تعيد الكتابة إليّ فرصة موضعة نفسي من جديد داخل الزمن، كما لو أن الأشياء لن تحدث إذا توقفتْ هذه الكتابة، هذا بالنسبة للأشياء أما بالنسبة لي أنا فهل سأحدث؟ يصعب تحديد ذلك بصورة تلقائية، قد يكون الجسد موجودًا، لكنه يعتمد على وجوده، على زمن حلمي يتحرك فيه، إنه يرغب دائمًا في أن يتواشج مع المعنى، أو يمكن أن نقول الجدوى، وفي حالات عديدة قد ينفصل عنه، لا يخلق هذا حالة من الاغتراب كما نظن في العادة، إذ إن في الاغتراب شيئا حارقا وضارا، إنه معنى بطريقة ما، ويمكن أن يملأ المرء إلى آخره؛ حتى لا يعود بحاجة ليسأل نفسه أسئلة كهذه.
يميل الناس لإعادة أنفسهم لقلب الحياة في حالة كهذه عبر نشاطات عديدة، بعضهم يؤذون أنفسهم حتى يتمكنوا من لمّ شتاتهم، وإعادة وجودهم إلى نقطة واحدة، مركز واحد، يمكنهم توجيه اللوم عليه أو تشجيعه أو إعادة شحذه، وتقريعه أو النظر إليه بصبر. في حالتي أنتظرُ الكتابة ليحدث هذا كله، الكتابة تؤلفني، «تمركزني» في الداخل، وترصفُ للكثافة طريقًا يُمّكن من استعادتي.
إن ما يحدث إذن ليس الخلق، ولا الاختراع، إنما الاستعادة، وبهذا تكون الكتابة فعلا ماضيا باستمرار، ماضيا يلقي بنا في الحاضر، حاضر لا يمكن أن يتحقق بأي شكل من الأشكال ما لم تكن الكتابة هناك تؤسسُ من أجله.
حسنا، ما الذي يحول دون الكتابة وهي تفعل هذا؟ ما الذي يوقفها؟ أفكرُ في هذا كثيرا، وفي كل مرة يكون لديّ تنويعة مختلفة من الإجابات، أقربها لنفسي الآن هي العيش الفعلي في الحياة. أعرف كم تبدو كلمة «الفعلي» «كيتش» مثل: طبيعي، بديهي، عادي، تلقائي... إلخ. لكن يمكن أن أفسر مقصدي بالإشارة إلى أننا ندور في «حلقة هامستر». كلاهما الكتابة وتوافر الحياة يدفعان بعضهما بعضا.
تقول لي صديقتي إنها تهرب من الكتابة. وأعرف جيدا أنها تهرب من الحياة أيضا، وتعيش على فتات الزوايا الصغيرة غير المشبعة، ذلك أن في الإقبال على قلب المكان إنهاك ونهم مؤذٍ وسعي محموم، وتجاور مع الخطر، ومع حرارة الوجود والتحقق، لذا من الأسهل حتى وإن كان لبعض الوقت أن نلتزم بهامش الفراغ لا الفراغ نفسه حتى.
الكتابة في جوهرها مناورة، والحياة في جوهرها مناورة أيضا، كلاهما قادم من الطبيعة نفسها، كلاهما كلما كان مترددا ومرتبكا حقق الوصول نفسه، ومتى ما امتلأت الكتابة مثل الحياة بالشك، بمحاولة الرؤية بدلا من التحديق فحسب، كانا على قدر عال من التكافؤ.
عندما أغادر البناية التي أسكن فيها، أشاهد بجانب الباب نبتة أراها للمرة الأول، ويتبادر إلى ذهني سؤال، هل كانت هنالك كل هذا الوقت؟ كل هذه سنوات الثلاث التي قضيتها هنا في هذه البناية ولا ألاحظها إلا بعد كل هذا الوقت رغم وجودها في مكان أساسي جدا ومدخل رئيسي أعبره في اليوم مرات ومرات؟ أم أنها توضع هنا للمرة الأولى! أشك في ذلك؛ لأنه وفي هذا الوقت من العام يستحيل في العادة إجراء تغييرات على المكان وصيانته. أنا إذن من كنتُ مطفأة لوقت ليس قصيرا كما هو واضح.
