من الأمومة إلى ريادة الأعمال.. تجارب ملهمة
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
ليال صعبة وأوقات عصيبة تمر بها أكثر الأمهات عقب ولادة طفلهن الأول، هكذا تتحول الأمومة إلى حمل يثقل الكاهل، لكن اللحظة التي تتوقف عندها الكثير من الأمهات ليودعن مستقبلهن المهني وأحلامهن تحولت لدى أخريات إلى نقطة انطلاق نحو عالم مختلف لم يخطر ببالهن قبل تلك اللحظة التي قابلن فيها المولود الأول، فقررن تغيير مسار حياتهن بالكامل، لتبدأ رحلة جديدة كليا من أمومتهن وإليها.
لم يدر ببال نادية جمال الدين حين أنجبت طفلها الأول أنها عقب سنوات قليلة سوف تحصل على جائزة مبادرة كارتييه للنساء عام 2020 ومن بعدها "جوائز نساء أفريقيات" 2022، فضلا عن حصد تأييد الممولين وعقد شراكات كبرى، ولكن كيف بدأت القصة؟
تقول نادية جمال الدين للجزيرة نت "حين أنجبت طفلي الأول كانت لدي الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات من مصدر موثوق، وحين بحثت لم أجد مصادر شافية، كان أكثرها محتوى أجنبيا لا يمس الأم المصرية، لذا أطلقت صفحة ومجموعة على موقع فيسبوك خلال الشهر الأول من الولادة شاركت خلالها التجارب وفوجئت بالإقبال، فقررت حين أتم طفلي شهره السادس أن أحول فكرتي إلى شركة تحمل اسم "راحة بالي"".
نادية -التي تخرجت في كلية التجارة بالجامعة الأميركية وعملت عقب تخرجها في إحدى الشركات العالمية- قررت عندما رأت صغيرها وعاشت معه التجربة لأول مرة أن المسار سوف يختلف بالكامل.
تكمل جمال الدين حديثها "الغاية تبرر الوسيلة، ولا توجد أم تستطيع إتمام المهمة وحدها كما حدث معي، لذا أردت أن أكون سببا في تجربة أمومة سهلة وممتعة، هكذا بدأت في زيارة الأطباء، أدفع لهم مقابل الكشف، وأطلب منهم الرد على الأمهات، وهو ما كانوا يستجيبون له فعلا، مع الوقت توسعت الفكرة، فصارت راحة بالي تتضمن منصة موجهة للأمهات و"كارت" يحمل خصومات للأمهات في خدمات ومنتجات مختلفة، فضلا عن ناد صحي للأمهات وخدمات أخرى".
مروة وعالم المنتسورياعتادت مروة رخا الكاتبة في مجال العلاقات العاطفية والمحاضرة بالجامعة الأميركية في القاهرة أن يكون يومها مكتظا للغاية، كانت قادرة على العمل من الصباح الباكر وحتى ساعة متأخرة من الليل، بين محاضرات وكتابة، وورش تدريبية في شركات كبرى، تدرب الموظفين على مهارات إدارة الوقت والتفاوض وغيرها من المهارات.
لم تتخيل لحظة أن ينقلب حالها فجأة بسبب الحمل، تقول للجزيرة نت "يتسبب الحمل في تغير الهرمونات بالجسم، كما يسبب ضبابية عقلية، حدث لي هذا فأضر بعملي، فجأة لم أعد قادرة على فهم ما بين السطور أو الإجابة كما يجب، أما عقب الولادة فقد حدث لي ما يشبه فقدان الذاكرة، فجأة نسيت كل ما يتعلق بعملي، سواء في التدريس أو التدريب أو الاستشارات".
أدركت رخا في تلك اللحظة أن مصادر كسب رزقها قد توقفت، وتقول "عند تلك اللحظة رتبت أولوياتي من جديد، وكان في مقدمتها ابني آدم، قررت أن أمنحه أفضل ما لدي، كما قررت أن يكون تعليمه منزليا، وعليه يجب أن يكون عملي من البيت أيضا، حيث لم تعد لدي مساحة للخروج وفي يدي طفل رضيع".
وأضافت رخا "عملت بالترجمة واستشارات التسويق ودعم أمهات الرضاعة الطبيعية، حتى وجدتني أرغب في دراسة المنتسوري بصورة منظمة، لذا سعيت للحصول على دبلوما من الخارج، كانت تكلفتها وقتها ألفي دولار منحها لي أبي هدية، ثم واصلت التعلم، حتى أني كنت أستدين أحيانا لأواصل، حيث أصابني الانبهار بما تعلمت، وهنا شعرت أن الطريق تم رسمه لي سلفا، وتحولت من متعلمة إلى محاضرة في مجال المنتسوري، انفتح لي الطريق لكتابة المقالات وتقديم الورش التدريبية عبر الإنترنت، وقدمت فقرة ثابتة حول الأمر في التلفزيون لفترة، ومن هنا اشتهرت بعدما حصلت على دبلومات عدة في المنتسوري، ولكن الأمر لم ينته عند ذلك الحد".
