جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-19@08:27:14 GMT

استثمار المعرفة

تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT

استثمار المعرفة

 

د. سيف الجابري

لقد خلق الله تعالى الإنسان واستودع فيه العقل وجعله بوصلة المعرفة واستثمر الحواس الخمس من خلالها للوصول إلى أفق التعاون والاستثمار المعرفي بين العقل والقلب حيث يكمل أحدهما الآخر وتكون النتيجة لاندماجهما وتوظيفهما بكفاءة في جميع مجالات الحياة إلى  الكسب المادي والمعنوي في خلق السعادة في الدارين لتكون سعادة الدنيا مزرعة الإنتاج المعرفي للآخرة، فمتى استيقظ القلب هم الآخر وزادت عنده المعرفة؛ حيث يسقط على الإنسان كل لحظة كم هائل من المعارف والمعلومات.

وفي ذلك الوقت الذي يستقبل هذا الكم الكبير من المعلومات والمعارف والمهارات، تحصل ردة الفعل في التمييز بين مجموعة الأشياء النافعة والضارة ومن خلال المسح السريع الذي لا يتعدى ثواني بين العقل والفؤاد حيث يرد شروح ذلك عند قوله تعالى "إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا" (الإسراء: 36)، وهنا تبدأ عملية استكمال الصورة الذهنية للإنسان حيث يتم قبول كل ما يرد عليه ويصبح هنا أسير المعرفة التي قام باستقبالها وبعدها يعمل على كيفية استثمار ما يصل إليه. وهنا ينقسم هذا الاستثمار المعرفي إلى نوعين عند الأفراد، النوع الأول إما يستعمله الإنسان في الخير ويثمر عطاؤه الرباني بالعمل الصالح والمنفعة الخاصة له والعامة للمجتمع للارتقاء بنفسه والنهوض والعمل من أجل بلده حتى يُحقق المعادلة الصحيحة في تحقيق ما استفاده في العمل الصالح، وذلك في شتى مجالات حياته وعلاقاته على كافة الأصعدة.

أما النوع الآخر فهو أن يتخذ الإنسان الشيطان وليًا ويجعل استثمار هذه المعرفة للشهوات التي تبطل عمل الصالحات وتجعل منه إنساناً لا يستطيع أن يقدم لنفسه أو لبلده أي شيء فيه مصلحة بل على النقيض يقوم بالضرر له وللآخرين.

فمثلًا عندما يفتح الإنسان عينيه على ضوء الشمس في أول طلوع النهار فيصل إلى عقله المعرفة بأنه جاء الصباح الباكر بما فيه ويفكر يستثمر هذا النهار بمدى معرفته بقيمة الشمس وبداية يوم جديد ونهار جديد رزقنا به الله وجعلنا فيه بأتم صحة ومن هنا يتكون عطاؤه وعمله في استثمار هذه المعرفة الربانية التي أعطاها الله سبحانه وتعالى له ولكل مخلوقاته؛ فالحيوانات تخرج من جحورها وأوكارها لتستفيد من هذه النعمة إلا أن الإنسان  تختلف لديه المعرفة.

هناك من يشهد صلاة الفجر وبعدها يبدأ يومه بكل تفاصيل الخير؛ لأنه صلى الفجر جماعة وبدأ يومه بالعمل الصالح ويرزق بعدها بالفهم الحقيقي المعرفي بمدى معرفة قيمة الوقت فيستثمر يومه مع شروق الشمس.

هنا نعود بالخطاب إلى قيمة استثمار المعرفة التي تجعل الإنسان بهداية النجدين إما طريق الخير الذي جعل القلب وعاء للشريعة التي شرعت له كل احتياجاته الدنيوية لبناء السعادة  له وللآخرين وبين طريق الشر الذي قد يُحقق له بعض جوانب السعادة الوقتية بالدنيا ولكن سرعان ما يخسرها وتكون عليه وباءً لأنَّ المعرفة الحقيقية هي استثمار الخير للخير مما يُساهم في بناء قيم الحياة المجتمعية المبنية على قيم الدين.

كما أوضح سبحانه وتعالى بدلالة الفهم "دينًا قِيمًا" الذي شرحه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

إنَّ قيم الدين هي الأخلاق الظاهرة والباطنة المتشابهة بين العبادات والمعاملات التي تعطي القيمة الحقيقية لاستثمار أفضل وقت وأعظم مال وأكمل عمل، وهو المعرفة التي يصل بها الإنسان إلى خالقه تعالى الذي هداه وأعطاه نعمة الحواس الخمسة التي تُميِّزه عن بقية الكائنات.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة الأزهر: ضعف الصلة بالله سبب قلق الشباب.. والإيمان يمنح العزة

عقد الجامع الأزهر اليوم الثلاثاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة تحت عنوان: دور العقيدة في بناء الإنسان". 

