شفق نيوز/ وضع معهد "واشنطن" الأمريكي، التغييرات السياسية في الداخل العراقي، بما فيها تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، والإعلان عن مشروع "طريق التنمية"، في إطار التحولات الجيوسياسية الجارية في المنطقة والعالم، داعياً إلى الحذر من التحول العراقي المتزايد نحو الصين.

وذكر المعهد الأمريكي في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، أن وصول السوداني إلى رئاسة الوزراء في بغداد لم يكن بالسلاسة المطلوبة للقوى القريبة من المحور الشرقي، بل كانت هناك عدة عوامل ساهمت في وصول السوداني للمنصب.

أسباب تنصيب السوداني

يرى التقرير أن من عوامل وصول السوداني لرئاسة الوزراء، قرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بسحب كتلته من العملية السياسية، وشعور الجهات القريبة من إيران بضرورة تمرير رئيس وزراء مقبول نسبياً في المحفل الإقليمي والدولي، والتنافس الحاد بين الخليج وإيران، والخوف من استمرار تداعيات توتر العلاقة مع واشنطن التي سببتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وهيمنة الجماعات المسلحة المتنوعة القريبة من محور طهران.

وقال التقرير إنه في ظل هذه الأوضاع الهشة والعلاقات المرتبكة، حاولت حكومة السوداني الالتفاف على الخيار الثنائي التقليدي بين واشنطن والغرب ومعظم دول الخليج من جهة، وطهران ودمشق ولبنان ومن خلفهم موسكو من جهة أخرى.

وبالإضافة إلى ذلك، لفت التقرير إلى أن الطريق الجديد جاء من خلال تسمية واضحة وبراقة عنوانه مشروع "طريق التنمية" والواصل على ما تشير الدلائل إلى بكين كونه الطريق الثالث نحو المستقبل.

واعتبر التقرير الأمريكي أن إعادة التنظيم السياسي في العراق جاءت كردة فعل لتغير وجهات نظر العراقيين تجاه الولايات المتحدة والفضاء الجيوسياسي الأوسع، بما في ذلك الانسحاب الأمريكي الهزيل من أفغانستان والتغيرات السياسية في المنهجية السياسية الأمريكية بوصول الرئيس جو بايدن، وفشل عملية إحياء الاتفاق النووي مع إيران، وجمود الملف السوري، ودعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثابت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والهجمات الروسية المستمرة على أوكرانيا، وحركة الاقتصاد المرتبط بأسعار النفط والتضخم والاضطرابات المالية في أسعار العملة من القاهرة إلى طهران، وقضية الخوف من العقوبات الاقتصادية الصارمة.

وأضاف أن "الأكثر أهمية في النهاية، هو تزايد الصعود الاقتصادي الصيني".

العراق والحضن الصيني

ورأى التقرير أن العراق لم يتمكن منذ الاحتلال الأمريكي وسقوط نظام صدام في العام 2003 من الخروج من دوامة التناطح الأمريكي والخليجي في وجه طهران وحلفائها، حيث تسببت حالة التنافس الثنائية هذه في إنهاك قواه داخلياً وجعلته ساحة لتصفية الحسابات، ودفع العراقيون ثمناً باهظاً جراء هذا الوضع.

وتابع قائلاً إن حدوث تطورات واضحة في السياسات الدولية في ساحة الشرق الأوسط، دفع المسؤولين العراقيين في بغداد إلى النظر من نافذة جديدة قد تقلق واشنطن.

وأضاف أن التطورات الإقليمية بدأت تشير إلى أن الانكماش الأمريكي الدولي والعجز الروسي لقيادة القسم المضاد لأمريكا من العالم، يُمهد الطريق لبكين لشقّ طريقها السياسي إلى تلك المنطقة.

وذكر التقرير أن الصين كانت وما زالت لاعباً اقتصادياً بارزاً في تلك البقعة من خلال التبادل التجاري الكبير لها مع الشرق الأوسط، حيث تتدفق البضائع، وأسواق الطاقة الجذابة، وحركة الشركات الوسيطة والواجهات المالية، ومشاريع البناء الواعدة وأسواق الاكتتاب والخدمات المصرفية.

