"وكأن نهاية العالم اقتربت"، هكذا يصف موظفون في مجال الإغاثة الإنسانية في السودان، الوضع مع اتساع رقعة الصراع وتعطل خطوط الإمداد، ونزوح المدنيين من الأشخاص داخليا وخارجيا وقضاء الأسر عدة أيام دون تناول الطعام. 

فمنذ أن نشب القتال في 15 أبريل بين الجيش بقيادة، عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، اندلعت سلسلة من الصراعات المتشابكة في جميع أنحاء البلاد.

وأدى ذلك إلى نزوح ما لا يقل عن 5.4 مليون شخص. 

وإلى جانب صراعهم المسلح على السلطة، والذي يتمركز في العاصمة الخرطوم، اندلع العنف الطائفي مرة أخرى في منطقة دارفور، حيث استهدفت الجماعات العربية السودانية مجتمع المساليت.

ونقلت صحيفة "الغارديان" عن أحد مسؤولي الإغاثة طلب عدم الكشف عن هويته: "إننا نشهد صراعين منفصلين، الأول، الذي يحظى باهتمام كبير، هو بين البرهان وحميدتي في الخرطوم، والثاني، وهو الأكثر شرا، ما يحدث في دارفور". 

ومحور أعمال العنف التي ابتليت بها ولاية غرب دارفور التنافس على الأرض والمياه والموارد الشحيحة الأخرى بين المجتمعات الزراعية غير العربية ورعاة الماشية العرب الرحل. 

وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 60 بالمئة من سكان ولاية غرب دارفور عانوا من "انعدام الأمن الغذائي" حتى قبل اندلاع أعمال العنف الأخيرة.

ونشبت موجات من الصراعات العرقية في السنوات القليلة الماضية. ولكن لم تكن أي منها طويلة الأمد ومنهجية مثل ما حدث في غرب دارفور من أبريل إلى منتصف يونيو. وتقول الأمم المتحدة إنه منذ عام 2019، قُتل مئات من السكان غير العرب في المنطقة في هجمات شنتها قوات الدعم السريع والميليشيات العربية.

وأشار تيبور ناجي، الرئيس السابق لمكتب أفريقيا التابع لوزارة الخارجية الأميركية في إدارة دونالد ترامب، في حديثه مع مجلة فورين بوليسي الأسبوع الماضي، إلى أن السودانيين ما بين صراع الميليشيات وظروف إنسانية قاسية.

وقال: "هناك المزيد والمزيد من الميليشيات المتورطة. البعد الإنساني سوف يزداد سوءا أيضا". 

من الخطر إلى اليأس

وأعرب المسؤول الإنساني عن مخاوفه من أن يصل القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع جنوب شرق الخرطوم إلى ولاية الجزيرة، وهي سلة الخبز للبلاد، والولاية الواقعة بين النيلين الأزرق والأبيض، والتي نزح إليها كثير من سكان العاصمة بعد اندلاع القتال، فضلا عن وجود 1.1 مليون لاجئ من جنوب السودان في ولاية النيل الأبيض، قد لا يتبق لهم خيار سوى العودة إلى بلادهم. 

والثلاثاء، حذر برنامج الأغذية العالمي من أزمة جوع طارئة تلوح في الأفق على الحدود بين السودان وجنوب السودان، في وقت تستمر فيه العائلات الفارة من القتال في السودان في عبور الحدود.

وذكر البرنامج في بيان، أن البيانات التي جمعها تظهر أنه "من بين ما يقرب من 300 ألف شخص وصلوا إلى جنوب السودان في الأشهر الخمسة الماضية، يعاني واحد من كل خمسة أطفال من سوء التغذية، كما يقول 90 بالمائة من الأسر إنهم يقضون عدة أيام دون تناول الطعام".

والثلاثاء، قالت المديرة القطرية لبرنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان، ماري إلين ماكغروارتي "إننا نشهد عائلات تنتقل من كارثة إلى أخرى أثناء فرارها من الخطر في السودان لتجد اليأس في جنوب السودان".

ويصف المسؤول الإنساني في حديثه مع "الغارديان" بأن "الأمر أشبه بمحاولة التخطيط لنهاية العالم."

وأدى القتال حول الخرطوم ومدينتها أم درمان إلى نزوح نحو 2.8 مليون شخص من منازلهم. وفي الشهر الماضي، غادر ما يقرب من نصف سكان منطقة واحدة فقط في أم درمان بعد أن حذرتهم القوات المسلحة السودانية من تعرض حيهم للقصف. وقُتل عشرون شخصاً في قصف جوي، من بينهم 10 ماتوا أثناء مشاهدة مباراة لكرة القدم.

