الناسُ تتلظى و(العجايا) تستعرض!
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
آخر تحديث: 4 أكتوبر 2023 - 10:29 صبقلم:كفاح محمود كريم لقد كشفت كارثة احتراق قاعة الأعراس في قضاء الحمدانية الى الشرق من الموصل عاصمة محافظة نينوى، حقيقة أن الدولة لا يمكن أن تأخذ مجراها وقوتها وديمومتها بوجود مجموعات مسلحة وميليشيات مهيمنة على مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وأثبتت تلك المأساة التي راح ضحيتها مئات الأطفال والنساء والشيوخ، في أول كارثة من نوعها بعد جريمة ملجأ العامرية في العاصمة العراقية أبان حرب الخليج الثانية، بأنه حان الوقت لفتح ملفات هذه المجاميع والفصائل المسلحة وما تحتويه من تنظيمات ومافيات وزعامات تخفي وراء وجودها فضائح تزكم الأنوف وهي تستعرض عضلاتها بين الأهالي وتتدخل في الصغيرة والكبيرة في شؤون الدولة بما يعيق ديمومتها ويشيع الفوضى والفلتان على حساب هيبة الدولة ومكانتها.
بعد سقوط النظام بسنوات أبتلي العراق وخاصة المدن بتلك الجماعات والميليشيات التي تمركزت في النقاط التي تدر وتنزف أموالاً كالمنافذ الحدودية والموانئ ونقاط السيطرة الثابتة والمتحركة بين المدن، إضافة إلى الشركات الأجنبية والمحلية والمشاريع بكل مستوياتها وتجارة الخمور والمخدرات والأسلحة، حيث تفرض على الجميع أتاوات وبدل مرور وبدل ما يُسمى بالحماية وضرائب وتبرعات إجبارية، وهذا ما يحصل اليوم من البصرة وحتى الموصل وغرباً من ربيعة وسنجار وحتى عرعر على الحدود السعودية، حيث تنتشر مافيات مسلحة وزعامات ميليشياوية بتجهيزات عسكرية وإمكانيات لا تمتلكها الدولة تُشيع الرعب والإرهاب بين الأهالي وفي تلك المراكز لتفرض هيمنتها على صناديق الأموال والضرائب والدخول والخروج وابتزاز الأموال. والعجيب أن رؤساء هذه العصابات التي شرعنت نفسها بعباءة أجهزة الدولة ومؤسساتها، يتجولون في المدن والقرى بأرتال من أحدث السيارات وبعشرات من عناصر الحماية مرتدين أزياء تشبه أزياء رعاة البقر في أمريكا، بل عن قادة تلك المافيات أطلقوا لحاهم وشعر رؤوسهم وكأنهم قراصنة البحار، علماً بأن غالبيتهم أنصاف أميين وغير متعلمين اشتروا شهادات مزورة من جامعات مشبوهة في لبنان وإيران، وجمعوا حولهم أفواج من العاطلين عن العمل برواتب مغرية في تشكيلات شبه عسكرية من أفواج وألوية بحجة الحفاظ على الأمن ومكافحة الإرهاب، وأصبحت شماعة الإرهاب واحدة من أهم وسائلهم للإيقاع بأي شخص لمجرد معارضته لهم أو وقوفه بالضد من ارتزاقهم، وهذا ما يحصل في العديد من مدن العراق الغربية والشمالية الغربية وصولاً إلى ميناء البصرة وبقية المنافذ الجنوبية والشرقية مع إيران والكويت والسعودية. لقد تحولوا بين ليلة وضحاها إلى اقطاعيات مالية ضخمة تساندهم أذرع تنفيذية وقضائية، بل ونجحوا من خلال تلك الأموال في صناعة أحزاب كارتونية امتدت الى كراسي البرلمان، وهذا ما اتضح في كوارث عديدة حصلت خلال السنوات الماضية بسبب حمايتهم للفساد المستشري في مفاصل الدولة وآخرها كارثة قاعة الأعراس في قضاء الحمدانية إلى الشرق من مركز مدينة الموصل ذي الغالبية المسيحية والتي راح ضحيتها المئات من الأطفال والنساء والشيوخ، حيث أشرت التحقيقات الأولية إلى تورط