صدى البلد:
2024-06-29@16:01:10 GMT

عبد المعطي أحمد يكتب: باقي زكي والساتر الترابي

تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT

من أعظم ما صنعته السنوات الست التى تفصل بين هزيمة يونيو 1967والعبور العظيم فى أكتوبر 1973 أنها فجرت كل طاقات الإبداع لدى الإنسان، وحشدت خبرات هذا الشعب فى بوتقة واحدة صهرتها إرادة قوية استمدت حرارتها من حسن التخطيط، وجدية التدريب ودقة التنفيذ.


ولعل قصة العقل المصرى مع الساتر الترابى الرملى الرهيب الذى أقامته إسرائيل على طول الشاطئ الشرقى لقناة السويس ليكون بمثابة سد منيع يعيق أى محاولة مصرية لعبور القناة، تمثل نموذجا حيا لما كان يواجه قواتنا المسلحة من تحديات.


وربما زاد من حجم التحدى أن الخبراء العالميين الذين استشارتهم مصر وفى مقدمتهم الخبراء السوفيت أجمعوا على أن الوسيلة الوحيدة لإزالة الساتر الرملى هى استخدام قنبلة نووية ليست فى حوزة مصر وحتى لوكانت تملكها فإنها لاتقدر على استخدامها فى ضوء الموازين الدولية.!
وكان لا بد من استنباط حل مصرى صميم يعتمد على الجهود والإمكانات الذاتية ويسمح على الأقل بفتح ثغرات فى هذا الساتر عند مواقع منتقاه على طول خط المواجهة.


وهكذا ولدت فكرة استخدام مياه قناة السويس فى تجريف الساتر الترابى، باستخدام طلمبات عالية القدرة يتم تثبيتها على زوارق خفيفة وضخها بواسطة مدافع المياه بقوة اندفاع هائلة على الأماكن المحددة لفتح الثغرات.


نشأت الفكرة – التى لم ترق للكثيرين فى البداية – باقتراح طرحه المقدم "باقى زكى يوسف" خلال اجتماع فى مركز القيادة الرئيسى للجيش الثالث الميدانى خلال شهر مايو 1969أثناء مناقشة الاستعدادات اللازمة لعبور القناة.


كان صاحب الفكرة قد استلهمها من تجربة عمله فى بناء السد العالى، حيث كان يتم استخدام طلمبات المياه فى تجريف الرمال إلى قاع السد، حيث جرى نقل ملايين الأطنان من الرمال بهذه الوسيلة.


وخلال اجتماع التشكيل المكلف بالعبور الذى رأسه اللواء أركان حرب سعد زغلول عبد الكريم طرح المقدم باقى زكى تفاصيل اقتراحه، فاوضح أن عملية التجريف فى السد العالى كانت تبدأ بسحب المياه من النيل إلى  الأماكن الطبيعية لجبال الرمل بواسطة الطلمبات شديدة الاندفاع، مما يؤدى إلى تجريف الرمال وسحبها إلى قاع السد العالى، أما بالنسبة للساتر الترابى فإن المطلوب هو سحب المياه من القناة وضخها فى مواجهة الساتر الترابى لتعود المياه التى تم ضخها- ذاتيا- محملة برمال الساتر الترابى، وبذلك يتم فتح الثغرات فى الأماكن المحددة والمنتقاة لبناء الكبارى والمعديات.


وبعد أقل من أسبوع كان الاقتراح قد جرى تداوله- تصاعديا- على كل مستويات القيادة، وعندما عرض الأمر على الرئيس جمال عبد الناصر باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة أبدى انبهاره بالفكرة، لكنه أردف قائلا:"علينا قبل أن نحكم عليها أن نشرع فى تجربتها ومعرفة ما إذا كان يمكن استخدامها، والمهم أن يجرى ذلك تحت أقصى درجات السرية بحيث يحظر تداول أى معلومات عنها إلا فى دائرة محدودة وضيقة للغاية".


وبعيدا عن الأنظار, وبعيدا عن الجبهة, وفى منطقة الخطاطبة، جرت بنجاح أول تجارب مشجعة لنجاح فكرة استخدام طلمبات المياه.