والآن، يقول التقرير إن هذا الدور بدأ يتخذ شكلاً سياسياً أيضاً حيث وجدت بكين نفسها تلعب دوراً في الملفات السياسية لتلك المنطقة التي كان يُنظر إليها على كونها ساحة لا بد أن تظل تحت الغطاء الأمريكي.

وبشكل مماثل، يقول التقرير إن المسؤولين العراقيين في بغداد ينجذبون إلى السياسة الصينية التي يطرحها الدبلوماسيون الصينيون، ويعتقدون أن الصين غير مكترثة بنمط الحكم في بلدان العالم الثالث، ولا تتدخل في الصراعات الإقليمية بصورة مباشرة، وتتفادى التماس مع الملفات الحساسة في المنطقة كملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وغالباً ما يقوم المراقبون بإجراء مقارنة بين التراجع الواضح في الاهتمام الأمريكي بالمنطقة، والصعود الصيني المتسارع في الاقتصاد.

التقلبات الأمريكية

وبالإضافة إلى ذلك، قال التقرير أن التغيير في الإدارة الأمريكية دفع المسؤولين العراقيين إلى توخى الحذر خاصة بعد أن أدركوا أنه لا يمكن الاستكانة لاتفاقيات ومعاهدات مع واشنطن التي قد تنتهي بتبدل الإدارة الأمريكية.

وتابع قائلاً إن بغداد التي كانت لها علاقات طويلة وحميمة مع موسكو في الفترة التي سبقت سقوط صدام حسين، تدرك أن روسيا لا يمكنها أن تملأ الفراغ الأمريكي إن حدث.

ولفت التقرير إلى أن الاتفاق الأخير بين السعودية وإيران العدوان اللدودان بالمنطقة وبرعاية بكين، كان بمثابة ورقة إعلان سياسي عن الظهور الصيني في المحفل الشرق الأوسطي.

وأضاف أن العراق الذي كان له دور في تلك المفاوضات كان يشاهد باستغراب كيف أن واشنطن كانت تراقب الاتفاق وهو يحدث دون أن تحرك ساكناً.

وأشار إلى أن العراق كان يشاهد كيف تتراكض القوى الخليجية والإقليمية المحسوبة على واشنطن لتقديم طلبات للانضمام لتكتل "بريكس" الذي ينظر إليه الكثيرون في العالم الثالث على أنه البديل الممكن للقيادة الغربية الحالية للعالم.

وتابع قائلاً إن الاتفاقية الصينية الإيرانية الطويلة الأمد كانت مثالاً آخر على تمدد بكين ووصولها إلى الحدود العراقية.

ورأى التقرير أن التراجع الملحوظ في ردود أفعال الولايات المتحدة على تلك التطورات، دفع السوداني وفريقه لاقتراح مشروع "طريق التنمية"، وهو مشروع يعتبره البعض أنه امتداد لمشاريع الصين المتمثلة بـ"الحزام والطريق"، وكانت تلك الخطوة بمثابة إعلان عراقي لفتح البلاد سياسياً للصين.

وذكّر التقرير بأن الشركات الصينية لديها استثمارات بمليارات الدولارات في العراق وأن حجم التبادل التجاري بين البلدين "تجاوز 53 مليار دولار أمريكي سنة 2022 " بحسب بيان السفارة الصينية في بغداد، ولكن الدور الصيني السياسي المستقبلي تعزز بإعلان المشروع حصراً.

طريق التنمية وإشكالياته

ولفت التقرير إلى أن المشروع يتكون من عناصر مشابهة للمشاريع الصينية في عدد من دول وسط آسيا حيث يتألف من حركة تجارية افتراضية مرتبطة بتطوير الموانئ وشبكة طرق سريعة تمتد من الخليج إلى مدخل تركيا من جهة زاخو، كما يتضمن عناصر أساسية مشابهة للمشاريع الصينية كخطوط السكك الحديدية الطويلة التي تستخدم لنقل البضائع والأشخاص.