العديد من زعماء تلك المافيات والميليشيات بشكل أو بآخر في تلك الكوارث، بحمايتهم لأصحاب تلك المشاريع أو مالكين لها أو فاعلين رئيسيين فيها لأغراض انتخابية أو سياسية عدوانية. إن ما تقوم به هذه المجموعات وزعمائها يذكرنا بالمثل الدارج في الشعبيات العراقية (عجايا والدنيا عيد)* حيث ما يزال هذا المثل يستحوذ على موقعه كأقوى توصيف لفعاليات وسلوكيات وحتى أزياء رؤساء الجماعات المسلحة والميليشيات التي انتشرت ونمت بشكل سرطاني خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد نجاح القوات العراقية والبيشمركة والتحالف الدولي في القضاء على الهيكل الإداري لتنظيمات الإرهاب التي كانت تسيطر على عدة مدن عراقية وكردستانية، وتحول هؤلاء القراصنة إلى أبطال كارتون ونمور ورقية تمثل على مسرح الانتصار على الإرهاب، بينما تقوم بأعمال لا تختلف كثيراً عما كانت تقوم به تلك التنظيمات الإرهابية إلا اللهم بفارق الزي والملابس حيث عرف عن عناصر تنظيم الدولة الزي الافغاني أو الباكستاني، بينما يرتدي أبطال الكارتون من زعماء العصابات أزياء قراصنة البحار وممثلي هوليود في أفلام رعاة البقر.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
الحوثيون على قائمة الإرهاب: ماذا يعني ذلك لليمن؟
في خطوة متوقعة، أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، ملغياً بذلك قرار سلفه جو بايدن الذي أزالهم من القائمة في عام 2021.
هذا القرار يضع أساساً قانونياً لتحركات أوسع ضد هذه الجماعة المسلحة المتحالفة مع إيران، في إطار استراتيجية شاملة للتعامل مع طهران خلال ولاية ترامب الثانية.
"أمريكا لا تقاتل لتحرير الشعوب نيابةً عنها"
لم يصدر عن الحوثيين أي رد فعل فوري وواضح تجاه قرار ترامب إعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية، رغم خطورة العواقب المحتملة لمثل هذا القرار.
هذا الصمت غير مألوف من جانبهم، إذ اعتادوا الرد بسرعة على المواقف المعلنة تجاههم.
من ناحية أخرى، رحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بقرار ترامب، وعبّرت عن شكرها له على ما وصفته بالقرار "التاريخي".
وكتب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في تدوينةٍ له على منصة "إكس" قائلاً: "انتظر اليمنيون طويلاً؛ ولا سيما أولئك الذين فارقوا الحياة أو عُذبوا أو اعتُقلوا ظلماً، أو دُمرت منازلهم، وشُرّدوا في أصقاع الأرض - انتظروا الإنصاف ومعاقبة الإجرام الحوثي بقرار التصنيف الإرهابي، كمدخل لإحلال السلام والاستقرار في اليمن والمنطقة".
وتفاوتت ردود فعل النخب والأوساط السياسية والشعبية في اليمن إزاء قرار ترامب، إذ أعرب بعضهم عن مخاوفهم من أن يعيق هذا القرار الأمريكي إمكانية عودة الحوثيين إلى مسار المفاوضات والتسوية السياسية للنزاع اليمني، وفقاً لخارطة طريق كانت السعودية قد عملت على إنجازها بالتشاور مع الأمم المتحدة ووسطاء دوليين آخرين.
في المقابل، يرى آخرون أن الحوثيين قد أظهروا من خلال أنشطتهم الأخيرة خلال حرب غزة، رغبة في تقديم أنفسهم كـ"قوة إقليمية" تطمح إلى اعتراف العالم بهم كحكومة لصنعاء وكممثل لليمن، متجاوزين بذلك الأطراف الأخرى في الصراع الدائر في البلاد منذ نحو تسعة أعوام.
