سلط مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، الضوء على العالم والمؤلف الكبير الإمام جلال الدين السيوطي، في ذكرى مولده التي توافق اليوم 3 أكتوبر بالتاريخ الميلادي، وذلك ضمن مشروعه التثقيفي “قدوة”.

- ولد الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، بالقاهرة في غرة رجب سنة (849 هـ/1445م)، وتعود جذور عائلته إلى محافظة أسيوط بصعيد مصر؛ وهذا هو سبب تسميته بالسيوطي.

- رحل والده من أسيوط إلى القاهرة؛ لطلب العلم، والتقى بالعلماء حتى أصبح من العلماء البارزين الذين يعرفهم الناس ويقصدهم أبناء الوجهاء.

- لم يلبث السيوطي أن ينشأ في مجالس علم أبيه حتى توفي والده وهو في السادسة من عمره، فاهتم به أصدقاء والده من العلماء، وأولوه رعايتهم وعنايتهم، وعلى رأسهم الإمام الفقيه الكمال بن الهمام.

- قدر الله تعالى للإمام السيوطي أن يعيش في زمان راجت فيه الحركات العلمية، وتيسرت فيه سبل العلم بما لم يتيسر في زمان قبله؛ مما ساعده على تحصيل العلوم المختلفة في زمن قياسي؛ فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ثم اتجه لحفظ المتون، وطلب العلوم المختلفة، كالفقه والأصول، والتفسير، والحديث، واللغة، وغير ذلك من العلوم.

- رحل الشيخ السيوطي في طلب العلم إلى عديد من البلدان، كالشام، والحجاز، واليمن، والهند، والمغرب، وتلقى العلم على يد كبار علماء عصره، أمثال: الشيخ شهاب الدين الشارمساحي، وشيخ الإسلام علم الدين البلقيني، وشرف الدين المناوي، والعلامة تقي الدين الشبلي الحنفي، والعلامة محيي الدين الكافيجي، والشيخ سيف الدين الحنفي، وغيرهم كثير.

- ولم يقتصر تلقي السيوطي على الشيوخ من العلماء الرجال، بل كان له شيخات راسخات في العلم من النساء، أمثال: آسية بنت جار الله بن صالح الطبري، وكمالية بنت عبد الله بن محمد الأصفهاني، وأم هانئ بنت الحافظ تقي الدين محمد بن محمد بن فهد المكي، وخديجة بنت فرج الزيلعي، وغيرهن كثير.

- برع الإمام السيوطي في ما تلقاه من علوم، مما جعله عالمًا موسوعيًّا في العلوم الشرعية والعربية، كعلم القراءات، والفرائض، والفقه، والأصول، واللغة، ووصل إلى رتبة «الحافظ» في علم الحديث، حتى قيل عنه: إنه خاتمة الحُفَّاظ.

- ولما اكتملت عنده دوائر العلم وأدوات المعرفة جلس للإفتاء، وتدريس العلوم، وفي هذا الشأن يقول عن نفسه رحمه الله: (رُزقت التبحُّر في سبعة علوم: التفسير والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع)، ويقول أيضًا: (وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله، أقول ذلك تحدثًا بنعمة الله لا فخرًا، وأي شيء في الدنيا حتى يطلب تحصيلها في الفخر؟!) اهـ من كتاب حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة.

ولا يخلو متعلم بعد السيوطي إلا ونهل من بحره الزاخر، واستفاد من مؤلفاته النافعة، ومن أبرز تلامذته الذين عاصروه: شمس الدين الداودي، وشمس الدين الشامي محدِّث الديار المصرية، وابن إياس المؤرخ الكبير، وزين الدين الشَّماع، وشمس الدين بن طولون.

جاوزت مؤلفات الإمام السيوطي الستمائة مؤَلف في الفنون والعلوم المختلفة، ساعده على ذلك اعتزاله الناس بعد ما بلغ سنَّ الأربعين، ورفض مقابلة الأمراء والوجهاء، وانقطع في بيته في روضة المقياس على ضفاف النيل، للقراءة والتأليف، فألف الكثير من الكتب التي تُعد من أمهات المراجع في الفنون المختلفة، والتي ملأت طباق الدنيا علمًا، يقول عن نفسه كما جاء في مقامته «طرز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة»: فليس في الإسلام قُطر إلا وقد وصلَت تصانيفي إليه، ولا مِصر إلا وتجد شيئًا من كتبي لديه، ووصلَتْ إليَّ من علماء الأمصار المطالعاتُ والرسائل، ما بين راغبٍ في تأليفي وطالبٍ لجوابِ ما بعَث به من الفتاوى والمسائل.

