لسببين، أدركت الإمارات أهمية إقامة شراكة متنامية مع إقليم كردستان السُني شمالي العراق، لكن تلك الشراكة يهددها خطران يجب على الأكراد معالجتهما للحفاظ على مصالحهم، بحسب تحليل ليريفان سعيد ومصطفى بارزاني بـ"معهد دول الخليج العربية في واشنطن" (AGSIW).

سعيد والبارزاني تابعا، في التحليل الذي ترجمه "الخليج الجديد": "أدى تطوران مع الحكومة المركزية في العراق إلى تعزيز قيمة حكومة إقليم كردستان كشريك للإمارات، أولا، اعتُبر تشكيل الحكومة في 2022 من قبل "الإطار التنسيقي" (الشيعي) الموالي لإيران، بقيادة رئيس الوزراء محمد السوداني، بمثابة انتكاسة للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والعراق".

وأضافا: "ثانيا، أصبح القادة الإماراتيون غير راضين بشكل متزايد عن رئيس البرلمان العراقي السُني محمد الحلبوسي، الذي كان نقطة اتصال رئيسية لأبو ظبي؛ إذ أدى نهجه مع الفصائل السُنية الأخرى إلى انقسامات داخلية؛ ما أضعف الموقف السُني في بغداد وقوض المصالح الإماراتية في العراق".

وأردفا أنه "بينما كانت الإمارات تهدف إلى إقامة علاقات إيجابية مع مختلف المجموعات العرقية والطائفية في العراق، اتبع الحلبوسي استراتيجية مثيرة للانقسام، وفقا للخبراء، في محاولة للسيطرة على جميع قنوات الاتصال والازدهار. كما أن تشكيل تحالف سياسي سُني جديد، "تحالف الحل الوطني"، لمنافسة الحلبوسي، يسلط الضوء على تراجع نفوذه".

اقرأ أيضاً

بن زايد وبارزاني يبحثان تعزيز التعاون والتنسيق المشترك

سياسات بغداد

و"مع فقدان الحلبوسي حظوة الإمارات، وهو ما يرمز أيضا إلى انزلاق في نفوذ الإمارات لدى السُنة، أصبحت أبوظبي تعتمد بشكل أكبر على الأكراد في التعامل مع سياسات بغداد المعقدة بشكل متزايد"، بحسب سعيد وبارزاني.

وزادا بأن "الإمارات ودول الخليج الأخرى كانت تشعر بالقلق بشأن ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستواصل جهود رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي (2020-2022) لتحسين العلاقات بين بغداد وجيرانها الخليجيين".

وتابعا أن "السوداني، الذي سعى إلى تحقيق التوازن الدقيق بين مطالب الفصائل التي دفعته إلى السلطة ورؤيته الخاصة لسياسات العراق الإقليمية، واصل بالفعل التقدم الدبلوماسي الذي تم تحقيقه خلال فترة ولاية سلفه".

و"مع ذلك، ونظرا لأن رعاة السوداني السياسيين يحملون مستويات مختلفة من المشاعر المعادية لدول مجلس التعاون الخليجي، فقد كانت لديه شكوك حول كيفية استقباله من جانب دول الخليج"، كما استدرك سعيد وبارزاني.

وقالا إنه "لتهدئة مخاوف القيادة الإماراتية، لجأ السوداني إلى (رئيس إقليم كردستان) نيجيرفان بارزاني للمساعدة في سد الفجوة بين بغداد وأبوظبي، وبالتالي، لعب تدخل البارزاني دورا محوريا في تسهيل زيارة السوداني إلى أبوظبي في فبراير/شباط الماضي".

واستطردا: "وامتدت جهود وساطة البارزاني إلى ما هو أبعد من حدود العراق، إذ لعب دورا محوريا في تسهيل أول محادثة هاتفية بين (الرئيس الإماراتي) محمد بن زايد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 2021، وقد خففت هذه المبادرة الدبلوماسية التوترات ومهدت الطريق أمام الإمارات وتركيا لاستعادة العلاقات".

اقرأ أيضاً

زيارات رئيس إقليم كردستان لأبوظبي.. سياسية واقتصادية أم شخصية؟

ضرورات مشتركة

و"بقدر إعجاب القادة الأكراد بالنموذج الاقتصادي الإماراتي، فشلت حكومة إقليم كردستان في تكرار إطار الحكم في الإمارات في توزيعها الماهر للسلطة بين إماراتها السبع"، كما أردف سعيد وبارزاني.

وأوضحا أن "إقليم كردستان يواجه انقساما عبر مجالين غير متطابقين جغرافيا وسياسيا، مع تطور حركتين سياسيتين مهيمنتين  ومتميزتين أيديولوجيا".

