كيف يقاتل أنصار عمر البشير في صفوف الجيش السوداني؟
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
“حتى الآن تدربت على استخدام سبعة أنواع من الأسلحة في أحد معسكرات الجيش السوداني. أنتظر دوري للانخراط في الحرب، لأنال شرف الدفاع عن هذا البلد”، هكذا قال الشاذلي عطا، وهو سوداني من ولاية كسلا شرقي البلاد، في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي.
التغيير _ وكالات
ينتمي الشاذلي للحركة الإسلامية السودانية، وقد تطوع بالانضمام للجيش، من أجل مواجهة قوات الدعم السريع شبه العسكرية، حيث نشب القتال بين الطرفين في منتصف أبريل الماضي.
بمجرد اندلاع القتال أعلن الجيش حالة الاستنفار. فهبَّ الإسلاميون لنصرته، وكثفت قيادات في نظام الرئيس المعزول عمر البشير جهودها، لاستنفار من يُسَمَّون بالمجاهدين.
كما انضم الآلاف من أبناء الحركة للجيش في الأسابيع الأخيرة بحسب الشهادات التي جمعتها بي بي سي.
لكن الجيش السوداني ينفي أن يكون الإسلاميون طرفا فاعلا في القتال، كما يستنكر اتهام بعضهم له بالتحول لحاضنة للمقاتلين الإسلاميين.
“مجاهدون” متطوعونيقول الشاذلي: “بمجرد عودتي من عملي في وقت الظهيرة، أنضم يوميا للمعسكر كي أتدرب على استخدام الأسلحة والمهارات القتالية. أقضي باقي النهار هناك، وأعود إلى منزلي مع غروب الشمس”.
وقد انضم إلى معسكر السواقي الجنوبية في مدينة كسلا شرقي السودان، التي كانت واحدة من أول وأبرز المناطق التي شهدت استنفار مئات المتطوعين لمساندة الجيش.
يربط مراقبون بين هذا الاستنفار وبين تحركات تزعمتها قيادات في نظام الرئيس السابق عمر البشير.
قبل انضمامه للمعسكر، حضر عطا أحد هذه اللقاءات التي نظمها القيادي في النظام السابق أحمد هارون.
أحمد هارون، هو أحد أبرز وجوه النظام السابق، ومطلوب من المحكمة الجنائية الدولية، وهو أحد أكثر القيادات نشاطا في حشد المقاتلين من شرقي السودان، وفقا لشهادات جمعتها بي بي سي.
غادر هارون سجنه مع بداية القتال في أبريل/ نيسان الماضي، حيث كان محبوسا بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
“مولانا أحمد هارون أراد أن يشارك في الحرب مع الجيش كسوداني، وأراد أن يحشد أعضاء الحركة الإسلامية باعتبارهم جزءا من الشعب. وهذا موقف يحسب له”، هكذا يقول الشاذلي.
انتقد محامون وناشطون مدنيون هذه التحركات لهارون، وطالبوا النيابة بالقبض عليه، باعتباره “هاربا من السجن”. لكن النيابة السودانية ألغت مذكرة توقيف هارون بعد أيام من صدورها، دون سبب واضح.
يستنكر عطا هذا الهجوم على هارون. ويراه محاولة لإضعاف موقف الجيش وتركه دون ظهير شعبي. ويقول إن هذه المحاولات لن تعطل دعمهم للجيش: ” الإسلاميون قدموا خيرة كتائبهم وأعضائهم للانضمام لهذه الحرب. مولانا أحمد هارون سوداني ولا يستطيع أحد أن يحجم دوره، وأنا كسوداني لا يقدر أي شخص أو قوة على تحجيم دوري، ولو كان الجيش نفسه”.
لم تشهد كسلا معارك بعد، لكن عطا يرى أن ما يصفه بـ”التمرد” يجب قمعه في الخرطوم، حيث يتركز القتال بين الطرفين، حتى لا يتمدد للولايات الآمنة.
كثير من زملاء عطا انتقلوا إلى الخرطوم للقتال بجانب الجيش، وهو في انتظار دوره ليلحق بهم.
عندما تحدثنا إلى شاذلي، كانت مجموعتان من زملائه قد اتجهتا إلى الخرطوم بالفعل.
17 ألف شخص، هو عدد الدفعة الأولى من المتطوعين في ولاية كسلا والذين أرسلوا إلى الخرطوم، وفقا لتقدير الشاذلي. ويقول “عندما ترسل كل مدينة 700 مستنفر إلى الخرطوم، يصبح عدد المتطوعين في العاصمة كبيرا جدا”.