وأرسلت عائشة إبراهيم (56 عاما) ثلاثة من أبنائها إلى مدينة سواكن شرقي البلاد، بينما هربت هي وزوجها وطفل آخر إلى منطقة أخرى في أم درمان تخضع لسيطرة الجيش.

وقالت: "لا أستطيع تحمل تكاليف السفر مع عائلتي بأكملها إلى شرق السودان. نحن منقسمون الآن. لأول مرة في حياتي أنفصل عن أطفالي الصغار، ولكن من أجل سلامتهم سأفعل أي شيء". 

لم تأخذ إبراهيم وعائلتها من المنزل سوى الملابس، تاركين وراءهم الأثاث والممتلكات الأخرى. وقالت: "لا يمكنك حمل أي شيء وإلا سيتم نهبك في الشوارع من قبل الجيش أو قوات الدعم السريع. كلهم لصوص."

ويظهر تقييم جديد للأمن الغذائي أعده برنامج الأغذية العالمي أن 90 في المائة من الأسر العائدة تعاني من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد. 

كما كشفت بيانات الفحص التي تم جمعها عند المعبر الحدودي أن ما يقرب من 20 بالمائة من الأطفال دون سن الخامسة، وأكثر من ربع النساء الحوامل والمرضعات يعانون من سوء التغذية.

وأكدت ماكغروارتي أن الوضع الإنساني للعائدين "غير مقبول"، مشددة على أن البرنامج يعاني لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة على الحدود.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الدعم السریع جنوب السودان فی السودان

إقرأ أيضاً:

المجلس النروجي: السودان يتجه نحو "مجاعة بدأ عدها التنازلي"  

 

 

الخرطوم - قال رئيس المجلس النروجي للاجئين يان إيغلاند في مقابلة أجرتها معه السبت 23نوفمبر2024، وكالة فرانس برس، إن السودان الذي يشهد حربا مدمّرة يتجّه نحو "مجاعة بدأ عدّها التنازلي" ويتجاهلها قادة العالم، في حين تقتصر قدرات المساعدات الإنسانية على "تأخير الوفيات".

وشدّد إيغلاند في المقابلة التي أجريت معه في تشاد عقب زياته السودان هذا الأسبوع "لدينا في السودان أكبر أزمة إنسانية على هذا الكوكب، أكبر أزمة جوع، أكبر أزمة نزوح... والعالم لا يبالي".

منذ نيسان/أبريل 2023 يشهد السودان حربا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، أوقعت عشرات آلاف القتلى وشرّدت أكثر من 11 مليون شخص.

ويعاني وفق الأمم المتحدة نحو 26 مليون شخص داخل السودان من الجوع الحاد.

وقال إيغلاند "قابلت نساء هن بالكاد على قيد الحياة، يتناولن وجبة واحدة من أوراق النباتات المسلوقة يوميا".

ويقول المجلس النروجي للاجئين، إحدى المنظمات القليلة التي تواصل عملياتها في السودان، إن نحو 1,5 مليون شخص هم "على شفير المجاعة".

وتابع إيغلاند "العنف يمزق المجتمعات بوتيرة أسرع بكثير من قدرتنا على إيصال المساعدات"، وأضاف "فيما نكافح من أجل الاستجابة لذلك، فإن مواردنا الحالية تؤخر الوفيات بدلا من منعها".

- سياسة تغلّب المصالح الفردية -

قبل عقدين، لفتت اتهامات بارتكاب إبادة جماعية انتباه العالم إلى إقليم دارفور الشاسع في غرب السودان حيث أطلقت الحكومة السودانية آنذاك يد مليشيات قبلية عربية في مواجهة أقليات غير عربية تشتبه بدعمها لمتمردين.

وقال إيغلاند "من غير المعقول أن تستحوذ الأزمة في السودان حاليا على جزء يسير من الاهتمام الذي استحوذت عليه قبل 20 عاما بالنسبة لدارفور، عندما كانت الأزمة في الواقع أصغر بكثير".

وقال إن حربي إسرائيل في غزة ولبنان وحرب روسيا مع أوكرانيا ألقت بظلالها على النزاع في السودان.

