تفاقم معاناة النازحين في ولايات سودانية والأمراض الفتاكة تحاصر الفارين
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
رصد- تاق برس- شكا النازحون في القضارف، شرق السودان، من تردي الأوضاع البيئة والصحية في مراكز الإيواء وعدم توفر الغذاء والدواء و(الفرشات) مع تفشي حمى الضنك والكوليرا.
وقالت حواء النور المشرفة على مركز إيواء النازحين في مدرسة المفرقعات لراديو دبنقا إن المركز يأوي 175 شخص من بينهم 35 من الأمهات ، و 135 طفل والمتبقين من الرجال.
وقالت إنها وصلت إلى القضارف قبل أسبوعين من عيد الأضحى بسبب تصاعد الحرب في منطقة جنوب الحزام في الخرطوم. وأشارت إلى تحويلها إلى مركز الإيواء بمدرسة المفرقعات منذ يوم 15 يونيو.
ولفتت إلى توزيع حصص غذائية لمرة واحدة في المركز قبل يوم من عيد الأضحى وإن النازحين لم يستلموا أي مواد غذائية منذ ذلك الحين. ونبهت إلى إنهم ينامون على (الفرشات) من أكثر ثلاثة أشهر مع عدم توفر البطاطين والمراتب.
وأكدت إن مركز الإيواء يشهد طفحاً في دورات المياه وانتشاراً للعقارب والثعابين بجانب الذباب والبعوض، مشيرة لمخاوف من تفشي الكوليرا وحمى الضنك.
وقالت إن من بين النازحين حوامل، ومرضعات وأطفال حديثي ولادة ويحتاجون إلى رعاية صحية وغذائية، وأكدت وجود مريضة بالسكري تتعاطى الانسولين وإن ادويتها تلفت بسبب عدم توفر ثلاجة.
وأكدت حاجتهم لملابس شتوية وبطاطين مع حلول فصل الشتاء منبهة لصعوبة النوم على الأرض في فصل الشتاء ، بجانب الحاجة للمواد الغذائية والأواني المنزلية وأواني الطبخ .
دشنت وزارة الرعاية والتنمية الاجتماعية بولاية شمال دارفور، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، (يونيبا) نهار “الاثنين” بمراكز الإيواء بمدرستي التنعيم ودار النعيم، برامج توزيع “كيس الكرامة” للنازحات بمدينة الفاشر.
وقالت مديرة إدارة المرأة نبيلة أدم محمد خلال التدشين أن البرنامج يأتي في إطار مشروعات الوزارة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان في إطار المسؤولية الاجتماعية فضلا عن دعم الأنشطة المجتمعية لمحاربة العنف القائم على النوع.
وأضافت ان البرنامج شمل عدد ٨٠٠ كيس كرامة تحتوي بداخلها مواد صحية متمثلة في الصابون، ومعجون الأسنان وفوط صحية وأمشاط، ومصباح يدوي، وأدوات للنظافة الشخصية، بجانب الجرادل بجانب عقد جلسات توعوية مجتمعية عن العنف القائم على أساس النوع، ونظم الإحالة، وجلسات للدعم النفسي .
يذكر ان برامج “كيس الكرامة” استهدف خلال اليوم الاول ما يقارب مائة مستفيدة بالمركزين، هذا وتستمر الانشطة الخاصة بوزارة الرعاية والتنمية الاجتماعية خلال شهر أكتوبر لتغطية جميع مراكز إيواء النازحين بجانب مراكز المرأة بأحياء الفاشر والمراكز الصحية بالأحياء.
المصدر: تاق برس
إقرأ أيضاً:
عمق الجروح: مرافعة من أجل عدالة انتقالية سودانية
دكتور الوليد آدم مادبو
“العدالة ليست أن تنتصر، بل أن تعيد للناس إيمانهم بأنهم يستحقون الوطن.”
