جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-08@12:44:29 GMT

رشحوه مسكين

تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT

رشحوه مسكين

 

إسحاق بن أحمد البلوشي

isehaq26927m@gmail.com

 

وأنا في طريقي استوقفني أحدهم ورحب بي أيّما ترحيب؛ مما أثار استغرابي ودهشتي، وأخذ شيئًا من العلوم والأخبار وشيئًا من الدراسات وقصص الأخبار، فوجدت في نفسي شيئًا من السعادة والسرور للقائه، ثم ما لبث طويلًا وقد تبدّل حاله وتكسّر وجهه وارتبكت ملامحه، وقال لي بعاميته التي تلعنها الفصاحة "مرينا عليك البيت أنا وفلان لأنه مترشح هذه السنة لعضوية الشورى" ثم أردف قائلاً "رشحوه مسكين"!

"رشحوه مسكين".

. ما أن وقع رنين هذه العبارة على مسمعي أدركتُ حينها أنَّ للتسوّل أشكال وأنواع، وأن له أطيافًا وأتباعًا، وأدركتُ وقتها أنَّه قد فتك بالمجتمعات فتكًا ذريعًا فتجاوز المحتاجين والمحتالين، وضرب بقُبحه رؤوس الأغنياء، فأصبحوا يتسوّلون ويتكففون الناس حقوقهم وحرياتهم في أصواتهم الانتخابية، وحاولوا انتزاعها بأيديهم وأيدي غيرهم ممن أسموهم قائدي الحملات الانتخابية، ثم ألصقوا بأنفسهم أوصافًا مُزيّفة ومرَّرُوها على ألسِنة هؤلاء بين مسكين ويتيم، وبين مخلص وأمين، وآخر مصلح ومبين!

لماذا يصنع مِثلُ هذا مَثَلَ هذا، ويدفع بماء وجهه ويُلقي بأيمانه الخادعة الكاذبة، يترصد الناس على الشواطئ وفي المتنزهات وفي البيوت والمحال، سعيًا منه لأن ينال ذلك الساذج لقب سعادة، أو ينال ذلك الجاهل الأُمِّي لقب سعادة، ثم ما يلبث أن يُلقّب بهذا اللقب وينال ذلك الشرف حتى تمر سنين انتخابه على النَّاس وكأنها مرور رسالة مُقفلة لم يُعرف منها سوى عنوانها. وتمُر سنوات دورته الانتخابية على المجتمع مرور الميت على الأحياء، فلا هو يصل إليهم ولا هم يصلون إليه، ولا تجد منه غير أنَّه رجل لا يعرف من الشورى سوى لفظها، ولا يعرف من معانيها سوى رسمها، ولو امتُحن فيها ما أحسبه يتجاوز الامتحان، وما أراه إلّا وقد اشتكى منه الصفر واحتضنته الأصفار.

لكن مع هذا وذاك، يرجع هؤلاء مرة بعد مرة للترشح لعضوية الشورى، ويطلبون من بعض العوام ومن أمثالهم، تتبُع الأصوات وتتبُع أصحابها واستعطافهم بكل ما أوتي هؤلاء من قوة وحيلة ومن مكر وخديعة، فتارةً يضربون على وتر القبيلة، وتارةً يضربون على وتر العشيرة، وتارةً يدندنون على أنغام توفير الوظيفة، وأخرى يقولون فيها إنهم خبراء إصلاح الشوارع والحدائق وصرف المعونات.

ويأتي آخر يدّعي أنه أشطرهم طريقة وأكبرهم حيلة، فيقول إنه وحده من يستطيع انتزاع الموافقات المؤسسية والاعتمادات الخاصة لبناء ووضع المطبات، ويتعهد بأنَّه وحده الذي يستطيع إرغام المارّة على تخفيف السرعة أمام بيوت الناخبين، ثم يتعهد ثانية بأنه ذلك الشجاع القوي الذي له القدرة العظيمة على أن يُقرِّب البعيد ويُدني القريب.

