لجريدة عمان:
2025-04-26@07:53:01 GMT

عقلية النمو الأخضر

تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT

كل شخص يحتاج إلى شيء مغاير وبالنسبة للعديد من الذين يركزّون على المناخ والاستدامة، فإن النمو الاقتصادي -الرأسمالية- يشكل هدفا مناسبا، وهذا أمر مفهوم. إنَّ التوسع الاقتصادي هو جوهر الضرورة الرأسمالية، لكن النمو المادي المستمر إلى ما لا نهاية على كوكب محدود الموارد هو أمر مستحيل فعليًا، ومن هنا ظهر مصطلح «تراجع النمو»، و«إعطاء الأولوية للرعاية الاجتماعية مقارنة بالنمو»، و«ما بعد النمو»، وغير ذلك من المفاهيم التي نشأت لدعم الانتقادات المعقدة ظاهريا للنموذج الاقتصادي «القياسي».

لو تعمقنا في هذا الموضوع سنجد أن هذا الصدام في وجهات النظر العالمية يدور حول النقاشات الكلامية بدلا من السياسات الفعلية وهو أيضا يعدّ إلهاء عن جوهر الموضوع. وبدلا من ذلك يجب أن يكون التركيز على خفض الكربون وغيره من أشكال التلوث، وفي حين أن الأنشطة الاقتصادية عالية الكربون ومنخفضة الكفاءة ــ وبعض القطاعات بأكملها ــ لابد أن تتقلص، فإن الأنشطة والقطاعات منخفضة الكربون وعالية الكفاءة لابد أن تنمو. إن الاستفادة من هذه العملية الطبيعية من «التدمير الخلاق» لا تعني تبني سياسة عدم التدخل بحيث يكون صناع السياسات على الهامش ويراقبون الأمور دون أدنى اهتمام. لو نظرنا إلى التكاليف المجتمعية السلبية الهائلة المرتبطة بحرق النفط والفحم والغاز لوجدنا أنه وفقًا لأفضل التقديرات المتوفرة لدينا، فإن التكلفة الاجتماعية للكربون في الولايات المتحدة الأمريكية تضاعفت أربع مرات تقريبًا في العقد الماضي، وذلك من حوالي 50 دولارا للطن من ثاني أكسيد الكربون الذي يُبثّ في الجو إلى ما يقرب من 200 دولار ــ وحتى هذا الرقم ليس سوى تقدير جزئي للتكلفة الحقيقية. بالإجمال يتسبب حرق كل برميل من النفط وكل طن من الفحم في أضرار خارجية أكبر من تلك التي يضيفها إلى الناتج المحلي الإجمالي ــ ونحن لم نأخذ في الحسبان حتى الآن العوامل البيئية المهمة الأخرى مثل استخدام الأراضي والتنوع البيولوجي، ونظرًا لهذه التكاليف المرتفعة والمتصاعدة، فإن الوصفة السياسية كانت واضحة منذ فترة طويلة: تحديد سعر للكربون أو أسلوب أفضل يتمثل في تسعير جميع العوامل الخارجية السلبية، وتقديم إعانات الدعم للعوامل الإيجابية. يتحرك قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة في العام الماضي في كلا الاتجاهين، ولكن في حين يتضمن القانون سعرا مباشرا غير معروف كثيرا لانبعاثات غاز الميثان الناجمة عن عمليات النفط والغاز، فإن تركيزه الأساسي ينصب على إعانات الدعم والإعفاءات الضريبية، ومن خلال تسخير إمكانات الأسواق وتحفيز النمو الاقتصادي في مجالات محددة، فإن هذا القانون يعكس كيفية عمل «السياسة الصناعية الخضراء» بشكل عملي.

تثير مثل هذه المشاركة الحكومية النشطة في الاقتصاد مجموعة من الأسئلة ومما لا شك فيه هو أن مئات المليارات من الدولارات من الإعانات الحكومية سوف تزيد من انتشار الطاقة المتجددة وتخزين البطاريات والنقل النظيف وغير ذلك من التقنيات المهمة في القطاعات غير المتطورة. علاوة على ذلك، فإن كل هذه التنمية سوف تؤدي إلى تحقيق النمو الاقتصادي، إذا ما قِيسَ بأضيق الطرق ذلك ومن خلال الناتج المحلي الإجمالي التقليدي والقيمة المضافة الاقتصادية وإحصاءات تشغيل العمالة.