ومن مؤلفاته في علم التفسير والقراءات: الإتقان في علوم القرآن، الدر المنثور في التفسير المأثور، ترجمان القرآن، المسند، أسرار التنزيل.

وفي علم الحديث: كشف المغطى في شرح الموطا، التوشيح على الجامع الصحيح، الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود، شرح ابن ماجه، تدريب الراوي في شرح تقريب النووي.

وفي الفقه: الأزهار الغضة في حواشي الروضة، الحواشي الصغرى، مختصر الروضة، مختصر التنبيه، شرح التنبيه، الأشباه والنظائر.

إلى جانب مؤلفاته في التفسير والعربية والأصول والتصوف والتاريخ والأدب.

قال عنه تلميذه الداودي: وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالاً وغريبًا، ومتنًا وسندًا، واستنباطًا للأحكام منه، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث؛ قال: ولو وجدت أكثر لحفظته، قال: ولعله لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من ذلك. [ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 10/ 76.]

وقال تلميذه عبد القادر بن محمد: الأستاذ الجليل الكبير، الذي لا تكاد الأعصار تسمع له بنظير.. شيخ الإسلام، وارث علوم الأنبياء عليهم السلام، فريد دهره، ووحيد عصره، مميت البدعة، ومحيي السنة، العلاَّمة البحر الفهامة، مفتي الأنام، وحسنة الليالي والأيام، جامع أشتات الفضائل والفنون، وأوحد علماء الدين، إمام المرشدين، وقامع المبتدعة والملحدين، سلطان العلماء ولسان المتكلمين، إمام المحدِّثين في وقته وزمانه. [إياد خالد الطباع: الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ص5]

كما وصفه ابن العماد الحنبلي بأنه: المُسْنِد المحقِّق المدقِّق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة. [ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 10/ 74]

رحل الإمام السيوطي عن عالمنا في 19 جمادى الأولى سنة 911 هـ، ودفن خارج باب القرافة في القاهرة، ومنطقة مدفنه تعرف الآن بمقابر سيدي جلال؛ نسبةً إليه.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الأزهر السيوطي العلماء القرآن جلال الدین

إقرأ أيضاً:

حكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة الجنازة.. دار الإفتاء تجيب

أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم رفع اليدين عند كل تكبيرة من تكبيرات صلاة الجنازة؟ فرجلٌ اعتاد رفع يديه في تكبيرات صلاة الجنازة بعد التكبيرة الأولى، ويلاحِظ أحيانًا أن مَن يصلي إلى جواره لا يرفع يديه فيها، فما الصواب؟. 

لترد دار الإفتاء موضحة: أنه يُستحب شرعًا رفع اليدين عند التكبيرة الأُولى في صلاة الجنازة، وأما سائر التكبيرات بعد الأُولى فمختلفٌ في استحباب رفعِهِما فيها من عدمه، ومِن ثَمَّ فمَن شرع في صلاة الجنازة جاز له رفعُهُما أو تركُهُما، وكلاهما صحيح شرعًا ولا حرج فيه على فاعله؛ لأن فِعلَهُ وافَقَ قولَ طائفة من الأئمة المجتهدين، ولا يُعتَرَض على مَن فَعَل ذلك أو تَرَكَه، فالأمر في ذلك واسع.

فضل صلاة الجنازة وحكمها

صلاة الجنازة لها فضلٌ كبيرٌ، وأجرٌ عظيمٌ، وهي حقٌّ مِن حقوق الميت على الحي، وفرضٌ من فروض الكفاية، وقد أكَّد الشرع الشريف عليها، وحَثَّ على اغتنام ثوابها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ» أخرجه الشيخان.

وعنه أيضًا رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ» أخرجه الشيخان.

عدد التكبيرات في صلاة الجنازة

صلاة الجنازة أربعُ تكبيراتٍ فيما استقر عليه عمل الأمة، بل نقل بعضُهم الإجماعَ عليه.

قال الإمام ابن عبد البَر في "التمهيد" (6/ 334، ط. أوقاف المغرب): [اختلف السلف في عدد التكبير على الجنازة، ثم اتفقوا على أربع تكبيرات] اهـ.

وقال الإمام النَّوَوِي في "المجموع" (5/ 230، ط. دار الفكر): [التكبيرات الأربع أركانٌ، لا تصح هذه الصلاة إلا بهن، وهذا مُجمَعٌ عليه، وقد كان لبعض الصحابة وغيرهم خلافٌ في أن التكبيرَ المشروعَ خَمسٌ أم أربعٌ أم غير ذلك، ثم انقرض ذلك الخلافُ وأجمَعَت الأُمةُ الآن على أنه أربعُ تكبيراتٍ بلا زيادةٍ ولا نَقْصٍ] اهـ.

