الألعاب الآسيوية.. اليمنيون فرقتهم الحرب ووحدتهم الرياضة (ترجمة خاصة)
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
أحدهما يقوم بتسليم أسطوانات الغاز في عدن التي تديرها الحكومة لكسب لقمة العيش، بينما الآخر يقوم بطهي الوجبات في صنعاء التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون.
الآن يجد الرياضيان من اليمن الذي مزقته الحرب نفسيهما في الفريق ذاته ضمن دورة الألعاب الآسيوية، طبقا لموقع "ذا ستار" نقلا عن "فرانس برس"، في مادة ترجمها "الموقع بوست".
ويشهد اليمن حربا منذ عام 2014 بين قوات الحكومة المعترف بها دوليا والمتمردين الحو_ثيين المدعومين من إيران، وقد كلف الصراع مئات الآلاف من الأرواح.
ويعد المنتخب اليمني في دورة الألعاب الآسيوية في مدينة هانغتشو الصينية، يعد العلامة الوحيدة على وحدة البلاد، بحسب رئيس الوفد عبد الستار الحمداني.
ويضيف عبد الستار: "لقد سرنا خلف لافتة واحدة في افتتاح الألعاب".
وتابع عبد الستار الذي يرأس الاتحاد اليمني لكرة السلة، أن “الرياضة دفعت ثمنا باهظا للحرب”، لافتا إلى غياب أي دعم مادي باستثناء ما تقدمه اللجنة الأولمبية الدولية والجهات الآسيوية.
سعيد الخضر، لاعب جودو من عدن، كان يعمل في الصباح بينما يتدرب في فترة ما بعد الظهر لتشكيل فريق الألعاب.
يقول سعيد: “إن حب الرياضة يسري في عروقي، وأكدح منذ الفجر حتى الثالثة بعد الظهر في حمل أسطوانات الغاز على ظهري لتوصيلها في جميع أنحاء المدينة”.
ويضيف الأب البالغ من العمر 19 عاما: "بعد ذلك أغتسل وأذهب إلى جلسة تدريب الجودو على بعد تسعة أو عشرة كيلومترات من المنزل".
وتابع الرياضي إنه غالبا ما يتنقل إلى التدريب لأن بدل المواصلات المقدم من نادي الجودو الخاص به "لا يكفي لتغطية تكاليفي".
وقال سعيد إنه ترك الرياضة في مرحلة ما نظرا للصعوبات، بما في ذلك تعرضه لحادث قريب عندما سقطت شظية من القصف حول السيارة التي كان يستقلها.
وأردف: "لقد أعطيت زيي الرياضي لشخص آخر لأنني لم أستطع تحمل رؤيته معلقا في منزلي".
"لقد صمدت لمدة خمسة أو ستة أشهر، ثم في يوما ما أخذتني قدمي إلى النادي واضطررت إلى دفع 300 دولار أمريكي (1410 رينجيت ماليزي) مقابل زي جديد".
ويقول يوسف إسكندر، وهو رياضي آخر في الوفد اليمني الصغير، إنه نجا من الموت بأعجوبة عندما انفجرت قذيفة أثناء مغادرته القاعة حيث كان يمارس فنون الووشو القتالية.
لقد اخترقت إحدى الشظايا قدمه، وقتلت أخرى أحد زملائه في الفريق، وتسببت ثالثة في بتر قدم زميل آخر.
وقد وقع الانفجار في مدينة تعز جنوب غرب شبه الجزيرة العربية.
وأضاف يوسف: «بسبب الإصابة توقفت عن التدريب من 2015 إلى 2021، لكن في النهاية استأنفت رفع العلم اليمني في الصين».
ويتدرب يوسف، الحائز على الميدالية الفضية في دورة الألعاب العربية في بيروت عام 2014، والذي ينتظر طفله الثاني، يتدرب يوميا لمدة ساعة تقريبا.
ويتابع: "لقد استعدّت الصين للألعاب لمدة عام ونصف، بينما استعدينا نحن هنا لمدة شهر واحد فقط".