— نيلسون مانديلا
رغم وجاهة الدعوة إلى عدالة انتقالية مستوحاة من تجربة جنوب أفريقيا، كما أشار الدكتور الوليد أحمد عدلان في تعقيب له على مقالي: "في حضرة الجراح: استعادة التوازن الممكن"، فإننا لا يمكن أن نكتفي بالاستدعاء الرمزي لهذه التجربة دون تفكيك عناصرها وتكييفها مع السياق السوداني المأزوم. فالسؤال المركزي الذي يطرح نفسه هو: من يملك اليوم شرعية إطلاق مبادرة بحجم العدالة الانتقالية؟ إن غياب المؤسسات الوطنية الجامعة، وانقسام النخب، وتآكل ثقة الشارع في الفاعلين السياسيين، كلها تجعل من أي مسار عدالة انتقالية محفوفاً بخطر الاختطاف أو التوظيف الفئوي.
ولهذا، لا بد من استحضار تجارب أخرى لا لمجرد المقارنة، بل لاستخلاص عناصر النجاح والإخفاق: في رواندا، على سبيل المثال، لعب القضاء الشعبي دوراً في إعادة تشكيل الروح الجماعية، لكنه أغفل أسئلة العدالة السياسية والاجتماعية. أما في كولومبيا، فساهم الاتفاق مع الفارك في تقليل العنف لكنه اصطدم بعدم رضا قطاعات شعبية عن “تنازلات غير كافية”. بينما في تونس، انتهت تجربة "هيئة الحقيقة والكرامة" إلى نتائج محدودة بسبب ضعف الإرادة السياسية، مما يعلّمنا أن وجود هيئة لا يكفي ما لم تُسند بشرعية اجتماعية واسعة، وأطر قانونية محمية، وإرادة إصلاحية واضحة.
من هذه التجارب نستخلص درسًا مهمًّا: العدالة الانتقالية ليست مسارًا قانونيًا فحسب، بل عقد اجتماعي جديد، يتطلب شرعية شعبية، وتمثيلًا تعدديًا، وإرادة صادقة. ولذا فإن التحدي في السودان لا يكمن فقط في إنشاء هيئة أو لجنة، بل في ضمان شفافيتها، وتحصينها من التوظيف الفئوي، وجعلها تعبيرًا عن وجدان جماعي، لا إرادة فصيل سياسي.
إننا لا نحتاج إلى عدالة تُستخدم كسلاح انتقائي، ولا إلى مصالحة تُفرض بغير اعتراف، بل إلى عدالة تحقّق التوازن الأخلاقي والسياسي، من خلال إعادة توزيع المعنى والثقة، قبل الثروة والسلطة. ما نحتاجه هو عدالة انتقالية سودانية الأصل، متعددة الأصوات، ضامنة للكرامة لا مُكرّسة للغلبة. عدالة تؤسس لسردية وطنية واحدة، تحوّل المأساة إلى ذاكرة جامعة، وتحرّر المستقبل من سطوة المظلومية العمياء أو الاستعلاء الأجوف.
هناك تشابه في البنية الاجتماعية المعقدة بين السودان ورواندا من حيث تداخل الهويات العرقية والدينية الذي أدى إلى نزاعات دموية؛ هناك تشابه في مركزية الدولة وتاريخ الانقلابات بين السودان وتجربة تشيلي بعد بينوشيه أو إندونيسيا بعد سوهارتو، حيث واجهت الدولة تحديات في إعادة الثقة بين المؤسسة العسكرية والمجتمع، وما شهدته البلاد من انتقالات ديمقراطية معقدة. كما يوجد تشابه في عمق الجروح والانقسامات الإثنية بين السودان وجنوب أفريقيا أو كولومبيا، إذ جرى تحويل الصراع من حالة انتقامية إلى مشروع وطني، عبر آليات للعدالة الانتقالية توازن بين المصارحة والمصالحة.
