هل هناك خلاف بين الأداء السياسى لحكومة بايدن لحرب أوكرانيا، وبين القيادات العسكرية ممثلة في وزارة الدفاع؟ السؤال قد يبدو أنه لا يتسق مع مجريات السياسة الأمريكية، إلا أن ما بدا للمتابعين أن هناك خلافاً، حتى ولو كان طيّ الكتمان وهو ما اعتبر نوعاً من التصرفات المحاطة بالألغاز.
الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأمريكية، الذي تقاعد مؤخراً، سئل في سبتمبر 2023، إذا لم تستطيعوا تحقيق أهدافكم في الحرب الأوكرانية، ألا يعني ذلك أننا ماضون في حرب للأبد؟
وكانت إجابته: إن أياً من الجانبين الأوكراني والروسي، لم يحقق حتى الآن أهدافه السياسية عن طريق العمل العسكري.
وهذا يعني أن الحرب سوف تستمر إلى أن يتيقن أي من الطرفين أن الوقت قد حان للذهاب إلى مائدة التفاوض.
هذا الرأي كان ميلي قد أعلنه في خطاب أمام النادي الاقتصادي في نيويورك، وشبّه فيه الموقف في أوكرانيا بالحرب العالمية الأولى. وقال: كانت هناك في عام 1914 حرب لا يستطيع أي طرف فيها تحقيق الانتصار عسكرياً، عندئذ قرر قادة أوروبا، أنه لا خيار أمامهم سوى الاندفاع نحو تحقيق انتصار كامل بأي شكل، ثم عاد ميلي بعد هذا التشبيه ليشير إلى ما يجري الآن في حرب أوكرانيا، بقوله إن الأمور قد تتجه إلا ما هو أسوأ من ذلك. وعليك حين تجد أمامك فرصة للتفاوض، أن تسرع بانتهازها.. انتهز الفرصة.
في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، التقى ديفيد مارتن، المختص بشؤون الأمن القومي فى شبكة تلفزيون «سي بي سي» الأمريكية، مع الجنرال ميلي ليطرح عليه عدداً من الأسئلة التي وصفت بعملية نبش بحثاً عما يكون قد خفي عن الأنظار في حرب أوكرانيا.
كان سؤال مارتن هو: في إطار وضع هو فعلاً حرب بالوكالة، حتى ولو لم يكن لديكم جنود على الأرض، فماذا سيحدث إذا لم تحققوا أهدافكم؟ وأجابه ميلي: إن أياً من الجانبين لم يحقق أهدافه السياسية عن طريق العمل العسكري، أي أن الحرب سوف تستمر إلى أن يقرر أي من الطرفين أن الوقت قد حان للذهاب إلى مائدة المفاوضات، لأنهما لم يتمكنا من تحقيق أهدافهما بالوسائل العسكرية.
وبدا للمتابعين أن إجابة ميلي مطابقة لما سبق أن أعلنه قبلها بشهور في خطابه بنيويورك. ومن متابعة إدارة حكومة الرئيس بايدن ولسياستها بشأن الحرب في أوكرانيا، لوحظ أن تلك الحكومة سارعت إلى الابتعاد بنفسها عن أقوال ميلي. وأكدت ذلك شبكة «س.إن.إن» في تقرير بعنوان «الحرب مع روسيا ستكون طويلة الأجل»، وإن إدارة بايدن تعمل على نفض يديها من تصريحات الجنرال ميلي، كما أن جيك سوليفان، مستشار الأمن القومى بالبيت الأبيض، قال صراحة إن كلام الجنرال ميلي لا يعني أي تغيير في سياسة أمريكا.
وفى اللقاء الذي عقده الخبير ديفيد مارتن قال عن لقائه مع ميلي إن أحداً من الأمريكيين لم يتح له الغوص في عمق حرب أوكرانيا أكثر من الجنرال ميلي، فهو الذي يبدأ يومه في الساعة 6.45 دقيقة صباحاً بالاتصال تليفونياً بالجنرال فاليري زالوسبي، قائد القوات الأوكرانية، وهو يتحدث إليه من مرة إلى ثلاث مرات أسبوعياً. وأحياناً يعقد اجتماعاً في مركز القيادة المحاط بالسرية في البنتاغون، وبحضور جميع القيادات لمراجعة ما لديهم من معلومات مخابراتية من ميادين المعارك في أوكرانيا. وفي اللقاء بينهما سأله مارتن: إلى متى ستتحمل الإدارة السياسية لشعب أوكرانيا هذا الحجم من الخسائر البشرية؟ وهو سؤال موجّه لروسيا أيضاً. وإجابة ميلي: هذا سؤال لا نعرف للآن الإجابة عليه.
وسأله مارتن: هل تساعدون أوكرانيا بتحديد وانتقاء الأهداف التي تقوم بمهاجمتها؟ وأجابه ميلي بأن ما نفعله هو تزويدهم بالمعلومات عن الأوضاع الميدانية، وإن قنوات مخابراتنا مفتوحة على أوكرانيا.
تبقى رؤية ميلي تشغل المحللين عن أية توقعات بإمكان بحث طرفي النزاع عن حل دبلوماسي. وهو ما نقلته شبكة «س. إن. إن» تحت عنوان «توقعات الجنرال ميلي عن بدء جهد لحل دبلوماسي عاجل لحرب أوكرانيا في الشتاء القادم». لكن يظل يصطدم بهذه التوقعات ما أبدته إدارة بايدن من عدم حدوث أي تغيير في سياستها الحالية تجاه ما يجري في أوكرانيا.
