من كيان “إسرائيل الشرقية” إلى عربان التطبيع: السعيد من اتعظ بغيره!
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
يمانيون – متابعات
يتحدث قادة كيان “إسرائيل” بكثير من الشوق واللهفة عن اتفاق التطبيع المحتمل مع السعودية، ويسهبون في تعداد النعم الجزيلة والخير الوفير الذي سيجلبه الاتفاق لشعوب المنطقة. وزير الشؤون الإستراتيجية الصهيوني رون ديرمر قال خلال مقابلة تلفزيونية: “إذا حدث اتفاق سلام بين السعودية وكيان إسرائيل، فهذه بداية نهاية الصراع الصهيوني العربي، وسوف نحقق بذلك مصالحة بين اليهودية والإسلام، ونزيد فرص السلام مع الفلسطينيين”.
أما وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين، فقال: “الفلسطينيون لن يكونوا عائقاً أمام التطبيع مع السعودية، ولن يكون هناك سباق تسلح نووي، والاتفاقية ستعزز الأمن والاستقرار الإقليميين”.
يبدو مشهداً ساخراً وهزلياً بعض الشيء، فـ كيان “إسرائيل” التي بَنَت مشروعها الصهيوني على أنقاض “العروبة” وحوّلتها إلى ثقافة العدو التي يجب أن تحارب، فحاربت اللغة العربية، وازدرت الثقافة العربية، وحوّلت كل العرب إلى “إرهابيين” وخطرين، هي ذاتها التي تظهر علينا اليوم في “ثياب الواعظين”، وتحدثنا عن “ثمار” العلاقة معنا نحن العرب. نعم، العرب ذاتهم الذين دعت، وما زالت، لمحو ثقافتهم ومحاربتها وقدمتهم كخطر حقيقي على وجود اليهود و”الدولة” اليهودية!
بالتأكيد، لن يسعفنا الحديث مع عربان التطبيع؛ عاشقي كيان “إسرائيل” كارهي أنفسهم، عما فعلته وتفعله “معشوقتهم” بالعرب والفلسطينيين تحديداً من قتل وإيذاء وتشريد، فقد عقدوا أمرهم على “تصحيح الرواية التاريخية”، فلم تعد كيان “إسرائيل” محتلة معتدية، وربما، وفي نشوة حالة الغرام معها، نشهد تبرئتها واعتبار أن العرب هم من بادروها بالاحتلال والقتل! فما يقول هؤلاء في “الجارة” التي بَنَت نظامها الاجتماعي داخلياً على مبدأ فصل اليهود العرب (الشرقيين) عن العروبة؟ وربما يتفضل هؤلاء المهرولون نحو كيان “إسرائيل” ويخبروننا: لماذا لا يمكن للمجتمع الصهيوني إلى اليوم استيعاب رئيس وزراء “مزراحي” شرقي؟ ولماذا لا يسمح النظام السياسي الصهيوني لرئيس وزراء شرقي بتولي هذا المنصب؟
لطالما اعتقد الكثير من الصهاينة، وتحديداً الغربيين، وما زالوا، أن اليهود الشرقيين، في أول فرصة أو مع انتخاب أول رئيس وزراء صهيوني شرقي، سيعبرون الحدود، ويشكلون ائتلافاً ثقافياً مع نظرائهم من العرب، وسيقصون بالقوة الثقافة السياسية “الأشكنازية” الغربية في كيان “إسرائيل”، مدفوعين بكراهيتهم الشديدة لليهود الغربيين.
إن الارتباط التاريخي لليهود الشرقيين ببلدانهم يثير القلق الدائم في كيان “إسرائيل”. ومن وجهة نظر العديد من الصهاينة، فإن الخطوة الأولى التي سيقوم بها الشرقيون في حال قيادتهم “الدولة” هي “إلقاء الأشكناز في البحر”، والانضمام إلى “أبناء عمومتهم” المسلمين، وإعادة تبني قيمهم الشاملة، والقضاء على كيان “إسرائيل” التي عزلتهم واضطهدتهم وأذلّتهم.
