لجريدة عمان:
2025-03-17@06:36:50 GMT

هل ماتت فكرة «السلام عبر التجارة»؟

تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT

منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، انطلق الساسة الألمان في جولة اعتذار عن اعتماد بلادهم في الماضي على الهيدروكربونات الروسية والدعوة إلى التكامل بين الاتحاد الأوروبي وروسيا في مجال الطاقة. وجاء رد المستشار الألماني أولاف شولتز على الاعتداء الروسي بإعلان «نقطة تحول» واتخاذ القرار أخيرا بإغلاق خط أنابيب نورد ستريم 2.

مع ذلك، لا يزال كثيرون ينظرون إلى المشروع باعتباره لطخة لوّثت شرف ألمانيا وفطنتها السياسية.

بعد مرور عام ونصف العام على بداية الحرب، لا يزال القادة الألمان يتصارعون مع أخطاء الماضي السياسية ويناضلون لاستخلاص دروس واضحة منها. ولأن اقتصاد ألمانيا القائم على التصدير يظل معتمدا بشدة على السوق الصينية، فإن النهج الذي تسلكه في التعامل مع الصين متضارب ومتناقض بدرجة كبيرة. ومن ثَـمّ، في أواخر يونيو، وبينما رفض الرئيس الأمريكي جو بايدن الاعتذار عن وصفه الرئيس الصيني شي جين بينج بالـ «دكتاتور»، قام رئيس الوزراء الصيني لي تشيانج بزيارة ودية إلى ألمانيا، حيث احتفل هو وشولتز بالدور الذي قد تلعبه العلاقات التجارية الصينية الألمانية في موازنة المنافسة الصينية الأمريكية المتزايدة التوتر. ولكن في سبتمبر، كررت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك ذلك الوصف المهين، في حين أوضح مفوض الاتحاد الأوروبي التجاري فالديس دومبروفسكيس أن «الاتحاد الأوروبي ليس لديه أي نية للانفصال عن الصين».

ترى هل يبالغ الألمان، والأوروبيون في عموم الأمر، في الاعتذار، ولا يتعمقون في التفكير؟ قد يوافق على هذا منتقدو السياسة الألمانية ــ التي كثيرا ما يُـسـخَـر منها الآن باعتبارها «تجارية النزعة» (مركنتيلية)، وهو مصطلح لا يخلو من التورية هنا، حيث يُـقـصَـد به سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل. ومع ذلك فإن المبدأ القائل بأن الاقتصاد قادر على تشكيل السياسة بطرق مفيدة يستحق قدرا من الاحترام أكبر مما كان يتلقاه. كان هذا هو المبدأ الأساسي وراء السياسة الشرقية الألمانية «الـمعيبة»، التي رأت في تطبيع العلاقات الاقتصادية وسيلة لتأمين السلام أثناء الحرب الباردة وبعدها. وهي أيضا الفكرة الأساسية وراء العولمة الحديثة.

يزعم بعض المنتقدين أن السياسة الشرقية كانت دوما عاجزة بسبب عيوب شابت بعض أفراد بعينهم ــ مثل سعي المستشار الألماني جيرهارد شرودر الحثيث وراء المال، والذي تسبب في تحويله برغبته إلى دُمية في يد شركة جازبروم؛ أو حذر ميركل الـمُـفرِط، الذي يرجع في حد ذاته إلى نشأتها في ألمانيا الشرقية. لكن آخرين يرون في النهج الألماني نقيصة أكبر ترجع إلى السذاجة. على حد تعبير روبرت كاجان في مناسبة شهيرة قبل عشرين عاما، «الأوروبيون المغرمون العاطفيون» ينتمون إلى كوكب الزهرة، في حين ينتمي الأمريكيون (والروس والصينيون في الأرجح) الجامدون العمليون إلى كوكب المريخ. في أي الأحوال، تنتمي المجموعة الحالية من القادة في ألمانيا إلى تقليد قديم يشمل أيضا المستشارين كونراد أديناور (1949-1963)، وهيلموت شميت (1974-1982)، وهيلموت كول (1982-1998). بدأت عملية تمديد خطوط الأنابيب لتحسين العلاقات مع روسيا (أو الاتحاد السوفييتي) في أواخر خمسينيات القرن العشرين، وقوبِـلَـت بالتشكك من جانب الولايات المتحدة منذ ذلك الحين. لكن التعاون الاقتصادي الذي نشأ عن مثل هذه المشروعات كان أيضا الأساس الذي قام عليه انفتاح الاتحاد السوفييتي في عهد ميخائيل جورباتشوف.

