أين تضع أوساط حزب الله جولة باسيل البقاعية؟
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
كتب ابراهيم بيرم في" النهار": ثمة من يرى ان "حزب الله" الذي وجد في "التيار البرتقالي" ذات يوم من عام 2006 ضالته المنشودة ، فأقدم بحماسة على خوض غمار تجربة شراكة سياسية معه كان لها وقْعها في حينه، قد وطّن نفسه منذ وقت ليس بالقصير على قبول معادلة مختلفة فحواها انه صار من الاستحالة بمكان اعادة استنساخ تلك التجربة سواء بصيغتها الاولى أو معدلة.
في العقل الباطن للحزب ان اشارة الرغبة الاولى بالافتراق عن تلك التجربة قد أتت من باسيل نفسه الذي فاجأ السيد حسن نصرالله قبل نحو عشرة اشهر بموقفه السلبي من موضوع السير بخيار ترشيح سليمان فرنجية. وهو لم يكتفِ كما بات معلوما بالرفض مشفوعا بالتعبير عن الاستياء، بل انه اتخذ ذلك منصة لهجوم مضاد على الحزب توالى فصولا وبلغ ذروته في حملة على شخص سيد الحزب باتهامه بعدم الوفاء وعدم الصدقية.
والامر غير الايجابي في رأي الحزب ان هذه "النزعة العدائية" من جانب باسيل عكست نفسها على شريحة واسعة من قاعدة التيار الى درجة ان نائب التيار في زحلة سليم عون ابلغ الى نائب شيعي سابق ما مفاده ان قاعدة التيار صار يستهويها الخطاب المتطرف اكثر من أي خطاب آخر. واللافت في الامر ان ردة فعل الحزب حيال ذلك كانت ذات وجهين:
الاول، استيعاب حملة باسيل والتشديد على عدم الانزلاق الى سجالات معه.
الثاني، ان الحزب كان يراهن على أمرين: الاول انه لا يمكن منع باسيل من المضي مع خياراته الجديدة كاملة. والثاني ترك خط الرجعة مفتوحا معه.
وبناء عليه، لم يكن مستغربا أو مفاجئا ان يبدي الحزب تجاوبا سريعا مع اعلان باسيل قبل نحو ثلاثة اشهر استعداده لمعاودة الحوار المشروط هذه المرة ومن ثم القبول بمشروع الوزير السابق زياد بارود قاعدة النقاش الاساسية حول بند اللامركزية الادارية الموسعة تماشيا مع رغبة باسيل.
وبمعنى آخر، يستقر الحزب عند قراءة داخلية فحواها ان لا فائدة عاجلة تُرجى من استئناف الحوار المتجدد مع التيار، وانه بالنتيجة ووفق تعبير احد قياديي الحزب في لقاء خاص "هو حوار عقيم لا يُنتظر منه الكثير" لأن الظروف والمعطيات وحسابات المصالح التي أملت على "التيار البرتقالي" ذات يوم من ايام 2006 إبرام "تفاهم مار مخايل" مع الحزب لم تعد مناسبة للتيار في الآونة الاخيرة، واستطرادا لم تعد تلبي مصالحه.
ومع ذلك، لم يكن أمام الحزب إلا المضي قدماً في هذا الحوار لكن من دون ان يعقد الآمال العراض عليه بدليل ان حديثه عنه كان اقل بكثير عن حديث الطرف الآخر عنه وعما حققته الجلسات الثلاث للجنة المشتركة المولجة بالوصول الى تفاهم.
واستطراداً، كان تصوّر الحزب لمستقبل هذا الحوار يقوم على قاعدتين:
الاولى، ان تبقى العلاقة مع التيار علاقة صداقة وانفتاح للحيلولة دون تحوّلها يوما ما الى علاقة متوترة.
الثانية، ان تكون وفق مفهوم المصلحة "علاقة على القطعة"، أي بحسب الحاجة والضرورة ووفق قاعدة "كل يوم بيومو".