وهنا بدأ التحدى الأكبر كيف نوفرتلك النوعية من الطلمبات ذات قوة الدفع الهائلة دون أن يشعر أحد بالهدف من إحضارها وبهذا العدد الكبيرالمطلوب فتحه من ثغرات فى الساتر الرملى، وكان لابد من حرمان اسرائيل من أن تحصل على أى معلومات حول النوايا المصرية، ومن ثم جرى ترتيب عملية شراء هذه النوعية من الطلمبات تحت مسميات مختلفة وبإسم أغراض مختلفة.


وإمعانا فى الخداع، فقد اقتصر أمر الشراء من الخارج على الطلمبات فقط، فى حين تولت المصانع الحربية مهمة توفير جميع المستلزمات الأخرى المطلوبة للتنفيذ من خراطيم ورشاشات وخلافه.


وعندما حانت ساعة الصفر يوم السادس من أكتوبر عام 1973 كانت القوات المسلحة قد استكملت بنجاح جميع التجارب الميدانية الشاقة التى أكدت صلاحية الفكرة للتنفيذ، كما أكدت قدرة المهندسين العسكريين المصريين على تحسين النتائج، وتقليل الزمن اللازم لفتح الثغرات بمعدل يفوق التقديرات المطلوبة من رئاسة الأركان.


وكان أصدق ماقيل عن هذا الاقتراح أنه قد يكون فضلا مضافا  لأفضال مشروع السد العالى على مصر, لكن الأهم من ذلك هو أنه بمثابة درس يؤكد أهمية مشاركة القوات المسلحة بكوادرها فى المشروعات القومية واكتساب الخبرات التى تضيف بمثل ماتعطى.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: السد العالى

إقرأ أيضاً:

الملء الخامس لسد النهضة.. إثيوبيا تنفرد بالنيل والسودان غارق في الحرب ومصر بلا ظهير

على وقع معارك مفتوحة في السودان بين فرقاء السلاح، وانشغال مصر بالأزمات المعيشية الداخلية من  غلاء الأسعار وانقطاع الكهرباء، تعتزم إثيوبيا بدء الملء الخامس لسد النهضة، الذي تبنيه منذ عام 2011، لتحجز بذلك 23 مليار متر مكعب إضافية من مياه النيل تضاف إلى 41 مليار متر مكعب آخر تم احتجازها في المراحل الأربع السابقة.

ويُعتقد أن الملء الخامس للسد، والذي سيبدأ نهاية يوليو/تموز ويستمر حتى 10 سبتمبر/أيلول المقبلين، سيكون الأكبر منذ انطلاق عمليات الملء، وسط توقعات بإضافة أكثر من 15 مليار متر مكعب من المياه خلال موسم الفيضان الحالي.

وعملت إثيوبيا ولا تزال بوتيرة متسارعة على استكمال أعمال تعلية الحائط الأوسط  للسد والذي تستهدف الوصول به إلى 625 مترا فوق سطح البحر، مما يعني قدرتها على تخزين نحو 50 مليار متر مكعب من المياه مستقبلاً.

ويرى الخبراء أنه كلما زادت السعة التخزينية للسد، زادت القدرة على التحكم في المياه، ويقدرون أن سد النهضة يستطيع تخزين عام ونصف العام من مياه النيل الأزرق، مما يعنى القدرة على تخزين نحو 50% من حصص دولتي المصب (مصر والسودان) لمدة 3 سنوات أو أكثر ستكون عجافا، ويزداد الأمر سوءا كلما زاد عدد سدود إثيوبيا التي تعتزم إنشاء المزيد منها.

غياب

وتجري عملية الملء بمعزل عن السودان ومصر اللذين يشكل نقصان مياه السد الإثيوبي خطرا وجوديا عليهما، ويبدو الخطر أكثر قتامة بالنسبة لمصر المصنفة ضمن أكثر دول العالم التي تعاني فقرا مائيا، إذ سبق أن أعلن وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم أن موارد بلده المائية تقدر بنحو 59.60 مليار متر مكعب سنويا، تقابلها احتياجات مائية تُقدر بنحو 114 مليار متر مكعب سنويا.