ثم يأتي مثل هذا ويرى أن اللقب جعل منه بشرًا ليس كسائر البشر، وإنسانًا ليس كأي إنسان؛ بل يظن نفسه أنه قانون من قوانين الشورى يمشي على الأرض، ونظامٌ من أنظمة الحياة أتقن نفسه بنفسه ولم يبقَ له سوى أن يسكن السماء، فما أن يجتمع هذا الإحساس في وجدان ذلك الإنسان حتى يأتي الباطل معه في التصور، ويأتي معه فراغ الفكر وتجويف المعاني، ولا يبقى منها سوى أحرفها وأشكالها فلا ترجع بشيء ولا بفائدة، إلّا كما ترجع أبواب المقابر وأقفالها على المقابر بفائدة، وإنه لحق وجميل أن تلقب الشورى أصحابها بلقب سعادة، ولكنه القبح كل القبح أن تجد الذين جاءوا بـ"رشحوه مسكين" أصحابَ سعادةٍ.

"رشحوه مسكين".. من أين جاء ذلك الأحمق بهذا اللفظ ومن الذي علّمه إياه؟ ألم يعلم هو وموكِّله أنَّ الشورى عَلَم ووطن وأنها نخوةٌ وأمانة؟ ألم يعلم هو وموكِّله أن الشورى اختيارٌ واختبار وأنها إرادةٌ وإدارة؟ ألم يعلم هو وموكِّله أن الشورى وعدٌ وإخلاص وأنها عدلٌ وحقوق؟ ألم يعلم هؤلاء من الحكمة شيئًا ومن المنطق فهمًا؟ ألم يعلموا أن المرء إذا طُلب لشيء أُعين عليه، وإذا طَلب شيئًا وُكِّلَ إليه؟ عند هذا وذاك هل اتهم هؤلاء أنفسهم بفعلهم هذا من البداية وفضحوا مطلبهم من النهاية؟

"رشحوه مسكين".. ليست عبارة عادية وليست من صدف الألفاظ، إنما هي نتاج فكر أتى به بعض الذين استمتعوا وتلذذوا بلحظات الفوز ووجدوها أنها الطريقة الأسهل والوسيلة الأمثل لمطالبهم، ولا أجدها إلّا أنها من الأهمية بمكان أن تُوضع تحت مجهر الدارسين وفي مختبر الباحثين، وأن يتتبعوا أصولها وجذورها ويطرحوا الأسئلة حولها، ويضعوا الفرضيات أمامها ليستخلصوا شيئًا من النتائج المُهمة، فهي تحمل في مضامينها شيئًا من معاني العداء للمدنيّة الحقيقية، وتحمل في طياتها شيئًا من التخلُّف والرجعيّة، وشيئًا من الاستخفاف بالآخر والتعدي على الحريات وعلى النظام وفلسفة المؤسسات.

إنَّنا نتوسل إليكم باسم العَلَم والوطن وحُرمة الشعوب أن ترفعوا أيديكم عن أصوات الناخبين وحرياتهم ولا تزعجوهم بآمالكم ومطالبكم، كما أزعجتموهم من قبل، فكل داء وجرح له دواءٌ وشفاء إلّا جرح الوطن، وإن أردتم إلّا أن تفعلوا فتمهّلوا قليلًا وتريّثوا، حتى تنزع الأوقات والأزمان ما بقي في نفوسكم من الإخلاص، وينزع الدهر ما بقي في أرواحكم من روح الأمانة فتسعدوا بعدها بالحياة الجديدة سعادة يشقى بها كل جديد!