اتبعت مروة مع صغيرها أسس المنتسوري وصولا لمرحلة من 9 إلى 12 تلك التي يمتلك فيها الطفل وقتا كافيا للتعلم الذاتي، تقول "فوجئت أنه يتعلم برمجة، وهو أمر لا أفهمه، لكنني لم أتدخل، وكان مشروعي التالي عقب تقديم الكورسات والاستشارات في مجال المنتسوري أن أبدأ في مجال الكتب التفاعلية، لكن واجهتني العديد من المشاكل التقنية التي كادت أن تحول دون صدور الكتاب، خاصة أنه عقب الاتصال بالدعم الفني لم أحصل على دعم يذكر، لكن حين رآني آدم قد شارفت على اليأس تدخل ونجح فعلا خلال ثلاثة أيام في حل كل المشكلات، وسط ذهولي".
وتابعت "صار آدم هو الدعم الفني الحقيقي لي، من دونه لم يكن شيئا ليخرج إلى النور، فمعه وبسببه قدمت مونتسوري مصر، وعبر ما تعلمه قدمت مشروعي الأخير حديث النحل والطيور لتعليم الأطفال التربية الجنسية بصورة علمية، صار آدم يحضر الاجتماعات مع الدعم الفني بصحبتي، أنا مدينة لآدم بكل شيء".
أفكار مبتكرة للبدء من الصفرواحدة من كل 5 شركات تبلغ إيراداتها أكثر من مليون دولار هي شركات مملوكة للنساء، لذا فالحلم ليس بعيدا كما يبدو، كل ما يتطلبه الأمر هو التأكد في البداية من حجم المجهود الذي يمكن للأم أن تبذله، والوقت المتوفر لديها، وكذلك نوعية العمل الذي تريد امتلاكه بناء على خبرتها السابقة:
عمل تجاري عبر الإنترنت. عمل قائم على تقديم منتج أو خدمة. عمل قائم على البيع من شركة إلى شركة أو من شركة إلى مستهلك.ومن بين نماذج الأعمال التي يمكن للأمهات البدء فيها من الصفر منزليا: التحرير، التدقيق اللغوي، إنشاء المحتوى، كتابة النصوص، الاستشارات، تحسين محركات البحث، التصوير الفوتوغرافي، إدارة مواقع التواصل، التخطيط للأحداث، أو ربما يمكنك انشاء متجر عبر الإنترنت لبيع الملابس والأغراض المختلفة.
كما يمكن أيضا تقديم الخدمات الشخصية غير المحسوبة كدوام كامل، مثل الدروس الخصوصية في مجالات دراسية أو في مجال الموسيقى، أو مجالسة الأطفال، أو العناية بالحيوانات الأليفة خلال سفر أصحابها، والتصميم الداخلي والاستشارات الهندسي، ومدربة لياقة بدنية أو مدربة يوغا، وطاهية شخصية للمحترفين المشغولين، وفنانة مكياج، ورسامة مستقل، ومصممة غرافيك، والعمل بمجال الأداء الصوتي، والتسويق، وصانعة محتوى في مجال تخصصك عبر الإنترنت.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: عبر الإنترنت فی مجال
إقرأ أيضاً:
سامح قاسم يكتب | رنا التونسي.. شاعرة الحافة التي تنزف جمالًا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في المشهد الشعري العربي الحديث، تقف رنا التونسي ككائنٍ لغوي هشّ، يمشي فوق شفا الهاوية، حاملةً في يدٍ زهرةً للغفران، وفي الأخرى رمادًا لما لم يعد ممكنًا إصلاحه. شاعرة خرجت من قلب القاهرة لا بوصفها مدينة، بل ككائن خرافي متعدد الوجوه: أنثى مرّت من الأزقّة الضيقة، من الحروب الصغيرة داخل النفس، ومن محطات الانتظار التي لا تصل فيها القطارات.
إنّ رنا التونسي ليست مجرّد شاعرة تكتب، بل امرأة تؤسس لكتابة مغايرة، كتابة تحفر عميقًا في أرض الطفولة، في علاقة الأم بابنها، في الذكريات التي لم تكتمل، في الحب بوصفه نوعًا من الهروب، وفي الهروب بوصفه نوعًا من الحب.
