ما هو تأثير العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على الأمين العام للحركة الإسلامية في السودان «علي كرتي»، في مسارات الحرب الدائرة بالبلاد؟، سؤال تباينت إجابات المحللين بشأنه وإن اتفقت على أهمية الخطوة.

الخرطوم: التغيير

أثارت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على الأمين العام للحركة الإسلامية في السودان «علي كرتي»، تساؤلات بشأن ما تعنيه، ومدى جدواها؟، وماهية الأسباب الحقيقية وراء فرضها؟، خاصة وأن ذات العقوبات فرضت على نظام المعزول عمر البشير الذي ظل يقاومها لعدة عقود!!.

وبوقتٍ يشكك فيه مراقبون في جدوى العقوبات على الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان ومليشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حمدان»، وهما طرفان يمسكان بمفاصل التحايل عليها كما خلال حقبة البشير، الأمر الذي يدفع للتساؤل حول تأثير هذه العقوبات على مسارات الحرب الجارية بين الطرفين حالياً؟!

دور كرتي

الولايات المتحدة أعلنت الأسبوع الماضي، فرض عقوبات على وزير الخارجية الأسبق «علي كرتي» على خلفية اتهامه بعرقلة مساعي التوصل إلى اتفاق لوقف النار يضع حدا للنزاع الذي تشهده البلاد منذ أبريل الماضي.

ولعب كرتي القيادي في حزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية، أدواراً سياسية واقتصادية وأمنية في نظام البشير، وتولى وزارة الخارجية بين عامي 2010 و2015 في عهد المخلوع عمر البشير، ويعد من أغنى رجال الأعمال في السودان، ونزعت منه لجنة إزالة التمكين المُجمدة عدداً من العقارات التي حصل عليها بصورة غير قانونية.

وقاد كرتي التنظيم بعد سقوط النظام، وظل مختفياً فترة طويلة، ثم ظهر في أنشطة سياسية واجتماعية عديدة بعد انقلاب العسكر على الحكومة المدنية في أكتوبر 2021م.

وتدعم العقوبات الأمريكية الأخيرة على «كرتي» المعلومات التي تقول إنه على صلة قوية بالفريق البرهان، ويقود التيار الداعي لاستمرار الحرب ورفض التفاوض.

عقوبات سابقة

وسبق أن فرضت واشنطن وأطراف غربية أخرى عقوبات على أفراد وشركات على صلة بالنزاع الذي انطلقت شرارته في 15 أبريل الماضي وأودى بحياة 7500 شخص على الأقل.

وتسبّب الصراع في نزوح أكثر من خمسة ملايين شخص إلى مناطق أخرى داخل السودان أو إلى دول الجوار، بحسب الأمم المتحدة.

وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على السودان في فترات مختلفة بدأت في مطلع  التسعينات، عندما كان التنظيم بقيادة عرابه الراحل حسن الترابي وعمر البشير، واستضافته لرموز الإسلاميين المتطرفين من كل دول العالم، مما نتج عنه فرض عقوبات تحت قوانين مكافحة الإرهاب، بعد تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية.

وبعد اشتعال الحرب في إقليم دارفور ومقتل أكثر من 300 ألفاً وتدهور الأوضاع الإنسانية وازدياد المعاناة الإنسانية، قررت الولايات المتحدة فرض عقوبات على نظام البشير ومجموعة من أعوانه.

إسقاط البشير

ويرى مراقبون أن العقوبات الأمريكية فرضت حصاراً كبيرا على السودان خاصةً بعد فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات مماثلة على الحكومة، أدت لتأثر الاقتصاد السوداني وأصبح النظام في عزلة أدت إلى ضائقة اقتصادية، زادت من معاناة المواطنين الذين ظلوا يطالبون بشكل مستمر بضرورة رحيل نظام الإنقاذ بعد تعطل المصانع بسبب عدم توفر قطع الغيار وتشريد العمال بسبب سياسة التمكين التي اتخذها النظام السابق منذ صعوده لسدة الحكم بانقلاب يونيو 1989م، وانقطعت المساعدات الخارجية خاصةً من الدول الغربية، كما تأثر القطاع المصرفي بشكل كبير بعد تعطل عمليات التجارة الخارجية وتحويلات البنوك الأجنبية، كل ذلك مهد إلى سقوط نظام البشير في 2019م بثورة شعبية واسعة.

