كيف يمكن للذكاء الاصطناعي إحداث ثورة في العلوم؟
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
الجدل حول الذكاء الاصطناعي يميل إلى التركيز على أخطاره المحتملة من تحيُّز وتمييز «يستندان إلى البيانات التي يتم تدريبه عليها» إلى تدمير جماعي للوظائف وفناء البشر كما يقول البعض.
لكن فيما يشعر بعض المراقبين بالقلق من هذه السيناريوهات الكارثية يركز آخرون على المكاسب المحتملة. فهم يزعمون أن الذكاء الاصطناعي سيساعد البشرية على حل بعض أكبر وأعقد مشاكلها.
ويعتقد أعلام الذكاء الاصطناعي من أمثال ديمس هاسابيس ويان لوكن أن في مقدوره تسريع خطى التقدم العلمي وتدشين عصر ذهبي للاكتشافات. هل يمكن أن يكونوا على صواب؟
مثل هذه المزاعم تستحق أن نتفحصها. وربما تقدم ما يفيد في إزالة المخاوف من البطالة الواسعة النطاق والروبوتات القاتلة.
بالطبع هنالك العديد من التقنيات السابقة التي جرى الاحتفاء بها دون وجه حق باعتبارها الحل الشامل لكل مشكلة. فالتلغراف الكهربائي وصف في خمسينيات القرن التاسع عشر بأنه بشير بالسلام في العالم وكذلك الطائرات في العشرية الأولى من القرن العشرين. والخبراء في تسعينيات القرن الماضي قالوا إن الإنترنت سيقلل اللامساواة ويقضي على النزعة القومية. لكن الآلية التي يفترض أن الذكاء الاصطناعي سيحل بها مشاكل العالم لديها أساس تاريخي أقوى. فقد كانت هنالك فترات تاريخية عديدة ساعدت خلالها مقاربات جديدة وأدوات جديدة حقا في إطلاق موجات من الاكتشافات والابتكارات العلمية التي غيَّرت العالم.
في القرن السابع عشر فتحت الميكروسكوبات والتلسكوبات آفاقا جديدة للاكتشاف وشجعت الباحثين لتفضيل ملاحظاتهم على الحكمة الموروثة من الماضي وقدمت لهم الدوريات العلمية المؤسسة حديثا وقتها طرائق جديدة لتبادل ونشر نتائج دراساتهم.
وكانت نتيجة ذلك تقدما سريعا في علم الفلك والفيزياء والحقول الأخرى وابتكارات جديدة تمتد من بندول الساعة إلى ماكينة البخار التي كانت المحرك الرئيسي للثورة الصناعية.
ثم ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر أمكن بفضل معامل الأبحاث، التي جمعت قدرا كبيرا من الأفكار والعقول والمواد، التوصل إلى المزيد من الابتكارات مثل السماد الصناعي والمواد الصيدلانية والترانزستور أساس الحاسوب.
وفي الفترة من أواسط القرن العشرين أتاحت الحواسيب بدورها أشكالا جديدة من العلم التي ترتكز على التشبيه والنمذجة من تصميم للأسلحة والطائرات إلى التنبؤ الأكثر دقة بالطقس.
وربما لم تنته ثورة الحاسوب بعد. فأدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي يجري تطبيقها الآن في كل حقل علمي تقريبا على الرغم من أن درجة تبنيها تتفاوت على نطاق واسع. فمثلا 7.2% من الأوراق العلمية في الفيزياء والفلك التي نشرت في عام 2022 اشتملت على استخدام الذكاء الاصطناعي مقارنة بحوالي 1.4% في علم البيطرة.
يجري توظيف الذكاء الاصطناعي بطرق عديدة. فهو يمكن أن يتعرف على الأشياء الواعدة المرشحة للتحليل مثل الجزيئات التي لها خصائص معينة في اكتشاف الأدوية أو المواد التي لها خصائص مطلوبة في صناعة البطاريات أو الخلايا الضوئية. ويمكن أن يغربل ركاما من البيانات مثل تلك التي يمكن إنتاجها بمصادمات الجسيمات أو التلسكوبات الآلية بحثا عن أنماط (متكررة).