يقاتلون بسلاح الجيشفي بداية يوليو الماضي، هجمت قوات الدعم السريع على مقر قوات شرطية تسمى الاحتياطي المركزي غربي العاصمة.
تظهر المقاطع أن الجيش والشرطة ومجموعات من المقاتلين الإسلاميين، اشتركوا في الدفاع عن مقر تلك القوات.
مصطفى، وهو اسم مستعار لطالب جامعي تحدث معنا بشرط إخفاء هويته، شارك في تلك المعركة.
التحق بوحدة عسكرية قرب منزله في مدينة أم درمان إلى الغرب من الخرطوم، بعد شهر من بداية القتال. يقول ” بعد شهر من بداية الحرب، أطلق القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان نداء ناشد الشباب فيه للانضمام. منذ ذلك الوقت صرت أنا وزملائي جزءا من الجيش، واشتركت في عدة معارك في أم درمان”.
لم يحتج إلى تدريب يذكر، فقد أنهى تدريبا إلزاميا يحصل عليه الطلاب بعد المرحلة التعليمية الثانوية قبل الحرب بوقت قصير. وسرعان ما شارك في القتال الدائر في العاصمة.
وفقا لمصطفى، يمثل الإسلاميون 30% تقريبا من المُستنفرين، وهم أبرز الكيانات المتطوعة. لكنه ينفي أن يكون لهم قوات خاصة ” عندما ينضم أنصار البشير يكونون جزءا من قوات الجيش، ويتحركون تحت إمرته، فهم ليسوا قوات مستقلة”.
يضيف مصطفى: “في غير وقت القتال، أقضي يومي كاملا في المعسكر. نقوم بأنشطة كثيرة، منها التدرب ودراسة القرآن والسيرة النبوية”.
وتظهر مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي ظهور عدد من قيادات الإسلاميين داخل معسكرات الجيش، حيث ألقوا خطبا تحث المقاتلين على مواصلة “الجهاد”.
تظهر المقاطع التي نُشرت بعد معركة الاحتياطي المركزي دورا بارزا لما تسمى بكتيبة البراء بن مالك.
تسلمت هذه المجموعة تسليحها منذ اليوم الأول للقتال. وتظهر مقاطع مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، ووثقتها بي بي سي، استخدام الكتيبة طائرات مسيرة عادة ما تكون بحوزة الجيوش.
تاريخيا، كانت الكتيبة جزءا من قوات شبه مستقلة عرفت باسم الدفاع الشعبي، وارتبطت تلك القوات بشكل وثيق بالحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المنحل.
يقود الكتيبة شخص يدعى المصباح أبو زيد، ويصف نفسه على فيسبوك بأنه صاحب شركة للأواني المنزلية.
قبل أيام، أعلن عن تحويل الكتيبة للواء، حيث تجاوز عدد مقاتليها عشرين ألف مقاتل، على حد زعمه.
في الأيام التالية لمعركة الاحتياطي المركزي، احتفى بعضهم بمشاركة مجموعة تسمى هيئة العمليات.
طالما اتهمت الهيئة بكونها الذراع الباطشة لجهاز الأمن والمخابرات في عهد البشير. تم حلها عام 2020 إثر ما بدا تمرداً قاده بعض أفرادها ضد الجيش وقوات الدعم السريع.
تردد حينها أن قائد الدعم السريع كان وراء المطالبة بحلها، وهي تلعب الآن دوراً بارزاً في المعارك ضد الدعم السريع.
ينفي الشاذلي ومصطفى أن يكون الإسلاميون وحدهم المتطوعين في صفوف الجيش.
ويصر الشاذلي على أن المتطوعين يتجردون من انتماءاتهم السياسية عند تطوعهم في المعسكرات، لكنه يؤكد في الوقت نفسه على وجود أصحاب التوجهات المختلفة “الإسلامي موجود زي ما الشيوعي موجود زي لجان المقاومة. هذه حرب يحركنا فيها الضمير الوطني والغيرة على أعراضنا التي انتهكتها قوات الدعم السريع”.
ويتهم الشابان قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب، أبرزها “الاغتصاب والقتل على أساس عرقي” وهي تهم تنفيها تلك القوات.
تحدثنا إلى هشام، وهو أحد أعضاء لجان المقاومة التي عرفت بدورها البارز في تنظيم التظاهرات ضد الحكم العسكري في السودان، هو أيضا مناهض للانقلاب الذي قام به الجيش عام 2021 على الحكومة المدنية الانتقالية آنذاك.
