عدد جديد من مجلة "لشارقة الثقافية" يرصد القصة التشكيلية والمشروع السردي الجديد..
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
سام برس
شمس الدين العوني
صدر قبل أيام العدد (84)، لشهر أكتوبر 2023 من مجلة "الشارقة الثقافية"، التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة، حيث تتناول الافتتاحية اهتمام المستشرقين بثقافة الشرق العربي، وتسلط الضوء على منجزات ومكتسبات الثقافة العربية وانتشارها في الغرب ومشاركتها في الحضارة العالمية، مؤكدة أن الاستشراق الأدبي قد أسهم في تغيير نظرة المستشرقين إلى الشرق، وتصويب الكثير من المفاهيم السابقة، التي كان هدفها الهجوم على الثقافة العربية وتاريخها وتراثها، فهذا الأدب وما يحمل من جماليات ومميزات وإشراقات فريدة، كان محط اهتمام الكثير من الباحثين والمترجمين من مختلف أنحاء العالم، الذين عكفوا على ترجمة مئات الكتب الأدبية إلى العديد من اللغات.
أما مدير التحرير نواف يونس؛ فيسقط في مقالته القصة (جورنيكا.. مرة أخرى) أحداث ومأساة قرية الجورنيكا الإسبانية، التي رسمها بيكاسو في لوحته الشهيرة على الواقع المعيش، (كنت في مرحلة ما، لا أدرك أنني سأحمل حقيبتي فيما بعد وأرحل، فجهزت نفسي لأعيش من جديد! أمسكت الفرشاة وتناولت الألوان، وخططت بحرية على اللوحة ما أريد، وبذلك دائماً أشعر بأنني ولدت من جديد).
ويضيف: (مزجت الألوان ببعضها بعضاً، وانتظرت اللحظة الأخيرة لأضع الفرشاة في المكان المناسب، فاللوحة قاربت على النهاية فجأة! انطفأت الشمعة، ذابت وعم الظلام.. ومن مشهد أفقي منكسر الضوء.. معتم الزوايا، بدت بقع شمسية شاردة لا تهتدي، تبرز على اللوحة شعراً وسيفاً ورقصاً وموسيقا، حينها فقط أيقنت أن النهاية في اللوحة، قد تكون البداية).
وفي تفاصيل العدد، يتابع يقظان مصطفى استعراض إسهامات العرب العلمية، مشيراً إلى أنّ (ابن ملكا البغدادي) سبق غاليليو ونيوتن باكتشافاته، ويكتب وليد رمضان عن كبير الاستشراق الألماني تيودور نولدكه، الذي أسهم في الكتابة عن العرب وتاريخهم، ويبيّن خوسيه ميغيل بويرتا دور قصر إشبيلية في التعبير عن الفن المدجن والتفاعل الثقافي العربي الإسباني، فيما يسلط هشام عدرة الضوء على تاريخ مدينة سلمية السورية، التي تعدّ منتجعاً سياحياً تراثياً وتتميز بالشعر والثقافة.
في باب (أدب وأدباء)؛ تتناول د. مها بنسعيد كتاب (عتبات السرديات ومناصاتها)، وهو عمل نقدي متكامل للناقد والباحث سعيد يقطين، ويتوقف حاتم عبدالهادي عند رحيل (عنود) الشعر المعاصر كريم العراقي، الذي تناول في شعره حب العراق والوطن وقسوة الغربة ولهفة الحنين، وتكتب غيثاء رفعت عن عزيز نيسين الذي يعدّ أحد أعلام الأدب الساخر عالمياً قي القرن العشرين، ويقدم مصطفى أحمد قنبر مداخلة حول ديوان (ليالي الملاح التائه)، للشاعر علي محمود طه حيث الإبحار في غواية المكان، ويحاور ممدوح عبدالستار الروائي هيثم حسين، الذي أكد أن للحكاية بناء أنيساً لا يهرم، ويتناول محمد حسين طلبي المجموعة القصصية الأخيرة (شمس الضفاف البعيدة)، للأديب ناصر جبران الذي عرف بانتمائه الإنساني، وتجري سريعة سليم حديد مقابلة مع الأديبة سناء شعلان، التي وثقت البعد الثقافي والفكري عند الهنود المسلمين، ويكتب صابر خليل عن الدكتور محمد طه الحاجري، الذي يعد قامة سامقة في عالم الثقافة والفكر، ويرصد هيثم الخواجة القيم الجمالية في (قصص وحكايات)، جمال قاسم السلومي وفضاءات أدب الطفل، بينما تحاور د. أماني محمد ناصر الكاتبة عائشة سلطان، التي تؤكد أن المبدع الإماراتي لم ينقطع عن جذوره العربية، ويقرأ حاتم السروي سيرة الأسرة التيمورية، التي تضم قامات أدبية رائدة، وتتميز بمنظومة أخلاقية إنسانية مبدعة، وتتوقف رويدا محمد عند أحد أبرز فرسان الساحة الفكرية والثقافية والأدبية التونسية هو الشاعر جعفر ماجد أمان، الذي مثّل تياراً شعرياً جديداً، ويلقي محمد إسماعيل الضوء على مسيرة الأديب كمال نشأت، الذي يعدّ من رموز الإبداع الأدبي في مصر، وتتطرق ذكرى لعيبي إلى ملامح الأدب المهجري الجديد، الذي يضم عدداً من الشعراء منهم (قصي الشيخ عسكر)، ويستعرض د. يحيى عمارة القصة التشكيلية في مشروع محمد العتروس السردي، وتتناول فاديا عيسى قراجه رواية (المئذنة البيضاء)، للكاتب يعرب العيسى الذي يصور لنا أتون الواقع، وتبحث داليا سليم في قصة (الودع) للأديب يحيى حقي وهي نموذج للدلالة على حب الوطن، ويستكشف عزت عمر عوالم روحية وفضاءات جديدة في رواية (الغبار) للدكتور عمر عبدالعزيز، فيما يكتب أنور الدشناوي عن محمد بهجة الأثري الذي يعد من أعلام الأدب العربي الحديث، ويقف فوزي تاج الدين عند فكر (نعمات أحمد فؤاد) التي رفضت العروض المغرية والمناصب، ووظفت قلمها في الدفاع عن مجتمعها.