لكنه أشار إلى أنه رصد تحوّلا في "المزاج الدولي" بعيدا من نوع الحملات التي يقودها مشاهير والتي جلبت نجم هوليوود جورج كلوني إلى دارفور في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وتحدّث عن "ميول أكثر قومية وأكثر تطلعا إلى الداخل" لدى حكومات غربية يقودها سياسيون يضعون في المقام الأول "أمتهم، وأنفسهم وليس البشرية".

وندّد بمسؤولين "قصيري النظر" سيدفعون ثمن مواقفهم عندما يتدفق أولئك الذين لم يساعدونهم إلى بلادهم لطلب اللجوء أو بصفة مهاجرين غير نظاميين.

وقال إنه التقى في تشاد بشبان نجوا من التطهير العرقي في دارفور وقرروا عبور البحر الأبيض المتوسط لمحاولة الوصول إلى أوروبا رغم غرق أصدقاء لهم سبقوهم في المحاولة.

- "مروع ويزداد سوءا" -

 في السودان، نزح واحد من كل خمسة أشخاص بسبب النزاع الحالي أو النزاعات السابقة، وفق أرقام الأمم المتحدة.

ومعظم النازحين في دارفور حيث يقول إيغلاند إن الوضع "مروع ويزداد سوءا".

وترزح مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، منذ أشهر تحت وطأة حصار تفرضه قوات الدعم السريع، ما أدى إلى تعطيل جميع عمليات الإغاثة في المنطقة تقريبا وتسبب بمجاعة في مخيم زمزم القريب للنازحين.

لكن حتى المناطق التي هي بمنأى من دمار الحرب "بدأت تعاني الأمرين"، وفق إيغلاند. ففي كل أنحاء الشرق الذي يسيطر عليه الجيش، تكتظ المخيمات والمدارس والمباني العامة الأخرى بالنازحين الذين تُركوا لتدبّر أمورهم بأنفسهم.

وفي ضواحي بورتسودان، المدينة الواقعة على البحر الأحمر حيث تتّخذ الحكومة المدعومة من الجيش ووكالات الأمم المتحدة مقرا، قال إيغلاند إنه زار مدرسة تؤوي أكثر من 3700 نازح حيث لم تتمكن الأمهات من إطعام أطفالهن.

وقال "كيف يعقل أن الجزء الذي يسهل الوصول إليه في السودان يشهد جوعا؟".

وتقول الأمم المتحدة إن كلا الطرفين يستخدمان الجوع سلاحا في الحرب. وتعرقل السلطات على نحو روتيني وصول المساعدات بعقبات بيروقراطية، فيما يهدّد مقاتلون في قوات الدعم السريع طواقم الإغاثة ويهاجمونهم.

وأضاف إيغلاند "الجوع المستمر هو مأساة من صنع الإنسان... كل تأخير، وكل شاحنة يمنع وصولها، وكل تصريح يتأخر هو حكم بالإعدام على عائلات لا تستطيع الانتظار يوما آخر للحصول على الطعام والماء والمأوى".

لكنه قال إنه رغم كل العقبات "من الممكن الوصول إلى كل أصقاع السودان"، داعيا المانحين إلى زيادة التمويل ومنظمات الإغاثة للتحلي بمزيد من "الشجاعة".

وأضاف أن "أطراف النزاعات متخصصون في إخافتنا ونحن متخصصون في الخوف"، وحضّ الأمم المتحدة ووكالات أخرى على "التحلي بقوة أكبر" وطلب تمكينها من إيصال مساعداتها.

 

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • ​رئيس «أطباء بلا حدود»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة
  • أزمة السودان أسوأ من أوكرانيا وغزة
  • الجيش السوداني يقصف مواقع الدعم السريع في الخرطوم
  • ولایتي: جبهة المقاومة ستنتصر واسرائيل اقتربت من يوم أفولها
  • الجيش السوداني يكثف ضرباته على مواقع الدعم السريع في الخرطوم وبحري
  • المجلس النروجي: السودان يتجه نحو "مجاعة بدأ عدها التنازلي"  
  • مراسل القاهرة الإخبارية: فرحة عارمة في السودان بعد تحرير الجيش مدينة سنجة
  • مراسل «القاهرة الإخبارية»: فرحة عارمة بعد تحرير الجيش السوداني مدينة سنجة
  • الجيش السوداني يدعو جوبا لمنع عناصر الدعم السريع من دخول أراضيها
  • ???? أين سيهرب جنجويد مدني والجزيرة؟