في بداية الحرب، دأب هشام على التطوع لرعاية المرضى وقضاء حوائج كبار السن في منطقته. لكنه انضم لاحقا لصفوف القوات المسلحة.
“تدربت لمدة شهرين قبل أن أنخرط في القتال. شاركت في معركة الاحتياطي المركزي، وكان دورنا الأساسي هو أن نؤمّن الارتكازات الأمنية، وأن نحمي ظهر الجيش في المعارك. عادة لا نكون في الصفوف الأمامية، حيث تحتاج لجاهزية أعلى”.
ولا يرى هشام تناقضا بين موقفه من الحكم العسكري وانضمامه لصفوف الجيش، قائلا “لم يكن لدينا مشكلة مع الجيش نفسه، مشكلتنا مع الحكم العسكري، ومطالبنا بإنهائه ما زالت مرفوعة. حتى لو مت في هذه الحرب، سيعود زملائي بعد انتهائها للمطالبة بإنهاء الحكم العسكري”.
لماذا يتخوف البعض من هؤلاء المقاتلين؟
سيطر الإسلاميون على السلطة لثلاثة عقود، قبل أن تطيح بهم ثورة شعبية عام 2019.
خلال تلك الفترة اتهم النظام بالعنف المفرط ضد المعارضين، وارتكاب مجازر في أماكن متفرقة من البلاد خاصة في إقليم دارفور. ولا تزال المحاكم الدولية تلاحق قادة النظام السابق ورئيسه عمر البشير بسبب تلك التهم.
يخشى سياسيون أن تكون عودة الإسلاميين لصدارة المشهد خطوة لعودتهم إلى السلطة لاحقا. ويحذر الصحفي السوداني طاهر المعتصم من أن الأخطاء نفسها التي حدثت في الماضي تتكرر مجددا. ويقول “قوات الدعم السريع كانت تقاتل في دارفور بجانب الجيش السوداني منذ عام 2003، ووصلت إلى ما وصف بأنه تمرد”.
“أي مواطن سيكون له الشرف أنه شارك جيشه، لكن المجموعات السياسية لن تكتفى بنيل الشرف، ستبحث عن موطئ قدم في السلطة. ستكون كمن خرج من الباب ويحاول العودة من الشباك”، على حد قول المعتصم.
لا تقف مخاوف المعتصم عند عودة النظام السابق، بل يخشى مما يترتب عليها، قائلا “خطورة هذه التجربة أنها تكرر ما حدث خلال 30 عاما من حكم الإسلاميين، عندما كانت شعارات الحرب الدينية والمقدسة ترتفع ضد جزء من الوطن”.
تجربة يصفها بالمريرة، حيث “ترتب عليها دخول السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، كما طبقت عقوبات دولية على السودان، ودفع ثمنها المواطن السوداني”، وفقا للمعتصم.
من جانبه، يعتقد الشاذلي أن من حق الإسلاميين أن يطمحوا للعودة إلى السلطة إذا كان ذلك عبر صناديق الانتخاب. ويتساءل: لو قرر الشعب أنه يريد الإسلاميين، ما المانع؟ الإسلاميون لديهم قواعد جماهيرية ومن الممكن أن يفوزوا في أي انتخابات لكننا لن نعود بالبندقية.
أما هشام فيعارض عودة الإسلاميين إلى السلطة، ويرى في انضمامهم للحرب محاولة لفرض أمر واقع يمهد لعودتهم إليها.
لكنه في الوقت نفسه يرى أن اشتراك الإسلاميين في الحرب لا ينبغي أن يكون عائقا أمام تطوع غير الإسلاميين بجانب الجيش. ويقول “نعم هناك كيزان (وصف يطلقه بعض السودانيين على الإسلاميين)، لكن أنا أنظر لكل مقاتل على أنه سوداني، ولن أدع بلدي يضيع بسبب مشاركتهم. بعد الحرب سنزيحهم كما أزحنا غيرهم. سننظف البلد منهم ولن نترك منهم أحدا”.
استنفار مقابل ومخاوف من حرب أهلية
في مقابل استنفار الجيش، واصلت قوات الدعم السريع حشد المقاتلين والقبائل العربية لقتال الجيش في الخرطوم وفي إقليم دارفور غربي البلاد. كما ينضم إلى صفوفها من آن لآخر، منشقون عن الجيش السوداني.
