الثورة نت:
2024-11-20@07:54:17 GMT

الإمام الجمهوري يحيى المتوكل

تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT

 

لفظ “الإمام” أو “الإمامة” هو من الألفاظ التي أسيء استخدامها في العقود الماضية حتى أصبحت مادة للتراشق السياسي حيث كان الشخص الموصوف بها يُعتبر عدوا للجمهورية وخطرا على النظام!
وللأسف في ظل المكايدات السياسية كان يُرمى بهذه التهمة أيُّ منافس لمجرد انتمائه لأسرة معينة أو مذهب معين أو منطقة معينة بقطع النظر عن قناعاته وتصرفاته، رغم ان الإيمان بالنظام الجمهوري هو فكرة تتجاوز المذاهب والأعراق والمناطق.


لكن وللإنصاف فما لمسته من بعض العقلاء الذين يصرون على شيطنة لفظ “الإمام” و”الإمامة” انهم إنما يقصدون بذلك ذم النظام الملكي أو ذم العنصرية أو ذم التخلف ولا يقصدون تعميم ذلك على أسرة أو مذهب أو شريحة اجتماعية.
ولكن مهما كانت نواياهم حسنة في اختزالهم لفظ “الإمامة” بتلك المعاني السلبية لكن ذلك لا يعني أن لفظ “الإمام” أو “الإمامة” هو لفظ سلبي بل هو من الناحية اللغوية وصف محايد يُطلق على الأشرار كما يُطلق على الأبرار، لكن إذا دققنا في استخدام القرآن الكريم لهذا اللفظ عرفنا أنه كان ألصق بذكر الصالحين ومدحهم بل واكتسب بُعدا أعلى باعتباره درجة رفيعة يتوق لنيلها حتى الأنبياء.
وعندما نتحدث عن ثورة 26 سبتمبر 1962م يتبادر إلى الذهن أحد أبرز رموزها وقادتها ألا وهو اللواء الشهيد يحيى المتوكل رحمه الله الذي كان شخصية “متكاملة الصفات” حسب تعبير الشيخ علي حميد جليدان، فقد كان هذا الثائرُ الشاب من أميز القادة العسكريين ومن أنجح الدبلوماسيين ومن ألمع السياسيين ومن أوسع المثقفين ثقافة وفوق هذا وذاك كان في تصرفاته نموذجا للعفة والشجاعة والشهامة والوفاء والصدق والكرم ونبل الأخلاق وسلامة الصدر وسعة الأفق، وكان ناجحا بامتياز أينما كان يمتلك شخصية ساحرة متوازنة جذابة، لذا كان من الطبيعي أن يكون مرشحا فوق العادة ليُصبح رئيسا للجمهورية في أكثر من مرحلة وكأنما خلقه الله ومنحه عزيز الخصال وجميل السمات ليؤهله لهذا المنصب الجمهوري الهام.
ولعل ما حال بينه وبين أن يصبح رئيسا للجمهورية هو خشية البعض من حدوث مفارقة فجة من أن حفيد الإمام المتوكل على الله البطل السبتمبري يحيى المتوكل الذي اقترن اسمه بالثورة على الملكية والعنصرية إذا أصبح رئيسا للجمهورية وهو بذلك الكمال فكأنما هو “إمام” جمهوري!
والحقيقة أن ذلك الإسقاط مستقيم من الناحية اللغوية، فلفظ الرئيس هو مرادف للفظ الإمام والسلطان والقائد والزعيم، لكن ذلك الإسقاط غير مستقيم من الناحية السياسية والأخلاقية، لأن اللواء الشهيد يحيى المتوكل كان صادقا ونزيها في ثورته على العنصرية، فبأي حق يُعاملهُ البعضُ بعنصرية؟ وهل يتلاءمُ ذلك مع الثورة وشعاراتها التقدمية أم يتعارض؟
وهل يعيبُ اللواءَ الشهيد يحيى المتوكل انتماؤه في النسب إلى إمام عظيم كالمتوكل على الله ساهم في الثورة على الاحتلال الخارجي وأسس دولة يمنية مستقرة موحدة؟
وإذا ما استرسلنا في الفكرة والحديث عن الإمام المتوكل على الله فعندما شاهد والدي رحمه الله وثيقة بخط يد الإمام المتوكل على الله تبادر إلى ذهنه التشابه بينه وبين خط اللواء الشهيد يحيى المتوكل، وتلك الفكرة اللطيفة أوحت لي بالبحث عن أوجه شبه أخرى بين الجد والحفيد فوجدت التالي:
١- كان الإمام المتوكل على الله قائدا عسكريا فذا وكذلك كان حفيده اللواء الشهيد.
٢- كان الإمام المتوكل على الله سياسيا محنكا ولا أدل على ذلك من نجاحه في قيادة دولة مستقرة، وكذلك كان حفيده اللواء الشهيد أبرز الساسة المحنكين في عصره بشهادة جميع من عرفوه.
٣- كان الإمام المتوكل على الله قائدا وحدويا مميزا وقد نجح في توحيد اليمن حتى عمان، وكان حفيده اللواء الشهيد من أهم منظري الوحدة اليمنية ورجالها ورموزها وجسورها السياسية.
٤- كان الإمام المتوكل على الله متهما بالتسنن رغم انه إمام الزيدية ولا شك في انتمائه وولائه، وذلك معناه حسب التعبير المعاصر انه كان متهما بالتقارب مع المختلفين معه في الفكر والمذهب أو عدم التشدد معهم، ولعل هذه التهمة هي عنوان نجاحه في إيجاد دولة مستقرة أسست لما بعدها قرونا من الزمن، رغم ما يسود اليمن من التنوع المذهبي والفكري والثقافي.
كذلك كان حفيده اللواء الشهيد بما حباه الله من الرقي والسعة في التعامل مع من يختلفون معه إلى حد أن الكثيرين يعتبرونه عرابا للديمقراطية والتعددية السياسية التي تم تدشينها عام 1990م، وإلى حد انه كان شخصية مقبولة وطنيا تحظى بإجماع سياسي قل نظيره حتى أن شعبيته تجاوزت حزبه لتصل إلى المعارضة، بل إن البعض يكاد يجزم انه كان أقرب رموز الحزب الحاكم إلى المعارضة، وكانت تتحلحل على يديه معظم المعضلات السياسية بسهولة ويسر.
في النهاية أقول إنه لم تتيسر لي فرصة الاحتكاك الفكري والسياسي المباشر باللواء الشهيد إلا برهة يسيرة جدا، لكني عرفته من خلال والدي الذي كان يعتبره أخا وصديقا ومثلا أعلى، وعرفته أيضا من خلال معرفتي بأبنائه النبلاء محمد وأحمد وعلي، وما أدراك ما أبناؤه؟
بسبب اللواء الشهيد تغيرت نظرتي لثورة 26 سبتمبر 1962م والتي ارتبطت بقصص الإعدامات المروعة وبالعنصرية المقيتة، وانتهت لتصبح “ملكية جمهورية” خاضعة للوصاية الخليجية، ولكن بعد تعرفي على هذا البطل الجمهوري أدركت أن اختزالها في تلك الجرائم هو خطأ، لذلك أجزم أن اللواء الشهيد يحيى المتوكل كان خير سفير لثورة 26 سبتمبر، لأنه لم يختر الثورة على النظام الملكي إلا رغبة صادقة منه في طلب المساواة، وهكذا قال في وصيته التي كتبها بيده ليلة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م.
رحمك الله أيها الفارس النبيل، وألحقنا بك من الصالحين، وجمعنا بك وبأبنائك في جنات النعيم، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
كُتِبَ المقالُ بمناسبة الذكرى العشرين لاستشهاد اللواء يحيى المتوكل / يناير 2023
وأعيد نشره بمناسبة ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر سنة 2023

