جريدة الرؤية العمانية:
2024-06-27@08:41:31 GMT

المجتمع ومنظومة القيم

تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT

المجتمع ومنظومة القيم

محمد العاصمي

يُعرِّف ابن خلدون "الرقابة الاجتماعية" أو كما أطلقَ عليها في مقدمته "الضبط المجتمعي" بأنها "الأسس التي يرجع إليها أيّ تجمّع بشريّ إما يكون لها أساس عقدي ديني شرعي ويتم تطبيقها بناء على الإيمان بالثواب والعقاب، أو أساس سياسيّ عقلي وضعي يوجب عليهم اتباعه بعد معرفة ما يترتب على هذا الأساس من مصحلة مترتبة"، ويرى ابن خلدون أن أهم المقومات الضابطة للمجتمع تتمثل في: "الدين، والقانون، والآداب العامة، والأعراف، والعادات، والتقاليد".

وأي مجتمع بشري يتفاعل أفراده فيما بينهم وفق هذه المنظومة والمحددات التي تضبط العلاقات فيما بين الأفراد والتي عرفت بالأعراف المجتمعية والتي ترتبط بالأطر التي يضعها أفراد المجتمع بأنفسهم والتي تهدف إلى جعل الحياة أكثر سهولة وتنظيمًا وتحديدًا للحقوق والواجبات.

ما يدعو للحديث عن منظومة القيم المجتمعية هو التسارع الكبير في وتيرة الحياة والتغييرات التي تطرأ على سلوكيات الأفراد باستمرار وبشكل سريع جدًا، وكثرة المصادر التي أصبحت تغذي المجتمعات والأفراد بسلوكيات لم تكن موجودة من قبل، وحتى اللغات واللهجات التي كانت سمة مميزة لكل مجتمع أضحت هي الأخرى ضحية لهذا التغيير الذي لم يعد يوقفه أي حاجز.

لقد اكتسبت المجتمعات العديد من السلوكيات التي أثرت على منظومة القيم فبعد أن كانت مصادر السلوك أو لنقل القيم محددة فيما ذكره ابن خلدون دخلت العديد من المصادر لتشكل منبعا جديدا يصب في مجرى القيم، وهذا التغيير مصدره هو تغير وسائل الاتصال بين المجتمعات؛ حيث إن التواصل البشري هو الأصل في نقل كل شيء من معارف وعادات وأطباع ومهارات وغيرها، وقد كان هذا التواصل في القديم محصورا بمجموعة من الوسائل البدائية جعلت من عملية انتقال القيم عملية بطيئة مسيطر عليها وتستغرق فترات زمنية طويلة ليحدث التأثير.

وتطورت وسائل الاتصال بين البشر وحدثت الهجرات الجماعية وتعددت وسائل النقل الحديثة وكل هذا جعل من التواصل أكثر سرعة وأتسعت الدائرة لتشمل أعدادا كبيرة من البشر وأثر هذا على سرعة نقل العادات والقيم وأصبح التأثير يحدث في فترة زمنية أقل من السابق، ومع حدوث الثورة الصناعية الرابعة وظهور وسائل التواصل الاجتماعي انتشر بشكل واسع ما يعرف بـ"المجتمعات الافتراضية"، والتي هي عبارة عن ساحات فضائية يلتقي فيها البشر بمختلف أجناسهم ويتفاعلون فيما بينهم ويتبادلون الأفكار والآراء دون الحاجة للتنقل والسفر والتواجد في مكان واحد، ويُعد هذا التحول الكبير الذي حدث في وسائل الاتصال سببًا مباشرًا في تأثر المجتمعات بعضها ببعض وتدفق المعارف والسلوكيات فيما بينها مما جعل كثيرا من المجتمعات مستوردة ومتقبلة لعديد من القيم التي لم تكن يومًا ما جزءًا من ثقافتها.

إنَّ أكثر المجتمعات تضررًا من هذا الدفق الحاصل هي تلك التي لا تمتلك ركائز وأساسات ودعائم تستند عليها لمواجهة هذه الموجات ومقاومة الزخم العالي من المدخلات التي تصل إلى أفرادها نتيجة احتكاكهم وتواصلهم مع أفراد من مجتمعات أخرى، ولقد أثر هذا التداخل في تغيير كثير من السلوكيات والعادات والتقاليد والأعراف وفي جميع المستويات وشمل اللغة واللبس ونمط الحياة وحتى أثر في اعتناق البعض لأديان أخرى لم يكونوا على علم بها.

وأمام هذه التحولات المتسارعة التي لا يمكن إلّا القبول بها والتعاطي معها كواقع لا يمكن تجاهله، يبرُز اتجاه مُهم يدعو للتفاعل والتعامل مع الوضع والتحضير له، حتى يتجنب المجتمع الوصول إلى مرحلة فُقدان الهوية والانصهار والذوبان، وسط هذا الكم الهائل من الغزو القيمي والثقافي، وحتى نتمكن من ذلك لا بُد من تقوية الركائز والدعائم التي يقوم عليها بناء القيم المجتمعة والتي تتمثل في ثلاث أساسيات تقع عليها هذه المسؤولية؛ وهي: المدرسة والمسجد والأسرة؛ حيث تُشكِّل هذه المنظمات المجتمعية الثلاثة رأس الحربة التي يمكنها حماية المجتمع من هذه التحولات التي قد تقضي على هويته وتجعله نسخة مكررة من مجتمعات لا ترتبط معها جغرافيًا يعيش أفرادها الاغتراب داخل أوطانهم.

