جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-05@18:07:32 GMT

المجتمع ومنظومة القيم

تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT

المجتمع ومنظومة القيم

محمد العاصمي

يُعرِّف ابن خلدون "الرقابة الاجتماعية" أو كما أطلقَ عليها في مقدمته "الضبط المجتمعي" بأنها "الأسس التي يرجع إليها أيّ تجمّع بشريّ إما يكون لها أساس عقدي ديني شرعي ويتم تطبيقها بناء على الإيمان بالثواب والعقاب، أو أساس سياسيّ عقلي وضعي يوجب عليهم اتباعه بعد معرفة ما يترتب على هذا الأساس من مصحلة مترتبة"، ويرى ابن خلدون أن أهم المقومات الضابطة للمجتمع تتمثل في: "الدين، والقانون، والآداب العامة، والأعراف، والعادات، والتقاليد".

وأي مجتمع بشري يتفاعل أفراده فيما بينهم وفق هذه المنظومة والمحددات التي تضبط العلاقات فيما بين الأفراد والتي عرفت بالأعراف المجتمعية والتي ترتبط بالأطر التي يضعها أفراد المجتمع بأنفسهم والتي تهدف إلى جعل الحياة أكثر سهولة وتنظيمًا وتحديدًا للحقوق والواجبات.

ما يدعو للحديث عن منظومة القيم المجتمعية هو التسارع الكبير في وتيرة الحياة والتغييرات التي تطرأ على سلوكيات الأفراد باستمرار وبشكل سريع جدًا، وكثرة المصادر التي أصبحت تغذي المجتمعات والأفراد بسلوكيات لم تكن موجودة من قبل، وحتى اللغات واللهجات التي كانت سمة مميزة لكل مجتمع أضحت هي الأخرى ضحية لهذا التغيير الذي لم يعد يوقفه أي حاجز.

لقد اكتسبت المجتمعات العديد من السلوكيات التي أثرت على منظومة القيم فبعد أن كانت مصادر السلوك أو لنقل القيم محددة فيما ذكره ابن خلدون دخلت العديد من المصادر لتشكل منبعا جديدا يصب في مجرى القيم، وهذا التغيير مصدره هو تغير وسائل الاتصال بين المجتمعات؛ حيث إن التواصل البشري هو الأصل في نقل كل شيء من معارف وعادات وأطباع ومهارات وغيرها، وقد كان هذا التواصل في القديم محصورا بمجموعة من الوسائل البدائية جعلت من عملية انتقال القيم عملية بطيئة مسيطر عليها وتستغرق فترات زمنية طويلة ليحدث التأثير.

وتطورت وسائل الاتصال بين البشر وحدثت الهجرات الجماعية وتعددت وسائل النقل الحديثة وكل هذا جعل من التواصل أكثر سرعة وأتسعت الدائرة لتشمل أعدادا كبيرة من البشر وأثر هذا على سرعة نقل العادات والقيم وأصبح التأثير يحدث في فترة زمنية أقل من السابق، ومع حدوث الثورة الصناعية الرابعة وظهور وسائل التواصل الاجتماعي انتشر بشكل واسع ما يعرف بـ"المجتمعات الافتراضية"، والتي هي عبارة عن ساحات فضائية يلتقي فيها البشر بمختلف أجناسهم ويتفاعلون فيما بينهم ويتبادلون الأفكار والآراء دون الحاجة للتنقل والسفر والتواجد في مكان واحد، ويُعد هذا التحول الكبير الذي حدث في وسائل الاتصال سببًا مباشرًا في تأثر المجتمعات بعضها ببعض وتدفق المعارف والسلوكيات فيما بينها مما جعل كثيرا من المجتمعات مستوردة ومتقبلة لعديد من القيم التي لم تكن يومًا ما جزءًا من ثقافتها.

إنَّ أكثر المجتمعات تضررًا من هذا الدفق الحاصل هي تلك التي لا تمتلك ركائز وأساسات ودعائم تستند عليها لمواجهة هذه الموجات ومقاومة الزخم العالي من المدخلات التي تصل إلى أفرادها نتيجة احتكاكهم وتواصلهم مع أفراد من مجتمعات أخرى، ولقد أثر هذا التداخل في تغيير كثير من السلوكيات والعادات والتقاليد والأعراف وفي جميع المستويات وشمل اللغة واللبس ونمط الحياة وحتى أثر في اعتناق البعض لأديان أخرى لم يكونوا على علم بها.

وأمام هذه التحولات المتسارعة التي لا يمكن إلّا القبول بها والتعاطي معها كواقع لا يمكن تجاهله، يبرُز اتجاه مُهم يدعو للتفاعل والتعامل مع الوضع والتحضير له، حتى يتجنب المجتمع الوصول إلى مرحلة فُقدان الهوية والانصهار والذوبان، وسط هذا الكم الهائل من الغزو القيمي والثقافي، وحتى نتمكن من ذلك لا بُد من تقوية الركائز والدعائم التي يقوم عليها بناء القيم المجتمعة والتي تتمثل في ثلاث أساسيات تقع عليها هذه المسؤولية؛ وهي: المدرسة والمسجد والأسرة؛ حيث تُشكِّل هذه المنظمات المجتمعية الثلاثة رأس الحربة التي يمكنها حماية المجتمع من هذه التحولات التي قد تقضي على هويته وتجعله نسخة مكررة من مجتمعات لا ترتبط معها جغرافيًا يعيش أفرادها الاغتراب داخل أوطانهم.