نقرأ في باب (فن. وتر. ريشة)؛ الموضوعات الآتية: هدى العمر تمزج بين الكلمة واللون– بقلم محمد ياسر منصور، أحمد عبدالعال.. أحد أبرز فناني السودان– بقلم أديب مخزوم، رواية (الشيخ الأبيض) على خشبة المسرح قدمتها فرقة صلالة للفنون في عُمان– بقلم عبدالعليم حريص، عزيز خيون اتخذ المسرح خياراً حياتياً– بقلم د. عزيز بعزي، سكورسيزي.. يستمر في التألق سينمائياً– بقلم أسامة عسل، فيلم (المدرّسة).. للمخرج جان هريبجيك– بقلم محمود الغيطاني، فاطمة الجبيع: السينما فن وثقافة وإبداع– حوار عبدالرحيم الشافعي.
من جهة ثانية؛ تضمّن العدد مجموعة من المقالات وهي: أوروبا تنهل من علوم العرب– بقلم د. أحمد عبدالرازق عبدالعزيز، محمد عياد الطنطاوي.. سفير الثقافة العربية في سوريا– بقلم د. محمد صابر عرب، دور العرب في تطور الشعر الأوروبي– بقلم عبدالواحد لؤلؤة، المتنبي.. من أسراره الإيقاع العروضي الساحر– بقلم مازن العليوي، حمد خليفة أبو شهاب.. الشاعر الأديب الذي لا يغيب– بقلم رعد أمان، البلاغة الجديدة في (خطاب الأخلاق والهوية)– بقلم د. هويدا صالح، السباحة في المياه الزرقاء– بقلم مفيد أحمد ديوب، الطبعة الثانية.. جدّة وتجويداً – بقلم الأمير كمال فرج، الأدب والفكر.. وروح الجمال– بقلم منال محمد يوسف، المكون العربي في الثقافة الإسبانية– بقلم د. إدريس الكنبوري، السعادة.. ثقافة إنسانية – بقلم نبيل أحمد صافية، الحوار النقدي وقواعد لغة العصر– بقلم مصطفى القزاز، خليفة التليسي.. والهوية الشعرية– بقلم أحمد فرحات، تجدد أسئلة النقد ومناهجه– بقلم د. حاتم الفطناسي، د. إياس حسن.. ومظاهر التطور الثقافي– بقلم منى أبو خضور، أديب متعدد المواهب– بقلم بدران المخلف، رحلة في الفكر وأسرار اللغة– بقلم اعتدال عثمان، حليم بركات بين الرواية والسيرة الذاتية– بقلم سلوى عباس، (ألف ليلة وليلة) وأثرها في الآداب والفنون الغربية– بقلم مجدي يونس، أسرار القصة القصيرة في بعدها الفني– بقلم أشرف الخضري، الصورة التشكيلية ومقوماتها– بقلم نجوى المغربي، كيف تتفاعل الرواية مع الفن التشكيلي– بقلم نبيل سليمان، الصورة الفنية والنظرية الجمالية– بقلم د. مازن أكثم سليمان.
وفي باب (تحت دائرة الضوء) قراءات وإصدارات: (ريم والجد رضوان) والثراء المعرفي والقيمي– بقلم مصطفى غنايم، رائد الملهاة الانتقادية– بقلم أبرار الآغا، أنور محمد (جدل الصوت والصورة) في الدراما التلفزيونية– بقلم انتصار عباس، الأعمال الكاملة لــ(طه العبد) محاولة لسبر أغوار الذات– بقلم زمزم السيد، رواية الحلم.. حكاية طائر وحيد– بقلم ثريا عبدالبديع، (ست نزهات في غابة السرد)– بقلم سعاد سعيد نوح، مشكلة الإنسان في فكر ألبير كامو– بقلم د. مريم أغريس، خصائص الأثر الأدبي– بقلم نجلاء مأمون.
