فيلم طلامس التونسي.. محاولة فاشلة للهروب من سيطرة الحضارة
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
يعتبر علاء الدين سليم من المخرجين التونسيين الشباب الذين يسهمون اليوم في صناعة سينما تونسية جديدة، تحكي واقع المجتمع التونسي بتقنيات سينمائية جديدة وفريدة. ويعتبر فيلمه "طلامس" أحد أهم الأفلام التونسية في السنوات الأخيرة، وقد تميز بواقعية شديدة مزجت بخيال جامح، دفعت به إلى التتويج بعدد من الجوائز، منها جائزة أفضل فيلم في مهرجان الفيلم العربي في زيوريخ بسويسرا.
يحكي "طلامس" قصة جندي تونسي يهرب من وظيفته بالجيش إثر مقتل زميله في عملية إرهابية ووفاة والدته. يحصل الجندي على عطلة لأسبوع من أجل تقبل العزاء في مصابه، لكنه يقرر الهروب من الخدمة العسكرية وبداية حياة جديدة خارج أسوار الثكنة العسكرية.
تلاحقه الشرطة في شوارع المدينة، لكنه يفر من المدينة، ويدخل في الغابة، حيث يعيش تجربة تعود بالمشاهد الى بدايات الإنسان، ويختار أن يتجرد من كل ملامح الحضارة بدءا من اختيار بيت مهجور للعيش فيه، وانتهاءا بأبسط السلوكيات.
يلتقي الجندي الهارب بامرأة هاربة وسط الغابة، وهي زوجة رجل من الطبقة الراقية، ولكنها لا تبدو سعيدة في حياتها الزوجية. تلد الزوجة الهاربة طفلا، ثم تتخلى عنه، وتضعه على الشاطئ ليجده والده.
الواقع والخيال
يمتزج الواقع بالخيال في الفيلم. تنتقل الكاميرا من المدينة إلى الغابة، لتقترب من الخيال هروبا من الواقع، أو هروبا من الحياة المشتركة إلى عيش البطل في عزلة، وهناك يفقد المكاسب الحضارية التي وصل إليها الإنسان، ويفضل لغة العين على لغة اللسان.
يعتبر مشهد خروج موظف الجيش من المدينة، بمظاهرها اليومية العادية، نحو الغابة حدثا رمزيا بدلالات عميقة، إذ يصور علاء الدين سليم البطل واضعا يده على جرحه النازف في شوارع المدينة، وعند خروجه منها، يخرج من الزمن الحاضر نحو الماضي البعيد، ومن فضاء يشمل حياة يومية عادية إلى آخر يتضمن حياة بدائية، ومن المحادثة الشفوية إلى التواصل عبر الرموز والملامح.
يصور المخرج التونسي علاء الدين سليم بطله وقد تحرر من كل شئ في الغابة، وهو ما يضعه في أعلى درجات الوجع والهوان بالنسبة للقيم التي يعرفها في المدينة، لكنه يستمر في خطة تهدف إلى الهروب من السلطة. إنه يهرب من المدينة الى الغابة حيث يجد أصوله الأولى كإنسان بدائي.
تقاطعاتويعد مشهد الشخص الهارب في الغابة حمال أوجه، فهو مشهد له دلالاته وأصوله الفنية والتشكيلية في تاريخ الفن منذ الإغريق، لكنه اتخذ في السينما دلالات أخرى، منها التعبير عن واقع الحضارة المعاصرة، فالبطل الجريح الذي يفلت من عقاب أجهزة الدولة هو تجسيد لحقيقة وواقع الحضارة المعاصرة، ومحاولة الإفلات من كل أشكال السلطة والعودة إلى الإنسان البدائي، والبحث عن الحياة خارج أسوار الحضارة التي أنهكتها كل أشكال الرقابة والسلطة.
وهو، أيضا، مشهد واقعي رغم كونه يحتوي على أبعاد خيالية، فهو يعبر عن حقيقة الحضارة والثقافة والمجتمع والعالم المعاصر. ثمة بطل يكشف عن جرحه النازف ورغبته في الهروب من كل ما يرمز لرقابة الحضارة من أجل أن يعود إلى ذاته.
يختتم علاء الدين سليم الفيلم بمشهد يجد فيه والد الطفل ابنه على الشاطئ، فيقرر العودة به في حين يظل أمر البطلين مبهما وهو مشهد رمزي آخر يكشف أن التجربة التي عاشها البطلان في العودة إلى الماضي هي تجربة خيالية، وينتهي الفيلم بالعودة إلى المدينة، و كأنه يعلن عن حتمية استمرار الحضارة و استمرار المدينة و العالم وفقا لقواعده وقوانينه الحالية.