في دواوينها الأولى مثل "وردة للأيام الأخيرة" و"وطن اسمه الرغبة"، بدت رنا وكأنها تنقّب عن شظايا ذاتها في أنقاض عالم لا يعترف بالهشاشة. كانت القصائد هناك أقرب إلى صرخات فتاة فقدت خريطة البيت، لكنها لا تزال تحمل مفاتيحه في جيب معطف ممزق. يتكرر حضور الفقد، الغياب، الوحدة، والعشق غير المتحقق. لكن هذه الموضوعات لا تأتي ككليشيهات، بل كل مرة بلغة مفاجئة، صورة تجرح، استعارة تهمس أكثر مما تصرخ.
في هذه المرحلة، يمكن ملاحظة تشكل ما يمكن تسميته بـ"لغة رنا التونسي": لغة تتعمد الكسر، تحب القفز من سطرٍ إلى آخر، لا تستكين لإيقاع تقليدي، ولا تخشى من الانكسار الداخلي للبيت الشعري. إنها تكتب كما تحلم، كما تنزف، وكما تتنفس.
يأتي ديوان "كتاب الألعاب" كعتبة جديدة في تجربتها، حيث تتقاطع اللغة مع الأمومة، لا بوصفها وظيفة بيولوجية، بل كنوع من التورط العاطفي. رنا لا تكتب عن الطفل فقط، بل تكتب عبر الطفل، ومن خلاله. يتحول الحلم، الخوف، الحكاية، واللعبة إلى مفردات شعرية. كل شيء هنا يبدو هشًا، لكنه مشبع بالحب الذي لا يحتاج إلى إثبات.
في هذا الديوان تحديدًا، تبلغ تجربتها درجة من النضج تؤهلها لتأسيس ما يشبه "أدب الأمومة" العربي، وهو أدب نادر في الشعر العربي الحديث، تفتحه رنا بصوت لا يشبه أحدًا سواها. من خلال هذا الصوت، تكتب الأم التي تخاف من كل شيء، من النوم، من الموت، من أن يسألها طفلها لماذا العالم قاسٍ. لا تجيب، لكنها تكتب.
في شعر رنا التونسي، لا وجود للجمال المتكامل. الجمال يأتي دائمًا مشوهًا، ناقصًا، أشبه بجناح طائر لا يستطيع الطيران به. إنها تؤمن بأنّ العالم لا يُحتمل إلا حين يُكسر قليلًا، حين نرى في الشقوق ما يشبه وجوهنا. وفي هذا السياق، تصبح الكتابة عندها فعل نجاة، لا رفاهية.
لذلك نجد في دواوين مثل "فهرس الخوف" و"عندما لا أكون في الهواء" نبرة أقرب إلى السرد الحميم، إلى اليوميات، إلى التدوين الشخصي الذي يتجاوز الشعر ليؤسس حميمية لا تُقاوم.
رنا التونسي ليست فقط شاعرة، بل قارئة نهمة، ومحرّرة أدبية. في تحريرها لكتاب "ديوان الأمومة"، لم تكن تنسّق نصوصًا لشاعرات عربيات فحسب، بل كانت تؤسس لمشهد، لمجال، لصوتٍ جديد يصرخ من منطقة نادرًا ما يُصغى إليها: الجسد الأنثوي حين يتقاطع مع الجسد الأمومي، لا بوصفه بيولوجيا، بل كجغرافيا وجود.
في زمنٍ باتت فيه كثير من القصائد تُكتب بطمأنينة كاذبة، تخرج رنا التونسي من صمتها لا لتقول "أنا هنا"، بل لتهمس: "أنا هناك... حيث لا أحد يجرؤ على البقاء." إنها شاعرة لا تعيش في المركز، بل تقيم في الأطراف، في الظلال، في الأماكن التي يخاف منها الشعراء لأنها "لا تصلح للنشر".
ولعلّ هذا بالضبط ما يجعل شعرها جديرًا بالقراءة: أنه لا يسعى لإرضاء أحد، لا يعرض نفسه على مقاييس الجمال الجاهزة، بل يخلق مقاييسه بنفسه، كما لو أنّ القصيدة هي جرحٌ يكتب نفسه كل مرة بطريقة جديدة.
ربما يمكن القول إنّ رنا التونسي تكتب كما لو أنها تكتب في مرآة، لا لترى نفسها، بل لتكسر انعكاسها. شاعرة لا تخاف من القبح، من الخوف، من الوحدة، بل تحوّلها إلى زهورٍ سوداء تصلح لتزيين قصائدها. وإذا كان الشعر محاولة لترميم الكائن، فإن رنا التونسي تفعل ذلك، لكنها لا تستخدم الإسمنت، بل القصائد.
وفي زمنٍ يهرب فيه الشعراء من الحافة، تقف هي على شفيرها، مبتسمة، كأنها تقول لنا:
الشعر هو أن تبقى واقفًا هناك، حيث الجميع يسقط..