هل هذا يعني أن النمو بأي ثمن أمر جيد؟ بالطبع لا، كما أن «النمو الأخضر» وحده ليس مرغوبًا بالضرورة عندما ننظر إليه من خلال أي تصورات أخرى.

إنَّ الانتشار السريع للطاقة المنخفضة الكربون وغيرها من تقنيات المناخ لن يضمن النمو الشامل أو العمل اللائق أو الصحة الأفضل أو الحد من الفقر أو أي من أولويات السياسة العالمية المهمة الأخرى. إن «الطاقة النظيفة وبأسعار معقولة» لا تمثل سوى هدف واحد من أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر للتنمية المستدامة وهذا يرجع لسبب وجيه. كما أن نشر المزيد من الطاقة النظيفة لا يكفي حتى كحلّ لمشكلة المناخ، وتؤدي تدابير كفاءة استخدام الطاقة أيضًا دورًا مهمًا ولهذا السبب يتضمن قانون خفض التضخم، على سبيل المثال، «برنامج الخصم للكهرباء المنزلية عالية الكفاءة»، وسوف تسهم المباني المعزولة بشكل أفضل ووسائل النقل الأكثر كفاءة في الحد من انبعاثات الكربون قبل فترة طويلة من إزالة الكربون من الطاقة والكهرباء بشكل كامل، وهذا يعني أن الكفاءة تقلل من التلوث الكربوني. كما يعمل العزل الأفضل على تحسين نوعية الحياة وذلك من خلال إضافة الحماية ضد دخان حرائق الغابات وغيره من تلوث الهواء الخارجي.

إن منع تسرب المواد السامة إلى المنزل من خلال النوافذ والأبواب والجدران ذات العزل السيئ يعمل على تحسين صحة الإنسان وفواتير الكهرباء وقيمة العقارات في الوقت نفسه. صحيح أن وضع نمو الطاقة النظيفة من ناحية إلى جانب إجراءات الكفاءة من ناحية أخرى يبدو وكأنه يعكس «النمو الأخضر» في مقابل «تراجع النمو». لكن هذا وهم. إن الكفاءة تعني القيام بالمزيد بموارد أقل وهو ما يجعلها فعليًا تعكس الإنتاجية الاقتصادية وهي واحدة من المكونات الرئيسية لنماذج نمو الاقتصاد الكلي القياسية. إن هذه النقطة الدلالية تفيد الجانبين، فهناك دول نامية في الجنوب العالمي ومناطق محددة في الاقتصادات المتقدمة لا تزال تعتمد بشكل كبير على استخراج وتصدير الوقود الأحفوري. سوف تتقلص هذه القطاعات والاقتصادات بالضرورة، مع تحول بقية العالم إلى مصادر أنظف للطاقة، وقد ينتهي الأمر بها إلى أن تكون أكثر فقرًا وأقل استقرارًا ولكن ليس هذا ما يدور في أذهان أغلب أنصار تقليص النمو. صحيح أن بعض الشركات والأفراد استفادوا بشكل كبير من استغلال موارد الكوكب، والضغط على صناع السياسات، والتغطية على الأضرار التي أحدثوها، وهذا في كثير من الأمور هو الدافع وراء معظم التفكير في «تقليص النمو». يمكننا جميعًا أن نشير إلى أنشطة محددة نفضّل أن تصبح أقل، لكن السؤال إذن يتعلق بالتأطير والاستراتيجية. أعتقد أن المسار المثمر للأمام يتلخص في التركيز على الفرص التجارية التي تبلغ قيمتها تريليون دولار التي توفرها عملية إزالة الكربون السريعة والقصص الإيجابية العديدة للتحول التي تصاحبها. وفي النهاية هناك توازن دقيق يجب تحقيقه بين إطلاق العنان لروح «القدرة على الإنجاز» الخاصة برواد الأعمال وبين توجيهها في الاتجاه الصحيح، أي بين شعار وادي السليكون «تحرك سريعًا وحطّم الأرقام» وبين قسم الطبيب «أولا، لا ضرر ولا ضرار».