قرار متأخر

الأمين العام لحزب الأمة القومي، القيادي بقوي الحرية والتغيير المجلس المركزي الواثق البرير، اعتبر أن القرار الأمريكي بفرض عقوبات على «علي كرتي» جاء متأخراً، لأنهم ظلوا يؤكدون أن الجماعات الإسلامية الظلامية تعمل على تقويض العملية السياسية في السودان وأنها هي من بدأت هذه الحرب واشعلت هذه الفتنة.

وأعرب البرير عن أمله في ان يسلط القرار الأمريكي الأخير بفرض العقوبات على «كرتي»، الضوء على ما تقوم به التيارات الإسلامية في السودان من تقويض للاستقرار وإعاقة تنفيذ الاتفاق الإطاري.

عقوبات متوقعة

ويقول الناشط السياسي والحقوقي عبد الباسط الحاج، إن العقوبات التي فرضت على القيادي الإسلامي علي كرتي كانت متوقعه وفق السياسة الخارجية التي تتبعها الإدارة الأمريكية.

وأضاف لـ«التغيير»: “فعليا سعى الإسلاميون طوال فترة الحكومة الانتقالية إلى تقويض الانتقال في السودان”.

وتابع: “على الرغم من ضعف هذه العقوبات عمليا ولكن هي خطوة نحو حصار معيقي الانتقال وكشفهم سياسياً ودبلوماسياً بحيث شملت العقوبات حظر الحصول على الفيزا للولايات المتحدة”.

تورط الإسلاميين

وأوضح الحاج أن الجزء الآخر من هذه العقوبات والأهم هو العقوبات التي فرضت على شركات تتبع للدعم السريع بحيث أنها كذلك متورطة في الدعم المالي للحرب وتمويلها خارجياً بالتعاون مع شركات روسية كما هو معلوم حجم الدعم العسكري الذي تتلقاه قوات الدعم السريع بواسطة أفريقيا الوسطى من شركة فاغنر الروسية وغيرها من الجوار السوداني وهذا من شأنه أن يطيل أمد الحرب أكثر.

ولفت إلى أن تورط الإسلاميين في هذه الحرب لا يحتاج إلى تأكيد من الولايات المتحدة وإنما أمريكا قامت بدورها كدولة تجاه معيقي الانتقال الديمقراطي، وقال: “على أي حال فإن الإسلاميين أظهروا عداءهم للانتقال على الملأ وهددوا بالحرب”.

وأضاف: “بكل تأكيد فإن البرهان سوف يسعى إلى تفادي ظهور الإسلاميين لأن ذلك سوف يورطه مع العالم خاصةً وأنه يسعى إلى كسب المزيد من الشرعية”.

دفعة للأمام

وحول جدوى القرار ومساهمته في إيقاف الحرب، قال عبد الباسط الحاج، “إن القرار لن يحل هذه الأزمة لأنه ليس به جانب عملي أكثر من الجوانب التي تخص الولايات المتحدة، بالتالي هذا القرار لن يسهم في حل الأزمة أو تعقيدها ولكن ربما يكون دفعة للشعب السوداني في صياغة مواقف معلنة تجاه أطراف الحرب.

تأكيد دولي

وبدوره، اعتبر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، أن العقوبات الأمريكية تجاه علي كرتي تمثل تأكيداً طابعه دولي هذه المرة عن صلة وتورط الحركة الإسلامية وواجهاتها على رأسها حزب المؤتمر الوطني المحلول في إشعال حرب 15 أبريل في السودان.

وقال أبو الجوخ لـ«التغيير»: “بكل تأكيد فإن هذه العقوبات لا تظهر صلة الحركة الإسلامية وحزبها المحلول بالحرب فقط وإنما في عرقلة وإعاقة وتقويض الانتقال المدني الديمقراطي هذه الوقائع باتت حقائق ومن لا يراها فأنه كما ينكر الشمس في رابعة النهار”.

وأضاف: “الحركة الإسلامية الإرهابية وواجهاتها متورطين في هذه الحرب ومشعلين لها ومصممين على استمرارها لأن توقفها دون تحقيق أهدافهم السياسية منها يعني تحميلهم التداعيات المرتبطة بها وهي أضعاف مضاعفة في شهورها الستة عن حصاد جرائمهم خلال حكمهم لثلاثة عقود”.

خيار وحيد

وحول تأثير القرار على علاقة البرهان بالإسلاميين يقول أبو الجوخ: “لا اعتقد أن هذا القرار سيؤثر على علاقة الإسلاميين بالبرهان لأن ما يجمع بين الطرفين بات أكثر مما يفرقهما لكن النتائج الواضحة للعيان أن الفرص المستقبلية لوجود الحركة الإسلامية الإرهابية وواجهاتها والبرهان في المسرح السياسي المستقبلي تقترب من نقطة (الانعدام)”.

