المصير المشترك للبشرية.. مفهوم يحشد القوى لتغيير العالم
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
تشو شيوان **
صحيحٌ أنه في تاريخ البشرية تمثل 10 سنوات فترة قصيرة، لكن نحن في زمن يمكننا القول إن هذه السنوات العشرة كافية لحشد مفهوم قوى قادرة على تغيير العالم، ففي مارس 2013 طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ لأول مرة مفهوم "مجتمع المصير المشترك للبشرية" في خطاب ألقاه في معهد موسكو للعلاقات الدولية، ومنذ ذلك الحين، تم إثراء هذا المفهوم وتطويره باستمرار، وجرى تبنيه في العديد من قرارات وبيانات وإعلانات الجمعية العامة الأممية والآليات المتعددة الأطراف مثل منظمة شنغهاي للتعاون وتحالف بريكس، وحظي بتقدير ودعم واسعين من المجتمع الدولي لما فيه من نقاط مشركة بين الصين والعالم وبين دول العالم بعضها البعض.
اليوم وبمناسبة الذكرى العاشرة لطرح المفهوم، أصدرت الصين يوم الثلاثاء (26 سبتمبر) كتابًا أبيض بعنوان "مجتمع المصير المشترك للبشرية: مقترحات الصين وإجراءاتها"، أوضحت فيه المحتويات الفكرية والإنجازات العملية للمفهوم؛ حيث يؤكد هذا المفهوم أن جميع الأمم والشعوب تربطها وحدة المصير، وأن ما يؤثر على دولة- مهما كان حجمها صغيرة أو كبيرة- سيؤثر تباعًا على الدول الأخرى، ويدعو إلى بناء عالم يسوده السلام الدائم والأمن الشامل والرخاء المشترك والانفتاح والتسامح للوصول لعالم يسوده الجمال، ويلتزم بمبدأ التشاور والبناء المشترك والمنفعة للجميع في عملية الحوكمة العالمية؛ بما يتيح لجميع البلدان أن تكون مشاركة ومساهمة في السلم والتنمية العالميين ومستفيدة منهما، وهذا المفهوم تجد فيه الصين الحل للمشاكل الدولية التي نشبت هنا وهناك، ويرى فيه الكثيرين ومنهم أنا شخصيًا بأنه طوق النجاة للعالم بعد صراح ومنافسة قوية أضرت ما نفعت.
من الملاحظ أن هذا المفهوم يُحطِّم نزعة الهيمنة لدى بعض الدول، خصوصًا الدول العظمى التي تنصب نفسها وصي على العالم، ويتفق مع تطلعات شعوب العالم إلى تحقيق السلم والتنمية والإنصاف والعدالة وبناء عالم جميل؛ الأمر الذي أثار صدى واسع النطاق في المجتمع الدولي، ولقى ترحيبًا واسعًا من دعاة السلام والتعايش السلمي، وفي المقابل قد نجد أصواتًا هنا وهناك تحاول إثارة البلبلة حول المفهوم فقط؛ لكونه ينتزع منها هيمنتها وسلطتها العالمية، ويعطي الحق لدول وشعوب صغيرة في أن تكون ضمن المجتمع الدولي وهذا ما لا يريده البعض لتعارضه مع مصالحهم.
لم يقف مفهوم مجتمع المصير المشترك للبشرية عند رؤية جميلة فقط؛ بل طرحت الصين أيضًا مبادرات عملية مثل مبادرة "الحزام والطريق" ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمية ومبادرة الحضارة العالمية، وبذلت جهودًا فعالة وحثيثة لتطبيق المفهوم، مما جلب منافع ضخمة للعالم؛ حيث عملت هذه المفاهيم على تنشيط التجارة العالمية من جانب وعملت أيضًا على تحسين البنى التحتية ودفع عجلة التنمية في الكثير من دول العالم النامية والفقيرة.