إجمالا بني الفيلم على تقاطعات بين الحياة والموت، وبين الحرية والسلطة، ويتنقل البطل بينها مدفوعا برغبته في التحرر من كل أشكال السلطة، ولم تكن رحلة الجندي الهارب سوى تجربة واقعية ورمزية في آن واحد، فهي تحدث في ذهن شخص اقتنع بضرورة العيش حرا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من المدینة
إقرأ أيضاً:
الحضارة بلسان الملكات.. مصر تفتح كنوز نسائها بمعرض كراكاس الدولي للكتاب
ضمن فعاليات مشاركة جمهورية مصر العربية كضيف شرف في الدورة الحالية من معرض كراكاس الدولي للكتاب، احتضنت صالة "مصر" ندوة فكرية ثرية تحت عنوان "ملكات مصر"، ألقاها الدكتور ممدوح الدماطي، أستاذ علم المصريات بجامعة عين شمس ووزير الآثار الأسبق، كانت الندوة بمثابة جسر حضاري يربط بين الماضي العريق والحاضر، ويسلط الضوء على الدور الريادي للمرأة المصرية في صنع التاريخ، مؤكدًا أن الحضارة المصرية لم تكن مجرّد أطلال، بل ذاكرة حيّة تنبض بالحكمة والجمال، خاصة حين يكون لسانها امرأة.
استعرض الدكتور الدماطي في هذا اللقاء شخصيات نسائية بارزة، لعبت أدوارًا محورية في السياسة والإدارة والفكر، منذ فجر التاريخ وحتى العصور الإسلامية، مشددًا على أن المرأة في مصر القديمة لم تكن ظلًا للرجل، بل كانت شريكًا فعليًا في صنع القرار، ومكوّنًا رئيسيًا في بنية الدولة والمجتمع.
ومن بين الأسماء التي أضاءها العرض: الملكة حتشبسوت، التي أمسكت بزمام الحكم في الأسرة الثامنة عشرة، وأدارت البلاد ببراعة سياسية، أرسلت البعثات، وشيدت المعابد، ورفعت المسلات شاهدةً على عصر من الاستقرار والتوسع.
أما كليوباترا السابعة، فقد تجاوزت صورتها النمطية لتظهر كامرأة مثقفة وماهرة في فنون السياسة والدبلوماسية، عقدت التحالفات مع القوى العظمى، وسعت للحفاظ على استقلال مصر وسط عواصف الإمبراطوريات.
وفي التاريخ الإسلامي، تبرز شجر الدر كحالة استثنائية، وصلت من صف الجواري إلى سدّة الحكم، وأدارت معركة المنصورة الشهيرة مع المماليك، وأسرت الملك الفرنسي لويس التاسع، قبل أن تطيح بها التقاليد الذكورية رغم عبقريتها السياسية.
كما أضاءت الندوة نماذج نسائية أخرى من عمق المجتمع المصري القديم، مثل القاضية "نبت" في الأسرة السادسة، والطبيبة "بسشت" التي تولّت الإشراف على الأطباء والكهنة، والكاتبات اللواتي وصلن إلى أعلى مراتب الإدارة، في دلالة على أن المرأة لم تُقصَ عن المجال العام، بل شاركت فيه بأدوار رائدة.
وتعكس النصوص المصرية القديمة هذا التقدير، حيث نجد وصايا مثل: "إذا أردت رضا الله، فأحب شريكة حياتك واعتنِ بها، فإنها توأم روحك"، تعكس تصورًا حضاريًا يُعلي من قيمة المرأة ويمنحها مكانتها المستحقة.
وقد لاقت الندوة تفاعلًا كبيرًا من الحضور الفنزويلي، الذين أعجبوا بتفاصيل الحياة اليومية والدور الفعّال للمرأة المصرية في مجالات الأسرة، والاقتصاد، والدين، والإدارة.
"ملكات مصر" لم تكن مجرد سرد لتاريخ ماضٍ، بل كانت رسالة حضارية تنبض بالحياة، تؤكد أن المرأة المصرية —منذ آلاف السنين وحتى اليوم— كانت حاضرة في قلب المشهد، صانعة للحضارة، لا شاهدة عليها.