المراوحة في منتصف الطريق
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
خالد فضل
سبع وستون سنة انقضت من عمر الاستقلال عن الحكم الاستعماري الثنائي (انجليزي /مصري) ، بعد ثلاثة أشهر من الآن ندخل في العام الثامن والستين وما تزال قضية السودان المركزية هي (مسألة البقاء). نعم قد يكون صادما بالنسبة لكثيرين أن نواجه الحقيقة بكل تبعاتها وما تنطوي عليه من مرارة فاقعة تلوب في الأفواه، السودان لم ينتقل رغم عمره المديد وهو يحتفل سنويا بذكرى الإستقلال المجيد ؛ من خانة البقاء ليضع رجلا على خانة النماء.
العالم تغيّر كثيرا خلال سبعة عقود تقريبا، دول وشعوب كانت في منتصف الخمسينات من القرن الماضي في رحم الغيب ونحن في عامنا ال68 نومئ إليها بأنها ذات دور فعال في قضايانا المحلية تساعدنا بالمال والخبرات والإغاثات ونتهمها بمد هذا المتمرد وذاك الخائن وبينهما العميل بالسلاح والدولار . لا نهتم أبدا بخيبتنا الوطنية ولا نتهم أنفسنا بالعيب والتقصير واللا مبالاة وقصر النظر والفساد والاستهتار وعدم الجدية، بل قصارى جهد معظمنا أن يجد مشجبا يعلق عليه عثراته الذاتية وتلك آفة الآفات .
ما تزال قضيتنا المركزية هي قضية بقاء على قيد الحياة، فمنذ بداية الثمانينات من القرن المنصرم أي لنحو 43سنة من عمر الاستقلال الوطني لم تنقطع عمليات الإغاثة الدولية لمجموعات كبيرة من شعبنا في الجنوب السابق وفي دارفور وجبال النوبة وشرق السودان وكردفان ووسط السودان حتى الخرطوم والشمالية. قائمة السودانيين /ات المشمولين بالإغاثات الضرورية للبقاء على قيد الحياة من غذاء ودواء وإيواء وكساء تكاد تغطي ما لا يقل عن 80%من أبناء وبنات شعبنا، وهذا يؤكد ما افترضته في هذا المقال من أن قضيتنا الملحة هي مسألة البقاء أما النماء فتلك سكة يبدو أن بلوغ أول عتباتها لن يتيسر لنا قريبا ما دمنا في هذه المراوحة المدوخة فعلا في منتصف الطريق . فما هي العلّة التي جعلت بلدنا في ذيل قائمة البلدان من حولنا، ولا أقول بلدان العالم الفسيح؟.
العلّة هي في القيادة، نعم القيادة الملهمة المفكرة المسؤولة الجادة وهي القيادة الشرعية المنتخبة من الشعب والمسؤولة أمامه والتي يمكنه محاسبتها ومراقبتها وتغيّرها متى فشلت أو حادت عن الطريق وهذه القيادة لا تأتي إلاّ في ظل نظام سياسي معروف اسمه (الديمقراطية). فالشعوب لا تلد ديمقراطية إلا إذا حملت الأمهات وأنجبن أطفالا وتدرج الأطفال منذ المهد وإلى اللحد في ظل نظام ديمقراطي. الديمقراطية هي عمليات وليست مناسبات انتخابية يهرع الناس في وقت معلوم ليصوتوا للقطية أو الخنزير. مع الأسف، ست وخمسون سنة من عمر الاستقلال شغل خلالها مقعد القيادة السادة الجنرالات في الجيش الرحمة لمن مات منهم ( الفريق إبراهيم عبود (6سنوات)، العقيد جعفر محمد نميري(16سنة)، العميد عمر حسن البشير(30سنة) الفريق عبدالفتاح البرهان 4سنوات قابلة للزيادة، الفريق سوار الدهب حكم انتقاليا لمدة عام واحد ليصبح المجموع سبع وخمسون سنة، وما تزال قضية السودانيين المستمرة هي مسألة البقاء،فهل من فشل أفدح من هذا بالنسبة للسادة العساكر؟.