ومع كل ذلك، يبقى السؤال: لماذا اعطى الحزب اهمية لرصد جولة باسيل البقاعية بالذات، واستتباعا لماذا اعتبرها معيارا يبنى عليه؟
ببساطة لأن الدوائر المعنية في الحزب قرأت في الجولة اياها تطوراً يعطي صورة استشرافية لأداء باسيل السياسي مستقبلا. إذ ان باسيل الذي رفض يوم كان تياره في ذروة الصعود ان يتعاون مع الزعامة السكافية إلا بشروطه هو، كما رفض العلاقة مع آل فتوش، يعود الى فتح ابواب العلاقة معهما باعتبارهما من الثوابت في المدينة من جهة، وانهما معا او احدهما يمكن ان يكون بديل الحزب لخوض غمار الانتخابات المقبلة بالتحالف معهما. واذا كان باسيل قد بدأ رحلة البحث المضنية عن خيارات بديلة لتحالفه انتخابيا مع الحزب في الدورة المقبلة في البقاع او الشمال او سواهما، فالثابت ان الحزب بدأ يفكر ايضا باحتمالات بديلة في الساحة المسيحية وهو يعدّ العدة لمثل هذا الاحتمال.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
دعم الديمقراطي ترشيح قائد الجيش.. لماذا استفزّ باسيل؟!
بإعلانها دعم ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية، نقلت كتلة "اللقاء الديمقراطي" الاستحقاق الرئاسي إلى ضفّة أخرى، وربما خطوات إلى الأمام، خصوصًا أنّها المرّة الأولى التي يُرمى فيها باسم عون بهذه الصراحة في "البازار"، على الرغم من كونه من أكثر الأسماء المتداولة في الكواليس منذ اليوم الأول للفراغ الرئاسي، الذي أعقب انتهاء ولاية الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون في أواخر تشرين الأول 2022.
ما قالته كتلة "اللقاء الديمقراطي" كرّره رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط الذي سارع إلى القول إنّ سبب اختيار العماد عون هو أنه "يمثل مؤسسة مهمّة، وقام بعمل ممتاز من أجل استقرار لبنان"، كما أنّه "مهمّ جدًا في هذه المرحلة للاستقرار والأمن في البلد"، مشيرًا إلى أنّه يفضّل إنجاز الاستحقاق خلال عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، ولو أنّه أضاف أنّه يعتقد أنّه "مدعوم" من قبل إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب أيضًا.
لكنّ إعلان "الاشتراكي" دعم عون لم يُقابَل بإيجابية على الضفة المسيحية، فـ"التيار الوطني الحر" سارع للردّ بقسوة عبر مصادره، التي قالت إنّ جنبلاط ليس هو من يرشّح عن المسيحيين، واصفًا عون بأنه "هنري حلو ثانٍ"، ليردّ الأخير بالقول إنّ "الأهم ألا يكون أي رئيس مقبل، كائنًا من كان، ميشال عون ثانيًا"، فلماذا "استفزّ" موقف "الاشتراكي" دعم ترشيح قائد الجيش باسيل بهذا الشكل، وما موقف القوى المسيحية الأخرى منه؟!
لماذا "استفزّ" باسيل؟
تعطي أوساط "التيار الوطني الحر" أسبابًا "مبدئية" للموقف الذي أطلقته مصادر باسيل، بعيد إعلان كتلة "اللقاء الديمقراطي" دعم ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية، أو بالأحرى "ترشيحه" وفق ما تقول هذه الأوساط، باعتبار أنّ قائد الجيش لم يعلن ترشيحه أساسًا، وهو الذي يدرك أنه يحتاج لتعديل دستوري من أجل أن يُنتخَب رئيسًا، كما أنّ أحدًا لم يرشّحه، لا من القوى المسيحية ولا غيرها، وبالتالي فإنّ كتلة "اللقاء الديمقراطي" هي التي رشّحته.