ويمكن للذكاء الاصطناعي نمذجة وتحليل حتى الأنظمة الأكثر تعقيدا مثل طَيِّ البروتينات وتشكيل المجرَّات. كما استخدمت أدوات الذكاء الاصطناعي للتعرف على الأجسام المضادة وكشف جسيم «بوزون هيجز» وتمييز اللهجات الإقليمية لعواء الذئاب من بين أشياء أخرى.
كل هذا يجب الترحيب به. لكن الدورية العلمية والمعمل حققا أكثر من ذلك. لقد أحدثا تغييرا في الممارسة العلمية نفسها. وقدَّما وسائل جبارة للاكتشافات بتمكين الناس والأفكار من التفاعل بطرائق جيدة وعلى نطاق أوسع. الذكاء الاصطناعي لديه أيضا القدرة لإطلاق مثل هذا التحول.
هنالك بالتحديد مجالان واعدان كما يبدو. أولهما «الاكتشاف الذي يرتكز على الأدبيات» العلمية والذي ينطوي على تحليل الكتابات المنجزة في مجال العلوم باستخدام تحليل لغوي من نمط «شات جي بي تي» بحثا عن فرضيات وارتباطات أو أفكار جديدة لم ينتبه إليها البشر. يكشف هذا المجال عن وعود في التعرف على تجارب جديدة يمكن إجراؤها. بل حتى يقترح متعاونين محتملين (علماء آخرين يمكن أن يقدموا العون) في الأبحاث.
هذا يمكن أن يحفز على العمل الذي تتقاطع فيه العلوم وتعزيز الابتكار في الحدود الفاصلة بين حقولها. يمكن أن تتعرف أنظمة الاكتشاف الذي يستند على الأدبيات العلمية المنجزة على الفجوات المعرفية في حقل علمي معين بل وحتى التنبؤ بالاكتشافات المستقبلية والذي سيحققها.
المجال الثاني هو العلماء «الروبوتات» أو المعامل التي تدير نفسها بنفسها. هذه روبوتات تستخدم الذكاء الاصطناعي لصياغة فرضيات جديدة على أساس تحليل البيانات والأدبيات العلمية الموجودة سلفا ثم اختبار تلك الفرضيات بإجراء مئات أو آلاف التجارب في حقول من بينها بيولوجيا الأنظمة وعلم المواد. وعلى خلاف العلماء من البشر هذه الروبوتات ليست مرتبطة بنتائج سابقة وأقل تحيزا والشيء الأهم سهولة استنساخها. ويمكنها ترقية البحث التجريبي وتطوير نظريات غير متوقعة وارتياد مسالك ربما لم يفكر فيها البشر.
لذلك الفكرة القائلة بأن الذكاء الاصطناعي يمكنه تغيير الممارسة العلمية قابلة للتطبيق. والمانع الرئيسي لذلك سوسيولوجي. فهي يمكن تنفيذها فقط إذا كان العلماء من بني البشر راغبين وقادرين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. في الواقع العديد منهم يفتقرون إلى المهارات والتدريب. وبعضهم يخشى من فقدان وظيفته.
لكن لحسن الحظ هنالك مؤشرات مبشرة. فأدوات الذكاء الاصطناعي تنتقل الآن من اقتصار الاهتمام بها على باحثي الذكاء الاصطناعي إلى تبنيها بواسطة المختصين في الحقول الأخرى.
ويمكن للحكومات والجهات التمويلية المساعدة في توظيف الذكاء الاصطناعي لأغراض البحث العلمي بالضغط للتوسع في استخدام معايير عامة تسمح لأنظمة الذكاء الاصطناعي المختلفة بتبادل وتفسير النتائج المعملية والبيانات الأخرى.
ويمكنها أيضا تمويل المزيد من الأبحاث حول تكامل تقنيات الذكاء الاصطناعي مع الروبوتات المعملية وحول أشكاله الأخرى بخلاف تلك التي يتجه إليها القطاع الخاص الذي راهن بكل أوراقه تقريبا على أنظمة ترتكز على اللغة مثل شات جي بي تي.