إنَّ الحديث عن هذه المؤسسات الثلاث يحتاج إلى تفاصيل مستقلة في قادم المقالات، لكن يبقى أن أشير إلى أن المجتمعات التي نجحت في الحفاظ على قِيَمها هي التي تحقق الريادة في العالم، وخاصة تلك القيم المرتبطة بالإخلاص والأمانة والعطاء.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ندوة تثقيفية بجامعة طنطا لتعزيز القيم الوطنية والانتماء لدى الشباب

نظّم المجمع الإعلامي بطنطا، اليوم، ندوة تثقيفية كبرى بعنوان "تعزيز القيم الوطنية وروح الولاء والانتماء" بكلية التربية جامعة طنطا، وذلك في إطار حملة "تعزيز روح الولاء والانتماء لدى الشباب" التي أطلقها قطاع الإعلام الداخلي بالهيئة العامة للاستعلامات برئاسة الدكتور ضياء رشوان، بالتعاون مع جامعة طنطا.

شارك في الندوة عدد من القيادات التنفيذية والبرلمانية والأكاديمية، من بينهم: اللواء أحمد أنور، السكرتير العام لمحافظة الغربية، النائب الدكتور عبد المنعم شهاب، عضو مجلس النواب، الدكتور أحمد هلال، عميد كلية التربية، والدكتور ياسر بيومي، وكيل كلية التربية لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة.

شهدت الندوة مشاركة واسعة من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، في إطار سعيها لترسيخ قيم الولاء والانتماء وتعزيز دور الشباب في بناء الوطن.

واستهل إبراهيم عبد النبي مدير مركز الإعلام بطنطا، الندوة بالتأكيد على الدور المحوري للهيئة العامة للاستعلامات في رفع وعي المواطنين بالقضايا المجتمعية، مشددًا على أهمية التواصل مع الشباب باعتبارهم الركيزة الأساسية في بناء الوطن. كما أثنى على التعاون المثمر بين مركز إعلام طنطا وجامعة طنطا، مؤكدًا أن الحملة تستهدف تعميق مفهوم حب الوطن وتعزيز المشاركة المجتمعية الإيجابية.

من جانبه، أوضح الأستاذ الدكتور أحمد هلال عميد كلية التربية، أن المواطنة ليست رفاهية بل ضرورة اجتماعية، مشيرًا إلى أن القيم الوطنية السليمة تلعب دورًا كبيرًا في الحفاظ على كيان الوطن. كما دعا الطلاب إلى المشاركة الفعالة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية، لما لها من دور في تنمية حس المسؤولية والانتماء.

أما الدكتور عبد المنعم شهاب عضو مجلس النواب، فتحدث عن مفهوم الوطن، مشيرًا إلى أنه المكان الذي نشعر فيه بالأمان. كما أكد على أهمية المشروعات القومية الكبرى التي تنفذها الدولة حاليًا، موضحًا أنها تؤسس لمستقبل أفضل، وأن الشباب هم من سيجنون ثمار هذا العمل.

بدوره، شدد اللواء أحمد أنور السكرتير العام لمحافظة الغربية، على أن الولاء والانتماء قيم راسخة داخل الإنسان المصري، خاصة وقت الأزمات، داعيًا الشباب إلى تحليل المعلومات بعقلانية، وعدم الانسياق وراء الشائعات، في ظل حروب المعلومات التي تشهدها الساحة الدولية.

وأضاف أن أشكال الولاء والانتماء تتمثل في المشاركة المجتمعية الإيجابية، والالتزام بالقانون والدستور، مؤكدًا أن الدولة المصرية تضع الإنسان في قلب أولوياتها، كما يتضح من مشروعات تطوير العشوائيات ومبادرة "حياة كريمة"، التي تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة للمواطنين.

وفي ختام الندوة، شدد المشاركون على أهمية تكاتف الجميع للحفاظ على استقرار الوطن وسلامته، وتعزيز دور الشباب في مسيرة التنمية والبناء.

قام بإعداد اللقاء فريق العمل الإعلامي بمركز إعلام طنطا، وهم: همت أنور، ودينا محمد، تحت إشراف إبراهيم عبد النبي، مدير مركز إعلام طنطا، وإبراهيم زهرة، مدير عام إعلام وسط الدلتا.

مقالات مشابهة

  • إعلام إسرائيلي: استئناف الحرب في غزة يثير مخاوف كبيرة فيما يتعلق بمصير الأسرى
  • ملتقى الأزهر: الدعوة لاستبدال الزواج بـ‏‎«المصاحبة»‏ محاولات لضرب القيم وإفساد الشباب
  • لجان المتابعة والرقابة تتحقق فيما أُثير من خلافات باللجنة البارالمبية المصرية
  • "مجموعة الوكلاء المتفوقين" لعام 2024 وهي أعلى وسام تمنحه تويوتا للشركاء الاستراتيجيين والتي حصلتها للسنة الثانية على التوالي.
  • رمضان.. شهر القيم المجتمعية
  • فيما القسام تنشر فيديو “الوقت ينفد”.. حكومة نتنياهو تتقدّم خطوة وتتراجع خطوتين
  • دعم ومساندة.. أحمد موسى: مصر لديها ثوابت فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية
  • المسماري تحذر: تحولات اجتماعية خطيرة تهدد منظومة القيم أدت لارتفاع معدلات الجريمة وتراجع الأخلاق
  • ندوة تثقيفية بجامعة طنطا لتعزيز القيم الوطنية والانتماء لدى الشباب
  • الأسرة والمجتمع.. القيم الراسخة في وجدان شباب دبي