منذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان وتحديدًا فى 6 أكتوبر1973كان هناك فى الشمال الشرقى لوطننا الغالى مشهد لا ينسى على ضفتى قناة السويس التى تربط البحر الأبيض بالبحر الأحمر وتفصل الوادى عن أرض سيناء الحبيبة أرض الفيروز، فكانت الصورة الأولى من المشهد فى شرق القناة، حيث تتوقف الحركة فى بحر القناة وماؤها ساكنة حزينة وترقب بالم شديد أنابيب النابالم التى تغطى الجانب الشرقى للقناة جاهزة، لأن تحولها إلى جحيم، ثم يليها ساتر رملى بارتفاع لا يقل عن20مترًا يصعب اختراقه ويليه خط سمى خط بارليف الحصين الذى جهز لمنع أى قوات من عبور القناة، وخلف هذا الخط احتياطيات استراتيجية من الأسلحة والدبابات والمدرعات والصواريخ والطائرات جاهزة للتحرك ضد قواتنا إذا ما فكرت فى عبور القناة، وهناك فى الصحراء السيناوية تكاد تسمع ضبيح البوم ونعيق الغربان وعواء الذئاب التى تجمعت مع عدو غادر حتى تستكمل الصورة الظالمة لهذا العدو حينئذ.
ــ والصورة الثانية من المشهد كانت فى الجانب الغربى من القناة، حيث كانت قواتنا المسلحة الباسلة فى خنادقها بكل عزيمة وإصرار وبكل عقيدة قتالية جاهزة للتحرك عند تلقى الأمر بذلك، وتكاد تسمع هديل الحمام حمام السلام، وزئير الأسود المتربصة المتحينة لساعة الانطلاق، ولعل هذا المشهد يكمل الصورة العادلة لقضيتنا ولشعبنا المحب للسلام، فالحرب فى حقٍ لدينا شريعة ومن السموم الناقعات دواء.
ــ ومن وراء هذا الحشد العسكرى شعب أبى أن يترك جيشه منذ لحظة الهزيمة فى1967بل سانده وساند قائده وكان لسان حاله يقول للقائد قم واسمعها من أعماقى فأنا الشعب وليعلم الجميع أن الآلام العظيمة تصنع الأمم العظيمة ونار المحنة لا تحرقها ولكنها تساعد على نضوجها والصدمة لا تكسرها ولكنها تكسر أغلالها، فكم أنت عظيمة يا مصر شعب يساند جيشه وجيش يساند شعبه وهذه هى صورة مصر على مر التاريخ.
ــ وعند الثانية ظهرًا فى6أكتوبر1973انطلقت نسور الجو المصرية تدك حصون العدو وتحركت قواتنا واقتحمت قناة السويس واخترقت الساتر الرملى بفكرة عبقرية من مقاتل مصرى وطنى أصيل وهو اللواء أركان حرب باقى زكى يوسف ياقوت، وذلك باستخدام مدافع المياه ذات الضغط العالى لفتح أماكن فى الساتر لتكون رأس جسر لكبارى عبور الدبابات والمدرعات والقوات إلى الجانب الشرقى للقناة وذلك تحت مظلة الله أكبر، الله أكبر فوق كيد المعتدى.
ــ وتحقق النصر المبين وعادت سيناء حرة أبية إلى وطنها الأم، واندحر الظلم والظالمون وفرت البوم والغربان والذئاب وزأرت الاسود وابتسمت حمائم السلام، أنه أكتوبر العظيم الذى تحقق فيه الانتصار لشعبنا العظيم، وهكذا هو حال الطغاة لا بد فى النهاية أن يحنوا الجباة، عاشت مصر حرة أبية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نصف قرن السموم مصر قناة السويس العسكري
إقرأ أيضاً:
دوامة وقرار..