لكن فِـكرة أن التجارة تُـفضي إلى السلام، والسلام يُـفضي إلى التجارة، ليست جديدة. ففي منتصف القرن التاسع عشر، رأى كثيرون من الألمان أن الوحدة الوطنية مرغوبة في المقام الأول بسبب الفوائد الاقتصادية التي قد تجلبها. وكما أوضح أوجست لودفيج فون ريتشاو، وهو الرجل الذي صاغ مصطلح «السياسة الواقعية» في ذلك الوقت، فإن توحيد ألمانيا لم يكن «مسألة عاطفية؛ بل كان من منظور الألمان في الأساس عملا تجاريا بحتا».

بعد قرن من الزمن، خلقت ذات الفلسفة أوروبا الحديثة. بدأ مشروع الاتحاد الأوروبي في أوائل خمسينيات القرن العشرين باعتباره «جماعة» لربط الفحم الألماني وخام الحديد الفرنسي. وكان التكامل الاقتصادي أول خطوة نحو نزع فتيل العداء القديم الذي أدى إلى ثلاثة صراعات كارثية خلال الفترة من 1870 إلى 1945. في ضوء نجاح هذا المشروع، ليس من المستغرب أن تُـرشِـد التجربة ذاتها استجابة أوروبا لانهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط الشيوعية. وقد دعا هذا التحدي الجيوسياسي الكبير إلى لفتة كبيرة بالقدر ذاته من جانب أوروبا. كان التنسيق الدفاعي أحد الخيارات (والذي باتت فوائده واضحة عندما نسترجع أحداث الماضي)، لكن الساسة الأوروبيين اختاروا المال والعملة الموحدة -اليورو- لاستعراض التزامهم تجاه بعضهم بعضا. ولأن هذا المشروع الاقتصادي نجح في دمج أوروبا والحفاظ على السلام بين أعضائها، فمن المفهوم أن يحاول كثير من الأوروبيين تطبيق النموذج ذاته على نطاق عالمي أكبر. الواقع أن إيمان ألمانيا بالترابط الاقتصادي يعكس موقعها الجغرافي.

تاريخيا، كان الموقع المتوسط الذي تحتله في شمال أوروبا، مع افتقارها إلى الجبال التي لا يمكن اختراقها وغير ذلك من الحدود الطبيعية الواضحة، سببا في إنتاج نوع من الهشاشة لا تعرفه القوى المنعزلة الواقعة على المحيط مثل المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة. فمن السهل أن تتقدم الجيوش عبر سهل مفتوح بقدر ما يسهل على التجار استخدام الطرق الساحلية والبرية للربط بين الناس. وعلى هذا فقد كان الألمان دوما منجذبين بين مارس (إله الحرب) وعطارد (إله التجارة). يعني هذا التأطير بين «إما أو» ضمنا أن كل شيء سيعتمد على الاقتصاد إذا أصبحت الحرب احتمالا غير وارد. لكن العكس أيضا صحيح؛ فإذا تعثرت قصة التنمية، تصبح العودة إلى الصراع أكثر ترجيحا.

