يمن مونيتور:
2024-12-25@19:53:32 GMT

تمثيل الذاكرة في الرواية العربية

تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT

تمثيل الذاكرة في الرواية العربية

إبراهيم الكراوي

نسعى في هذه المقالة الكشف عن مختلف تمثلات الذاكرة في الخطاب الروائي، انطلاقا من الروايتين الأخيرتين لربيعة ريحان وهما: «الخالة أم هاني» و«بيتنا الكبير».

تمثيل الذاكرة الأنثوية: من اللسان إلى الكلام

تشكل العلامة «الخالة» في العنوان، بنية رمزية من حيث مرجعتيها الثقافية والاجتماعية. ففضاء الغلاف يعكس هوية تحيل على الأمومة التي تتجاوز مفهومها البيولوجي، إلى مفهوم رمزي يتمثل القرابة، والانتقال من الانتساب العائلي إلى الانتساب إلى الأمة، ومنه إلى الانتساب التاريخي، إذا استعرنا المصطلح الذي نحته حسن المودن، ولذا، تتشاكل الأمومة مع الأمة، من حيث دوال الأمومة وأبعادها الأنثروبولوجية.

هكذا تكسر شخصية «الخالة» بالراوي شيماء وفريدة، نسق الصمت الذكوري. وهذا ما نستشفه من خلال علاقة «الخالة» بأزواجها الأربعة الذين انفصلت عنهم، في حين يصور فضاء مكون العنوان: «بيتنا الكبير» تلك العلاقة بين حدود المغلق والمفتوح، من خلال رصد تناقضات الأنساق الثقافية والاجتماعية، وسلطة شخصية الجد كبور، ومحاولته تكسير سلطة الصمت في مواجهة غطرسة المستعمر.

يمثل الصمت/الذاكرة البنية العميقة التي تقع على الحدود الخطيرة مع الموت الرمزي. فتتمثل شيماء الراوي في «الخالة» صورة شهرزاد، لتؤجل وتقاوم فعل الموت الرمزي من خلال فعل الاستنطاق واستبطان النفس، والحفر في الذاكرة، كما تفعل شخصية فريدة في «بيتنا الكبير». فيضطر الجد إلى الهرب من الحدود المقيدة بفضاء المدينة إلى اللامحدود بحثا عن الحرية، في حين تحاول الذات الأنثوية، الراوي الذي يروي بضمير الغائب في كلا الروايتين، الهروب من سلطة الماضي والتقاليد والطقوس الذكورية. فكلا الشخصيتين «فريدة» في بيتنا الكبير، أو الخالة في «الخالة أم هاني»، ظلتا تعانيان من عطالة عاطفية نتيجة جمود مشاعر الرجل ونزوعه الذكوري. تفشل فريدة في تحقيق طموحها في أن تدرس الإخراج المسرحي بعد وفاة العامل المساعد الجد الذي يتموقع بين قطبي الموجب والسالب، المغلق والمنفتح؛ بوصفه يجسد الهيمنة الذكورية في علاقته بزوجاته. وكلا الشخصيتين «الخالة» في الرواية الأولى، و»الجد الحاج كبور» في الرواية الثانية، يرتبطان مع الراوي بعلاقة حميمية، ما يجعلهما حافزا على ولادة سردية الذاكرة، والانتقال من سردية الأفراد إلى سردية التاريخ الجمعي..

معمارية اللغة الروائية وتمثل الذاكرة الأنثوية

تشكل الرواية خزانا يعكس الهوية المغربية معمارا.. حضارة، ذهنيات، ثقافات، تعددا إثنيا ولغويا. ومن ثم، ينتقل بنا الراوي من محكي الذاكرة الفردية إلى محكيات الأمة في مقاومتها للمستعمر، ومختلف صورها التي تكشف الحضارة العريقة التي طبعت فضاء أحداث الروايتين، كما ينتقل بنا على صعيد شكل المعنى من سردية المثل إلى تعدد جماليات اللهجات. فالموريسكي واليهودي والعربي والأمازيغي كلها مكونات ثقافية في الهوية المغربية؛ تستحضرها ربيعة ريحان وتعيد صوغها على لسان سارد يحكي تراجيدية الوجود الأنثوي. تكسر بنية المثل أحادية القطب الذكوري وسلطة اللغة الذكورية، كما يظهر من خلال خطاب الخالة والذوات الأنثوية الأزواج، في «بيتنا الكبير». فرمزية المثل بوصفها ذاكرة ثقافية تقاوم النسيان الذكوري، وتؤسس الهوية الأنثوية، تتمركز في اللغة كما تتمركز في الفضاء «بيتنا الكبير». وبذلك شكّل حضور المثل بنية سردية اشتغلت على تمطيط فعل الحكي والغوص في تشعباته من خلال شخصيتي «أم هاني» و«شيماء».