لنضرب مثالًا بالتعاون بين بلدان الجنوب؛ فالصين- باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم وعضوًا في الجنوب العالمي، وبالتعاون مع ما يقرب من 20 منظمة دولية- نفذت أكثر من 130 مشروعًا في حوالي 60 دولة مثل إثيوبيا وباكستان ونيجيريا، تشمل: الحد من الفقر والأمن الغذائي ومكافحة الوباء وتغير المناخ وغيرها من المجالات، ليستفيد منها أكثر من 30 مليون شخص. ووفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي، فإن التنفيذ الشامل لمبادرة "الحزام والطريق" سيزيد معدلات التجارة بين الدول المشاركة بنسبة 4.1%، كما ستحقق المبادرة 1.6 تريليون دولار من الإيرادات سنويًا بحلول عام 2030، ولا توجد في العالم خطط عملية واضحة توازي المشاريع والمبادرات الصينية الهادفة للتنمية والسلام العالمي.
وفي ظل الوضع العالمي، الذي ما زال يمر بتغيرات عميقة، واختلافًا عن عقلية "اللعبة الصفرية" لدى بعض الدول الغربية، فإن مفهوم "بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية" يدعو إلى السلم والتنمية بدلًا من الصراع والمواجهة، والأمن المشترك بدلًا من الأمن المطلق، والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك بدلًا من اللعبة الصفرية، والتبادل والتواصل بدلًا من صدام الحضارات.
ويُدرك المزيد والمزيد من البلدان والشعوب أن هذا المفهوم يخدم المصلحة المشتركة للبشرية جمعاء، ولولا تفكرنا بهذه المفاهيم لوجدنا أننا أمام واحد من أكثر المشاريع حاجة في هذا العالم؛ أن نبني مصيرنا كبشرية بمزيد من الترابط والتلاحم والعمل المشترك.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
د. جمال القليوبي يكتب: ترامب وتكتل البريكس
يبدو ان التعجيل بالتصريحات المسبقة للرئيس ترامب قبل بدابة ولايتة في ينايرهذا الشهر وجدت مردودا وصدى سريع لدي الكثير من دول العالم ، فمنذ ان ظهرت النتائج بفوزه وهناك سيل من التصريحات له وأيضا الظهور الغريب من إيلون ماسك الذي بدي فيه ملاصق لترامب والداعم العلني بعد ما كان مستترا , ولكن الغريب في كل تلك التصريحات المختلفة والتي تطال كل الاشكال من القضايا والمواقف يظهر التصريح بل والتهديد المريب لتكتل البريكس الاقتصادي حيث هدد وتوعد بإصدار التعريفة الجمركية وقائلا "نحن نطالب هذه الدول بالتزام أذا اصدرت عملة بريكس جديدة، وأيضا تنافس الأميركي القوي، وإلا فإنها ستواجه رسوماً جمركي بنسبة 100 بالمئة ".
ورغم أن الدولار الأميركي هو العملة الأكثر استخداماً في التجارة والصناعة وكذلك حركة العملات الأكثر انتشارا وتداولا في البنوك والتبادلات العالمية، ولكن منذ ان استخدمت الولايات المتحدة عملتها الدولار في تطبيق العقوبات الاقتصادية دون سند قانوني اوغطاء شرعي دولي كمواثيق الأمم المتحدة ولكن دائما تنفذها العقوبات بصفه أحادية من جانبها علي كثير من الدول والتكتلات الاقتصادية والتي ظلت عقود دون توقف مثال كوريا الشمالية وايران وفينزويلا ,مؤخرا روسيا عقابا علي حربها مع أوكرانيا والتي جعلت روسيا تذهب الي بديل بتطبيق استخدام الروبل في كل المبيعات النفطية , ولهذا دعت دول اقتصادية كثيرة الي وقفة احترازية من هذا العقاب الأمريكي الذي يري فيه العالم الظلم البين باستخدام الدولار لتجويع دول او تكسير اقتصاداتها او احراج شعوبها بضرب مصادر الموارد الدولارية لديها . وكانت روسيا والصين من أكبر الدول التي وجدت العداء الأمريكي الذي يهدد اقتصادها.