الحشد والحشد المضاد يرعب كثيرين، ولا سيما قوى الحرية والتغيير، أبرز كتلة للمعارضة المدنية في البلاد. يقول عمر الدقير، وهو أحد قياديي الحرية والتغيير: ” نحن لا نوالي الدعم السريع في هذه الحرب ولا نقف ضد القوات المسلحة. نحن ضد الحرب نفسها لأننا نعتقد أنها مهدد وجودي لوطننا، فضلا عن الكارثة الإنسانية والانتهاكات. هي وصفة نموذجية لتدمير بلدنا بالكامل. ممكن أن تتحول إلى حرب أهلية أو ساحة للتدخل الدولي”.
ويضيف الدقير: “نحن نسخر كل ما نملك من طاقة في سبيل وقف هذه الحرب”.
حاولنا الحصول على تعليق من الجيش، لكننا لم نتلق ردا حتى موعد نشر التقرير.
وبينما تشتد وطأة المعارك، يجد معظم السودانيين أنفسهم دون كثير من الخيارات، لا سيما وأن الكثيرين منهم باتوا نازحين، ويكِدُّ أغلبهم لتوفير قوت يومهم، في ظل حرب تبدو طويلة الأمد.
* نقلاً عن بي بي سي نيوز عربي
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع تؤكد استعادة منطقة الزرق.. والمشتركة تنفي
أكدت قوات الدعم “تحريرها اليوم الأحد منطقة الزرق بولاية شمال دارفور وطرد المعتدين من القوات المعتدية، وتوعدت بملاحقتها في أي مكان”
الزرق – كمبالا: التغيير
قالت قوات الدعم السريع إن القوة المشتركة ارتكبت تطهيرًا عرقيًا بحق المدنيين العزل في منطقة الزُرق وتعمدت ارتكاب جرائم قتل لعدد من الأطفال والنساء وكبار السن وحرق وتدمير آبار المياه والأسواق ومنازل المدنيين والمركز الصحي والمدارس وجميع المرافق العامة والخاصة.
وأعلنت القوة المشتركة السبت، عن سيطرتها الكاملة على منطقة الزرق شمال دارفور، التي تمثل أكبر قاعدة عسكرية لقوات الدعم السريع في غرب السودان.
وأوضحت قوات الدعم السريع في (بيان) اليوم، أن “استهداف المدنيين في مناطق تخلو من الأهداف العسكرية، يمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويعكس العمل الجبان، وحالة الإفلاس والهزيمة وعدم القدرة على مجابهة الأشاوس في ميادين القتال”.
وتقع قاعدة الزُرق العسكرية في الحدود المشتركة ما بين السودان وتشاد وليبيا، وتعد أكبر قاعدة عسكرية للدعم السريع، وتم تأسيسها في العام 2017، وانشئت فيها المدارس والمشافي والأسواق، إلى جانب إنشاء مطار بالمنطقة.
وطالبت الدعم السريع المنظمات الإقليمية والدولية بإدانة هذه الممارسات الفظيعة التي ارتكبت بحق المدنيين الأبرياء ومحاولات من أسمتهم مرتزقة الحركات تحويل الصراع إلى صراع قبلي لخدمة أجندة الجلاد.
ومنذ اندلاع الحرب في 15 أبريل يشن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني غارات جوية مكثفة على منطقة الزرق بغرض تدمير العتاد العسكري واللوجستي لقوات الدعم السريع.
وشددت الدعم السريع على أن “تحرير منطقة الزرق بشمال دارفور يؤكد قدرة قواتنا على حسم جيوب المرتزقة ومليشيات البرهان التي بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة في دارفور، وقريباً ستدك قواتنا آخر معاقلهم في جميع أنحاء السودان وتخليص كامل البلاد من هيمنة عصابة العملاء والإرهابيين”.
من جهته، “كذب” الناطق الرسمي باسم القوة المشتركة أحمد حسين مصطفى، بيان قوات الدعم السريع بتحرير منطقة الزُرق بولاية شمال دارفور.
وقال حسين في تصريح لـ(التغيير)، إن حديث “مليشيا الدعم السريع” عن استعادة منطقة الزرق غير صحيح وقواتنا ما زالت موجودة بالمنطقة. وأضاف: “بقايا المليشيا هربت من الزُرق جنوبًا باتجاه كُتم وكبكابية”.
وتابع: “نتوقع هجوما من مليشيا الدعم السريع في أي وقت بعد ترتيب صفوفها ونحن جاهزين لها تمامًا”.
ويشهد محور الصحراء في ولاية شمال دارفور منذ أشهر مواجهات عنيفة بين قوات الدعم السريع والقوة المشتركة والجيش السوداني، أدت إلى مقتل ونزوح الآلاف من المدنيين الذين يعانون ظروفا إنسانية صعبة في المخيمات.
الوسومالجيش السوداني الدعم السريع الزرق القوة المشتركة