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

أمين البحوث الإسلامية: الحوار لم ينسلخ في المنظور التشريعي عن مطالبات الفطرة الإنسانية

قال الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: إنَّ القواعد المحورية الكليَّة لهذا المؤتمر المبارك وعاءٌ ميمونٌ يتشارك فيه مجمع البحوث الإسلامية وكليَّة الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، وهو يعبِّر في الوقت ذاته عن رؤية كل قطاعات الأزهر الشريف، وأنَّ المجمع بكل أماناته وإداراته وإصداراته وفعالياته ليُعنَى عنايةً واضحةً بالدعوة الإسلامية وعظًا وإرشادًا وإفتاءً ونشرًا، وأنَّ كلية الدعوة الإسلامية المباركة بعلمائها الأجلَّاء ومجمع البحوث الإسلامية تربطهما قواعد كليَّة عبَّرت عنها محاور هذا المؤتمر، كما هو دأب سائر كليَّات الجامعة وقطاعات الأزهر الشريف؛ فهي تنسجم مع المجمع في كلِّ المسارات الدعوية والبحثية، كما تنبثق من مجلس المجمع لجنةٌ ضمن سلسلة ذهبية مِنَ اللجان العِلمية تُسمَّى: (لجنة التعاون بين المجمع وجامعة الأزهر)؛ ومِن هنا جاء هذا التشارك الميمون.

