية القطب الذكوري وسلطة اللغة الذكورية، كما يظهر من خلال خطاب الخالة والذوات الأنثوية الأزواج، في «بيتنا الكبير». فرمزية المثل بوصفها ذاكرة ثقافية تقاوم النسيان الذكوري، وتؤسس الهوية الأنثوية، تتمركز في اللغة كما تتمركز في الفضاء «بيتنا الكبير». وبذلك شكّل حضور المثل بنية سردية اشتغلت على تمطيط فعل الحكي والغوص في تشعباته من خلال شخصيتي «أم هاني» و«شيماء».
ومن ثم، جاء التبئير الداخلي على شخصية الراوي المتماثل حكائيا في النصين، كاشفا مخاض الانتقال من بناء الذات إلى بناء الجماعة، ومعاناة الذوات الأنثوية في مواجهة استبداد وذكورية الأزواج من جهة، وذكورية الأنساق الثقافية والتقاليد والطقوس التي وسمت الزواج، أو تلك التي تعري مفارقات الواقع، كما هو الأمر حين يصور الراوي مشهد اغتصاب الخالة داخل الضريح، كما يصور المسار السردي في «بيتنا الكبير» الحصار المضروب من قبل الجد على الأزواج الأربعة. تتقمص شيماء الراوي في «بيتنا الكبير» دور الصحافية لتجد نفسها في محاولة لسبر أغوار الذاكرة الأنثوية، من خلال الكتابة عن الخالة. غير أنها تبدو وكأنها الذات الأنثوية المنشطرة عن ذات الخالة، ومرآة تعكس أسئلة الذات الأنثوية، من حيث إنها موضوع للحكي. فكلا الشخصيتين المركزيتين تمثلان الأنوثة المضطهدة، التي ترتبط بفعل رغبة مشترك في بناء حلم اجتماعي وتكسير طوق العبودية، الذي يجسد النسق الذكوري. فهما يرتبطان بالذاكرة الماضي من حيث رغبتهما في الانعتاق من ذكوريته، ويمثلان الحاضر بوصفه الحلم والرغبة في بناء المجتمع الجديد.
إن شخصية الخالة تمثل نسقا ثقافيا ورمزيا في الآن نفسه. فهي نسق ثقافي بالنظر إلى أنها تنتمي إلى ثقافة الماضي، كما يتجلى من خلال طقوس الزواج والدخلة وغيرها.. وإذا كان دوسوسير يميز بين اللسان والكلام، فإننا نميز بين اللسان الجماعي أي النزعة الجماعية التي تعكس المشترك بين فئتين: الأولى تمثل النزعة الذكورية المرتبط بالاضطهاد، والثانية تمثل النزعة الأنثوية المرتبطة بالحرية والمتجذرة في الذات الأنثوية. يحيل الكلام إلى التمثل الفردي الأنثوي الرمزي؛ أي إلى الذاكرة بوصفها محتوى من حيث استرجاع طفولة شيماء والخالة فريدة والأزواج الأربعة، ورمزية تكرار علاقة الذات فريدة بالكتابة والاستباق، والتلخيص والاسترجاع، فهي كلها مقومات تعكس الذاكرة من حيث تمثلها الخطابي، فضلا عن كونها تلقي الضوء على العزلة الوجودية واللغوية الأنثوية، كما يظهر من خلال تعريف الراوي بـ» فريدة ابنة الضرة في بيتنا الكبير»، سارد تراجيدية الوجود. ولذا، فالكلام يكشف عن الأنثوية بوصفها بنيات سردية والنسوية بوصفها خطابا يشكل ويتشكل من خلاله الخطاب. وقد جاءت المفارقة الزمنية داخل الخطاب، لتلقي الضوء على التناقضات التي تسم الواقع الأنثوي ذاته، الذي تنسجه تفاصيل الخطاب الروائي.
هكذا يظهر أن الفعل الروائي يتماهى مع تمثلات الذاكرة في أبعادها التاريخية والحضارية والثقافية، بوصفها شكل محتوى يحفر في جماليات الكتابة الروائية ويؤسس للخطاب الروائي.