ويرفض يوسف فكرة الهجرة، لكن لاعب الجودو عبد الله فاي، 29 عاما، يريد الهروب من وطنه الذي مزقته الحرب.
ويضيف عبدالله: "أريد أن أذهب إلى فرنسا، حيث تتم ممارسة الجودو، وحيث يمكنني أن أزدهر، لكن ليس لدي المال".
ويعمل هذا المواطن المقيم في صنعاء في وظيفتين، حيث يتناوب بين توصيل الوجبات الجاهزة، وبين العمل كحارس أمن في العاصمة التي يسيطر عليها المتمردون.
وقال عبد الله، الذي احتل المركز 17 في وزن أقل من 73 كجم في الألعاب: "أذهب إلى التدريبات بينما أكون مرهقا، وهذا لا يخدمني في الاستعداد للبطولات الكبيرة".
يذكر أن رصيد الميداليات اليمنية في هانغتشو هو صفر مع وصول الحدث متعدد الرياضات إلى منتصف الطريق، لكن عبد الستار يأمل أن تتمكن بلاده من المشاركة في أولمبياد باريس 2024، قائلا إنه تلقى بالفعل دعوات لألعاب القوى والملاكمة والسباحة.
ويعتزم عبدالستار قيادة وفد رسمي إلى فرنسا إذا تمكن من الخروج من اليمن حيث المطارات قليلة وتجري الفصائل المتحاربة عمليات تفتيش عديدة للتنقل بين المناطق.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن رياضة الألعاب الآسيوية حرب وحدة عبد الستار
إقرأ أيضاً:
الحرب في السودان: تعزيز فرص الحل السياسي في ظل فشل المجتمع الدولي
بروفيسور حسن بشير محمد نور
نعم، أزمة التهجير القسري والنزوح التي يشهدها السودان هي الاسوأ في العالم، كما ان الانتهكات والجرائم المرتكبة هي الاشد قسوة وبشاعة من نوعها، خاصة في صراع بين أطراف تنتمي لنفس البلد، هذا بالطبع إذا استثنينا الأبادة الجماعية التي تقوم بها اس رائ يل ضد الشعب الف ل سطي ني في الاراضي المحتلة والدمار الممنهج في لبنان (وهذا بالطبع لا يحتاج لتأكيد وزير الخارجية البريطاني، لانه وحسب المثل السوداني "ما حك جلدك مثل ظفرك"). الصراع بين القوى الكبرى في العالم لا يعرف الرحمة ولا يعبأ بمصالح الشعوب، خاصة مثل الشعب السوداني المغلوب علي أمره المبتلى بحكام و(قادة) لا يتمتعون بأي درجة من الرشد وإلا لما تسببوا في أزمة توصف بأنها الاسوأ في العالم.
سبق ان نبهنا مع غيرنا بأن الانقسام بين الاقطاب الكبرى في العالم لا يسمح بتمرير قرارات عبر مجلس الامن، وان الدعوات للتدخل الاممي هي صرخات في (وادي عبقر), كما ان مثل هذا التدخل يجد معارضة لا بأس بها، ليس فقط من الأطراف المؤيدة للحرب في السودان، وانما من قوى سياسية واجتماعية مؤثرة. في هذا الاطار يأتي (الفيتو) الروسي ضد مشروع القرار البريطاني حول السودان في مجلس الامن يوم الاثنين 18 نوفمبر 2024. وهو موقف متوقع من روسيا بحكم العداء المستفحل والتاريخي بين روسيا وبريطانيا، الذي اشتد منذ ان اعلن ونستون تشرشل صيحته حول الجدار الحديدي (ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي) وتدشينه للحرب الباردة مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية. يظهر ذلك العداء بجلاء في اشعال الحرب في اوكرانيا وتأجيجها والدفع بها نحو منزلق خطير يبشر بيوم قيامة قريب ينهي العالم الذي نعيش فيه، ذلك لسبب بسيط هو ان هذه اللعبة الخطرة تتم ضد دولة تمتلك اكبر ترسانة نووية في العالم من حيث الكم والنوع، فاذا كنت تلعب بالنار بين براميل من البارود شديد الانفجار فإن (لفيتو) يعتبر نثارة ثانوية باردة.