وفي النهاية أصبح هذا المشهد مغلفاً بالغموض، مع خروج الجنرال ميلي من وزارة الدفاع.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة حرب أوکرانیا الجنرال میلی فی أوکرانیا
إقرأ أيضاً:
هل صواريخ بايدن عقبة أمام ترمب؟
بعد مرور اليوم الألف على اشتعالها، انعطفتْ فجأة الحربُ الروسية - الأوكرانية منعطفاً خطيراً، عقب قرار صدر عن الرئيس الأميركي جو بايدن بمنح الإذن لحكومة كييف باستخدام صواريخ أميركية «أتاكام» يصل مداها إلى 300 كيلومتر.
الرئيس جو بايدن، وهو على بُعد شهرين أو أقل من مغادرته البيت الأبيض، قرر ألا يغادر المسرح في صمت، ومن دون إحداث فرقعة. البعضُ من المعلقين يرى أن ترخيصه لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأميركية، التي حظرَ استخدامها ضد أهداف في أراضٍ روسية طيلة أشهر طويلة، رغم إلحاح وتوسل حكومة كييف، لا يخلو من خبث سياسي، أراد به حرق الأرض أمام الرئيس القادم، وبدلاً من العمل على إحلال السلام، يتحول إلى رجل مطافئ، لا هم له سوى منع مواجهة دولية.البعض الآخر منهم يرى أن الرئيس بايدن يعرف مسبقاً أنّ قراره بترخيص استخدام الصواريخ من قبل الجيش الأوكراني لن يجلب نصراً نهائياً لحكومة كييف، إلا أنّه قد يقلل من حجم الهزيمة المحتملة لأوكرانيا، ويسبب أضراراً لروسيا.
القرار، الفجائي والمتأخر، أعقبه قرار آخر بإرسال شحنة من الألغام ضد الأفراد مرفقة بعناصر عسكرية أميركية متخصصة في زرعها لأوكرانيا بهدف تأخير تقدم القوات الروسية، بتحويل الطرق أمامها إلى حقول ألغام قاتلة. الرئيس بايدن وعد أيضاً بتسريع دعم أوكرانيا بمبلغ 6 مليارات دولار؛ وهو القيمة المتبقية من دعم مالي سابق، حظي بموافقة الكونغرس، بقيمة 60 مليار دولار. وتبع ذلك سماح حكومة لندن للقوات الأوكرانية باستخدام صواريخ «شادو ستورم»، ومن المحتمل أن يحذو الفرنسيون حذوهم ويسمحوا لحكومة كييف باستخدام الصواريخ الفرنسية «سكالب».
الأوكرانيون تحركوا بسرعة بعد صدور القرار، وباشروا في إطلاق الصواريخ الأميركية والبريطانية في ضرب أهداف داخل روسيا. التقارير تؤكد نجاح صاروخ في اختراق حاجز الدفاعات الجوية الروسية وتدمير مستودع ذخيرة على بعد 115 كيلومتراً من مسرح العمليات العسكرية على جبهات القتال.
ومن جانبها، عدّت روسيا قرار الرئيس بايدن بمثابة خطوة نحو مواجهة مباشرة مع حلف «الناتو». وردت فورياً على الضربة الصاروخية الأخيرة بقصف جوي ومدفعي على كييف ومدن أخرى، لم تشهد أوكرانيا له مثيلاً منذ بداية الحرب، مما أدى إلى تعالي أصوات الإدانة من عواصم غربية عديدة. ومن جانبه، يتابع الرئيس المنتخب دونالد ترمب التطورات في صمت. في حين أن مسؤولين بارزين في فريقه الانتخابي والحزب الجمهوري، ومن ضمنهم نجله الأكبر، نددوا بقرار الرئيس بايدن، واتهموه بالسعي لإفشال مهمة الرئيس القادم في بسط السلام.
تقول التقارير إن قرار الرئيس بايدن باستخدام الصواريخ جاء في مرحلة متأخرة جداً من بدء الحرب، إضافة إلى التحفظات المرافقة، بالسماح للأوكرانيين باستخدامها في منطقة كورسك فقط، التي تحتلها قواتهم ضد مواقع القوات الروسية وحليفتها قوات كوريا الشمالية، لتخفيف الضغط عليها.
في تبريرهم للقرار، يرى المؤيدون أنّه جاء رد فعل على وصول أكثر من 10 آلاف مقاتل من كوريا الشمالية لدعم القوات الروسية، إلا أنهم، في الوقت نفسه، يتفادون التعرض لاحتمالات الرد الروسي المتوقع، وانعكاساته على السلم الدولي.
التحليل الموضوعي لا ينفي تأثير الخطوة الروسية باستقدام قوات من بلد ثالث في روسيا لدعم القوات الروسية وانعكاساته المختلفة. كما لا يتجاهل حقيقة أن الموقف الأميركي والأوروبي من الحرب منقسم إلى درجة لا يمكن تجاهلها بين صقور وحمائم؛ يرفض الفريق الأول أي سلام يتيح خروج روسيا من الحرب منتصرة، ويرى الفريق الثاني أن مواصلة الحرب لا تؤدي إلا إلى تفاقم إرهاق الاقتصادات الأوروبية، والاستمرار في تصعيد التوتر دولياً. فوز دونالد ترمب في الانتخابات قلب الموازين، ورجّح كفة المنادين بوقف الحرب. الأمر الذي دفع الصقور إلى المسارعة بالتصعيد، بالعمل على حرق الأرض أمامه، وبهدف منعه من الإيفاء بوعده، وحرمان الرئيس بوتين من نصر عسكري وسياسي.