ويرى ماجد المذحجي، رئيس مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أن قرار ترامب "يدفن نهائياً خارطة الطريق الأممية، ويستأنف تنفيذ قرارات البنك المركزي بنقل البنوك إلى عدن رغماً عن الجميع، ويجفف الموارد، ويعاقب شركاء الحوثيين، ويغلق باب السياسة والحوار معهم، ويصعّد إلى السطح أقصى سياسات الخنق الاقتصادي للجماعة، بما يبدو مساراً واضحاً لتقويضها اقتصادياً وسياسياً قبل تقويضها عسكرياً".
لكن ثمة من يخشى من أن يتجاوز التصنيف الأمريكي للحوثيين هذه الجماعة ليشمل فرض قيود وعقوبات مشددة على مصارف وشركات ومنظمات تعمل في مختلف أنحاء اليمن، وليس فقط في مناطق سيطرة الحوثيين.
هذا قد يلحق ضرراً كبيراً بمصالح غالبية اليمنيين، ولا سيما عائلات المغتربين التي تعتمد على تحويلات أبنائها في الخارج بواسطة البنوك وشركات التحويلات المالية، التي قد تجد نفسها أمام خطر وضعها في قوائم الإرهاب إذا تعاملت مع المناطق الخاضعة لهيمنة الحوثيين.
على الجانب الآخر، يعتقد العديد من اليمنيين أن أي تصنيف للحوثيين لن يكون ذا جدوى ما لم يقترن بإجراءات "صارمة" عسكرية حاسمة أو اقتصادية مباشرة وملموسة التأثير ضدهم. وكتب أحدهم معلقاً على قرار ترامب: "أمريكا لا تقاتل لتحرير الشعوب نيابةً عنها".
"لم تتغير قواعد اللعبة بل اللعبة نفسها انتهت"
ليس ضرباً في الرمال، أو قراءة في فنجان، القول إن تحركاً غربياً، وربما بدعم إقليمي غير معلن، يتشكل حالياً ليستهدف إنهاء سيطرة جماعة الحوثيين في اليمن، سواء عبر وسائل عسكرية أو اقتصادية.
هذا التوجه نابع من تجاوز الحوثيين لما تعتبره العديد من العواصم العالمية "خطوطاً حمراء"، ما جعلهم يشكلون تحدياً عالمياً.
وثمة أربعة أسباب وراء كل ذلك التغير في الموقف الدولي أو الغربي على وجه الخصوص:
أولاً، أن هجمات الحوثيين على خطوط الملاحة الدولية في البحرالأحمر وبحر العرب وخليج عدن ومضيق باب المندب ألحقت ضرراً بالغاً بالاقتصاد العالمي وباليمن نفسه.
على سبيل المثال، تسببت هذه الهجمات في زيادة تكاليف التأمين على السفن المتجهة إلى اليمن، وأثرت سلباً على قناة السويس في مصر، حيث بلغت خسائرها نحو سبعة مليارات دولار، وفقاً لبعض المصادر الرسمية المصرية.
ثانياً، استهداف الحوثيون مدينة تل أبيب أكثر من مرة، وهو أمر لا يمكن لإسرائيل التهاون معه.
ثالثاً، الهجوم على أرامكو: إذ يُعتقد أن الحوثيين متورطون في الهجوم على مجمع أرامكو النفطي في السعودية، الذي يُعد ذا أهمية استراتيجية لإمدادات النفط العالمية. كما يهددون بالعودة إلى شن هجمات مماثلة إذا اشتدت عليهم الضغوط الاقتصادية.
رابعاً، رفض الحلول السياسية: تعنت الحوثيين أمام أي حل سياسي للنزاع في اليمن حوّل البلاد إلى دولة فاشلة، حيث يعاني الشعب اليمني من "أكبر أزمة إنسانية في العالم"، وفقاً للأمم المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، أصبح الحوثيون يشكلون تهديداً للأمن والسلم العالميين في منطقة لا تحتمل مزيداً من الاضطرابات.
والأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للغرب هو أن الحوثيين لا يعملون كجماعة مسلحة خارجة عن القانون فحسب، بل يُعتقد أنهم يقاتلون بالوكالة عن طهران، مستخدمين أسلحة إيرانية في التطوير والاستخدام.