يضاف لذلك ان روسيا لن تنسي خديعة القرار الاممي الذي وافقت عليه بشأن ليبيا، والذي كان في ظاهره يهدف لحماية المدنيين وقام حلف التاتو باستغلاله ثم (حدث ما حدث في ليبيا) ونتائجه ماثلة أمام العالم. يبقى إذن، اذا إراد (الغرب الاستعماري الجماعي حسب وصف الدبلوماسية الروسية)، فيما نرى أن يتدخل في الصراع السوداني فعليه اتباع نهح ما حدث في العراق وافغانستان (وهذا انتهي بالهروب الكبير لجيش بادن العظيم مسلما مفاتيح كابول لطالبان بعد عشرين عاما من التدخل العسكري المباشر) ويوغوسلافيا السابقة، ذلك النهج الذي تم خارج (الشرعية الدولية) وبالتالي علي من يفعل ذلك تحمل العواقب لوحده، دون الاستناد علي قرار اممي يظهر غير ما يبطن حسب فهم الكثيرين من غير المستندين لحلم ان (المجتمع الدولي) بالشعوب (رؤوف رحيم).
في ظل الصراع الوجودي بين روسيا و(الغرب الجماعي) لن يمر قرار عبر مجلس الامن بسهولة، خاصة اذا كان يحمل طابعا لتدخل خارجي قد يؤدي لفرض نظام معين. في هذا السياق من المفهوم ان أي تحول يؤدي الي وصول حكم (مدني ديمقراطي) بدعم غربي في السودان سيجعل من هذه البلاد في شراكة طويلة الامد مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة، بريطانيا والاتحاد الاوربي، وان أي نظام شمولي او انقلابي سيكون مقاطعا من (الغرب الجماعي) وسيتوجه لا مناص نحو روسيا والصين. هذه معادلة بسيطة ليس من الصعب فهمها ووضعها في الحسبان في التعامل مع (المجتمع الدولي).
أما فيما يتعلق بازمة التهجير والنزوح والانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين فيمكن التذكيرببعض الاثار المترتبة عليها ومالاتها وما يمكن فعله مع فشل العالم بوضعه الراهن في معالجة مثل هذه الازمات الكبرى،علما باننا قد تطرقنا بشكل متواصل للتكاليف الاقتصادية والاجتماعية للحرب واثارها، في العديد من المقالات والمشاركات منذ اشتعال هذه الحرب الكارثية. وفي رأيي ان ما يجري في السودان رغم بشاعته يعتبر متواضعا قي المنظور العالمي مع خطر وقوف عالم اليوم علي حافة حرب عالمية نووية لم يشهد العالم لها مثيل، ولن يشهده مرة اخرى بالطبع في حالة اندلاعها.
ما يجري في السودان له اثار بالغة الخطورة اقتصاديا واجتماعيا وديمغرافيا، أهم مظاهر ذلك باختصار هي:
اقتصاديا: تدهور قطاعات الانتاج الحقيقي في الزراعة والصناعة والخدمات المنتجة، تأثر البنية التحتية وتدمير معظمها وهي بنية متواضعة بدون حرب، فقدان مصادر الدخل وتفشي البطالة، التراجع الخطير للايرادات الحكومية، وقد فصلنا في تلك الموضوعات ووضحنا اثرها علي مجمل النشاط الاقتصادي وعلي المؤشرات الاقتصادية الكلية.
اجتماعيا: الاثار علي الخدمات العامة خاصة الصحة والتعليم ومن نتائجها توطين الاوبئة، الاصابات والاعاقات الجسدية والنفسية، أضافة لتعطل الدراسة لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، وفقدان التمدرس لملاين الاطفال السودانيين وبطالة الخريجين ونزيف العقول.
