لماذا طلب الأعرابي من الأمير أن يضرب عنقه؟
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
قصص طريفة توردها مختلف الكتب عن حياة العرب القدامى، لكنها تحمل معاني قيمّة ومفيدة ومنها، قصة أعرابي لم يجد بدا من التخلص من فقره سوى التقدم لأحد الأمراء بطلب غريب، وآخر كذب فأكرمه حاتم الطائي.
فيحكى أنّ عبد الله بن جعفر كان على فرسه، فتعرض له رجل في الطريق، فتمسك بعنان فرسه وقال: سألتك بالله أيها الأمير أن تضرب عنقي! فبهت عبد الله وقال: أأحمق أنت؟
قال: لا ورأس الأمير، قال له: فما الخبر؟ قال: لي خصمٌ لدود، قد لزمني، وضيَّق عليَّ وليس لي به طاقة!
قال له الأمير: ومن خصمك؟ قال: الفقر!
فالتفت عبد الله إلى فتاه وقال: ادفع له ألف دينار، ثم قال له: يا أخا العرب، خذها، وإذا عاد إليك خصمك متغشِّمًا فأتِنا متظلِّمًا، فإنّا منصفوك منه إن شاء الله.
فقال الأعرابي: إنّ معي من جودك ما أدحض به حجة خصمي بقية عمري. ثم أخذ المال وانصرف.
أما القصة الثانية الطريفة – التي أوردتها حلقة (2023/10/3) من برنامج " تأملات"- فتتعلق بأعرابي آخر نزل عند حاتم الطائي، حيث بات عنده جائعًا، فلمّا كان السَّحر ركب وانصرف، فسبقه حاتم متنكرًا، فقال له: أين كان بيتك البارحة؟ فقال: عند حاتم، قال: فكيف كان؟ فقال: خير مبيت، نحر لي ناقة، فأطعمني اللحم، وسقاني الشراب، وعلف راحلتي، وسرتُ من عنده بخير حال.
فقال له: أنا حاتم، والله، لا تبرح حتى ترى ما وصفت، فردّه إليه وأكرمه!
وقال: ما حملك على الكذب؟ فقال له الأعرابي: إن الناس كلهم يثنون عليك بالجود والكرم، فلو قلتُ شرًّا لكذَّبوني، فرجعتُ مضطرًّا إلى قولهم؛ إبقاءً على نفسي، لا عليك!
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قال له
إقرأ أيضاً:
معلش!
وداد الإسطنبولي
كتبتُ قصة قصيرة، وسترى النور قريبًا. تنتهي بكلمة واحدة: "معلش".
تلك الكلمة، لا أدري لماذا علقت بذهني يومها، حين قالها ذلك المقاوم الشجاع وسط الدمار.
أشعلت في داخلي رغبة في الكتابة، فكانت القصة. واليوم، تهمس لي مجددًا، تدفعني لكتابة هذا المقال.
ربما لأن صداها لم يختفِ، بل تضخّم مع ما يحدث الآن في غزة من صخب، ومقاومة، وألم.
وما يقابله هنا، في بلادنا، من تلاحمٍ أخوي، وصرخةٍ صادقة في وجه العدو: لا للاضطهاد، لا للخذلان، ولا للصمت.
على فكرة، لا أحب الخوض في السياسة لأنني لستُ أهلًا لها، ولكن لأسباب في نفس يعقوب. ومع ذلك، حياتنا كلها أصبحت سياسة.
صدى هذه الكلمة ما زال يرنّ في دهاليز أذني. لطالما نطقتها شِفاهنا، واعتادت آذاننا على وقعها، لكن الآن، أسمعها بشكل مختلف.
ثقيلة، موزونة، غزيرة، صامدة، مقاومة، قوية،
كأنها جديدة… غريبة…لها فلسفة حياة أخرى.
"معلش" كلمة تبدو بسيطة في ظاهرها، لكن خلفها بحر من المعاني. لا أدري ما الذي دار في خُلد ذلك المقاوم حين نطق بها.
هل كانت مواساة؟
ولمن يهديها؟!
قالها وهو يلبس قناع الرضا، وربما كانت صرخة مكبوتة، لا نعرف عمقها.
"معلش"
ربما كانت درعه الصغير في وجه القهر، أو كلمة سر مشفّرة تختزل سنوات من الصمت، أو ربما كانت اعتذارًا… أو إعلان بقاء.
لكن ماذا عني؟
لماذا أريد أن أدونها بين سطوري، أنا الضعيف، الذي ليس بيده حيلة؟
لماذا أريد أن أصرخ بها وتحتضنها بسيطتي؟
ما المغزى؟!
هل لأنَّ الأدب يحفظ الكلام ويُبقيه أثرًا لما بعدنا؟ أم لأنَّ لحظتي الإنسانية الهشّة تحاول أن تواسي جراح المقاومين؟
كأنني أقول لهم:
ليس لديَّ سلاح… لكن لديَّ "معلش"،
تضمّد جراحكم، وتربّت على أرواحكم، وتُجبر خواطركم.
"معلش" لما يحدث، وما سيحدث. وأنا على يقين أنكم صامدون، وأن أجركم لن يضيع هباءً، ولا الأمل ولا الرجاء.
"فمعلش" هي نهايتي الصامتة.
رابط مختصر