إن إعادة بناء السودان لا تبدأ من محاكمات شعاراتية، بل من مكاشفة صريحة مع الذات: لقد أخطأنا حين اخترنا التنازع على السلطة بدل التشارك في المسؤولية، وأخطأنا حين قدّمنا الولاء الحزبي أو الجهوي على الولاء الوطني، وأخطأنا بل أجرمنا حين جعلنا الثورة سوقًا للمقايضة، والسياسة مجرد تفاوض سطحي والدين أداة للقمع وليس مظلة للعدالة. أخطأنا حين ظننا أن الانتماء للمركز صكّ نجاة، وأن الهامش مجرد فائض سكاني يمكن تدجينه. أخطأنا حين أنكرنا على الآخرين إنسانيتهم، فخسرنا إنسانيتنا في الطريق.
ولن نستعيد الوطن ما لم نعترف بأخطائنا، إذا لم يكن ذلك بدوافع قيمية فليكن بدوافع مصلحية. فالاعتراف بالمسؤولية الجماعية لا يُعد ترفًا أخلاقيًا، بل شرطًا لازمًا لاستعادة التوازن الوطني. فما وصلنا إليه من انهيار لم يكن وليد لحظة خارجية، بل نتيجة تراكمات داخلية من العجز، والخذلان، والتقاعس عن إنصاف المظلومين، وعن الانتصار للقيم التي تحفظ تماسك المجتمعات وتمنع تغوّل السلطة أو تفكك الدولة.
لم يكن بمقدور أي بلد أن يختـرق صفنا الوطني، لو لم تكن هناك فراغات في الجدار، نتوءات في الوعي، وتشققات في نسيج الكرامة جعلتنا نفقد الثقة في أنفسنا ونتعامل مع الحليف التنموي على أساس أنه عدو وهمي (التعبير بتصرف للأستاذة سارة الحوسني)، أو أن نتوهم الصداقة مع غريم أزلي وعدو استراتيجي. كان والدي كثيرا ما يقول لي: لا تتجلى براعة السياسي يا بُني في قوله "نحن مستهدفون"، إنما في تجنيب شعبه الاستهداف. ولأن الوطن ليس جغرافيا نرثها، بل معنى نصوغه بأفعالنا وصدق مقاصدنا، فإننا لا ننجو إلا حين نصغي لصوت الضمير لا ضجيج الشعارات، وحين نقاوم الإغراء ونرفض الاصطفاف الأعمى، وحين نستنكر دعوات الإقصاء: لا مدنيًا يُقصي العسكري، ولا عسكريًا يحتقر المدني، بل معادلة رشيدة تُقيم ميزان الوطن على ساقين: القوة المنضبطة، والحكمة المستنيرة.
ورغم أن المرافعة الأخلاقية هذه تظل ضرورية، فإننا بحاجة إلى ترجمة هذا الطموح إلى آليات تُصمَّم من الداخل، وتعكس التنوع الحقيقي للمجتمع السوداني، لا أن تُفرض بمنطق الوصاية أو الحسابات السياسية الضيقة. يحتاج هذا الأمر إلى تضافر جهود كل المختصين (قانونيين دستوريين، علماء اجتماع، أساتذة علوم سياسية، اقتصاديين، إلى آخره)، الزعماء الأهليين من قبليين ودينيين، خبراء عالميين لهم تخصصات شتى في حقول المعرفة السودانية المختلفة، شباب الثورة الغيورين وكافة أبناء الوطن الحادبين. نحتاج إلى إعداد جيد قبل أن ندعو الضحية والجلاد إلى قاعة الشعب وإلى ساحة الحقيقة والمصالحة.
حينها لن نحتاج إلى عصا خارجيّة أو مبادرة أممية تُعيدنا إلى جادة الطريق، بل إلى قلوبٍ تعترف، وعقول تُدبّر، وسواعد تتضافر. فالتاريخ لا يرحم المتقاعسين، ولا يسامح المزيفين. فلنبدأ إذن من حيث تتلاقى القلوب لا تتصادم، ومن حيث يُغفر الماضي لا يُنسى، ومن حيث تُبنى الذاكرة المشتركة لا لتثبيت الألم، بل لتحويله إلى حكاية خلاص.
April 28, 2025