برغم أن الحرب في أوكرانيا كانت مدمرة، فإن الاستجابة لها بالحظر المالي وحظر الطاقة، وليس التصعيد النووي، تشكل في حد ذاتها انتصارا للبشرية. حتى الآن، كان التدمير المادي الشديد القسوة محصورا في دولة واحدة. وعلى هذا فإن الحرب تنطوي على دروس مهمة لمن يفكر في الكيفية التي ينبغي بها لأوروبا ــ وأمريكا ــ أن تستجيب للصين. هل ينبغي للمخاوف من تكرار الأخطاء التي ارتُـكِـبَـت مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن أن توجه استراتيجية التعامل مع شي جين بينج، أو أن الاستمرار في التعامل مع الصين يقدم أفضل فرصة لكبح جماح روسيا؟ بما أن الإجابة ليست واضحة بأي حال من الأحوال، فلا ينبغي للأوربيين أن يعتذروا عن إجراء مثل هذه الحسابات الاستراتيجية. في وقت سابق من هذا العام، عندما احتفل كبار الساسة وصناع الرأي بالذكرى المئوية لميلاد هنري كيسنجر، أكدوا على حقيقة مفادها أن كيسنجر ــ وواقعيته الأصيلة ــ كان مُـنـتَـجا ألمانيا أمريكيا مشتركا أسهم بشكل حاسم في تشكيل ألمانيا الديمقراطية المستقرة. وكانوا محقين في الاحتفال بتلك المناسبة. فقد صاغ كيسنجر نموذجا قادرا على تحقيق نتائج قوية وعظيمة الفائدة ــ حتى وإن كان يحمل في طياته دوما احتمال الفشل.

كانت السياسة الألمانية الأوروبية «المعيبة» السابقة رهانا على العولمة، والعولمة دائمة التغير. ورغم أنها ستستمر دون شك في التطور في اتجاهات جديدة وغير متوقعة، فإن هذا ليس سببا لرفض فكرة أن الاتكالية المتبادلة تدعم غالبا السلام والرخاء.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی

إقرأ أيضاً:

البرغوثي: خطة التطهير العرقي لسكان غزة ماتت ولن تمر

سرايا - قال الأمين العام لحركة المبادرة الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، الجمعة، إنه على إسرائيل والولايات المتحدة أن تفهما أن خطة التطهير العرقي لسكان غزة قد ماتت ولن تمر، بسبب الموقف الفلسطيني الرافض للهجرة والتهجير، والموقف الأردني والمصري الحازم، الذي لقي دعمًا عربيًا شاملًا.

وبين البرغوثي أن المُخرَج الأخير الذي رحبت به الولايات المتحدة سبب إرباكًا شديدًا لإسرائيل، مشيرا إلى أن هناك "انفجارًا" داخل الساحة الإسرائيلية، التي تتهم رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، بعدم الاهتمام بحياة المحتجزين الإسرائيليين، وأن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب هو من يهتم بهم، وأن الإدارة الأميركية هي من تفاوض بدلاً عن إسرائيل.

وأكد البرغوثي أن الموقف الفلسطيني واضح، ولا يمكن التقدم نحو أي صفقة صغيرة أو كبيرة قبل رفع الحصار بالكامل عن قطاع غزة.

ولفت إلى أن الصراع الدائر مع نتنياهو وحكومته واضح، حيث يسعى لاسترداد المحتجزين دون وقف الحرب والانسحاب من القطاع غزة.

وأوضح البرغوثي أن الهدف الأميركي هو إعادة مسار التفاوض إلى سكته الصحيحة، مشيرًا إلى أن المبادرات التي تقوم بها واشنطن مرتبطة بالانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، والتزام الإسرائيل بتطبيق هذه المرحلة.

