إسحاق بن أحمد البلوشي
isehaq26927m@gmail.com
وأنا في طريقي استوقفني أحدهم ورحب بي أيّما ترحيب؛ مما أثار استغرابي ودهشتي، وأخذ شيئًا من العلوم والأخبار وشيئًا من الدراسات وقصص الأخبار، فوجدت في نفسي شيئًا من السعادة والسرور للقائه، ثم ما لبث طويلًا وقد تبدّل حاله وتكسّر وجهه وارتبكت ملامحه، وقال لي بعاميته التي تلعنها الفصاحة "مرينا عليك البيت أنا وفلان لأنه مترشح هذه السنة لعضوية الشورى" ثم أردف قائلاً "رشحوه مسكين"!
"رشحوه مسكين".
لماذا يصنع مِثلُ هذا مَثَلَ هذا، ويدفع بماء وجهه ويُلقي بأيمانه الخادعة الكاذبة، يترصد الناس على الشواطئ وفي المتنزهات وفي البيوت والمحال، سعيًا منه لأن ينال ذلك الساذج لقب سعادة، أو ينال ذلك الجاهل الأُمِّي لقب سعادة، ثم ما يلبث أن يُلقّب بهذا اللقب وينال ذلك الشرف حتى تمر سنين انتخابه على النَّاس وكأنها مرور رسالة مُقفلة لم يُعرف منها سوى عنوانها. وتمُر سنوات دورته الانتخابية على المجتمع مرور الميت على الأحياء، فلا هو يصل إليهم ولا هم يصلون إليه، ولا تجد منه غير أنَّه رجل لا يعرف من الشورى سوى لفظها، ولا يعرف من معانيها سوى رسمها، ولو امتُحن فيها ما أحسبه يتجاوز الامتحان، وما أراه إلّا وقد اشتكى منه الصفر واحتضنته الأصفار.
لكن مع هذا وذاك، يرجع هؤلاء مرة بعد مرة للترشح لعضوية الشورى، ويطلبون من بعض العوام ومن أمثالهم، تتبُع الأصوات وتتبُع أصحابها واستعطافهم بكل ما أوتي هؤلاء من قوة وحيلة ومن مكر وخديعة، فتارةً يضربون على وتر القبيلة، وتارةً يضربون على وتر العشيرة، وتارةً يدندنون على أنغام توفير الوظيفة، وأخرى يقولون فيها إنهم خبراء إصلاح الشوارع والحدائق وصرف المعونات.
ويأتي آخر يدّعي أنه أشطرهم طريقة وأكبرهم حيلة، فيقول إنه وحده من يستطيع انتزاع الموافقات المؤسسية والاعتمادات الخاصة لبناء ووضع المطبات، ويتعهد بأنَّه وحده الذي يستطيع إرغام المارّة على تخفيف السرعة أمام بيوت الناخبين، ثم يتعهد ثانية بأنه ذلك الشجاع القوي الذي له القدرة العظيمة على أن يُقرِّب البعيد ويُدني القريب.
ثم يأتي مثل هذا ويرى أن اللقب جعل منه بشرًا ليس كسائر البشر، وإنسانًا ليس كأي إنسان؛ بل يظن نفسه أنه قانون من قوانين الشورى يمشي على الأرض، ونظامٌ من أنظمة الحياة أتقن نفسه بنفسه ولم يبقَ له سوى أن يسكن السماء، فما أن يجتمع هذا الإحساس في وجدان ذلك الإنسان حتى يأتي الباطل معه في التصور، ويأتي معه فراغ الفكر وتجويف المعاني، ولا يبقى منها سوى أحرفها وأشكالها فلا ترجع بشيء ولا بفائدة، إلّا كما ترجع أبواب المقابر وأقفالها على المقابر بفائدة، وإنه لحق وجميل أن تلقب الشورى أصحابها بلقب سعادة، ولكنه القبح كل القبح أن تجد الذين جاءوا بـ"رشحوه مسكين" أصحابَ سعادةٍ.