ولا تنسيق في الملء مع السودان المشغول بالمعارك المفتوحة التي لا يعرف أحد متى تنتهي، ولا مع مصر التي تشكو فقرا مائيا يصل إلى درجة الشح، رغم أن النيل هو المورد المائي الوحيد لكل الكائنات الحية على أراضيها، لكنها باتت عاجزة عن التحرك.

مصر تبدو بلا ظهير في هذه الأزمة الوجودية، وبلغ الحال درجة صمت الإعلام المصري عن ملف سد النهضة، ويبدو أن القاهرة باتت تكتفي بالتنديد الموسمي بالمواقف الإثيوبية "المنفردة" في المؤتمرات والمحافل الدولية، التي ترى فيها مناسبة لتسليط ضغوط دولية كبرى على أديس أبابا، وإقناعها بالعودة إلى طاولة المفاوضات.

محصلة 14 عاما من المحادثات كانت "صفرا كبيرًا"، إذ أعلنت القاهرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي فشل آخر جولة للمفاوضات التي استمرت 4 أشهر، واتهمت إثيوبيا باستغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، وقالت إنها "ستراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل السد".

في المقابل أعلنت إثيوبيا مطلع أبريل/نيسان الماضي انتهاء 95% من إنشاءات السد، وقبل أيام، اعتبر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن "ملء السد لن يكون محل نقاش بعد الآن".

وحول هذا الأمر، قال خبير المياه المصري عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، "سألت السفير الإثيوبي بالقاهرة: هل هناك أية بوادر لعودة المفاوضات بشأن سد النهضة بين مصر وإثيوبيا؟ فقال إنه لا توجد أي اتصالات".

ويرى شراقي أنه طالما لا توجد مفاوضات بشأن سد النهضة "فهناك فرصة أمام إثيوبيا لتخزين كافة المياه المتبقية"، مضيفا أن أديس أبابا ركّبت توربينين اثنين، ويتبقى لها 11 توربينا آخر.

الحديث عن فشل المسار التفاوضي ليس جديدا، فقبل نحو 6 سنوات اعترف مسؤول مصري بفشل المفاوضات، قائلا "لقد خسرنا. لم نستطع أن نحول دون تشييد السد، ولم نتمكن من تحصيل التعديلات على المشروع، خصوصا فيما يتعلق بخفض سعة تخزينه. أملنا الوحيد، والضعيف، هو أن تتم تعبئة بحيرة السد على فترة زمنية تتجاوز الثلاث سنوات التي أعلنت عنها أديس أبابا".

مخاطر ومخاوف

ويثير التخزين الجديد لسد النهضة مخاوف خبراء في مصر من نقص حصة القاهرة من مياه النيل، ويؤكد الخبراء أن إقدام إثيوبيا على تنفيذ مشروعات سدود مستقبلية يعد "كارثة"، حيث تطلق يدها في أعالي النيل الأزرق.

لكن إثيوبيا تتعنت وتطالب بإطلاق يدها، وتعلن أنها تدرس إقامة 3 سدود (سد مندايا، وسد بيكوابو، وسد كاردوبي)، وأن عملية ملء السدود الثلاثة تقدر بحوالي 80 مليار متر مكعب، وهي أكبر من تخزين سد النهضة، والمساحة التخزينية للسدود الثلاثة تبلغ 1369 كيلومترا مربعا.

مثل هذه الخطوة ستكون خصما من الحصة المائية السنوية لمصر والسودان، وستقل الكهرباء المولدة من السد العالي وخزان أسوان بحوالي 500 ميغاوات سنويا، وسيزداد العجز المائي خلال فترات الإنشاء والملء، إذا تم استخدام مياه السد في الأغراض الزراعية في إثيوبيا.