وذكّر التقرير بتصريح للسفير الصيني لدى العراق، تسوي وي، في حزيران/ يونيو الماضي قال فيه إن "مشروع التنمية الإستراتيجي العراقي، هو مكمّل لمشروع الحزام والطريق" الصيني.

ولفت التقرير إلى أن ذلك يعكس حقيقة الرؤية الصينية تجاه المشروع الذي لا يبدو أن الواقع العراقي الحالي يستطيع تنفيذه حيث أن القدرة العراقية للوصول إلى إنجاح المشروع لا تدعو للتفاؤل.

وأوضح التقرير أن المسؤولين العراقيين بحاجة إلى مواجهة حقيقة مفادها أن العراق ليس لديه القدرة على الالتزام بتنفيذ خطط هذا المشروع الضخم الذي يصل تكلفته المعلنة لـ17 مليار دولار، حيث البنية التحتية منهارة، والخدمات الأساسية ضعيفة، والهشاشة الأمنية ما زالت تلقي بظلالها على البلد.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الميزانية هي ميزانية ريعية غير مستقرة ومرتبطة بسعر النفط، ما يشكل وضعاً اقتصادياً غير مستدام لدولة تأمل في الاستثمار في مشاريع الأعمال الكبرى.

وتابع قائلاً إن هناك ملامح واضحة لتراجع قيمة الدينار العراقي أمام الدولار وتراجع متسارع في مستوى دخل الفرد، وهناك أيضاً ارتياب لدى إقليم كوردستان من مسارات المشروع والتي تتفادى المرور بالإقليم بهدف تحجيم دوره الاقتصادي بشكل متعمد "تحت حجة صعوبة الجغرافية الجبلية هناك".

وأشار إلى أن المشروع قد يدفع الدول التي تستفيد من واقع العراق الحالي لمعارضة تنفيذه، مضيفاً أن إيران قد تكون إحدى هذه الدول المعارضة، خاصة إذا تحسست الخطر على نفوذها السياسي والاقتصادي في العراق.

وختم التقرير بالقول إنه بغض النظر عن جدوى خطة المشروع، فإنه ينبغي النظر إليه كونه مؤشراً على "الانكباب العراقي تجاه الحضن الصيني"، مضيفاً أنه يتحتم على المسؤولين العراقيين أن يكونوا أكثر حذراً، وألا يكونوا واثقين أن المشاركة الصينية ستحقق الأهداف المنشودة التي وضعوها، حيث تؤكد الاحتجاجات التي اندلعت في دول آسيا الوسطى ضد مشاريع مبادرة "الحزام والطريق" القديمة على المخاطر التي قد يحملها مشروع التنمية الصيني، وهو ما يتجاهله المسؤولون العراقيون حالياً.

وخلص إلى القول إنه يجب أن يدفع الحماس الذى تبديه بغداد حالياً تجاه زيادة المشاركة الصينية، الإدارة الأمريكية إلى التوقف قليلاً، فإذا كانت واشنطن تأمل في إحباط هذه الخطوة، يجب عليها بذل المزيد من الجهود لإعادة بناء الثقة مع حلفائها التاريخيين في المنطقة ومعالجة فكرة التخلي الأمريكي.

وأضاف أنه إذا استمر هذا التصور السلبي، ستساهم الحكومات في العراق، والسعودية والإمارات، في تسهيل الوصول الصيني بشكل متزايد لمراكز صنع القرار السياسي في تلك المنطقة الجغرافية الهامة.

المصدر: شفق نيوز

كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي العراق امريكا الصين طريق التنمية المسؤولین العراقیین التقریر إلى أن طریق التنمیة التقریر أن أن العراق فی العراق فی بغداد وأضاف أن

إقرأ أيضاً:

من واشنطن: الإدارة الحديدة عازمة على تصحيح الأخطاء الفظيعة في العراق.. احصروا السلاح بيد الدولة - عاجل

بغداد اليوم -  بغداد

علق السياسي العراقي نزار حيدر، اليوم الجمعة (24 كانون الثاني 2025)،  على إمكانية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بدمج الفصائل المسلحة، بحسب ما اعلن ذلك بشكل رسمي قبل أيام.