"رشحوه مسكين".. عبارة أرى أنَّ شؤمها على البشرية أشد من وقوع الجبال عليها، وأن خسارتها على الإنسان أشد عليه من خسارة الملايين والمليارات، ولو عُرضت أحرفه ومعانيه على الأولين والآخرين لأبوا أن يحملوها وأشفقوا منها، لكنه الإنسان وحده الذي حمل الأمانة، إنه كان "ظلومًا جهولًا"!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

!يقدرون القراءة لكنهم لا يقرؤون

عجيب أمر أولئك الذين يعرفون أهمية القراءة، ويحترمون القرّاء، لكنهم لا يقرؤون. وتجد هذا الصنف من الناس، (أو بعضهم على الأقل)، يحاول ألا يعترف بأنه لا يقرأ قراءة حرة خارج دائرة عمله، أو دراسته، أو ما هو مفروض عليه عمومًا؛ وذلك بأن يسمع موجزًا عن كتاب صدر حديثًا، فيتحدث عنه في مجلس آخر، أو حتى قد يكتفي بقراءة ملخّصات عن الكتب، أو استعراضات لها، ثم يتحدث وكأنه قد قرأها.

هي إيجابية أن يتابع البعض أخبار الكتب والكتابة، أو أن يقرؤوا ملخصات لبعض الأعمال الأدبية، لكن المشكلة في الاكتفاء بذلك، وعَدِّه قراءة مكتملة الأركان.

وهناك صنف من الناس يحترم القراءة بصدق، ومن أعماق قلبه؛ لدرجة أنه حينما يسأله شخص ما عن هواياته، أو حينما يكتب سيرته الذاتية، فإن القراءة تكون في مقدمتها. وهو شعور يستبطن معرفة عميقة بأهمية القراءة، وبأن ذلك سوف يؤثر في مكانته في المجتمع، أو في قبوله في وظيفة جديدة.

ومن هؤلاء من يحاول التعويض عن عزوفه عن القراءة، بشراء الكتب، واكتنازها (كمن يكنزون الذهب والفضة)، وتجّميع الكتب في مكتبة كبيرة مرتبة وأنيقة نادرًا ما يدخلها، وإن دخلها، فلا يقرأ منها شيئًا. وهو أمر يدل أيضًا على تفهّم لأهمية القراءة في الحياة.

وليس الحديث هنا هجومًا، أو انتقاصًا من هذه الأصناف من الناس، فمجرد حب الكتب وأهلها وقرائها، وكل ما يمتّ إليها بصلة، هو أمر حميد بحدّ ذاته، حتى لو لم تصاحبه قراءة؛ لكون ذلك يعزِّز من قيمة القراءة، والكتب في المجتمع، بدل إعلاء قيَّم الأمور التافهة، وغير المهمة. ولو أن هؤلاء خَطَوا خطوة واحدة إضافية، زيادة على ما يقومون به؛ وهي قراءة صفحة واحدة أوإثنتين فقط كل يوم، لكانت النتيجة رائعة بمرور الشهور والسنين، خاصة إذا صاحَبَتها زيادة طفيفة في عدد الصفحات في كل فترة زمنية، متى ما وجد القارئ في نفسه رغبة في ذلك.

وليت شعري، لو أن هؤلاء الذين يحترمون القراءة، بدؤوا بالقراءة دون تردُّد، ودون تأجيل، فهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة تقديرهم لأنفسهم، لما يساهم ذلك فيه، من إضفاء شعور لديهم، بتحقيق إنجاز معرفي هام، يدفعهم نحو مزيد من العطاء والتقدم؟

yousefalhasan@

مقالات مشابهة

  • الشورى يستعرض أخر التطورات الاقتصادية لـ النقد الدولي
  • أمير الجوف يستقبل أعضاء مجلس الشورى من أبناء وبنات المنطقة
  • أمير قطر يصادق على التعديلات الدستورية.. على ماذا وافق القطريون؟
  • لماذا تدّمر إسرائيل القرى الحدودية؟
  • !يقدرون القراءة لكنهم لا يقرؤون
  • هؤلاء هم الولاة الجدد
  • 6 أبراج تحب النوم زى عينيها.. هل أنت من هؤلاء الأشخاص؟
  • عالم بلا إنسانية
  • اجتماع للجنة المالية بمجلس الشورى
  • مجلس الشورى في قطر تاريخه وصلاحياته