أنساق العلامات وإنتاج ثنائيات السرد
تمثل العبارة النووية «بيتنا الكبير» وحدة لفظية مشحونة بدلالات الذاكرة والنسق الثقافي، بحيث يتحول البيت إلى فضاء، يرتبط بالطقوس والتقاليد؛ ويحفر في ذاكرة تحيل على التاريخ. والضمير في بيتنا علامة صغرى متضمنة في العلامة الكبرى للعنوان تجسد هذه الثنائيات: المفرد والمركب، البسيط والمعقد، الكبير والصغير؛ مما سينقلنا إلى بنية المركز والهامش، الأعلى والأسفل، المنغلق والمنفتح والذكورة والأنوثة، مع اختلاف على مستوى تمثل قيم الأنوثة. ورغم الموقع الحميمي الذي يحتله الراوي ـ الأنثوي- في ذاكرة الجد فإن الذات الأنثوية فريدة، ما فتئت تعيش الهامش داخل فضاء البيت الكبير، وهو مكمن المفارقة التي يجسدها النسق الذكوري الاجتماعي. فهي ابنة الضرة «عقيدة» التي فرضت على أبيها، كما أنها انتقلت إلى فضاء الهامش الأنثوي على الهضبة التي لجأ إليها الجد، فرارا من بطش السلطة، بعد اصطدام جدها مع محصل المكوس.
إن ما يميز سردية الذاكرة في «بيتنا الكبير» هو التمفصل السردي المزدوج الذي يوزع الخطاب الروائي إلى مجموعة من الحالات والتحولات التي تتشاكل مع التاريخ، والأنساق الاجتماعية: فالخطاب الروائي يتمفصل إلى مسارين سرديين:
الأول: ما قبل وفاة الجد، وسيرة الذات الأنثوية فريدة قبل الولادة، وبعدها في ظل الاستعمار الفرنسي وذكورية المجتمع، وبالتالي بداية برنامج سردي يؤسس للمقاومة وهاجس التحرر وبناء حياة على الهضبة.
والثاني: ما بعد وفاة الجد في ظل الانتقال والتحولات الاجتماعية ما بعد الاستعمار، حيث سيبدأ برنامج سردي جديد يوقع لمحاولة بحث الذات الأنثوية عن ذاكرتها، ورغبتها في تأسيس الحاضر والتحرر من هيمنة السلطة الذكورية، من خلال اختيار دراسة السينما وطموح كتابة سيناريو يؤرخ للذاكرة. غير أن موت العامل المساعد الأب والجد سيعيق فعل تحقيق فريدة أحلامها، وبالتالي يتم إرجاء الرغبة الوجودية الأنثوية والإبقاء عليها في الهامش.
على سبيل التركيب
هكذا يظهر أن الفعل الروائي يتماهى مع تمثلات الذاكرة في أبعادها التاريخية والحضارية والثقافية، بوصفها شكل محتوى يحفر في جماليات الكتابة الروائية ويؤسس للخطاب الروائي. فحضور الذاكرة في الرواية يتجاوز كونه انعكاسا لمحتوى ومضامين محددة، إلى تمثلاته بوصفه شكل محتوى يؤسس الخطاب الروائي و ينسج بنياته السردية، وهذا ما تبين من خلال نسق اشتغال الزمن والشخصيات والفضاء ومنظورات الراوي.
المصدر: القدس العربي
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الرواية العربية اليمن الذاکرة فی فی الروایة من خلال من حیث
إقرأ أيضاً:
بتقلل الوزن والكوليسترول وتزيد الذاكرة والشعر .. اكتشف العشبة السحرية
تمتلك أوراق المريمية فوائد صحية عديدة مهمة للجسم بشكل عام كما أنها تساعد في علاج بعض الأمراض النسائية.
فيما يلي بعض الفوائد الصحية لاستخدام أوراق المريمية وفقا لما جاء في موقع truemeds:
1. تعزيز الذاكرة والإدراك
لقد ثبت أن أوراق المريمية تعمل على تعزيز الوظائف الإدراكية والذاكرة ويرجع ذلك إلى تأثير المريمية على الأستيل كولين، وهو ناقل عصبي في الدماغ يلعب دورًا حاسمًا في الذاكرة والوظائف الإدراكية.