إن الافتراض بأن اليهود الشرقيين سيتخلون في لحظة الحقيقة عن “إخوانهم اليهود الغربيين”، ويديرون ظهورهم للتقدم والازدهار، وينضَمون إلى “التخلف العربي المحيط”، يقوم لدى النخب الأشكنازية على أساس أن اليهود الشرقيين ليسوا في أعماقهم صهاينة حقيقيين، ولا وطنيين بما فيه الكفاية. وحين تتاح لهم زمام الأمور، “سيحولون كيان إسرائيل إلى دولة عربية (متخلفة) أخرى في الشرق الأوسط”.
لم تَبقَ هذه النظرة العنصرية الغربية حبيسة الأرشيف السري، بل فاضت بها علناً أنفسهم المسكونة بعقد الاستعلاء والكراهية للقيم الشرقية؛ ففي عام 2018، وفي مقابلة مع الإذاعة الصهيونية، صَرَحَ الرئيس السابق لبلدية مستوطنة “سديروت” إيلي مويال قائلاً: “لو كان الإسبان هم من أقاموا الدولة، لكانت كيان إسرائيل دولةً عربية أخرى في الشرق الأوسط”.
وربما هذا هو أيضاً سبب تعزز “التوجه اليميني” لدى كثير من الممثلين السياسيين الصهاينة الشرقيين، من أمثال ميري ريغيف وأمير أوحانا، وحتى في أوساط الجمهور اليهودي الشرقي، مستندين إلى أنّ تعزيز كراهية العرب قد يميزهم عنهم ويجمّل صورتهم في نظر اليهود الغربيين، لأنه إذا “لم تظهر كراهيتك الشديدة للعرب، فكيف سيعرف اليهود الغربيون أنك لست عربياً مثلهم؟”.
إن حقيقة عدم وصول مرشح يهودي شرقي واحد لقيادة “كيان إسرائيل” منذ نشأتها هي فشلٌ اجتماعي صارخ، وهي دليلٌ قاطع على أن الكيان يسقط في امتحان الممارسة العملية سقوطاً مدوياً لمصلحة ثقافة الاستعمار الغربي.
وفي الوعي الاجتماعي اليهودي، يسود الشك في أن “المزراحي” اليهودي الشرقي هو العدو، وينكشف “حكم البيض” و”الأبارتهايد” الممارس ضد اليهود الشرقيين والعنصرية والسخرية والسّب بسبب الأصل الطائفي، فالسبب الحقيقي لعدم استيعابهم داخل المجتمع الصهيوني ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية هو “لونهم” وتقاليدهم الشرقية البعيدة من “الأشكنازية الصهيونية”.
ورغم كل الممارسات العنصرية والاضطهاد الذي يعيشه اليهود الشرقيون في كيان “إسرائيل”، لا يشعر “الأشكناز” الليبراليون الغربيون بالذنب لما فعلته الصهيونية منذ قيامها بهم. ورغم أن رئيس الوزراء الصهيوني السابق إيهود باراك أعرب عام 1997 عن أسفه لما حدث لليهود الشرقيين مع إقامة “الدولة”، فإنه تحدث عن أخطاء ارتكبت “بحسن نيّة”، وليس عن هيكل منهجي للتمييز والقمع، لكن الواقع الذي تحاول كيان “إسرائيل” أن تخفيه هو أن موقف المؤسسة الأشكنازية تجاه اليهود الشرقيين لا يزال غارقاً في العنصرية والتعالي والتمييز.
ولم تقف وقاحة “الأشكناز الليبراليين” عند حد عدم الشعور بالندم أو الذنب على ما حدث لليهود الشرقيين أو حتى التفكير في الاعتذار منهم، بل تجاوز الأمر إلى اعتبار أن “الصهيونية وكيان إسرائيل” قدمتا خدمة عظيمة لليهود الشرقيين، من خلال “إنقاذهم من الهاوية السحيقة للثقافة العربية وفتح نافذة العالم الغربي أمامهم”.