ومن ثم، جاء التبئير الداخلي على شخصية الراوي المتماثل حكائيا في النصين، كاشفا مخاض الانتقال من بناء الذات إلى بناء الجماعة، ومعاناة الذوات الأنثوية في مواجهة استبداد وذكورية الأزواج من جهة، وذكورية الأنساق الثقافية والتقاليد والطقوس التي وسمت الزواج، أو تلك التي تعري مفارقات الواقع، كما هو الأمر حين يصور الراوي مشهد اغتصاب الخالة داخل الضريح، كما يصور المسار السردي في «بيتنا الكبير» الحصار المضروب من قبل الجد على الأزواج الأربعة. تتقمص شيماء الراوي في «بيتنا الكبير» دور الصحافية لتجد نفسها في محاولة لسبر أغوار الذاكرة الأنثوية، من خلال الكتابة عن الخالة. غير أنها تبدو وكأنها الذات الأنثوية المنشطرة عن ذات الخالة، ومرآة تعكس أسئلة الذات الأنثوية، من حيث إنها موضوع للحكي. فكلا الشخصيتين المركزيتين تمثلان الأنوثة المضطهدة، التي ترتبط بفعل رغبة مشترك في بناء حلم اجتماعي وتكسير طوق العبودية، الذي يجسد النسق الذكوري. فهما يرتبطان بالذاكرة الماضي من حيث رغبتهما في الانعتاق من ذكوريته، ويمثلان الحاضر بوصفه الحلم والرغبة في بناء المجتمع الجديد.

إن شخصية الخالة تمثل نسقا ثقافيا ورمزيا في الآن نفسه. فهي نسق ثقافي بالنظر إلى أنها تنتمي إلى ثقافة الماضي، كما يتجلى من خلال طقوس الزواج والدخلة وغيرها.. وإذا كان دوسوسير يميز بين اللسان والكلام، فإننا نميز بين اللسان الجماعي أي النزعة الجماعية التي تعكس المشترك بين فئتين: الأولى تمثل النزعة الذكورية المرتبط بالاضطهاد، والثانية تمثل النزعة الأنثوية المرتبطة بالحرية والمتجذرة في الذات الأنثوية. يحيل الكلام إلى التمثل الفردي الأنثوي الرمزي؛ أي إلى الذاكرة بوصفها محتوى من حيث استرجاع طفولة شيماء والخالة فريدة والأزواج الأربعة، ورمزية تكرار علاقة الذات فريدة بالكتابة والاستباق، والتلخيص والاسترجاع، فهي كلها مقومات تعكس الذاكرة من حيث تمثلها الخطابي، فضلا عن كونها تلقي الضوء على العزلة الوجودية واللغوية الأنثوية، كما يظهر من خلال تعريف الراوي بـ» فريدة ابنة الضرة في بيتنا الكبير»، سارد تراجيدية الوجود. ولذا، فالكلام يكشف عن الأنثوية بوصفها بنيات سردية والنسوية بوصفها خطابا يشكل ويتشكل من خلاله الخطاب. وقد جاءت المفارقة الزمنية داخل الخطاب، لتلقي الضوء على التناقضات التي تسم الواقع الأنثوي ذاته، الذي تنسجه تفاصيل الخطاب الروائي.

هكذا يظهر أن الفعل الروائي يتماهى مع تمثلات الذاكرة في أبعادها التاريخية والحضارية والثقافية، بوصفها شكل محتوى يحفر في جماليات الكتابة الروائية ويؤسس للخطاب الروائي.