بهذه النتيجة الواضحة وبأطنان الخيبات الوطنية المروعة والتي يدفع ثمنها باستمرار جماعات وأفراد من المواطنين/ات في مختلف جهات البلاد ولأتفه الأسباب يفقدون حياتهم وأحبائهم؛ فالهم هو البقاء وليس النماء بالنسبة لهولاء الضحايا، كل ذلك يقع والسيد الجنرال الحاكم معتليا صهوة كرسي الحكم آمرا بالمزيد من الشرور وناهيا عن كل خير، وتعجبك جحافل الجندرمة من العسكر ومن الإنتهازيين، أولئك الذين يسبحون بحمد كل جبّار عنيد نظير امتياز مادي في الغالب ( تشييد عمارة أو تأسيس شركة تجارية أو بنك يقي الذرية الوارثة شرور الفقر كما قال أحدهم ذات يوم ) أها العمارات تسكنها (الكدايس) اليوم في أرقى أحياء الخرطوم والشركات طارت شبابيكها وأثاثاتها لتفترش التراب فيما يعرف بأسواق (دقلو) المنتشرة في أماكن كثيرة في الخرطوم وغيرها. الحرب اليوم لم تندلع من الغيب ولم تك قضاء وقدر بل هي حرب تأكيد موجع على التلكؤ والمماحكة في بناء وطن لا يتسيده العسكريون، مع احترامنا لأشخاصهم بيد أن تجاوزهم وخرقهم القاتل لأساسيات مهنتهم وتشبثهم بما لم يتأهلوا له أساسا جعل وطننا مهينا بين الأوطان وشعبنا ذليلا وسط الشعوب يتضور الملايين جوعا رغم الماء والسماء والسهل والسفح يصطف الملايين خلف كاونترات اللجوء ويجوس مثلهم الأصقاع بحثا عن خيمة تأويه. الحرب لم تبدأ يوم 15 أبريل 2023 لكنها كانت قاصمة الظهر لأنها ضربت المركز الذي تسيّده العسكر وأذنابهم لستة عقود دون انتخاب أو رغبة في التنحي أو بناء وطن.
يجب أن تقف الحرب اليوم ولو بنزع سلاح القاتلين بوساطة قوات أممية تحت الفصل السابع من الميثاق، خروج العسكر من الحكم نهائيا غير مأسوف عليهم، البداية من منصة التأسيس لوطن اسمه بلاد السودان يضم كل قاطنيه دون تمييز بلون أو عرق أو دين أو ثقافة وطن يسوده دستور علماني عديل كدة بلا مماحكات, فالدولة للناس كلهم والدين والمعتقد الروحي لمن يشاء. فإذا لم يتحقق ذلك للسودانيين سيظلون في المستنقع يبحثون عن أسباب البقاء فيما الشعوب تمطو الجو إلى الفضاء.
الوسومالسودان خالد فضلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: السودان خالد فضل
إقرأ أيضاً:
الخروج من "منطقة الراحة"
مدرين المكتومية
هناك من يبحث عن التغيير بشكل مُستمر، وهناك من يرى أنَّ الحياة لا تستحق أن يلهث المرء فيها وراء أمور صعبة التحقُّق أو أن يُجازف من أجلها، وهناك من يخاف أن يُغامر بحياته في مغامرة قد تربح أو تخسر؛ ليجد نفسه بعد كل ذلك راغبًا في البقاء في منطقة مُعينة، منطقة آمنة، دون التحرك لمكان آخر، خوفًا من التغيير الذي قد لا يتناسب مع تفاصيل حياته.
تُسمى تلك المنطقة أو الزاوية التي قد يخضع لها الشخص ويعيشها ضمن روتين مُعين، "منطقة الراحة"؛ تلك المنطقة التي يقبل بها الشخص أن يكون وفق نظام (روتين) معين، تلك المنطقة الوهمية التي اخترعها الشخص لنفسه؛ حيث يشعر فيها الشخص بالراحة، ولا مخاطرة بحياته، ووظيفته، وأصدقائه وزملائه، وهو أمر جيِّد ولكنه لا يتماشى مع طبيعة الشخص، التي هي أكثر تحدياً وعزيمة وبحثاً نحو اكتشاف الأشياء، فمنذ الخلق الأول، من البدايات الأولى للبشرية، فإنِّهم كانوا يبحثون عن الكيفية التي يعيشون فيها، يجازفون ويحاربون ويخرجون لمناطق مجهولة وكل ذلك من أجل البقاء.
الإنسان بطبيعته لا يجب أن يركن في زاوية، وأن يبقى في انتظار الأشياء دون أن يسعى لها؛ بل عليه أن يجري ويبحث نحو المجهول، ليصل لما يُريد، وليس البقاء والانتظار، فالعالم يجري من أمامنا بصورة سريعة ولا يتوقف ولا ينتظر أحدًا، لذلك يجب أن يخرج الشخص من منطقة الراحة الوهمية، التي هو من صنعها بنفسه وآمن بها، بينما في الحقيقة ماهي إلا خدعة لا تمت للواقع بصلة، الإنسان خلق للسعي والعمل والاجتهاد والبذل، وليس للركون والانزواء دون حركة.