وأضافا أن "المحاولات التاريخية لتوحيد هذين المجالين الكرديين المتمايزين سياسيا بطبيعتهما أسفرت عن نتائج مختلطة، تُعزى إلى النفوذ الذي يمارسه أصحاب المصلحة السياسيون والاقتصاديون الهائلون على المستويين الشخصي والفئوي".

و"الاحتكاكات الحالية حول تقاسم السلطة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، والتي تم التعبير عنها على مدى عقود، تزايدت على مراحل منذ استفتاء 2017 (الفاشل) على الاستقلال (الكامل عن العراق)، مما ساهم في تفاقم الخلافات السياسية"، وفقا لسعيد والبارزاني.

وتابعا أن "الإقليم حاليا بدون برلمان فعال للمرة الأولى منذ تأسيس الحكم الذاتي الكردي في 1992، وتوجد حكومة تصريف أعمال، والانقسامات الداخلية هي إلى حد كبير نتيجة لضعف موقف حكومة الإقليم في علاقاتها مع بغداد".

وزادا بأنها أيضا "نتاج للتوترات السياسية المكبوتة منذ فترة طويلة بين الحزبين والتوترات السياسية بين بغداد وأربيل أيضا، والتي أصبح من الصعب إدارتها بعد التداعيات السياسية لاستفتاء 2017".

وقالا إن "الخصوم السياسيون للأكراد في بغداد انتبهوا بشدة إلى هذه الانقسامات بين الأكراد، واستغلوها تدريجيا لتقويض الحكم الذاتي الذي حصل عليه الإقليم بشق الأنفس".

سعيد وبازراني خلصا إلى أن "العلاقات الكردية الإماراتية شهدت تحولا خلال السنوات الأخيرة، إذ أدركت كل من أربيل وأبوظبي أهمية التعاون في ظل بتقارب الضرورات السياسية والاقتصادية والأمنية".

واستدركا: "لكن هذه الشراكة المتنامية تواجه نقطتي ضعف محتملتين جراء تزايد (الانسقامات بين) الفصائل الكردية وتقلب العلاقات مع بغداد، ولذلك، يجب على القادة الأكراد بناء جبهة موحدة تمثل مصالحهم الجماعية على المستويين المحلي والإقليمي".

اقرأ أيضاً

استفتاء كردستان.. لماذا ترحب السعودية والإمارات بصعود الأكراد؟

المصدر | يريفان سعيد ومصطفى بارزاني/ معهد دول الخليج العربية في واشنطن- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الإمارات إقليم كردستان العراق شراكة مصالح إقلیم کردستان دول الخلیج

إقرأ أيضاً:

من العوجة إلى ميسان رحلة تحول الحكم الكبرى

بقلم : فراس الغضبان الحمداني ..

على مدى قرون من الزمن رزح الجنوب العراقي تحت حكم السطوة السياسية المحكومة بالجذور الأولى لقيام الدولة العربية الإسلامية في بغداد وما تبعها من أنظمة حكم مختلفة كانت سبباً في تكريس مفهوم السلطة الغالبة والمهيمنة على القرار السياسي والإقتصادي وتفاعلات السطوة على الثقافة والنسيج الإجتماعي الذي تصنعه أياد بتوجهات معينة ثابتة مستقرة غير قابلة للتحول والإنهيار لتلك الإعتبارات التي رسخها الوجود العثماني في العراق على مدى قرون من الزمن والذي كرس هو الآخر سلطة متفردة واحدة غالبة غير قابلة للتصدع مدعومة من هيمنة عثمانية في غالب الدول العربية حتى شمال افريقيا والمناطق الداخلية البعيدة نسبياً عن البحر المتوسط ومدن الساحل المتوسطي الذي يطبعه وجود ديني وطائفي متجذر وممتزج بالوجود التركي الذي كان يقاوم في البداية وفقاً لقاعدة الصراع القومي بين العرب والأتراك الذين مارسوا سياسة التتريك في المناهج العلمية والثقافية العامة وحتى إشتراطات الدين والمذهب من خلال تكريس الفكر الصوفي المتماهي مع الدولة وغير الراغب في المواجهة لأنه يعتمد الروحانية الخالصة البعيدة عن المنافسة والتي تقترب وتبتعد وفقاً لمزاج خاص مع المذاهب الدينية في الجسد الإسلامي ما سمح بتهدئة الأوضاع بين جماعات فكرية والسلطة العثمانية مع أن الوازع القومي كان يتصاعد في الجغرافيا التركية حتى إنهيار الخلافة العثمانية وصعود التيار الأتاتوركي الذي دفع بالدين خارج مساحة التاثير ودعم الثقافة التركية القومية الممتزجة مع العلمانية الحديثة المتأثرة بأوربا وتداعيات التحولات الكبرى فيها منذ الثورة الفرنسية التي غيرت وجه العالم .
ومع إنهيار الوجود التركي ودخول القوات البريطانية من جنوب العراق في العام 1916 وترسخه عام 1917 بإحتلال بغداد وقيام المملكة الهاشمية التي كرست هيمنة دينية خالصة لم تسمح لجغرافيا الجنوب العراقي من النهوض لكن بمرور الوقت وتجذر الثقافة الدينية والإنفتاح الثقافي وظهور الإعلام بشكله الجديد وتأسيس برلمان ونظام حكم ملكي ووزارات راعية لشؤون الدولة .