وجاء ذلك بحضور كل من د. سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، ود. حبيب الله حسن، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، وأدار اللقاء أ. كمال نصر الدين، الإعلامي بإذاعة القرآن الكريم.

تفاصيل ملتقى الجامع الأزهر للقضايا المعاصرة

في بداية الملتقى، قال الدكتور سلامة داود، أن العقيدة الراسخة هي الأصل الثابت لليقين الذي يستقر في القلب، ولا يتطرق إليه الشك أو التزعزع؛ فلو اجتمعت قوى الدنيا بأسرها لما استطاعت أن تزحزح هذا اليقين من قلب المؤمن. 

وأشار إلى أن بناء الإنسان الحقيقي يعتمد على محورين متوازيين لا ينفصلان: بناء الجسد وبناء الروح، وقد تكفل المولى عز وجل ببيان هذين البنائين في مطلع سورة الرحمن، حيث قال تعالى: "الرَّحْمَٰنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ"، جاعلاً تعليم القرآن (بناء الروح) مقدماً على خلق الإنسان (بناء الجسد)، دلالةً على أهمية الجانب الروحي كأصل للحياة المستقيمة. 

رئيس جامعة الأزهر: الإيمان منظومة سلوكية متكاملة والإيمان بالغيب هو الركيزة لمكارم الأخلاق

وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن الإيمان هو النور الحقيقي الذي يحيى به الإنسان ويضيء مساره، كما وصفه تعالى: "أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ"، وقد فسر العلماء النور هنا بالهداية الإلهية التي تنقل المؤمن من موت الغفلة إلى حياة اليقين؛ لذلك، من الواجب على المؤمن أن يديم شكر المولى على نعمة الهداية للإيمان؛ لأن الإيمان حقاً هو سبب الحياة الروحية والنور الذي لا ينطفئ.

وشدد رئيس جامعة الأزهر على أن الإيمان ليس مجرد كلمات تنطق أو طقوس تؤدى، بل هو منظومة سلوكية متكاملة وأخلاق تمارس في الحياة، وهذا ما يؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، هذه الأخلاق الكريمة ليست إلا ثمرة يغرسها الإيمان الراسخ في نفس المؤمن. 

ونوه رئيس جامعة الأزهر بأن القرآن الكريم مليء بالتوجيهات التي تحث المسلم على حسن التعامل والتجمل بمكارم الأخلاق، ولو تأملنا في الآيات الأولى من سورة البقرة: "الم (١) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ"، لتبين لنا أن الإيمان بالغيب هو الركيزة الأساسية والباعث الجوهري الذي يدفع المؤمن للتحلي بمكارم الأخلاق والاهتداء بسلوكه وأفعاله في كل حين. 

وألمح رئيس جامعة الأزهر إلى أن العقيدة الصحيحة مبناها هذا الإيمان بمرجعية غيبية، ولذلك، لكي تظل صلة الإنسان قوية ومستدامة بالله سبحانه وتعالى، يجب أن يكون متجسداً لهذه الأخلاق الفاضلة في واقعه العملي، لتكون الأخلاق دليلاً على صدق إيمانه.

وأكد رئيس جامعة الأزهر أن الاقتراب من ساحة القرآن الكريم هو الملاذ الذي يوفر الحل لكل معضلة ويزرع الأمن التام في القلب؛ فالمؤمن لا يخاف ولا يخشى سواه سبحانه، مصداقًا لقوله تعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"، وهذه الآية تفسر بوضوح كيفية تحقيق هذه الطمأنينة الروحية العميقة. 

وتابع رئيس جامعة الأزهر "قد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم للاعتصام بالله واللجوء إليه لدرء الخوف، معلماً إيانا هذا الحصن النبوي المنيع: "اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم"، فمن تحصن بحصن الله تعالى، الذي بيده مقاليد كل شيء، لا يمكن أن يناله أحد بمكروه، ويظهر هذا المفهوم الشامل للأمن في منهج القرآن نفسه". 

وأضاف رئيس جامعة الأزهر "نجد في سورة البقرة يحدثنا المولى سبحانه وتعالى عن الأمن: "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا" وفي الجزء الأخير من المصحف الشريف في سورة قريش: "الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ"، ليصبح الأمن حاجة أساسية، وكد وضع النبي صلى الله عل وسلم معايير كمال الأمن بقوله صلى الله عليه وسلم: "من بات آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".

وفي ختام كلمته، أكد رئيس جامعة الأزهر على أن الأصل في بناء الإنسان هو تحقيق السكينة النفسية والاطمئنان الداخلي الثابت، بعيداً عن أعراض الاكتئاب والتوترات النفسية المعاصرة التي يعاني منها بعض الشباب اليوم، ويرجع سبب هذه الاضطرابات إلى ضعف الصلة بالله سبحانه وتعالى، فلو وثق الإنسان صلته بربه حقاً، وتحقّق لديه اليقين الصادق، لما خاف إلا الله ولما ضره شيء أبداً في الدنيا والآخرة؛ لأن الإيمان يمثل نجاة وفوزاً عظيماً. 