وبطبيعة الحال، فإن هذا الأخير يسير جنبا إلى جنب مع دفع ثمن التلوث الخاص بك. ولابد أن يكون هذا التلوث هو الشيء المغاير الحقيقي، وليس النمو الاقتصادي الناتج عن محاولات رواد الأعمال والشركات والحكومات كبح جماحه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النمو الاقتصادی من خلال ذلک من

إقرأ أيضاً:

انطلاق "قمة الهيدروجين الأخضر" أول ديسمبر لتعزيز التصنيع المحلي وجذب الاستثمارات

 

 

 

 

الرؤية- ريم الحامدية

تصوير/ راشد الكندي

تنطلق أعمال النسخة الرابعة من قمة عمان للهيدروجين الأخضر (GHSO 2025) خلال الفترة من 1 – 3 ديسمبر 2025م، والتي تُعد أحد أبرز الأحداث الإقليمية في قطاع الطاقة النظيفة، وذلك تحت رعاية وزارة الطاقة والمعادن، وبشراكة استراتيجية من شركة هيدروجين عمان (هايدروم)، الجهة الوطنية المعنية بتنمية قطاع الهيدروجين الأخضر في سلطنة عمان، وتنظيم من شركة بيربا لخدمات الطاقة، وسط مشاركة واسعة من الجهات الحكومية والخاصة والمؤسسات الدولية المعنية بالطاقة المتجددة.

وجرى الإعلان عن تفاصيل القمة خلال مؤتمر صحفي عُقد، الأربعاء، بمشاركة الدكتور فراس بن علي العبدواني مدير عام الطاقة المتجددة والهيدروجين بوزارة الطاقة والمعادن، والمهندس عبد العزيز الشيذاني المدير العام لشركة هايدروم.

وتهدف النسخة الرابعة من القمة إلى دعم الجهود الوطنية الرامية لتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر من خلال تعزيز التعاون الدولي، وجذب الاستثمارات النوعية، وتسريع وتيرة بناء منظومة مستدامة لهذا القطاع الواعد.

وأكد الدكتور فراس بن علي العبدواني مدير عام الطاقة المتجددة والهيدروجين بوزارة الطاقة والمعادن، أن تنظيم القمة يعكس إيمان السلطنة بأهمية الحياد الصفري الكربوني والدور المحوري الذي سيلعبه الهيدروجين قليل الانبعاثات وخاصة الهيدروجين الأخضر في هذا الملف، موضحًا أن سلطنة عُمان تمتلك موارد طبيعية تمكنها من النجاح، ومساحات واسعة مخصصة للهيدروجين تصل إلى  50,000 كيلومتر مربع، إلى جانب بنية أساسية متكاملة تشمل الموانئ، وموقع جغرافي استراتيجي يربط بين الأسواق العالمية.

وأضاف الدكتور أنَّ التعاون الدولي والمشاركة في مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص بناءة من أهداف المؤتمر الأساسية ومنها تفعيل الشراكات المحلية والدولية، بما يسهم في توطين الصناعات المرتبطة وفتح فرص اقتصادية واعدة.

وأشار العبدواني إلى أن سلطنة عمان تمضي قدمًا في تنفيذ خارطة طريق طموحة لبناء اقتصاد متكامل للهيدروجين الأخضر، تقوم على 5 أهداف رئيسية تشمل: الإسهام في أمن إمدادات الطاقة محليًا وعالميًا، وتنويع الاقتصاد وتوسيع سلاسل التوريد والصناعات المصاحبة، وخفض الانبعاثات الكربونية، وخلق قطاع تنافسي بتكلفة فعالة، ودعم الابتكار وبناء القدرات الوطنية، وأضاف أن سلطنة عُمان أرست حتى الآن ثمانية مشاريع للهيدروجين الأخضر في الدقم وظفار.