وتؤكد دراسات مصرية أنه في حالة استخدام السدود الإثيوبية بعد انتهاء فترات الملء، فإن العجز المائي لمصر سيتراوح سنويا ما بين 8 و14 مليار متر مكعب، أما في حالة استخدام مياه السدود الأربعة في الزراعة فسيزيد العجز المائي لمصر ليصل إلى 19 مليار متر مكعب سنويا من حصتها في مياه النيل. ونتيجة لذلك سيقل إنتاج الكهرباء المتولدة من السد العالي وخزان أسوان بمقدار ألف ميغاوات سنويا.

وتشكو مصر شحّا مائيا، وتتصدر قائمة الدول الأكثر جفافا بأقل معدل لهطول الأمطار في العالم، وتعتمد بشكل أساسي على مياه النيل بنسبة 98% من مواردها المائية، وتبلغ حصتها 55.5 مليار متر مكعب سنويا، في حين تبلغ استخدامات القاهرة الفعلية الحالية من المياه نحو 80 مليار متر مكعب سنويا، وموردها المائي واحد هو نهر النيل.

وسيجبر الملء الخامس لسد النهضة مصر -كما يقول الخبراءـ على السحب من مخزون المياه الإستراتيجي في بحيرة ناصر خلف السد العالي الواقع جنوبي البلاد 41 مليار متر مكعب لتعويض نقص المياه، مما ينذر بمزيد من الأزمات سواء توليد الكهرباء أو توفير مياه الري والشرب.

الفجوة الكبيرة بين الموارد والاحتياجات المائية دفعت مصر لتنفيذ 3 مشاريع لمعالجة مياه الصرف، ولتقليص زراعة الأرز ومحاصيل أخرى تستهلك كميات أعلى من المياه، لكن هذه الاجراءات لا تسد إلا نزرا يسيرا من الاحتياجات، كما أن مشاريع تحلية مياه البحر تبدو مكلفة وضاغطة في ظل الأزمة الاقتصادية.

ما بعد الفشل

في القرن الخامس قبل الميلاد كتب المؤرخ والرحالة اليوناني هيرودوتوس عبارته الشهيرة "مصر هبة النيل"، فقد هيأت مياه النهر وما يحمله من طمي للأرض لكي تزدهر على ضفتي النهر واحدة من أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية. لكن هذه الهبة باتت مهددة بتقليص المياه التي تتدفق إليها من أطول أنهار العالم وتحمل الحياة لكل من يعيش على أرض مصر.

سعي القاهرة لحشد الضغط الدولي على إثيوبيا ثبت أنه بلا جدوى من الناحية العملية، خصوصا مع تراجع سقف المطالب، مما يستدعي مقولة "إنْ فشلت السياسة، هل فكرة الحرب واردة؟"، فهل تخيم نذر الحرب على شريان الحياة لدولة المنبع والمصب؟

ويذكّرنا التاريخ بأن الدبلوماسي المصري الشهير بطرس بطرس غالي قال لدى تسلمه منصب الأمين العام للأمم المتحدة عام 1992 إن "النزاع المقبل في الشرق الأوسط سيكون حول المياه، ستصبح قطرة الماء أغلى من قطرة البترول".

مقالات مشابهة

  • انفجار ماسورة مياه بشارع السد العالى فى منطقة الدقى.. فيديو
  • في ظل إنشغال السودان بالحرب .. إثيوبيا تستعد للملء الخامس لسد النهضة
  • أحمد العوضي يكتب: نقطة تحول تاريخية
  • أحمد فؤاد أباظة يكتب: يوم قال الشعب كلمته
  • أحمد مكي يكتب: المدن الجديدة.. حياة وآمال وطموحات لا تنتهي
  • الملء الخامس لسد النهضة.. إثيوبيا تنفرد بالنيل والسودان غارق في الحرب ومصر بلا ظهير
  • راوية توفيق: تسييس قضايا المياه قد يسبب اضطرابات بين دول المنطقة
  • خبير مياه مصري: المسؤولون في إثيوبيا أكدوا أن ملء سد النهضة أصبح خارج المفاوضات
  • عباس شراقي: المسئولون بإثيوبيا أكدوا أن ملء سد النهضة أصبح خارج المفاوضات
  • أستاذ جولوجيا يكشف موعد بداية ونهاية الملء الخامس لسد النهضة