2. مكافحة شيخوخة الجلد
تحتوي المريمية على مركبات قد تساعد في مكافحة شيخوخة الجلد و تشير الدراسات التي أجريت على أنابيب الاختبار إلى أن خصائص المريمية المضادة للأكسدة، وخاصة تلك التي تستمد من مركبات البوليفينول مثل حمض الروزمارينيك وحمض الإلاجيك، يمكن أن تساعد في تقليل علامات الشيخوخة مثل التجاعيد وقد ثبت أن هذه المركبات تعمل على استرخاء الجلد وحمايته، مما قد يقلل من الآثار المرئية للشيخوخة.
المريمية3. تعزيز نمو الشعر
على الرغم من وجود أبحاث مباشرة محدودة حول قدرة المريمية على تعزيز نمو الشعر، إلا أن خصائصها المضادة للأكسدة والالتهابات قد تدعم صحة الشعر بشكل غير مباشر ويمكن أن يساهم وجود الفيتامينات والمعادن مثل فيتامين ك والمغنيسيوم والزنك في المريمية في تحسين الصحة العامة، بما في ذلك تعزيز نمو الشعر ومع ذلك، هناك حاجة إلى دراسات أكثر تحديدًا لتأكيد هذه الفائدة.
4. خفض مستويات الكوليسترول
يرتبط تناول شاي المريمية بتحسين مستويات الكوليسترول فقد أظهرت الدراسات أن شرب شاي المريمية مرتين يوميًا يمكن أن يخفض مستويات الكوليسترول السيئ LDL والكوليسترول الكلي في الدم مع رفع مستويات الكوليسترول الجيد HDL ويعزى هذا التأثير إلى مضادات الأكسدة والمركبات المتعددة الفينول الموجودة في المريمية، مثل حمض الكلوروجينيك وحمض الروزمارينيك.
5. المساعدة في علاج مرض السكري
لقد تم استخدام أوراق المريمية تقليديا لعلاج مرض السكري ، وبعض الدراسات تدعم هذا الاستخدام وقد ثبت أن مستخلص المريمية يخفض مستويات الجلوكوز في الدم ويحسن حساسية الأنسولين في كل من الدراسات التي أجريت على الحيوانات والبشر وهو يعمل عن طريق تنشيط المستقبلات التي تساعد على إزالة الأحماض الدهنية الزائدة من مجرى الدم، وبالتالي تحسين وظيفة الأنسولين.
6. التحكم في أعراض انقطاع الطمث
تم استخدام المريمية لتقليل الأعراض المرتبطة بانقطاع الطمث، وخاصة الهبات الساخنة والتعرق المفرط وقد وجدت الدراسات أن مكملات المريمية يمكن أن تقلل بشكل كبير من تكرار الهبات الساخنة بسبب خصائصها الشبيهة بالإستروجين، والتي ترتبط بمستقبلات معينة في الدماغ وتخفف من هذه الأعراض.
7. المساعدة في إنقاص الوزن
لا يوجد دليل مباشر ملموس على أن المريمية تساعد بشكل خاص في إنقاص الوزن ومع ذلك، فإن قدرتها على خفض مستويات السكر في الدم والكوليسترول، إلى جانب فوائدها الصحية العامة، قد تساهم في تحسين عملية التمثيل الغذائي بشكل عام.
هناك حاجة إلى مزيد من البحث لإثبات أي ارتباط مباشر بين استهلاك المريمية وفقدان الوزن.
8. تحسين صحة الفم
تتمتع المريمية بخصائص مضادة للميكروبات يمكن أن تساعد في تحسين صحة الفم وقد ثبت أنها تقتل البكتيريا المسببة لتسوس الأسنان مثل Streptococcus mutans وفطريات المبيضات البيضاء كما أثبتت غسولات الفم التي تحتوي على المريمية فعاليتها في تقليل طبقة البلاك على الأسنان وعلاج مشاكل صحة الفم الأخرى.
9. تقليل مخاطر الإصابة بالسرطان
تشير الدراسات التي أجريت على الحيوانات وأنابيب الاختبار إلى أن المركبات الموجودة في المريمية قد يكون لها تأثيرات مضادة للسرطان وتشير هذه الدراسات إلى أن مستخلصات المريمية يمكن أن تمنع نمو الخلايا السرطانية وتحفز موت الخلايا وفي حين أن الأدلة واعدة، فإن الدراسات البشرية ضرورية لتأكيد ما إذا كانت المريمية فعالة في تقليل خطر الإصابة بالسرطان لدى البشر.