ومن هنا وجدت تلك الدول ان تحدي وضعيه الدولار في سلة العملة الاحتياطية العالمية لابد من إيقافه ببدائل, ولذا اقترحت روسيا نوع من التبادل التجاري لعدد من الدول والتي لديها كل المنتجات التي قد تحتاجها الدول الأخرى ويكون تبادل سلعي , وعلي هذا التصور طرحت فكرة تكتل بريكس الاقتصادي الذي يتشكل من كلا من روسيا والبرازيل والصين وجنوب أفريقيا والهند وانضمت الية مؤخرا كلا من الأمارات ومصر وأيران والسعودية وأثيوبيا, واجمعت تلك الدول انه لابد ان يكون لها عملة جديدة في قمة العام الماضي في جنوب إفريقيا بعد ان اتهم الرئيس الروسي القوى الغربية بـ"استخدام الدولار كسلاح"، وجادل في قمة مجموعة البريكس في قازان بأن العقوبات المفروضة على روسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا تقوض الثقة في هذه العملة وتقلل من قوته,.
وقال بوتين "لسنا نحن الذين نرفض استخدام الدولار.. ولكن إذا لم يسمحوا لنا بالعمل، فماذا يمكننا أن نفعل؟ نحن مضطرون إلى البحث عن بدائل", ولم تترك أمريكا خيارا لدي الدول على عقيدة الديمقراطية ولكن كل من يخالف التوجهات الامريكية او حتى يبعد ان التبعية يجد الردع العقابي بتطبيق أليات الدولار التجارية عبر البنوك او التلاعب في سعر الفائدة او تجفيف منابع الاستثمارات الأجنبية وتوقيفها طالما ان تلك الاستثمارات تعتمد على الدولار في كل معاملاتها.
ان الخروج من عباءة الغطاء الدولاري في المعاملات وفي البنوك المركزية كاحتياطي نقدي اجنبي عالمي الي بدائل منها تطبيق نظم التحوط ضد خلل التلاعب بسعر الفائدة علي الدولار وحتمية التحفز له وادراك تنفيد البدائل بتحويل مخزون الدولار الي ذهب او معادن نفيسة او الي سلة عملات مختلفة واستخدام العقود طويلة الاجل للتبادل التجاري السلعي , ويبدو ان التهديد الأمريكي المبكر من خلال التصريح الناري لترامب سوف يعجل بنظام التحوط لدي تكتل البريكس والذي يستهدف ان يكون التكتل مبدأيا شامل لسلة عملات للدول الاقتصادية القوية منها مثال اليووان والروبل والروبية حيث ان تلك الدول لديها اكبر مخزون من المواد الخامات التي تتطلبها بقية الدول , ويشمل نظام التحوط لبريكس هو تغطية سلة العملات بما يوازية من قيمه الذهب حتى تكون التغطية شاملة القيمة .
ويعاود السؤال ماذا لو طبقت أمريكا تهديدها علي تكتل البريكس بأصدار رسوم جمركية علي واردات دول تكتل البريكس والاجابة هو تحول العالم الي اقتصاديين متناحرين, الاقتصاد الأول وهوأقتصاد الدولار يحمل ورائه التبعية الأوروبية وكند واستراليا والاقتصاد الاخر هو البريكس والذي سوف يزيد انضمام الدول له يوم بعد يوم حيث ان العداء للدولار سيزداد لان الظلم الحقوقي وضياع الامن والأمان في العالم بسبب السياسة الأمريكية في الحرب الأوكرانية والضوء الأخضر لاشتعال الشرق الأوسط بسبب العربدة الإسرائيلية والابادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي العنصري علي الشعب الأعزل في غزة وجنوب لبنان وسورية , كل ذلك ادي الي زيادة التحفز لدي بقية دول العالم للذهاب والانضمام الي تكتل البريكس الذي يري العالم فيه السبيل لانتهاء الظلم وحماية اقتصاديات الدول من عبث العقوبات الامريكية التي تطبقها دون قوانين او قواعد والتزامات , وهناك شق اخر من السؤال وهي ان التهديد لن ينفذ مبكر بل يتم تأخره حتي يتم تقييم الفترة الاولي لترامب وعندها أيضا قد تكون حرب أوكرانيا انتهت ولكن لن تنتهي استمرارية تكتل البريكس .... والي تكملة قادمة