أنساق العلامات وإنتاج ثنائيات السرد

تمثل العبارة النووية «بيتنا الكبير» وحدة لفظية مشحونة بدلالات الذاكرة والنسق الثقافي، بحيث يتحول البيت إلى فضاء، يرتبط بالطقوس والتقاليد؛ ويحفر في ذاكرة تحيل على التاريخ. والضمير في بيتنا علامة صغرى متضمنة في العلامة الكبرى للعنوان تجسد هذه الثنائيات: المفرد والمركب، البسيط والمعقد، الكبير والصغير؛ مما سينقلنا إلى بنية المركز والهامش، الأعلى والأسفل، المنغلق والمنفتح والذكورة والأنوثة، مع اختلاف على مستوى تمثل قيم الأنوثة. ورغم الموقع الحميمي الذي يحتله الراوي ـ الأنثوي- في ذاكرة الجد فإن الذات الأنثوية فريدة، ما فتئت تعيش الهامش داخل فضاء البيت الكبير، وهو مكمن المفارقة التي يجسدها النسق الذكوري الاجتماعي. فهي ابنة الضرة «عقيدة» التي فرضت على أبيها، كما أنها انتقلت إلى فضاء الهامش الأنثوي على الهضبة التي لجأ إليها الجد، فرارا من بطش السلطة، بعد اصطدام جدها مع محصل المكوس.

إن ما يميز سردية الذاكرة في «بيتنا الكبير» هو التمفصل السردي المزدوج الذي يوزع الخطاب الروائي إلى مجموعة من الحالات والتحولات التي تتشاكل مع التاريخ، والأنساق الاجتماعية: فالخطاب الروائي يتمفصل إلى مسارين سرديين:

الأول: ما قبل وفاة الجد، وسيرة الذات الأنثوية فريدة قبل الولادة، وبعدها في ظل الاستعمار الفرنسي وذكورية المجتمع، وبالتالي بداية برنامج سردي يؤسس للمقاومة وهاجس التحرر وبناء حياة على الهضبة.

والثاني: ما بعد وفاة الجد في ظل الانتقال والتحولات الاجتماعية ما بعد الاستعمار، حيث سيبدأ برنامج سردي جديد يوقع لمحاولة بحث الذات الأنثوية عن ذاكرتها، ورغبتها في تأسيس الحاضر والتحرر من هيمنة السلطة الذكورية، من خلال اختيار دراسة السينما وطموح كتابة سيناريو يؤرخ للذاكرة. غير أن موت العامل المساعد الأب والجد سيعيق فعل تحقيق فريدة أحلامها، وبالتالي يتم إرجاء الرغبة الوجودية الأنثوية والإبقاء عليها في الهامش.

على سبيل التركيب

هكذا يظهر أن الفعل الروائي يتماهى مع تمثلات الذاكرة في أبعادها التاريخية والحضارية والثقافية، بوصفها شكل محتوى يحفر في جماليات الكتابة الروائية ويؤسس للخطاب الروائي. فحضور الذاكرة في الرواية يتجاوز كونه انعكاسا لمحتوى ومضامين محددة، إلى تمثلاته بوصفه شكل محتوى يؤسس الخطاب الروائي و ينسج بنياته السردية، وهذا ما تبين من خلال نسق اشتغال الزمن والشخصيات والفضاء ومنظورات الراوي.

 

المصدر: القدس العربي

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الرواية العربية اليمن الذاکرة فی فی الروایة من خلال من حیث

إقرأ أيضاً:

خلال 8 سنوات فقط.. قصة نجاح شركة العاصمة التي أبهرت العالم بالقصر الرئاسي

شركة العاصمة الإدارية، تصدرت محركات البحث خلال الساعات القليلة الماضية وذلك بعدما أبهر القصر الرئاسي بالعاصمة العالم كله وذلك أثناء قمة الثامنة.

شركة العاصمة الإدارية

وتعد شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية واحدة من أبرز الشركات القابضة الحكومية المصرية التي تقود مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، والذي يُعد من أهم المشروعات التنموية في البلاد.