يؤكد سياسي يمني بارز كان على صلةٍ وثيقةٍ بالحوثيين، أن "الجماعة الخارجة من أكثر مناطق اليمن تخلفاً وأميةً وبؤساً لا يمكنها تطوير الصواريخ البالستية ولا الطائرات المسيرة ولا استخدامها"، ويجزم هذا المصدر الذي تحتفظ مجلة المجلة بهويته أن "خبراء عسكريين إيرانيين ومن حزب الله اللبناني هم من كان ولا يزال يقف وراء إطلاق كل صاروخٍ أو مسيَّرة من داخل الأراضي اليمنية".
كل الاحتمالات واردة
التساؤل المطروح اليوم على نطاقٍ واسع، هو عما سيتعيَّن على اليمنيين القيام به إذا جرى بالفعل دحر سلطة هذه "الجماعة" في بلد مهم يطل موقعه الجغرافي جيوسياسياً على أربعة ممرات ملاحية استراتيجية.
والجواب، حتى هذه اللحظة على الأقل، غير معلومٍ بشكلٍ واضحٍ أو مطروحٍ على الطاولة وربما غير مهم في هذه المرحلة في نظر العالم وحتى الإقليم المرشح للتأثر سلباً لما بعد هذا السيناريو إذا حدث.
استراتيجياً، بمنظور الأمن القومي للغرب وحتى بالنسبة لروسيا، اليمن كبلدٍ وموقع ليس في عنق العالم مثل سوريا ولا على حدود وتخوم أوروبا، لكن يمكنه أن يكون كذلك عن بُعدٍ إذا تحول إلى صومالٍ جديد، بأعمال قرصنةٍ وعصاباتٍ مسلحة منفلتة في هذه المنطقة، وهذا واردٌ إلى حدٍ كبير في نظر كثيرٍ من الخبراء والمراقبين.
السؤال الآخر أيضاً هو: هل هناك قوةٌ سياسية أو عسكرية في اليمن مرشحة لملء الفراغ المحتمل في حال سقوط هيمنة الحوثيين كذراعٍ إيرانيٍ مؤذٍ ليس للغرب وإسرائيل فقط ، بل وفي جنوب غرب آسيا المتاخم لشرق أفريقيا ذي الأهمية الاستراتيجية اقتصادياً على الأقل بالنسبة لتركيا والصين في ضوء استثماراتهما الواعدة هناك؟
عندما يتم طرح هذا السؤال بإلحاح على قياداتٍ يمنيةٍ عدةٍ تقيم في عواصم عربية وأجنبية مختلفة تأتي الإجابات متفقةً تقريباً على أن "حزب الإصلاح - ذا التوجه الإسلامي - لا يريد تحمل المسؤولية لوحده" بل ويشعر أنه غير مقبول حتى إن كان الإصلاح هنا غير الإخوان المسلمين" فمن البديل إذاً عن الإصلاح؟
إجابة أخرى تفيد بأن "حزب المؤتمر الشعبي العام أصبح أكثر من مؤتمر" بعد مقتل مؤسسه الراحل الرئيس علي عبد الله صالح.
لا يخلو اليمن من قيادات لكن كلاً منها لا يمكنه العمل بمفرده، بل يحتاج إلى رافعة سياسية وعسكرية، وإلاّ سيصبح الكل ضحايا لمغامرات قبلية وميليشياوية غير محسوبة العواقب.
لعل هذا ما يشغل بال النخب السياسية والاجتماعية اليوم في اليمن وحتى في دول الجوار سواء في شبه الجزيرة العربية والخليج أو مصر والقرن الأفريقي.
من اللافت أن كل هذه الدول لم تسمح للحكومة الشرعية اليمنية أو حتى للأحزاب السياسية اليمنية أن تصبح طرفاً رئيسياً فاعلاً في الصراع الإقليمي مع الطرف الحوثي المتحالف بقوةٍ مع إيران.
في كل الأحوال، تظل كل الخيارات ممكنة والاحتمالات مفتوحة على أكثر من مسارٍ وسياق بحسب تطوّر الأوضاع، ميدانياً وسياسياً في الداخل اليمني أو على مستوى الإقليم والعالم.