وأضاف: "التصريحات الأميركية حول المواعيد النهائية تهدف إلى الضغط على حركة حماس للحصول على تنازلات إضافية لإرضاء نتنياهو"





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 989  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 14-03-2025 11:53 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
مدفع رمضان .. فائزة تشكك في مصداقية محمد رمضان سرقة موبايل كل 7 دقائق في لندن العراق .. (زواج سري) ينتهي بمجزرة عائلية في شهر رمضان المرأة تخشى من حسابات الأرقام .. تفسير علمي لتفوق الرجال في الدخل والوظائف كركي يعفو عن المتسببة بفقدان نجله إثر حادث دهس:... بتدابير أمنية مشدّدة .. وفد ديني درزي سوري يزور... المتقاعدين العسكريين: توزيع الدعم والمساعدات... الأم التي أبكت السوريين تطل ثانية .. (كلكم ولادي) الزراعة: وجود الخنازير في الغابات طبيعي ولا مانع من... الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في...نجاة مظلوم عبدي من محاولة اغتيال في القامشليجامعة كولومبيا تسحب الدرجات العلمية من طلاب...بالفيديو .. زيلينسكي يقيم مأدبة رمضانية لمسلمي...مجلس الأمن يعتمد بيانًا رئاسيًا يدين العنف في سورياممثل خامنئي: التفاوض مع أمريكا يعني نهاية النظام...زيلينسكي: مراقبة تطبيق الهدنة مع روسيا ممكنة في هذه...جيروزاليم بوست: هذا ما جرى في البنتاغون قبل تفجيرات...فريق التفاوض الإسرائيلي يغادر الدوحة دون تحقيق... رحمة أحمد لـ رامز جلال: "استلهمت عفوية مربوحة... ويجز وهدى المفتي "يصدمان" جمهورهما .. ما... أرملة الموسيقار حلمي بكر تكشف محاولة اختطاف جثمانه... كمال أبو رية ينجو من حادث سير "مروع" وائل عبد العزيز يطالب نيكول سابا بمغادرة مصر .. ما... منتخب النشامى يتعادل مع كوريا الشمالية ودياً ريال مدريد يكشف عن طبيعة إصابة مدافعه فيرلان مندي مدافع الريال أسنسيو يدخل قائمة منتخب إسبانيا ليفربول يفقد أرنولد بنهائي كأس الرابطة خبر سعيد لمحمد صلاح بعد صدمة دوري أبطال أوروبا "أكثر من المتوقع"ارتفاع مستويات البحار عام 2024 ما الدول الأكثر تلوثا بالعالم في العام 2024؟ قانون جديد قريباً .. الشركات ستخبرك بموعد تعطل منتجاتها القارة القطبية الجنوبية تذوب .. هل يقترب العالم من نقطة اللاعودة؟ قبة الإمام الشافعي .. روحانيات عابرة للتاريخ ووجهة للبسطاء سحب قطار باسنانه .. مصري يدخل موسوعة غينيس خلال صيامه مصر: شخص يهدم منزل شقيقه بـ"لودر" أثناء الإفطار .. فيديو "42 يوما دون طعام" .. امرأة تفقد وزنها بسبب جراحة الفك جاستن بيبر يعترف بشعوره "عدم الكفاءة" ويصف نفسه بـ"المحتال" تغيير صادم وأسرته ليست معجبة .. جورج كلوني في مظهر جديد .. صورة

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • حديث أركو مناوي ..الذي نفذ في خضّم المعركة ورغم مرارات الحرب
  • روبيو: أمريكا سترد على الدول التي فرضت عليها رسوما جمركية
  • ارتفاع أسعار المنتجات الأميركية بسبب الحرب التجارية التي أطلقها ترمب
  • ارتفاع التجارة بين تركيا وأوروبا 59% خلال 5 سنوات
  • قمة افتراضية لبحث واقع الحرب وفرص السلام في أوكرانيا
  • ???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • وزراء خارجية مجموعة السبع يشيدون بالاجتماع الذي عُقد بين الولايات المتحدة وأوكرانيا في المملكة
  • البرغوثي: خطة التطهير العرقي لسكان غزة ماتت ولن تمر
  • سعي أوروبي لتوسيع نطاق العلاقات التجارية مع فيتنام الغنية بالمعادن