تأسست الشركة عام 2016 برأس مال مدفوع قدره 6 مليارات جنيه مصري، وتعمل تحت مظلة قانون الاستثمار رقم 8 لسنة 1997.

أهداف الشركة ودورها

تُعنى الشركة بتخطيط وإدارة وتنفيذ وتشغيل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وتملك محفظة أراضٍ شاسعة بلغت 174 ألف فدان حتى يناير 2022.

يقع مقرها الرئيسي في الحي الحكومي داخل العاصمة الإدارية الجديدة، وتعمل في مجال الاستثمار العقاري وتطوير البنية التحتية الحديثة.

الأداء الاقتصادي للشركة

حققت الشركة أداءً اقتصاديًا قويًا، حيث بلغت عائداتها في عام 2022 نحو 19.8 مليار جنيه مصري، بينما وصل صافي أرباحها إلى 16.1 مليار جنيه. وقدرت أصول الشركة بنحو 4 تريليونات جنيه في عام 2016، مع رأس مال بلغ 80 مليار جنيه.

أما حجم استثمارات شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية يعكس دورها المحوري في تنفيذ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ومشروعات تنموية أخرى، وجاء على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته لأكاديمية الشرطة أن الشركة تتمتع بقدرات مالية واستثمارية ضخمة كالآتي:

تمتلك الشركة حسابًا بنكيًا بقيمة 80 مليار جنيه.

لديها أموال مستحقة لدى المطورين العقاريين تُقدر بـ 150 مليار جنيه.

أنشأت العديد من المشروعات الضخمة مثل:
المباني الحكومية.

مدينة الثقافة والعلوم.

مسجد مصر والكاتدرائية.

حي المال والأعمال.

مقر الرئاسة.

آلية التمويل والإيرادات للمشروعات

جميع المنشآت الحكومية بالعاصمة تم تمويلها بالكامل من قبل الشركة.
تقوم الشركة بتأجير المباني الحكومية للحكومة، ما يحقق لها إيرادات سنوية تتراوح بين سبعة إلى عشرة مليارات جنيه.

مشروعات أخرى للشركة

وأشار الرئيس إلى أن الشركة تنتهج النهج ذاته في تطوير مشروعات المدن الجديدة مثل:

المنيا الجديدة.

العلمين الجديدة.

بني سويف الجديدة.

المنصورة الجديدة.


مجلس إدارة الشركة

يتكون مجلس إدارة الشركة من 13 عضوًا، يشملون ممثلين عن:

هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بنسبة 49%.

جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة بنسبة 21.6%.

جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة بنسبة 29.4%.


قيادات الشركة

ترأس الشركة مجموعة من الكفاءات البارزة، منهم:

خالد عباس (الرئيس الحالي).

أحمد زكي عابدين.

أيمن إسماعيل (أول رئيس لمجلس الإدارة).

مقالات مشابهة

  • بشرى خلفان: كان لا بد أن أخلص لصوت الشخصيات ولرؤيتي، لأكتب الرواية التي أريد
  • انطلاق مؤتمر الرواية والدراما البصرية بالمجلس الأعلى للثقافة غدا
  • خلال عام 2024.. زيادة عدد المصانع التي تم تشغيلها بالمنطقة الصناعية بالبغدادي في الأقصر إلى 24 مصنعًا
  • رئيس حزب إسرائيل بيتنا: الحكومة لا تهتم بإعادة المحتجزين
  • خالد الغندور يوجه نصيحة لـ إمام عاشور: حافظ على النعمة التي تعيش فيها
  • بشرى كركوبي.. الضابطة المغربية التي تقود نهضة التحكيم الإفريقي
  • عرض فيلم مدرسة الذاكرة وتنظيم صالون ثقافى للمناقشة على المسرح الصغير.. الأربعاء
  • الأوبرا تعرض فيلم مدرسة الذاكرة على المسرح الصغير
  • خلال 8 سنوات فقط.. قصة نجاح شركة العاصمة التي أبهرت العالم بالقصر الرئاسي
  • هذه أبرز الأحداث التي شهدتها إيران خلال 2024.. بينها عملية اغتيال