من جانبه، قال المهندس عبد العزيز الشيذاني: "تمثل قمة عُمان للهيدروجين الأخضر منصة مهمة لدعم تطور القطاع وتعزيز الحوار الدولي حول مستقبل الطاقة، ومن هذا المنطلق، تأتي شراكة هايدروم لهذا العام كشراكة استراتيجية طويلة المدى، تهدف إلى تمكين هذا الحدث من أن يكون رافدًا للمعرفة، ومسرّعًا للتكامل، ومساهمًا مباشرًا في تحقيق الأهداف الوطنية لهذا القطاع الحيوي".

وبيّن: "نحن لا نتعامل مع هذه القمة كفعالية مستقلة، بل كجزء من منظومة أوسع تُسهم في تعزيز جاهزيتنا، وتوسيع نطاق شراكاتنا العالمية، وتوفير بيئة داعمة للاستثمار والابتكار، وحرصا منا على أن تواصل سلطنة عُمان ريادتها، ليس فقط في تطوير المشاريع، بل في رسم ملامح مستقبل قطاع الهيدروجين الأخضر على المستوى الدولي."

ومن المتوقع أن تستقطب القمة أكثر من 3000 مشارك من مختلف دول العالم، من صناع القرار، والمطورين، والمستثمرين، والمؤسسات البحثية، ما يعكس مدى الاهتمام العالمي المتزايد بقطاع الهيدروجين، بما يعزز من مكانة السلطنة كمركز إقليمي لتصدير الطاقة النظيفة.

وتنعقد القمة هذا العام تحت شعار "إدارة الهيدروجين: سد الفجوات، ودفع عجلة العمل"، في دلالة على توجه السلطنة إلى الانتقال من مرحلة المبادرات إلى التنفيذ، حيث يأتي هذا الشعار ليُجسد أولويات المرحلة القادمة، والتي تشمل التغلب على التحديات التنظيمية، وتحفيز التمويل، ومعالجة تحديات الشراء، وتعزيز جاهزية البنية التحتية، وذلك من خلال حلول واقعية وشراكات فاعلة.

كما ستركز أعمال القمة على عدد من المحاور الحيوية، تشمل التصنيع المحلي، وتوطين المكونات الاستراتيجية، وتنمية المحتوى المحلي، وتطوير الكفاءات الوطنية، وتعزيز القيمة المحلية المضافة، في إطار جهود بناء اقتصاد هيدروجيني شامل ومرن قادر على تحقيق القيمة الاجتماعية والاقتصادية لعمان على المديين القريب والبعيد.

وتحظى قمة عمان للهيدروجين الأخضر 2025 بدعم واسع من الجهات الحكومية والمؤسسات القطاعية، في خطوة تعكس التزام سلطنة عمان بتحقيق أهدافها التنموية، وتعزيز موقعها الريادي على خارطة الطاقة النظيفة العالمية.

مقالات مشابهة

  • قمة لندن لأمن الطاقة.. تحديات التحول الأخضر أمام الجغرافيا السياسية
  • أمانة الاستثمار بـ”الجبهة” تبحث مع مستثمرين تحقيق التنمية الشاملة وزيادة النمو الاقتصادي
  • اقتصادية الشيوخ: مصر تضع في مقدمة أولوياتها العمل على رفع معدلات النمو الاقتصادي
  • حزب الجبهة يستمع لرؤية المستثمرين لتحقيق التنمية وزيادة النمو الاقتصادي
  • تعزيز الشراكات الدولية.. دعم القطاع الخاص الليبي وتحفيز النمو الاقتصادي
  • انطلاق "قمة الهيدروجين الأخضر" أول ديسمبر لتعزيز التصنيع المحلي وجذب الاستثمارات
  • ديسمبر المقبل .. انطلاق قمة الهيدروجين الأخضر في عُمان
  • رسائل السلام والهيدروجين الأخضر
  • التقرير الاقتصادي الفصلي لبنك عوده: تعدّد التحدّيات الاقتصاديّة التي تواجه العهد الجديد
  • معلومات الوزراء: مؤسسات دولية تتوقع تراجع التجارة العالمية وانخفاض النمو الاقتصادي