تصاعد الاستنزاف جغرافيا ونوعا يجعل الإسرائيلي في مربع يصعب عليه أن يبرمج الميدان بتوقيته أو بمسارات مخططه الذي أعلنه منذ بداية الحرب، بل يضيف للمشهد عنصر التخبط الذي يربك حساباته المعنوية والإعلامية ورسائله السياسية التي كان يريد إيصالها محليا ودوليا.
وبقراءة الميدان ينعكس الاستنزاف المتصاعد سلبا على قوة الجيش ومصداقية القيادة السياسية، وبالقياس بمعارك الاستنزاف التاريخية يعتبر رد الفعل الإسرائيلي الحالي للتخلص من الاستنزاف ودفع الهزيمة أحد أهم مكونات انتصار المقاومات، حيث كان يسعى المحتل لتكثيف الضغط على الحاضنة الشعبية وزيادة الترهيب دون دراسة أبعاد تلك الخطوات على صعيد بقاء فكرة الترويض أو تمرير المشهد دوليا.
ينعكس الاستنزاف المتصاعد سلبا على قوة الجيش ومصداقية القيادة السياسية، وبالقياس بمعارك الاستنزاف التاريخية يعتبر رد الفعل الإسرائيلي الحالي للتخلص من الاستنزاف ودفع الهزيمة أحد أهم مكونات انتصار المقاومات
وبذلك نستطيع القول إن إسرائيل تمر الآن بمرحلة انكسار معنوي وسياسي وأمني جراء خطيئة ارتكبتها في التعامل مع غزة والجبهات وحتى استغلال التطورات الدولية، وهذا يعتبر نجاحا متطورا لما أطلقت عليه الجبهات حرب الاستنزاف الطويلة. بالفعل زادت إسرائيل من أهدافها الاستراتيجية واعتمدت على تضخيم إمكاناتها وتعمقت في الميدان، واستخدمت كل القوة دون أن تغلق حسابا واحدا في المنظور الاستراتيجي، ما يعني أن هذا الفشل الذي لحق بها سيدفعها إلى خيارين على الأقل لتجنب البقاء في هذا المربع:
إما وقف الحرب وإعلان الهزيمة؛ وهذا له تداعيات ودفع ثمن مؤجل، وطالما فاز ترامب فإنهم جمدوا هذا الخيار لصالح الآخر، وهو التصعيد وتطبيق مخططات ظنوا أنها ستخرجهم من حالة الاستنزاف أو دفع الثمن، خاصة أن فكرة التحالف الإبراهيمي يعمل عليها نتنياهو ليل نهار، ويطور مبدأ الناتو العربي مع ترامب في إطار تقسيم أمريكي في استخدام الحلفاء، بينما الناتو الغربي ستوكل له مهمة الملف الأوكراني بمال وإمداد وجهد أوروبي، ومن جهة أخرى يطورون فكرة الناتو العربي بالسياق ذاته لإخماد بؤر المواجهة في المنطقة بحجة الحاجة إلى الهدوء والاستقرار؛ من منطلق أن مقاومات الشعوب هذه مضرة بالأنظمة واستقرارها على قاعدة "وجودها بوجود إسرائيل".
سيكون المشهد القادم تصعيديا بامتياز، وفيه هوس التطبيع السريع وتحقيق أي هدف من الأهداف العالقة
وبالتالي، سيكون المشهد القادم تصعيديا بامتياز، وفيه هوس التطبيع السريع وتحقيق أي هدف من الأهداف العالقة.
في هذه الحالة يبدو أن المقاومة كانت تحسب حسابها، لذلك تدرجت في محطات تصعيدها وأبقت في جعبتها ما يناسب كل مرحلة، خاصة أن المشهد بات عابرا للحدود والخطوط الحمراء والسياسات التي كانت يوما محددات.
ما زالت الساعة بتوقيت المقاومة رغم الإبادة وغبار الدمار الذي يريده الإسرائيلي حاجبا لميدان الاستنزاف.