بالنسبة إلى أوساط "التيار الوطني الحر"، فإنّ المشكلة في هذا الترشيح تنطلق من هذا المعطى بالتحديد، فموقع رئاسة الجمهورية هو الموقع المسيحي الأول في البلاد، وبالتالي فإنّ ترشيحه يجب أن يأتي من المسيحيين أولاً، حتى لو كان الرئيس هو لجميع اللبنانيين، علمًا أنّ كتلة "اللقاء الديمقراطي" لا تتعامل وفق المنظور نفسه، مع سائر المواقع، فهي تنتظر موقف القوى الشيعية عندما يتعلق الأمر برئاسة مجلس النواب، والسنية بالنسبة لرئاسة الحكومة.
وبناءً على ذلك، لا توافق أوساط "التيار" على توصيف "الاستفزاز" عند الحديث عن الأمر، بل هي تعتبر أنّ رفض أن يأتي ترشيح الرئيس من القوى غير المسيحية ينسجم مع الثوابت والمبادئ التي لطالما نادى بها "الوطني الحر"، علمًا أنّ السؤال المطروح بحسب هذه الأوساط، ليس لماذا اعترض باسيل أو غيره على مثل هذه المقاربة، بل لماذا صمتت سائر القوى المسيحية، وهي التي تنادي بحقوق المسيحيين في الليل والنهار.
ماذا عن سائر القوى المسيحية؟
لا يبدو إصرار أوساط "التيار" على الحديث عن "مبدئية" الموقف مقنعًا بالنسبة لكثيرين، ممّن لا يخفون أنّ المشكلة الحقيقية بالنسبة إلى باسيل تكمن في اسم العماد جوزيف عون، ولا سيما بعدما باسيل حوّل المعركة مع الأخير إلى "شخصية"، منذ حمّله مسؤولية الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في تشرين الأول 2019، والتي اعتبر أنّها استهدفته شخصيًا، ولو حملت شعار "كلن يعني كلن"، وهو لذلك "يفضّل" أي مرشح على قائد الجيش.
إلا أنّ المفارقة المثيرة للانتباه أيضًا، وفقًا للمتابعين، فهي أنّ "امتعاض" باسيل من دعم "اللقاء الديمقراطي" لترشيح عون، لم يُقابَل على الضفة الأخرى، ترحيبًا وحماسة من قبل القوى المسيحية الأخرى، بما فيها تلك التي تؤيد انتخاب قائد الجيش، أو لا تمانعه بالحدّ الأدنى، علمًا أنّ "القوات اللبنانية" مثلاً لم تحسم موقفها من الأمر بعد، وفق ما يقول العارفون، ولو أنّ المحسوبين عليها يؤكدون عدم وجود "فيتو" عليه من جانبها.
ووفقًا للعارفين، فإنّ سبب عدم الحماسة هذه، اعتقاد البعض أنّ "الاشتراكي" ربما "تسرّع" بتأييد ترشيح قائد الجيش، باعتبار أنّه كان يفضَّل أن يُترَك اسمه لربع الساعة الأخير، وعشية جلسة التاسع من كانون الثاني وليس قبل ذلك، علمًا أنّ ما يخشاه الكثير من داعمي الرجل، هو أن يؤدي إعلان "الاشتراكي" وردود الفعل المتفاوتة عليه، إلى "إحراق" حظوظه، تمامًا كما تمّ "إحراق" حظوظ الكثير من المرشحين قبله، من ميشال معوض إلى جهاد أزعور.
صحيح أنّ باسيل بتشبيهه العماد جوزيف عون بالمرشح هنري حلو، وهو عضو "اللقاء الديمقراطي"، يحاول أن يحصر قائد الجيش بخانة "الاشتراكي"، ويحجب عنه صفة "التمثيل المسيحي". إلا أنّ الأكيد أنّ مثل هذه المقاربة لا تستقيم، ولا سيما أنّ قائد الجيش يُعَدّ من المرشحين الأساسيّين منذ اليوم الأول، ولو تجنّب الجميع التداول باسمه رسميًا لعدم إحراقه، وهو ما يفهمه كثيرون من زاوية أن باسيل "يفتعل" المعركة لقطع طريق بعبدا على عون! المصدر: خاص "لبنان 24"