تشو شيوان **

 

صحيحٌ أنه في تاريخ البشرية تمثل 10 سنوات فترة قصيرة، لكن نحن في زمن يمكننا القول إن هذه السنوات العشرة كافية لحشد مفهوم قوى قادرة على تغيير العالم، ففي مارس 2013 طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ لأول مرة مفهوم "مجتمع المصير المشترك للبشرية" في خطاب ألقاه في معهد موسكو للعلاقات الدولية، ومنذ ذلك الحين، تم إثراء هذا المفهوم وتطويره باستمرار، وجرى تبنيه في العديد من قرارات وبيانات وإعلانات الجمعية العامة الأممية والآليات المتعددة الأطراف مثل منظمة شنغهاي للتعاون وتحالف بريكس، وحظي بتقدير ودعم واسعين من المجتمع الدولي لما فيه من نقاط مشركة بين الصين والعالم وبين دول العالم بعضها البعض.

اليوم وبمناسبة الذكرى العاشرة لطرح المفهوم، أصدرت الصين يوم  الثلاثاء (26 سبتمبر) كتابًا أبيض بعنوان "مجتمع المصير المشترك للبشرية: مقترحات الصين وإجراءاتها"، أوضحت فيه المحتويات الفكرية والإنجازات العملية للمفهوم؛ حيث يؤكد هذا المفهوم أن جميع الأمم والشعوب تربطها وحدة المصير، وأن ما يؤثر على دولة- مهما كان حجمها صغيرة أو كبيرة- سيؤثر تباعًا على الدول الأخرى، ويدعو إلى بناء عالم يسوده السلام الدائم والأمن الشامل والرخاء المشترك والانفتاح والتسامح للوصول لعالم يسوده الجمال، ويلتزم بمبدأ التشاور والبناء المشترك والمنفعة للجميع في عملية الحوكمة العالمية؛ بما يتيح لجميع البلدان أن تكون مشاركة ومساهمة في السلم والتنمية العالميين ومستفيدة منهما، وهذا المفهوم تجد فيه الصين الحل للمشاكل الدولية التي نشبت هنا وهناك، ويرى فيه الكثيرين ومنهم أنا شخصيًا بأنه طوق النجاة للعالم بعد صراح ومنافسة قوية أضرت ما نفعت.

من الملاحظ أن هذا المفهوم يُحطِّم نزعة الهيمنة لدى بعض الدول، خصوصًا الدول العظمى التي تنصب نفسها وصي على العالم، ويتفق مع تطلعات شعوب العالم إلى تحقيق السلم والتنمية والإنصاف والعدالة وبناء عالم جميل؛ الأمر الذي أثار صدى واسع النطاق في المجتمع الدولي، ولقى ترحيبًا واسعًا من دعاة السلام والتعايش السلمي، وفي المقابل قد نجد أصواتًا هنا وهناك تحاول إثارة البلبلة حول المفهوم فقط؛ لكونه ينتزع منها هيمنتها وسلطتها العالمية، ويعطي الحق لدول وشعوب صغيرة في أن تكون ضمن المجتمع الدولي وهذا ما لا يريده البعض لتعارضه مع مصالحهم.

لم يقف مفهوم مجتمع المصير المشترك للبشرية عند رؤية جميلة فقط؛ بل طرحت الصين أيضًا مبادرات عملية مثل مبادرة "الحزام والطريق" ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمية ومبادرة الحضارة العالمية، وبذلت جهودًا فعالة وحثيثة لتطبيق المفهوم، مما جلب منافع ضخمة للعالم؛ حيث عملت هذه المفاهيم على تنشيط التجارة العالمية من جانب وعملت أيضًا على تحسين البنى التحتية ودفع عجلة التنمية في الكثير من دول العالم النامية والفقيرة.

لنضرب مثالًا بالتعاون بين بلدان الجنوب؛ فالصين- باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم وعضوًا في الجنوب العالمي، وبالتعاون مع ما يقرب من 20 منظمة دولية- نفذت أكثر من 130 مشروعًا في حوالي 60 دولة مثل إثيوبيا وباكستان ونيجيريا، تشمل: الحد من الفقر والأمن الغذائي ومكافحة الوباء وتغير المناخ وغيرها من المجالات، ليستفيد منها أكثر من 30 مليون شخص. ووفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي، فإن التنفيذ الشامل لمبادرة "الحزام والطريق" سيزيد معدلات التجارة بين الدول المشاركة بنسبة 4.1%، كما ستحقق المبادرة 1.6 تريليون دولار من الإيرادات سنويًا بحلول عام 2030، ولا توجد في العالم خطط عملية واضحة توازي المشاريع والمبادرات الصينية الهادفة للتنمية والسلام العالمي.

وفي ظل الوضع العالمي، الذي ما زال يمر بتغيرات عميقة، واختلافًا عن عقلية "اللعبة الصفرية" لدى بعض الدول الغربية، فإن مفهوم "بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية" يدعو إلى السلم والتنمية بدلًا من الصراع والمواجهة، والأمن المشترك بدلًا من الأمن المطلق، والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك بدلًا من اللعبة الصفرية، والتبادل والتواصل بدلًا من صدام الحضارات.