ويحتوي العدد على مجموعة من القصص القصيرة، والترجمات لكوكبة من الأدباء والمبدعين العرب، وهي: خالد ماضي (نسخة أخيرة) قصة، (نسخة أخيرة – سعادة الإصدار الأول) / نقد بقلم د. سمر روحي الفيصل، وليد الزيادي (لحظات حرجة) قصة قصيرة، مجدي محفوظ (أوراق صفراء) قصة قصيرة، عواطف بركات (يوماً ما كان العالم مثالياً) قصيدة مترجمة، إضافة إلى تراثيات عبدالرزاق إسماعيل، و(أدبيات) فواز الشعار، التي تضمنت جماليات اللغة وفقه اللغة.
المصدر: سام برس
إقرأ أيضاً:
سأتزوج من الحور العين.. حكاية رحيل شاب أحزنت قرية بأكملها بالمنوفية |القصة الكاملة
في قرية صغيرة، حيث يعرف الجميع بعضهم البعض، وحيث تمر الأيام هادئة بين صلاة الفجر وأذان المغرب، لم يكن أحد يتخيل أن الصدمة ستأتيهم من حيث لا يتوقعون، هناك، في قرية بمم بمركز تلا بمحافظة المنوفية، رحل أحمد الفخراني فجأة، تاركًا وراءه فراغًا لم يكن بالحسبان، شابٌ في مقتبل العمر، حافظ لكتاب الله، طيب القلب، لم يشتكِ مرضًا، لم يظهر عليه وهنٌ أو ضعف، فقط أغمض عينيه ورحل، كأنما كان على موعد مع قدره المحتوم.
رحيل بلا مقدمات.. وقصة لم تكتمللم يكن أحمد الفخراني شابًا عاديًا، بل كان ممن يُشار إليهم بالبنان، شابٌ هادئ الطبع، لا يُعرف عنه إلا كل خير، كان يعيش وحيدًا، لكنه لم يكن وحيد القلب، فرفاقه من الأطفال الذين كان يعلمهم القرآن، وزملاؤه في البريد المصري حيث يعمل، وأهل قريته، كلهم كانوا جزءًا من عالمه، لم يكن بحاجة إلى الكثير ليكون سعيدًا، فابتسامته الراضية كانت تكفيه، وإيمانه كان دليله.
كان الجميع يسأله: "متى تتزوج يا أحمد؟" فيرد بثقة وسكينة: “سأتزوج من الحور العين”، لم يكن يقولها كمزحة، بل كأنها حقيقة يؤمن بها، كأن قلبه كان معلقًا بشيء آخر، بحياة أخرى، كأن روحه كانت تهمس له بأن رحيله قريب.
يوم لا يشبه غيرهفي ذلك الصباح، لم يرد أحمد على اتصالات أصدقائه، لم يخرج كعادته، لم يظهر على مقعده المعتاد في المسجد، ولم يسمع صوته الأطفال الذين كانوا ينتظرونه لحصتهم اليومية من دروس القرآن، طرقوا بابه، لم يجب، وحين دخلوه، كان قد غادر بصمت.
الخبر كان كالصاعقة، لم يكن أحمد يعاني من أي مرض، لم يشتكِ يومًا من تعب، لكن الموت لا ينتظر إذنًا من أحد، فجأة، تحولت القرية إلى جنازة ممتدة، صدمة انتشرت كالنار في الهشيم، وجوه مصدومة، دموع تسيل، وكلمات لا تكتمل.
جنازة مهيبة.. ووداع يليق بهحين حملوه إلى المسجد الكبير للصلاة عليه، لم يكن هناك موضع لقدم، كان الجميع هناك، من عرفه ومن لم يعرفه، من تأثر بحياته، ومن سمع عن رحيله، كانت جنازته أشبه بمشهد مهيب، لم يكن مجرد توديع، بل كان تأبينًا لشاب رحل تاركًا أثرًا طيبًا في كل قلب.
كبر الإمام للصلاة عليه، وارتفعت الأيدي بالدعاء، ثم بدأ المشيعون في طريقهم إلى المقبرة، خطوات بطيئة، وجوه دامعة لكنها تدعو له بالرحمة.
ذكرى لا تُمحىلم يكن أحمد الفخراني مجرد اسم يُضاف إلى سجل الراحلين، كان قصة لم تكتمل، وحلمًا توقف في منتصف الطريق، لكنه لم يذهب دون أن يترك بصمته.
اليوم، حين يمر أهل القرية أمام منزله، تتوقف خطواتهم لحظة، وحين يُسأل الأطفال عن أستاذهم في القرآن، تتغير نبرات أصواتهم، وحين يجلس شاب مع أصدقائه ويُسأل عن الزواج، ربما يتذكر كلمات أحمد، وربما تخرج منه الجملة ذاتها دون وعي: "سأتزوج من الحور العين".
رحل أحمد، لكن ذكراه لم ترحل، وروحه لم تغادرهم بعد، فهي لا تزال حاضرة في كل صلاة يرددها طفل تعلم على يديه، وفي كل آية تُتلى بصوت هادئ، وفي كل قلب أحبه وبكاه، وسيظل اسمه منقوشًا في ذاكرة قريته، كواحد من أنقاها، وأكثرها إخلاصًا.