واستشهد بما جاء في قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"، لأن الإيمان هو جوهر أخلاق وسلوك وعمل، فإنه يكسب المؤمن عزة نفس وكرامة تمنعه من إذلال نفسه لغير الله سبحانه وتعالى الذي قال: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين"، وهذه العزة تستدعي العمل والإنتاج، تطبيقاً لمبدأ اليد العليا الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى"؛ فالإيمان يرفع الهمة ويحول المؤمن إلى طاقة بناء وعطاء لا استجداء.

الدكتور حبيب الله حسن:  البشرية اليوم في أمس الحاجة إلى مبادئ الإسلاممنظمة خريجي الأزهر تطلق مسابقة “الأصوات الحسنة” بالتعاون مع مؤسسة أبو العينين الخيريةالأزهر يحيي اليوم العالمي للفن الإسلامي بالتعريف برائد الآثار محمد مرزوقعالِم أزهري: الطلاق «ليس أبغض الحلال» في كل الحالاتملتقى الجامع الأزهر: مقارنة المهور الوقود الذي يشعل نيران التكلف في الزواج

من جانبه، أكد فضيلة الدكتور حبيب الله حسن، أن البشرية اليوم في أمس الحاجة إلى مبادئ الإسلام الذي يحمل في طياته الهدي والنور لكل مناحي الحياة، ليخرجها من ظلمات الجهل والاضطراب إلى نور اليقين والاستقامة، ولتأكيد هذه الشمولية، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان منظومة متكاملة، فقال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"، هذا الحديث الشريف يوضح أن الإيمان لا يقتصر على الاعتقاد القلبي أو النطق اللساني فحسب، بل يمتد ليصبح سلوكا عمليا يراعي حقوق الإنسان والبيئة معا؛ فإماطة الأذى عن الطريق تمثل حس المسؤولية تجاه المجتمع، بينما يمثل التوحيد "لا إله إلا الله" أصل العقيدة، وهكذا، تتكامل أركان الإيمان لتشكل دستوراً عملياً يضمن صلاح الفرد والمجتمع ويوفر حلولاً شاملة للقضايا المعاصرة.

وأوضح أن اعتدال الإنسان في حياته الدنيا واستقامته في سيره هما الترجمة العملية لقوله تعالى: "اهدنا الصراط المستقيم"، هذا الذي نردده في كل ركعة من صلاتنا، ليس مجرد طلب لسلوك الطريق الصحيح، بل هو تعهد دائم بالاتزان في جميع الأمور. 

ونوه بأن الإيمان الراسخ باليوم الآخر هو القوة الدافعة التي تحث الإنسان على السير في الدنيا ملتزماً بأصل إيمانه؛ فلا يسلك طريق الظلم، ولا يقع في الفساد، ولا يؤذي أحداً، بل يكون سلوكه وأفعاله انعكاساً صادقاً لإيمانه، فاستحضار المسؤولية أمام الله تعالى يجعل المؤمن يقدم المنفعة على المفسدة، ويتجنب الإفراط أو التفريط، محققاً بذلك الاعتدال والكمال في تعامله مع نفسه ومع الخلق.

طباعة شارك الجامع الأزهر ملتقى الأزهر ملتقى الجامع الأزهر للقضايا المعاصرة تفاصيل ملتقى الجامع الأزهر للقضايا المعاصرة الدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر دور العقيدة في بناء الإنسان بناء الإنسان

مقالات مشابهة

  • علامات إخلاص العبادة لله.. 4 دلائل واضحة يستدل بها الإنسان
  • رئيس جامعة الأزهر: ضعف الصلة بالله سبب قلق الشباب.. والإيمان يمنح العزة
  • بودابست تحتضن فعاليات ملتقى الثقافة العُمانية لتعزيز التعاون المعرفي
  • سيناتور اميركي: القوات المسلحة اللبنانية استثمار غير مجد
  • عالِم أزهري يوضح سبب حذف وإثبات اللام في آيات الصبر بالقرآن الكريم
  • ندوة البحوث الإسلامية تسلِّط الضوء على مفهوم الحُريَّة المسئولة ودورها في بناء الحضارة
  • علي جمعة: الإنجاز بلا أخلاق خطر يهدد الإنسان والحضارة
  • عن نظام التهريب الذي يعيد حزب الله وإيران بناءه.. هذا ما كشفته يديعوت أحرونوت
  • من له يُعطى فيزداد.. القس مينا باسيليوس يقدم عظة الأحد
  • مكانة الكلمة وخطورتها