ويُدرك المزيد والمزيد من البلدان والشعوب أن هذا المفهوم يخدم المصلحة المشتركة للبشرية جمعاء، ولولا تفكرنا بهذه المفاهيم لوجدنا أننا أمام واحد من أكثر المشاريع حاجة في هذا العالم؛ أن نبني مصيرنا كبشرية بمزيد من الترابط والتلاحم والعمل المشترك.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أبو العينين: تعديل قانون التعليم أول محاولة جادة لتغيير المنظومة منذ 45 سنة

أبو العينين: التحدي الحقيقي لقانون التعليم الجديد يتمثل في التمويل والربط بالصناعة

أبو العينين يتساءل: هل لدينا المعلم والمقرر والبنية التحتية اللازمة لتطبيق قانون التعليم الجديد؟

أبو العينين: أطالب بقانون جديد يسمح بالاستثمار في التعليم وتحديث منظومة التشريعيات للربط بالصناعة

أبو العينين: الهرم في مصر مقلوب.. خريجين كتير ومهارات قليلة وعجز في الفنيين


قال النائب محمد أبو العينين، وكيل مجلس النواب، إن مشروع تعديل قانون التعليم يُعد أول محاولة جادة لتغيير منظومة التعليم منذ 45 عامًا، مشيرًا إلى أن هذا التعديل يأتي في توقيت بالغ الأهمية، في ظل الحديث المتصاعد عن أهمية ربط التعليم بسوق العمل.

جاء ذلك خلال الجلسة العامة لمجلس النواب، أثناء مناقشة مشروع قانون التعليم الجديد بحضور وزير التربية والتعليم.

وأضاف "أبو العينين"، أن القانون المطروح يقدم رؤية جديدة تواكب تحديات سوق العمل ويغير من النظم التقليدية القائمة، إلا أن نجاحه يتوقف على مدى إدراك التحديات القائمة، التي تتحمل الحكومة مسؤوليتها بالكامل، لا سيما ما يتعلق برؤية مصر 2030 التي وضعت أهدافًا واضحة للتعليم.

وتساءل وكيل المجلس عن مدى جاهزية البنية التحتية اللازمة لتطبيق هذا التحول، خاصة في قطاع التعليم الفني، قائلًا: "هل لدينا المعلم والمنهج والمقررات والمدارس المؤهلة للتعامل مع علوم المستقبل؟ وهل نحن مستعدون للتعامل مع النقلة النوعية التي يفرضها الذكاء الاصطناعي؟".

عبد اللطيف: تعديلات قانون التعليم تتفق مع مقترحات اللجنة البرلمانيةالقصبي: تعديلات قانون التعليم منحت الطالب العديد من البدائل حتى يختار المناسب له من العلوممجلس النواب ينشر انفوجراف بشأن تعديلات قانون التعليمالبكالوريا اختيارية والثانوي مستمر.. تعليم النواب توافق نهائيا على تعديلات قانون التعليم

وأكد وكيل مجلس النواب، أن التحدي الأكبر أمام تطبيق القانون هو التمويل، مضيفًا: "لو تركنا الأمر للدولة فقط، فستقول إن لديها التزامات عديدة. نحتاج إلى موارد حقيقية لتأهيل المعلم والمنشأة التعليمية، وأتمنى أن يقدم الوزير تصورًا لقانون جديد يسمح بالاستثمار في التعليم، من خلال مشاركة القطاع الخاص وجذب المراكز العالمية لتتمركز في مصر وتضيف للتعليم الفني والتكنولوجي قيمة مضافة حقيقية".

وأشار إلى اختلال هيكل سوق العمل، قائلًا: "الهرم مقلوب، هناك زيادة كبيرة في خريجي الجامعات يقابلها نقص حاد في المهارات الفنية والتكنولوجية"، داعيًا إلى تخطيط استراتيجي كامل يغير من السلوكيات التعليمية ويُحدث ثورة في الفكر التشريعي.

وأعرب أبو العينين عن سعادته بالإبقاء على مواد التربية الدينية والتاريخ والتربية الوطنية في القانون الجديد، معتبرًا أن المشروع يطرح فكرًا جديدًا يجب تسويقه جيدًا للرأي العام، فالقانون إذا شُرح للأسر المصرية بشكل واضح ستتقبله وتسعد به ولن تنزعج بسببه.

واختم وكيل مجلس النواب بالموافقة على مشروع القانون، مؤكدًا على ضرورة ربط سياسات التعليم بالصناعة، قائلاً: "نحن أمام نقلة حضارية حقيقية، ويجب أن يتبعها تحديث شامل لقوانين التعليم العالي والتعليم الفني في إطار منظومة جديدة متكاملة".

طباعة شارك وكيل مجلس النواب النائب محمد أبو العينين منظومة التعليم سوق العمل الجلسة العامة لمجلس النواب

مقالات مشابهة

  • بريكس تطالب الدول الغنية بتمويل جهود المناخ العالمية
  • الصين ترد على تهديدات ترامب: مجموعة بريكس لا تستهدف أي دولة ولا تسعى للمواجهة
  • أبو العينين: تعديل قانون التعليم أول محاولة جادة لتغيير المنظومة منذ 45 سنة
  • الصين تعارض استخدام أميركا الرسوم الجمركية أداة للضغط على الآخرين
  • مدبولي في قمة بريكس: تعزيز التعاون المالي وتمكين التسويات بالعملات المحلية ضرورة لمواجهة التحديات العالمية
  • الاتحاد الأوروآسيوي.. موطن المعادن النادرة وصراع القوى الكبرى
  • وسط تصاعد التوترات العالمية وتهديدات ترامب.. بريكس تبحث مستقبل الجنوب العالمي
  • الصحة العالمية: الوحدة تودي بحياة 100 شخص كل ساعة حول العالم
  • عُمان تشارك في "منتدى قادة المدن العالمية" بالنمسا
  • الانبعاثات الكربونية العالمية عند أعلى مستوى رغم النمو الكبير في الطاقة النظيفة