وقال حيدر المقيم في واشنطن، لـ"بغداد اليوم"، ان "العراق كدولة ومؤسسات وزعامات سياسية تستعد للدخول في نفق الحقبة (الترامبية) باقل الخسائر بعد ان ثبت لهم بان الادارة الامريكية الحديدة عازمة على تصحيح الكثير من الاخطاء الفظيعة التي غضت الطرف عنها الادارة السابقة والتي تقف على راسها موضوع فشل السوداني في حصر السلاح بيد الدولة وملف الدولار والبترول وخاصة ما يتعلق بتهريب العراق للبترول الايراني وما الى ذلك من الملفات".

وبيّن: "لذلك نلاحظ ان التصريحات بهذا الخصوص تسارعت وتيرتها في محاولة من السوداني اتخاذ خطوات استباقية لاصلاح الامور قبل ان تستقر ادارة الرئيس ترامب في البيت الابيض وتبدأ التعامل المباشر والجدي مع هذه الملفات".

وأضاف انه "كما تابعنا جميعا تصريحات النائب الجمهوري المقرب من الرئيس ترامب (Joe Wilson) بشان الفصائل المسلحة ودعوته وزارة الخارجية الامريكية لادراجها في قائمة العقوبات او في القائمة السوداء، كما يطلقون عليها، فضلاً عن جهده مع عدد من النواب من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتقديم مشروع قرار للكونغرس يعتبر (اذرع ايران في المنطقة) على حد وصفهم، تشكيلات وتنظيمات ارهابية، وهو الامر الذي اذا حصل فستُدرج العديد من الفصائل المسلحة في العراق تحت طائلة القانون الجديد، ما يتضرر منه العراق بشكل كبير جدا، بسبب التداخل العضوي بين هذه الفصائل والكثير من مؤسسات الدولة العميقة وكذلك مع عدد من الزعامات السياسية خاصة في الاطار التنسيقي".

وتابع: "على السوداني والاطار التنسيقي الذي يدعمه ويسنده الاسراع في الالتزام ببنود البرنامج الحكومي المتفق عليه والذي على اساسه تم منح حكومته الثقة تحت قبة البرلمان، خاصة فيما يتعلق ببند حصر السلاح بيد الدولة لوضع حد لوجود الفصائل قبل ان تتعامل معه واشنطن وبطريقتها الخاصة".

وأكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الثلاثاء الماضي، العمل على دمج الفصائل المسلحة ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية.
وقال السوداني في كلمة له، أن "الحكومة تعمل على دمج الفصائل المسلحة ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية"، مشدداً على "الالتزام بسياسة الانفتاح والشراكة الحقيقية"، لافتاً إلى أن "الحكومة عازمة على بناء عراق جديد يستند إلى إرثه الحضاري العرب".

مقالات مشابهة

  • الأعمال العام: رؤية شاملة لتطوير الشركات التابعة للقطاع
  • الحضن المنقذ
  • رغم طلب واشنطن..المكسيك ترفض استقبال طائرة أمريكية محملة بمهاجرين
  • نحبكم كثيراً.. أهالي غزة يشكرون مصر والسيسي على الدعم الكبير بالمخيمات
  • من واشنطن: الإدارة الحديدية عازمة على تصحيح الأخطاء الفظيعة في العراق.. احصروا السلاح بيد الدولة
  • من واشنطن: الإدارة الحديدية عازمة على تصحيح الأخطاء الفظيعة في العراق.. احصروا السلاح بيد الدولة - عاجل
  • من واشنطن: الإدارة الحديدة عازمة على تصحيح الأخطاء الفظيعة في العراق.. احصروا السلاح بيد الدولة - عاجل
  • وزير الخارجية الأمريكي يؤكد لنظيره الإسرائيلي دعم واشنطن لتل أبيب
  • وزير الخارجية الأمريكي يؤكد لنظيره الإسرائيلي دعم واشنطن الثابت لتل أبيب
  • السفارة الصينية تُنظم احتفالًا بمناسبة عيد الربيع الصيني التقليدي