أمين البحوث الإسلامية: الفتوى صناعة تحتاج إلى تأهيل وتدريب على المستجدات

وأضاف الدكتور الجندي -خلال كلمته صباح اليوم بمؤتمر كليَّة الدعوة الإسلامية، الذي يُعقد بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية بمركز الأزهر للمؤتمرات تحت عنوان: (الدَّعوة الإسلامية والحوار الحضاري.. رؤية واقعية استشرافية)- أنَّ موضوع هذا المؤتمر بلغ من العناية بمكان لدى مولانا الإمام الأكبر حفظه الله تعالى، الذي دائمًا نراه يجدِّد دعوتَه للحوار في وقت ادلهمَّت فيه الصراعات، وشاعت فيه التحديات الإقليمية والعالمية، وأنَّ مفهوم الحوار لم ينسلخ في المنظور التشريعي الإلهي عن مطالبات الفطرة الإنسانية، ولم يصطدم بالحقائق الحيوية للكينونة الإنسانية، فالحوارُ خطابٌ للوجود كلِّه بمنهجٍ يتناغم مع طبيعة الحياة فيه، وقد ساق البشريَّة كلَّها إلى حياة الإِلْف والإخاء، وأنقذها من عناء التدابير الفكرية المنزلقة إلى نظام حياة الغابة، وحذَّرها من خطر السيكولوجيات المضلِّلة، وأعفى البشرية مِن تولِّي وضع التصميم الأساس لحياة الإنسان، بل لحياة الكائنات المشاركة في الإرث الأرضي والكوني على حدٍّ سواء، وتأتي رسالة رسول الله محمد ﷺ لتؤكِّد وتجدِّد نداء السماء بعدم المساس بمنهج الله سبحانه، فإنه لا اجتهاد مع النَّص.

وأشار الأمين العام إلى أنَّ خبراء الحوار قد اختصروا الغاية منه في الإسلام في عبارات جزلة، يقول الإمام الغزالي في (الإحياء) عند ذِكره علامات طلب الحق في الحوار: «أنْ يكون في طلب الحق كناشد ضالَّة، لا يفرّق بين أن تظهر الضالة على يده، أو على يد مَن يعاونه، ويرى رفيقه معينًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق»، وقال الإمام الشافعي: «ما حاورتُ أحدًا إلا تمنيتُ لو أنَّ الله أظهر الحقَّ على لسانه»، وفي ذلك إسقاط للعصبية والتعصُّب والأنا وفقدان المعيار ونشدان الانتصار.

منظومة منهاج الحوار في الإسلام واحدة

وأكَّد أنَّ منظومة منهاج الحوار في الإسلام واحدة، ومَن كانت لهم اليد الطُّولى في التقعيد للحوار المنطقي العقلي والدعوي وآدابه، استمدوا منهجهم من الإسلام، فنرى (منهج الإسلام في الحوار) في منهج الإمام أبي حنيفة النعمان، والإمام أحمد بن حنبل، والعلَّامة إمام الحرمين الجويني، والعلَّامة أبي بكر الباقلاني، والعلَّامة أبي حامد الغزالي، والعلَّامة أبي الحسن الفارسي، والعلَّامة عبد الكريم بن محمد الدامغاني، والعلَّامة الإمام أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني، والعلَّامة الإمام البيجوري، والعلَّامة الإمام محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، والعلَّامة أحمد الملوي، والعلَّامة محمد بن عياد الطنطاوي الشافعي، والعلَّامة الإمام المراغي، والعلَّامة الإمام عبد الحليم محمود، والعلَّامة مولانا الإمام الأكبر أحمد الطيب.

واختتم الدكتور الجندي أنَّه مِن خلال هذه القواعد المسلسلة نرسِّخ للحوار الدعوي في كنف رؤية محبوكة تضمن الانسجام في المجتمعات؛ تحقيقًا لحفظ الضرورات الخمس، ونصوغ رؤيةً استشرافيةً مستنبطةً من أقيسة وقراءات عمليَّة، خصوصًا في ظلِّ التحديات الإقليمية والعالمية.

مقالات مشابهة

  • الأوقاف تطلق مقرأة كبار القراء بمسجد الإمام الحسين
  • الأوقاف تطلق مقرأة كبار القراء بمسجد الإمام الحسين برواية البزي عن ابن كثير
  • شيخ الأزهر يشكر رئيس مجلس النواب على تعزيته في وفاة شقيقته
  • السفيرة الأمريكية بمصر تعزي شيخ الأزهر في وفاة شقيقته
  • المتوكل والهادي يفتتحان معرض صور الشهيد المركزي في سنحان وبني بهلول
  • سفيرا الكويت وبروناي يعزيان شيخ الأزهر فى وفاة شقيقته
  • رئيس جامعة الأزهر يؤكد أهمية جهود الإمام الأكبر في مسار الحوار الإسلامي
  • أمين البحوث الإسلامية: شيخ الأزهر دائما يجدِّد دعوتَه للحوار
  • أمين البحوث الإسلامية: الحوار لم ينسلخ في المنظور التشريعي عن مطالبات الفطرة الإنسانية
  • أمين البحوث الإسلامية: نعمل على ترسيخ الحوار الدعوي من أجل الانسجام في المجتمعات