حكم رفع اليدين عند التكبير في صلاة الجنازة

بخصوص رفع اليدين عند التكبير فقد ثبت أنه "لا اختلاف بين أهل العلم في أنَّ رفع اليدين في الصلاة على الجنائز ليس بواجب، وإنما يُتَكَلَّمُ في هذا على ما يُستَحبُّ منه"، كما قال الإمام أبو الوليد بن رُشْد الجد في "البيان والتحصيل" (2/ 249، ط. دار الغرب الإسلامي).

والفقهاء وإن اتفقوا على أن رفع اليدين في صلاة الجنازة ليس بواجب، وإنما يُتَكَلَّمُ في هذا على ما يُستَحبُّ منه، إلا أنهم نصُّوا "على أنَّ المُصلِّي على الجنازة يَرفَع يديه في أول تكبيرة يُكَبِّرُها"، كما في "الإجماع" للإمام ابن المُنْذِر (ص: 44، ط. دار المسلم)، و"بداية المجتهد" للإمام أبي الوليد بن رُشْد الحفيد (1/ 248، ط. دار الحديث)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة (2/ 366، ط. مكتبة القاهرة).

حكم رفع اليدين عند التكبيرات الثلاث بعد التكبيرة الأولى في صلاة الجنازة
قد اختلف الفقهاء في حكم رفع اليدين في التكبيرات الثلاث بعد التكبيرة الأولى في صلاة الجنازة:

فذهب إلى استحباب رفع اليدين في كلِّ التكبيرات الأربع في صلاة الجنازة: مشايخ بَلْخٍ من الحنفية، وهو قول عند المالكية، ومذهب الشافعية والحنابلة، والمروي عن بعض السلف والخلف، منهم: عمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وعُروة بن الزُّبَير، وسالم بن عبد الله، وقَيْس بن أبي حازم، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، ومحمد بن سِيرِين، والزُّهْرِي، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارَك، والأَوْزَاعِي، وابن المُنْذِر، وغيرهم؛ لأنها تكبيرةٌ حال القيام والاعتدال، ولا تتصل بسُجُودٍ ولا قُعُودٍ، فأشبَهَت التكبيرةَ الأُولى وهي تكبيرة الإحرام.

فعن موسى بن نُعَيْمٍ مولى زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ مِنَ الْجِنَازَةِ» رواه الإمام أبو بكر بن أبي شَيْبَة في "المصنف".

وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي الْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ» رواه الإمام البَيْهَقِي في "السنن الصغرى".

وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ عَلَى الْجِنَازَةِ» رواه الإمام أبو بكر بن أبي شَيْبَة في "المصنف".

قال الإمام فخر الدين الزَّيْلَعِي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 241، ط. الأميرية): [وكَثيرٌ من مَشايِخ بَلْخٍ اختارُوا الرَّفعَ في كُلِّ تكبيرةٍ] اهـ.

وقال الإمام أبو الحسن علي بن خَلَف المُنُوفِي في "كفاية الطالب الرباني" (1/ 425، ط. دار الفكر) في بيان الخلاف في مسألة رفع اليدين عند تكبيرات صلاة الجنازة: [ثانيها: أنه يرفع في كلِّ تكبيرة، وهو في "المدونة"، واختاره ابن حَبِيب] اهـ.

وقال الإمام الدُّسُوقِي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 418، ط. دار الفكر) في معرض ذكر الخلاف في رفع اليدين عند التكبير في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الأُولى: [ورفعُهُما عند الجميع] اهـ.

وقال الإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 23، ط. دار الكتب العلمية) في معرض حديثه عن أركان صلاة الجنازة وسُننها: [(ويُسنُّ رفعُ يديهِ في التكبيراتِ) فيها حذوَ منكِبَيْهِ، ووضعُهمَا بعدَ كلِّ تكبيرةٍ تحتَ صدرهِ كغيرها من الصَّلواتِ] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (2/ 366) في بيان مَن قال برفع اليدين في تكبيرات صلاة الجنازة كلِّها: [(ويرفع يديه في كلِّ تكبيرة)... وكان ابن عمر يرفع يديه في كل تكبيرة، وبه قال سالم، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، وقَيس بن أبي حازم، والزُّهري، وإسحاق، وابن المُنْذِر، والأَوْزَاعِي] اهـ.

وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 137، ط. دار الكتب العلمية) في بيان أحكام صلاة الجنازة: ([ويَرفعُ يديهِ مع كُلِّ تكبيرةٍ)... لأنهُ لا يَتَّصِلُ طرفُها بِسجودٍ ولا قُعودٍ، فَسُنَّ فيها الرفعُ كَتكبيرةِ الإحرامِ] اهـ.

وقال الإمام البَغَوِي في "شرح السُّنَّة" (5/ 347، ط. المكتب الإسلامي): [واختلف أهل العلم في سائر التكبيرات، فذهب جماعةٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم -منهم: عبد الله بن عمر- أنه يرفع يديه حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ في كلِّ تكبيرة، وعن أنسٍ مثلُه، وبه قال سعيد بن المسيِّب، وعروة بن الزبير، ويُروَى عن عطاء بن أبي رباح، والحسن، وابن سِيرِين، وعمر بن عبد العزيز، وهو قول ابن المبارك] اهـ.

بينما ذهب الحنفية في ظاهر الرواية، والمالكيةُ في المشهور إلى عدم استحباب رفع اليدين في تلك التكبيرات الثلاث بعد التكبيرة الأُولى، أسوةً بركعات الصلاة بعد الركعة الأُولى، حيث لا يستحب عندهم رفع اليدين عند الانتقال إليها، ولأنها تَكبيراتٌ في صلاةٍ لا ركوعَ فيها، فأشبَهَت التكبيرَ في سجود التلاوة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «إِذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» أخرجه الأئمة: الترمذي، والدَّارَقُطْنِي -واللفظ له-، والبَيْهَقِي في "السنن".

قال الإمام علاء الدين الكَاسَانِي الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 314، ط. دار الكتب العلمية): [ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأُولى... لأن كلَّ تكبيرة قائمة مقام ركعة، ثم لا تُرفع الأيدي في سائر الصلوات إلا عند تكبيرة الافتتاح عندنا، فكذا في صلاة الجنازة] اهـ.

وقال الإمام فخر الدين الزَّيْلَعِي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 241): [ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى في ظاهر الرواية] اهـ.

وقال الإمام أبو عبد الله المَوَّاق المالكي في "التاج والإكليل" (3/ 35): [(ورفع اليدين بأولى التكبير) من "المدونة"، قال مالك: لا يرفع يديه إلا في الأُولى] اهـ.

وقال الإمام الدُّسُوقِي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 418): [(قوله: ورفع اليدين بأُولى التكبير فقط) أي: وأما رفعُهما في غير أُولَاه فخلاف الأَوْلَى، وهذا هو المشهور] اهـ.

ومحل الخلاف الحاصل بين الفقهاء في مسألة رفع اليدين في التكبيرات الثلاث التالية للتكبيرة الأُولى في صلاة الجنازة -مِن قبيل الاستحباب لا الوجوب، ومِن ثَمَّ فمن رَفَعَ يديه في التكبيرات الثلاث التالية للتكبيرة الأُولى أو تَرَكَها فقد أصاب؛ لأن فِعلَهُ وافَقَ قولَ طائفة من الأئمة المجتهدين، ولا يُعتَرَض على مَن فَعَل ذلك أو تَرَكَه، فالأمر في ذلك واسع.

الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يُستحب شرعًا رفع اليدين عند التكبيرة الأُولى في صلاة الجنازة، وأما سائر التكبيرات بعد الأُولى فمختلفٌ في استحباب رفعِهِما فيها من عدمه، ومِن ثَمَّ فمَن شرع في صلاة الجنازة جاز له رفعُهُما أو تركُهُما، وكلاهما صحيح شرعًا ولا حرج فيه على فاعله، ولا يُنكَر عليه فِعلُه.

مقالات مشابهة

  • الفرق بين المقامات والأحوال في التصوف
  • الخطاب الديني
  • مدير الجامع الأزهر من قنا: هدفنا توصيل العلم الشرعي إلى جميع المحافظات
  • تعرف على أفضل طريقة لإحياء ليلة النصف من شعبان
  • في ذكرى مولده.. العلامة أحمد عمر هاشم 84 عام من العطاء
  • خصوصية جبل الطور حتى يتجلى الله تعالى عليه
  • تعرف علي موعد وصول صلاح الدين مصدق مدافع الزمالك الجديد
  • حكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة الجنازة.. دار الإفتاء تجيب
  • خالد الجندي: الدراسة الدينية حافز لإتقان غيرها من العلوم ولا تعطلها
  • تعرف على موعد عرض الحلقة الـ 8 من مسلسل "فقرة الساحر"