كانت هيمنة بغداد على الجنوب تتآكل ببطء رهيب يشبه التحولات المناخية أو ذوبان الجليد في القطبين وإرتفاع درجة حرارة الكوكب رويداً رويداً وهنا كان صعود الجنوب من خلال زيادة السكان ونزوحهم نحو المركز ومدن الفرات الأوسط وقيام ثقافة متجذرة من خلال نشوء الحوزات الدينية وظهور فئات إجتماعية تشتغل في التجارة والسياسة والثقافة وكان الثقل السكاني في بغداد يتحول تدريجياً رغم محاولات نظام صدام حسين منع ذلك وإصدار قوانين وتشريعات لا تتيح الإنتقال أو التملك في بغداد وبرغم أن القانون كان شاملاً للمحافظات كافة لكنه كان واضحاً في قصديته لسكان الجنوب والفرات الأوسط الذي يتمثل فيه ثقل السكان الذين تمكنوا من الإنتقال بنسبة كبيرة إلى ضواحي العاصمة وما إن إنهار نظام صدام حسين حتى وجدنا أن الحكم والنفوذ والهيمنة السياسية والإقتصادية تحول من شمال وغرب ووسط العراق إلى الجنوب الفاعل والمتحفز والمنتظر لتلك اللحظة التاريخية .
بدأ الصعود السياسي والإقتصادي والثقافي المدعوم من اغلبية سكانية متصاعدة ونسبة إنجاب عالية أدت إلى سطوة وهيمنة كبرى للجنوب العراقي على بقية الجغرافيا العراقية .
كان صدام حسين يتعمد في مناسبات عدة أن يتوجه إلى تكريت مملكته الخاصة وعاصمتها قرية العوجة ليمارس رقصة الجوبي في المناسبات المختلفة وكان يبعث بإشارات الإهتمام والأفضلية من خلال تغليب تكريت والعوجة إقتصادياً وسياسياً وثقافياً وحتى من خلال اللهجة التي بدأ العديد من العراقيين بنطقها على قاعدة : ( عجل يابا .. هينه .. يولو ) وبدأت سلطة القرية تتكرس في العاصمة العتيدة بغداد التي تمتزج فيها اللغات واللهجات والثقافات ، لم يجرؤ أي رئيس وزراء على إرسال إشارات التحدي والنظرة بإعتزاز بمحافظات الجنوب كما فعل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي جال بلباس عربي تقليدي على مضايف محافظة ميسان وصلى صلاة عيد الفطر وزار أسرها وتوغل في نواحيها ومعروف عن ميسان أنها المحافظة الأكثر معاناة من سطوة البعث والسلطة المهيمنة التي جعلت الجنوب يتراجع ويتخلف ويتحول إلى نكتة وسخرية ونوع من القمع غير المسوق .
التحولات السياسية الكبرى في العراق في هذا القرن تنسف أربعة عشر قرناً من هيمنة الرأي الواحد والفكر الواحد ولعل زيارة السوداني إلى ميسان مسقط رأسه دليل على نوع التحول ومداه وإلى أين يذهب .

Fialhmdany19572021@gam

فراس الغضبان الحمداني

مقالات مشابهة

  • خارطة الأرض السوداء.. آلاف الألغام تهدد شرق العراق
  • من العوجة إلى ميسان رحلة تحول الحكم الكبرى
  • مطالبة كردية بإنهاء الوجود التركي في كردستان
  • مطالبة كردية بإنهاء الوجود التركي في كردستان - عاجل
  • الرواتب والربيع.. انتعاش سياحة كردستان وجشع الفنادق ينغص الفرحة
  • الحل النهائي لأزمة رواتب كردستان بيد الإقليم.. كيف ذلك؟ - عاجل
  • تعيق تصدير نفط كردستان.. ملفات عالقة بين بغداد وشركات عالمية
  • دوري نجوم العراق.. ديربي بغداد زورائياً والنجف يكرم الحدود بثلاثية
  • كردستان تستقبل مئات الآلاف من الزوار في العيد.. عائدات سياحية بمليارات الدنانير
  • العيد في كردستان.. مائدة عامرة وعادات متوارثة