وقد تكون الأنظمة الأقل جاذبية مثل تعلم الآلة الذي يرتكز على النموذج أكثر ملاءمة للمهام العلمية مثل صياغة الفرضيات.
في عام 1665 خلال فترة شهدت تقدما عمليا سريعا وصف روبرت هوك البريطاني المتبحر في العلوم اختراعَ الأدوات العلمية الجديدة مثل المايكروسكوب والتليسكوب بأنه «إضافة أعضاء اصطناعية للطبيعي». فهي مكَّنت الباحثين من استكشاف مجالات لم تكن متاحة من قبل واكتشاف الأشياء بطريقة جديدة «محققة بذلك مكاسب مذهلة في كل مجالات المعرفة المفيدة».
بالنسبة لخلفاء ديفيد بروك المعاصرين من المتوقع أن تفعل إضافة أدوات الذكاء الاصطناعي للأدوات العلمية نفس الشيء في السنوات القادمة وبنتائج مماثلة في تغييرها للعالم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی یمکن أن
إقرأ أيضاً:
من الابتدائية إلى الثانوية.. بكين تقدم حصصاً مخصصة للذكاء الاصطناعي
#سواليف
تعتزم #المدارس_الابتدائية والثانوية في بكين تقديم حصصاً تعليمية مخصصة للذكاء الاصطناعي، ابتداءً من العام الدراسي المقبل.
وحظيت صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين باهتمام دولي هذا العام بعد أن أطلقت شركة “ديب سيك” DeepSeek نسخة جديدة من روبوت المحادثة العامل بالذكاء الاصطناعي في يناير (كانون الثاني)، ما أحدث موجة صدمة عبر الأسواق العالمية.
وذكرت وكالة “شينخوا” الصينية للأنباء أن المدارس في العاصمة ستخصص ما لا يقل عن ثماني ساعات من دروس الذكاء الاصطناعي لكل عام دراسي بدءاً من الفصل الدراسي الذي يبدأ في أوائل سبتمبر (أيلول)
ويمكن للمدارس أن تدير هذه المواد كحصص مستقلة أو أن تدمجها في مواد دراسية قائمة أساساً مثل تكنولوجيا المعلومات أو العلوم.
وأفادت لجنة التعليم التابعة لبلدية بكين في بيان أنه “سيتم تقديم أساليب تدريس مبتكرة، باستخدام أجهزة مرافقة وأدوات مساعدة بحثية بالذكاء الاصطناعي، وغيرها من برامج المساعدة الذكية لتسهيل التعلم من خلال الحوار بين الإنسان والآلة”.
وأشارت إلى أن بكين تخطط أيضا لاستكشاف المزيد من الفرص للتعاون بين الجامعات والمدارس الثانوية، لتنمية المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي.
ويتضمن ذلك تطوير سلسلة من “دورات التعليم المتقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي والتي تركز على التطوير المبكر للمواهب المبتكرة الاستثنائية”.
وفي الشهر الماضي، أجرى الرئيس الصيني شي جينبينغ محادثات مع كبار رجال الأعمال في قطاع التكنولوجيا الصيني، في حدث نادر أثار التفاؤل بشأن زيادة الدعم للقطاع.
وعزز شي دور الشركات المملوكة للدولة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كما تصدى للتوسع “غير المنظم” في العديد من القطاعات.
وحظيت “ديب سيك” بإشادة السلطات، كما حضر مؤسسها الاجتماع مع الرئيس الصيني.
وتتجه الأنظار حالياً إلى #برامج #الذكاء_الاصطناعي الجديدة في #الصين، الساعية لمنافسة “ديب سيك”، وكشفت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة “علي بابا” الأسبوع الماضي عن نموذج ذكاء اصطناعي يسمى QwQ-32B، تقول إنه يتمتع “بأداء مماثل” لـ “ديب سيك” بينما يتطلب بيانات أقل بكثير للعمل.
إلى ذلك، فإن “مانوس” Manus، وهو مساعد جديد وقوي يعمل بالذكاء الاصطناعي، يُحدث ضجة في البلاد، مع قدرات تُعتبر بشكل عام أكثر تقدماً من تلك الموجودة في روبوتات المحادثة.