إنَّ الحديث عن هذه المؤسسات الثلاث يحتاج إلى تفاصيل مستقلة في قادم المقالات، لكن يبقى أن أشير إلى أن المجتمعات التي نجحت في الحفاظ على قِيَمها هي التي تحقق الريادة في العالم، وخاصة تلك القيم المرتبطة بالإخلاص والأمانة والعطاء.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية يدشن مجلسًا إشرافيًا لمحمية الوعول

دشن المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية بالتنسيق مع إمارة منطقة الرياض أول مجلس إشرافي لمحمية الوعول بمحافظتي حوطة بني تميم والحريق، وذلك ضمن برامج المركز لإشراك المجتمعات المحلية والجهات ذات العلاقة في رفع مستوى الإدارة الفعالة في المحمية وفق المعايير الدولية.
وأوضح الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الدكتور محمد بن علي قربان، أن إنشاء المجلس يتيح للمجتمع المحلي المجاور للمحمية الإسهام في تقديم الآراء والمقترحات لتطوير برامج الحماية والمحافظة على التنوع الأحيائي بالمحمية، مؤكدًا المردود الإيجابي لهذه المشاركة في التميز التشغيلي والحوكمة ورفع الفعالية والكفاءة في المناطق المحمية، إضافة إلى أثرها في المجتمعات من خلال الانتفاع المستدام من موارد المحمية.
وأشار إلى أن المجتمعات المحلية للمحميات مرتبطة بالأماكن التي تقيم بها بما تحتويه من موارد ومواقع لها قيمة مادية ومعنوية لدى المجتمعات التي عاشت في تلك المناطق لعدة أجيال، ويشكل هذا الارتباط عاملًا مهمًا في المحافظة على استدامة المحميات، وله تأثير كبير في تحقيق مستهدفات الحماية وكذلك رفع الوعي البيئي لدى أفراد المجتمع المحلي.
وبيّن أن أفضل الممارسات الدولية في المناطق المحمية تشجع مشاركة المجتمعات المحلية في برامج الحماية والمحافظة على الموارد الطبيعية في المناطق المحمية، وتحقيق الاستغلال المستدام للموارد الطبيعية فيها مع بقاء انتماء المجتمعات المحلية لهذه المناطق، وأظهرت التجارب في جميع أنحاء العالم أن انخراط المجتمعات المحلية وإسهامها في برامج المحميات يحقق الكثير من الآثار الإيجابية سواءً في برامج السياحة البيئية أو المحافظة على الكائنات الفطرية، وإعادة إنمائها في مواطنها الطبيعية كما ينعكس ذلك إيجابًا على هذه المجتمعات من خلال إيجاد موارد اقتصادية للمجتمعات المنتجة، وتوفير فرص وظيفية لأبنائهم، وتعزيز الانتفاع المقنن بالموارد الطبيعية فالمنطقة المحمية.
وتعد محمية الوعول من أهم المحميات التي يشرف عليها ويديرها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية وهي امتداد لجبال طويق وتقع في وسط المملكة جنوب العاصمة الرياض بـ 120 كم على مساحة تقدر ب 1841 كم تقريبًا، وتتميز بتنوعها الجغرافي كالوديان والتكوينات الصخرية والهضاب والسفوح والمنحدرات الصخرية، وجعلت طبيعتها الجبلية منها موطنًا طبيعيًا للعديد من الحيوانات لأنها بطبيعتها مرعى خصب لها، ومع مرور الوقت أصبحت محمية الوعول محمية طبيعية للعديد من الحيوانات البرية والطيور المهاجرة، وموئلًا للعدد من الثدييات كالوعـول وغزال الإدمي والذئب العربي، والوبر الصخر، كما يوجد بها عدة أنواع من الطيور مثل العقبـان وطيور الحجل والنسور، إضافة إلى عدد من أنواع الزواحف والبرمائيات والأفاعي والسحالي.
وتتميز المحمية بتنوع في الغطاء النباتي وتتوفر فيها أشجار الطلح والسدر والسمر والسلم والغضى التي تعد مصدرًا مهمًا لمربي النحل وإنتاج أفضل أنواع العسل، إضافة إلى العديد من النباتات العشبية.
ونظرًا للطبيعة المتميزة لمحمية الوعول أطلق المركز العديد من البرامج مثل التخييم ومسارات المشي والنحالين، وذلك لتعزيز السياحة البيئية ودعم الأنشطة الاقتصادية للمجتمع المحلي

مقالات مشابهة

  • خبير قانوني: خطاب الكراهية من أخطر الخطابات التي يمكن أن تنتشر في المجتمعات
  • قائد شرطة الفجيرة: المخدرات تهدد سلامة المجتمعات
  • الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات ركيزة لأمن المجتمع
  • بصور حصرية.. الجزيرة تكشف وجود جنود ومنظومة دفاع جوي أميركية في رصيف غزة العائم
  • شرطة أبوظبي تدشن حافلة رقمية للتوعية بمخاطر المخدرات
  • بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات… ندوة توعوية في ثقافي الحسكة
  • تيارات التعددية الثقافية وفلسفاتها
  • نداء عالمي لحماية المجتمعات من خطر المخدرات
  • المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية يدشن مجلسًا إشرافيًا لمحمية الوعول
  • ما الإيمان؟ عن غزة وصلاة الاستسقاء في الصيف