"رشحوه مسكين".. من أين جاء ذلك الأحمق بهذا اللفظ ومن الذي علّمه إياه؟ ألم يعلم هو وموكِّله أنَّ الشورى عَلَم ووطن وأنها نخوةٌ وأمانة؟ ألم يعلم هو وموكِّله أن الشورى اختيارٌ واختبار وأنها إرادةٌ وإدارة؟ ألم يعلم هو وموكِّله أن الشورى وعدٌ وإخلاص وأنها عدلٌ وحقوق؟ ألم يعلم هؤلاء من الحكمة شيئًا ومن المنطق فهمًا؟ ألم يعلموا أن المرء إذا طُلب لشيء أُعين عليه، وإذا طَلب شيئًا وُكِّلَ إليه؟ عند هذا وذاك هل اتهم هؤلاء أنفسهم بفعلهم هذا من البداية وفضحوا مطلبهم من النهاية؟
"رشحوه مسكين".. ليست عبارة عادية وليست من صدف الألفاظ، إنما هي نتاج فكر أتى به بعض الذين استمتعوا وتلذذوا بلحظات الفوز ووجدوها أنها الطريقة الأسهل والوسيلة الأمثل لمطالبهم، ولا أجدها إلّا أنها من الأهمية بمكان أن تُوضع تحت مجهر الدارسين وفي مختبر الباحثين، وأن يتتبعوا أصولها وجذورها ويطرحوا الأسئلة حولها، ويضعوا الفرضيات أمامها ليستخلصوا شيئًا من النتائج المُهمة، فهي تحمل في مضامينها شيئًا من معاني العداء للمدنيّة الحقيقية، وتحمل في طياتها شيئًا من التخلُّف والرجعيّة، وشيئًا من الاستخفاف بالآخر والتعدي على الحريات وعلى النظام وفلسفة المؤسسات.
إنَّنا نتوسل إليكم باسم العَلَم والوطن وحُرمة الشعوب أن ترفعوا أيديكم عن أصوات الناخبين وحرياتهم ولا تزعجوهم بآمالكم ومطالبكم، كما أزعجتموهم من قبل، فكل داء وجرح له دواءٌ وشفاء إلّا جرح الوطن، وإن أردتم إلّا أن تفعلوا فتمهّلوا قليلًا وتريّثوا، حتى تنزع الأوقات والأزمان ما بقي في نفوسكم من الإخلاص، وينزع الدهر ما بقي في أرواحكم من روح الأمانة فتسعدوا بعدها بالحياة الجديدة سعادة يشقى بها كل جديد!
"رشحوه مسكين".. عبارة أرى أنَّ شؤمها على البشرية أشد من وقوع الجبال عليها، وأن خسارتها على الإنسان أشد عليه من خسارة الملايين والمليارات، ولو عُرضت أحرفه ومعانيه على الأولين والآخرين لأبوا أن يحملوها وأشفقوا منها، لكنه الإنسان وحده الذي حمل الأمانة، إنه كان "ظلومًا جهولًا"!
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بعد سقوط الأسد.. هذا ما يريد لبنانيون فعله في سوريا
بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بدأ بعض اللبنانيين الذين فقدوا أعمالهم في سوريا منذ 12 عامًا بالتفكير جديًا في العودة إلى هناك لإعادة إحياء مشاريعهم التجارية.
وحسب معلومات حصل عليها "لبنان24" من مصادر اقتصادية، فإنّ مجموعة من رجال الأعمال في صدد عقد اجتماعات قريبة يقررون على أساسها خطة من شأنها أن تعيد الأمل بإحياء مشاريع اقتصادية كانوا يستثمرونها داخل سوريا قبل اندلاع الحرب.
وأشار المصدر إلى أن أصحاب رؤوس الأموال لا يزالون ينتظرون اليوم التالي في سوريا، بمعنى اكتمال المشهد السياسي، ومعرفة توجهات النظام الجديد، ليبنى على الشيء مقتصاه.
وأوضح المصدر لـ"لبنان24" أنّ مستثمرين وأصحاب رؤوس أموال تمكنوا من التواصل مع مسؤولين اقتصاديين جددا في سوريا على اتصال مباشر مع الحكومة الجديدة، حيث استشفوا منهم أنّ التوجه الجديد للاقتصاد السوري سيكون مشابها للاقتصاد اللبناني، أي بمعنى أن الحكومة السورية ستطلق العنان للمبادرات الفردية والنظام الاقتصادي الحرّ وليس المقيّد.
ورأى هؤلاء الأفراد في التغيرات السياسية الأخيرة فرصة لاستعادة نشاطاتهم الاقتصادية التي توقفت بسبب الصراع المستمر منذ أكثر من عقد. ويأمل هؤلاء اللبنانيون في أن تسهم عودتهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري والمشاركة في جهود إعادة الإعمار، مستفيدين من خبراتهم السابقة وعلاقاتهم في السوق السورية.
من جهة أخرى، أشارت المصادر الاقتصادية إلى أن عملية إعادة إحياء الأعمال في سوريا ستواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك البنية التحتية المتضررة والحاجة إلى استقرار سياسي وأمني مستدام. ومع ذلك، فإن التفاؤل يسود بين هؤلاء اللبنانيين الذين يعتبرون أن الوقت قد اقترب للعودة والمساهمة في بناء مستقبل أفضل للمنطقة.
المصدر: لبنان 24