وإن لم يكن هذا كافياً، فربما يودّ زعماء التطبيع العربي أن يسمعوا قيادة كيان “إسرائيل” وهي تنادي علانيةً بأن “اليهود الأشكناز أنقذوا اليهود الشرقيين من محرقة كان من الممكن أن يلحقها بهم الحكام القتلة في العالم العربي والإسلامي”.
واليوم، ورغم مرور أكثر من 75 عاماً على قيام هذا الكيان، وبعدما سادت وطغت الثقافة الغربية واللسان الغربي في المجتمع الصهيوني، ما زالت القيادات الصهيونية الغربية تعمد إلى “تخويف الشرقيين بشرقيتهم”، وتدفعهم إلى التبرؤ منها، وتفهمهم أنها تعني “نبذ قيم الغرب الديمقراطية”، وأنها الأكثر تدميراً وخطراً على وجود “الدولة” وازدهارها، لأنها “ستنهي المشروع الصهيوني الثوري”.
اعتادت النخب الأشكنازية حكم “المزراحين” اليهود الشرقيين، وزرعت في الجمهور الصهيوني أن المنصب لم يبنَ لرئيس وزراء شرقي، فحقيقة أن كيان “إسرائيل” لم يكن لديها رئيس وزراء شرقي حتى يومنا هذا هي خير دليل على التفوق المتأصّل للثقافة “الأشكنازية الاستعمارية” التي لا ترغب، ولن تتمكّن كيان “إسرائيل” من التخلص منها، حتى لو طَبَّعَ معها العرب جميعاً.
ولا أجد في هذا المقام أجمل مما كتب الشاعر أحمد شوقي لأختم به رسالة اليهود الشرقيين لعربان التطبيع، لعَلَهم لا يكونون من الأشقياء، فيتعظون بغيرهم:
بَلّغ الثَعلَبَ عَنّي عَن جدودي الصالحينا
عَن ذَوي التيجان ممَّن دَخَلَ البَطنَ اللَعينا
أَنَّهم قالوا وَخَير القَول قَول العارفينا
مخطئٌ مَن ظَنَّ يَوماً أَنَّ للثَعلَب دينا
————
الميادين / محمد هلسة
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: رئیس وزراء ن کیان
إقرأ أيضاً:
6 مزايا تدفع الاحتلال لدمج أذربيجان في اتفاقيات التطبيع
رغم العلاقات الأمنية والاقتصادية الوثيقة بين دولة الاحتلال وأذربيجان، لكن التسريبات الاسرائيلية تتحدث في الآونة الأخيرة عن إمكانية انضمام الأخيرة الى اتفاقيات التطبيع، رغم المخاوف الإيرانية من تحقق ذلك لأنه يعني اقتراباً إسرائيلياً مباشرا من حدودها، وهو ما وجد طريقه في تحذيرات صدرت عن وسائل إعلام قريبة من الرئيس الإيراني، مسعود بازخيان، طالبت فيها بإشعال الضوء الأحمر في حال تحقق ذلك السيناريو.
البروفيسور فلاديمير زئيف خانين، رئيس برنامج أبحاث صراعات ما بعد الاتحاد السوفييتي في مركز بيغن- السادات، وأليكس غرينبيرغ باحث الشؤون الإيرانية بمعهد القدس للأمن والاستراتيجية، ويتحدث اللغات العبرية والفارسية والعربية، رصدا ما اعتبرها الأهمية الاستراتيجية لأذربيجان، أولها "أنها الدولة الإسلامية الوحيدة التي حافظت على علاقات ودية وتعاونية مع دولة الاحتلال لأكثر من ثلاثين عامًا، رغم أن سكانها مسلمون شيعة، لكن الدولة والمجتمع علمانيان، وقد جاء تعزيز علاقاتهما أثناء أوقات الحرب، سواء في انتفاضة الأقصى الثانية أو حرب السيوف الحديدية الأخيرة في غزة".