تكتب الشاعرة اللبنانية الراحلة «عناية جابر» في مجموعتها الشعرية الفاتنة «ساتان أبيض» سؤال يقارب ما كنت أحاول قوله منذ بداية هذا المقال في قصيدة بعنوان «سؤال»:
«دون أضلاع
ولا وخز مؤلم
مثل السماء
أنتشر وحيدة
لماذا لا يكون
عذابا واضحا»
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
4 ورش في مجال الكتابة المسرحية بمهرجان آفاق
أعلنت إدارة مهرجان آفاق عن عقد 4 ورش لكتابة المسرحية تبدأ الأربعاء 2 أكتوبر ضمن فعاليات النسخة العاشرة من المهرجان دورة النجم "نور الشريف"، وتستمر حتى 16 أكتوبر بمركز آفاق .
ويقوم بالتدريب فيها كل من الكاتبة رشا عبد المنعم، والسيناريست محمد عسكر، والشاعر أحمد زيدان، والكاتب علاء الجابر، وذلك على هامش فعاليات المرحلة الأولى من عروض المهرجان التي تقدم بمسرح آفاق بمشاركة 44 عرض مسرحي تحت رعاية وزارة الثقافة.
4 ورشقال المخرج أيمن غالي مدير مهرجان آفاق الفني : تعقد أربعة ورش على هامش عروض المهرجان في مجال الكتابة المسرحية تبدأ أولى الورش بماستر كلاس للكاتبة رشا عبد المنعم الأربعاء القادم 2 اكتوبر بقاعة 1 من 2 إلى 5 مساءً، وتحمل عنوان مصادر الكتابة – البحث عن فكرة، ويقدم الشاعر أحمد زيدان ماستر كلاس حول اشكاليات الكتابة والاخراج في مسرح الطفل للهواة والمستقلين، وذلك يوم الأربعاء 16 أكتوبر بقاعة2، أما ورشة الكاتب العراقي علاء الجابر فسوف يتم تحديد موعدها لاحقا لأنها سوف تتزامن مع فعاليات المرحلة الثانية من المهرجان .
وأضاف السيناريست محمد عسكر: أقدم على مدار ثلاثة لقاءات ورشة بعنوان وجهات نظر خاصة في قضية الكتابة المسرحية، وسوف يكون البرنامج كتالي، اليوم الأول من 4 إلى 6 مساء جلستين بينهما استراحة ، وسوف يتعرف المتدرب فيها على ماهيه الكتابة ومسئوليات الكاتب، ماهى الوظيفة ومامعنى تأليف والمسئوليات الواقعه على أكتاف المؤلف، في الجلسة الثانية سوف نتحدث حول الدراما وبعض الأسئلة المهمة "إزاى - متى - أين - لماذا "، ويتم طرح التفكير فى حدوته ما على كل الدارسين سيتم اختيار احداها لمناقشتها فى اللقاء التانى ..
وتابع عسكر: أما اليوم الثاني للورشة 4 ساعات على جلستين بينهما استراحة في الجلسة الاولى سوف نتعرف على أدوات الكاتب، وعملية التصنيع، ثم مناقشة القصة التي اختيرت ونشرح كيفية بناءها
يذكر أن مهرجان آفاق مسرحية في دورته العاشرة يقام تحت رعاية وزارة الثقافة وبدعم قطاع شؤون الإنتاج الثقافي برئاسة المخرج خالد خلال وأمين عام المهرجان ومؤسسة هشام السنباطي، والمدير التنفيذي سالي سليمان، والمدير الفني المخرج ياسر أبو العينين والمخرج أيمن غالي، ومدير الاعلام والنشر والتوثيق الناقد والمؤلف أحمد زيدان ومدير العلاقات الخارجية الفنانة الليبية خدوجة صبري.