ديمغرافيا يؤدي التهجير القسري والنزوح الجماعي الي تغيير التركيبة الديمغرافية للباد، خاصة وان التهجير لم يقتصر علي العاصمة والمدن فقط وانما شمل مناطق ريفية واسعة، كما جرى مؤخرا في ولاية الجزيرة. اتجه معظم النازحين الي مناطق حضرية مما ادي لاختلال كبير في التوزيع السكاني والضغط علي الموارد والخدمات اضافة لمشاكل الاكتظاظ السكاني.
سيؤدي كل ذلك لاثار خطيرة علي النشاط الاقتصادي بانهيار القطاعات الانتاجية الرئيسية وسيادة الريعية الاقتصادية والانتاج المعيشي والقطاع غير الرسمي. كما سيؤدي ذلك لتدهور الاستقرار النقدي وانهيار الثقة في النظام المصرفي وتراجع سعر الصرف والقوة الشرائية. كل ذلك سيفاقم معدلات الفقر والبطالة والاخلال الخطير بالامن الاجتماعي لامد طويل.
في ظروف الخلاف الحاد في المجتمع الدولي لابد من العمل في رأينا في عدة اتجاهات منها:
• علي القوى الوطنية العمل بشكل جماعي او حتي بمكونات منفردة علي تعزيز فرص الحل السياسي للازمة وتفعيل دور المجتمع المدني والمجتمعات المحلية، بدلا عن الركض خلف سراب المجتمع الدولي او حتي الاقليمي وذلك يتضمن عدد من الخطط والبرامج الاجراءات الهادفة الي:
- التركيز علي بناء مشروع وطني جامع لدولة المواطنة السودانية القائمة علي الحرية والسلام والعدالة والتنمية المتوازنة ووضع تصور واضح للحل السياسي علي هذا الاساس. وبالتأكيد هذا المشروع يصطدم بالصراع علي السلطة وطموح الاطراف المتحاربة، اضافة لعقبة تحقيق المحاسبة وعدم الافلات من العقاب، وهنا تبدو قضية شائكة.
- وضع استراتيجيات تنموية لما بعد الحرب تشمل اعادة الاعمار، اعادة بناء البنية التحتية والانتاجية والتأسيس لنظام عادل لقسمة الموارد. هذا يمكن ان يكون مشجعا لدمج بعض الاطراف في جهود الحل خاصة حركات الكفاح المسلح غير المنخرطة في الحرب بين الجيش والدعم السريع.
- العمل علي تعبئة واستقطاب الموارد المحلية والخارجية لاعادة بناء المناطق المتضررة واعادة التوطين وتوجيه الموارد نحو المناطق الريفية والتنمية المحلية لتخفيف الضغط علي الحضر.
- تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص في برامج اعادة الاعمار
- وضع برامج عملية للتعامل مع التحديات الصحية وايجاد برامج لرعاية المصابين جسديا ونفسيا واعادة تأهيلهم ورعايتهم
- العمل علي ايجاد بدائل للتعليم الرسمي خاصة في مناطق النزوح مع الغياب لدور الولة او الدعم الدولي الفعال.
بالتأكيد كل ذلك لا يعني اغفال الضغط علي المجتمع الدولي والاقليمي، في ايجاد حلول سلمية لهذا النزاع الذي يتسع نطاقه ليصبح تهديا علي المستوى الاقليمي والدولي. وبما ان هذه الحرب تمثل تحديا وجوديا يهدد وجود الدولة السودانية ومستقبل الاجيال المقبلة فان الوضع يتطلب طرق جميع السبل للضغط والتدخل، حتي اذا تم ذلك خارج الاطر التقليدية لعمل الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي. وقد يكون من المفيد تفعيل اليات مجلس السلم والامن الافريقي، بحكم انه يمكن ان يكون منظمة اقليمية تحظي بقبول واسع بما في ذلك الصين وروسيا، مما يمكن من ايجاد وسائل واليات عملية للدفع نحو الحل السياسي للنزاع.
mnhassanb8@gmail.com