وأضافا في مقال مشترك نشره موقع زمن إسرائيل، وترجمته "عربي21" أن "الأهمية الثانية تتعلق بما تتمتع به أذربيجان من موقع جغرافي استراتيجي في القوقاز، تحدّها إيران وروسيا، القوتان الإقليميتان، دون أن تتحول دمية في يد أي منهما، مما يفسّر الأهمية الكبرى التي تتمتع بها للأمن الإقليمي".
وأشارا إلى أن "الأهمية الثالثة ذات طابع اقتصادي، فمنذ ثلاثين عاما أصبحت أذربيجان المورد الرئيسي للطاقة لدولة الاحتلال، ومع اندلاع الحرب على غزة، زادت صادراتها النفطية للأخيرة بنسبة 55%، أما الأهمية الرابعة فهي أن أذربيجان واحدة من أكثر العملاء وأقدمهم للصناعات العسكرية الاسرائيلية، ولا تقتصر صادراتها على نوع معين من الأسلحة".
وأكدا أن "الأهمية الخامسة ذات بعد استراتيجي، فأذربيجان ودولة الاحتلال تريان في إيران تهديدًا وجوديًا، ولكل منهما مصلحة بمنع تهديداتها، وإحباط مخططاتها، مما دفع بإيران لاتهام أذربيجان بالتحوّل قاعدة لجيش الاحتلال لمهاجمتها".
واستدركا بالقول إن "هناك أهمية سادسة تتعلق بوجود طبقة أعمق من كراهية إيران لأذربيجان، دون التعبير عنها مطلقًا بوسائل الإعلام الرسمية، لكننا نجدها تشكل عبئًا ثقيلًا في وسائل التواصل الاجتماعي غير الرسمية التابعة للنظام الإيراني، لأن وجود دولة شيعية علمانية ذات توجه غربي يشكل خطرا عليه، ورغم الإجراءات الدبلوماسية الشكلية، فإن إيران لا تعترف بأذربيجان المستقلة، وتعتمد وسائلها الإعلام تسميتها بـ"الدولة القوقازية في أذربيجان".
وذكر الكاتبان أن "العلاقات الإسرائيلية الأذرية تمتد لما هو أبعد من التعاون الأمني والتجاري، ولم يعاني يهودها من معاداة السامية، وأطلقت وزارة التعليم فيها كتبا مدرسية جديدة للتاريخ، تتضمن فصولا مخصصة للشعب اليهودي والمحرقة، و"الإرهاب" الفلسطيني، يسمى "إرهاباً" وليس "نضالاً وطنياً"، وتسببت هذه الكتب المدرسية الجديدة بإثارة غضب إيران".
وأضافا أنه "رغم الوضع الإيجابي الحالي لعلاقات تل أبيب وباكو، لكن الإمكانات لم تُستنفد بعد، فلا تستثمر الولايات المتحدة ولا إسرائيل ما يكفي بمنطقة القوقاز، رغم أهميتها الاستراتيجية، مما يجعل من تعزيز العلاقات الاسرائيلية مع أذربيجان أفضل وسيلة للقيام بذلك، من خلال اتخاذ إجراءات على جميع المستويات، وفي جميع الاتجاهات، وعلى القوى المؤيدة للاحتلال في الولايات المتحدة النظر لأذربيجان عبر منظور الأمن الإقليمي والاستراتيجية الكبرى، بدلاً من تضليلها بالسرديات المعادية لها".
وأشارا إلى أنه "يمكن لأذربيجان أن تتمتع بالفوائد التي تحصل عليها جميع الدول المنخرطة في اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية، وطالما أن إيران تشنّ حربًا شاملة على جميع المستويات، وفي كل مكان، ضد دولة الاحتلال، فإنه يتعين عليها استيعاب هذه الحقيقة، والردّ عليها بمختلف الوسائل المتاحة لها، ومن بينها تعزيز مصالحها بمنطقة القوقاز عبر علاقاتها مع أذربيجان".