البقاء في مكان واحد، لا يقود نحو تحقيق المزيد من الفرص، ولا يقود لمكان سوى تحويل الحياة ذات الإيقاع المتسارع إلى روتين قاتل، روتين من الصعب كسره وتحطيمه، بل إنه قد يقود صاحبه للشعور دائمًا بأن حياته ذات رتم واحد، تخلو من المتعة والمرح، لا يمتلك دهشة الأشياء، ولا يتعلم شيئاً، يبقى عالقاً، لأنَّ الإنسان الذي يتحدى ويخرج للفرص الأخرى، يتعلم بصورة كبيرة من كل شيء، ويمتلك قدرة لفهم كل الأشياء من حوله، وبالتالي فإنَّ لديه طاقة لتقبل الأشياء إن حدثت وإن لم تحدث، ولديه أيضًا قدرة لصناعة الفارق في حياته.
ولذلك أؤكد لكم، بكل صراحة وعن تجربة، أن الخروج من منطقة الراحة خطوة مُهمة للنمو الشخصي وتطوير الحياة. وعند محاولة اكتشاف أشياء جديدة وتجربة تحديات جديدة، نفتح لأنفسنا أبوابًا لفرص لا حصر لها؛ سواء من خلال التعلم المستمر، عبر الدورات التعليمية، أو قراءة الكتب النافعة، والحرص على اكتساب مهارات جديدة، وهذه أمور يُمكن أن تُساعدنا على تحقيق تأثير إيجابي كبير في حياتنا؛ بل وحياة من نرتبط بهم، وخاصة الأسرة والأصدقاء المقربين.
وأحد الأساليب الفعّالة لضمان الخروج من منطقة الراحة أو الأمان- سمّها ما شئت- هو تحديد أهداف قصيرة وطويلة المدى والعمل بكل جدٍ لتحقيقها.
على المستوى الشخصي، سعيت منذ فترة ليست بالقصيرة في حياتي، أن أضع أهدافًا واضحة في الحياة، وربما أكتب بعضها في مُفكرة أو دفتر ملاحظات، أو حتى على هاتفي النقال، وقد شعرت أنَّ الأمر يُساعدني في تنظيم حياتي والتركيز والعمل بشكل أكثر ترتيبًا وأعلى كفاءة. وكذلك الحرص على تعلم الجديد، لا سيما في مجال عملي، من خلال البحث عن مهارات جديدة أو دراسة مجال جديد يُمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير على حياتي. وقد نجحت- ولله الحمد- أن أحصل على درجة الماجستير في العلوم الإدارية، والآن أعكف على دراسة الدكتوراه، وهي خطوة كُنت أراها سابقًا صعبة المنال وربما مستحيلة، لكن بالإصرار والتخطيط الجيِّد تمكّنت من بلوغها.
وهناك مقولة يُرددها مدربو التنمية البشرية وهي "واجه مخاوفك"، وقد يعتقد البعض أنَّ هذا من باب إطلاق الشعارات، لكن في حقيقة الأمر هذه المُواجهة مطلوبة ومهمة جدًا لتحقيق شيء إيجابي في حياتنا، والمخاوف قد تكون اجتماعية أو مالية، أو حتى عاطفية، لكن المؤكد أنَّه يتعين علينا مواجهتها بكل حسم وقوة وإرادة صلبة.
وأخيرًا، ومن أجل الخروج من منطقة الراحة والانتقال إلى كل ما يحقق لنا الشغف والتميز، علينا أن نتخلى عن روتين يومنا المُمل والبطيء ربما، من خلال تغيير عادات النوم والاستيقاظ، أو عادات استخدام الهاتف النقال، أو عادات لقاء الأصدقاء، لكي تكون كلها ذات نفع حقيقي ومباشر، ودون إهدار للوقت أو تضييع للمال.
إنَّ التحول نحو المسارات الإيجابية في الحياة، يستلزم أن نتخلص من أعباء الحياة التي نتوهمها ومشاعر الإحباط ومخاوف الفشل، وأن نؤمن أنَّ أي إخفاقات في حياتنا هي جزء من رحلتنا في هذه الحياة، المليئة بالتحديات، لكنها زاخرة أيضًا بالفرص، والأصح أن نستفيد من الفرص لتحقيق أهدافنا، وبلوغ غاياتنا التي نتطلع إليها.
رابط مختصر