ونبه إلى أنه من الواضح أن خيار الحركة الإسلامية الإرهابية بقيادة كرتي محسوم ستواصل في هذه الحرب حتى النهاية وإن أدى لهزيمتها ودحرها بشكل كامل لأن أي خيار يفضي لتوقفها سيترتب عليه إبعادها الكامل وعوضاً عن مطاردة ثلاثة من قادتها من قبل المحكمة الجنائية الدولية فإن جل قادتها سيجدون أنفسهم مطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية”.

وتابع: “لذلك فلا خيار لهم سوى الاستمرار في هذه الحرب لأن القرار الأمريكي يمتد أثره السياسي لقطع الطريق أمام استيعابهم في أي ترتيبات سياسية مستقبلية وفقاً لما كانت تسعي له أطراف إقليمية داخل الاتحاد الأفريقي أو مجموعات سياسية”.

تعقيد الموقف

وزاد أبو الجوخ: “بالنسبة للبرهان فإن استمراره في الحرب يعني إهالة التراب على أي فرصة وجود سياسي مستقبلي أما محاولة الانفكاك من سيطرة الإسلاميين فهذا يعني دخوله في مواجهة معهم ويجعل السيناريو هو الصدام الوارد بين الطرفين وفي ظل المعطيات الحالية وإحاطة وسيطرة الحركة الإسلامية على كل المفاصل السياسية والعسكرية المحيطة بالبرهان فإن مصير الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح هو ما يلوح في الأفق أمام نظر البرهان في حال محاولته الانفكاك من سيطرة الإسلاميين والوصول لاتفاق سلام ينهي الحرب”.

وأوضح أن القرار الأمريكي تجاه علي كرتي يقود الأمر للتعقيد لكونه يغلق الطريق أمام مجموعة الحركة الإسلامية الإرهابية من أي إمكانية لاستيعابهم في أي ترتيبات سياسية مستقبلية، وبالتالي من المتوقع أن يقود الحركة الإسلامية لممارسة دور أكثر تشدداً تجاه أي مساعٍ لإنهاء الحرب مع ضرورة الإشارة إلى أن هذا التشدد والاعاقة ظل ممارساً قبل هذه العقوبات، وبالتالي فإن صدورها بمثابة إغلاق باب ويأس من إمكانية اقتناع الإسلاميين بإيقافها.

تصور غير واقعي

واستدرك أبو الجوخ بالقول: “لكن بغض النظر فإن فرص ومقدرة وإمكانية إستمرار طرفي الحرب فيها إلى ما لا نهاية تبدو غير واردة خاصةً في ظل افتقادهما للبعد الإقليمي والدولي الذي يتيح لهما ضمان استمرارها لفترات طويلة كما حدث في سوريا أو ليبيا، أما المشهد السوداني الحالي فإنه يبدو مقارباً لما حدث في لبنان بعد استقالة أمين الجميل ومقتل الرئيس معوض بعد أقل من شهر من انتخابه ومساعي قائد الجيش وقتها العماد ميشيل عون لإرباك المشهد وتكريس الانقسام تحت مسمي حرب الكرامة وانتهى به الأمر مهزوماً منفياً من بلاده بعد هزيمته عسكرياً”.

وأكد أن استمرار الحرب إلى ما لا نهاية هو تصور غير سياسي أو واقعي وسينتهي الأمر بمن أشعلوها ليستظلوا بنارها ويدفعوا ثمن إشعالها في خاتمة المطاف.

الوسومالجيش الحركة الإسلامية الدعم السريع السودان حزب المؤتمر الوطني المحلول دارفور عبد الفتاح البرهان علي كرتي عمر البشير محمد حمدان دقلو نظام الإنقاذ

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الحركة الإسلامية الدعم السريع السودان دارفور عبد الفتاح البرهان علي كرتي عمر البشير محمد حمدان دقلو نظام الإنقاذ الولایات المتحدة القرار الأمریکی هذه العقوبات فی هذه الحرب فرض عقوبات عقوبات على فی السودان علی کرتی

إقرأ أيضاً:

الصين تنتقد أمريكا بسبب جوانتانامو

قالت وزارة الخارجية الصينية إن الولايات المتحدة يجب أن تتوقف فوراً عن احتلال الأراضي الكوبية بشكل غير قانوني، وأن تغلق منشأة الاحتجاز في خليج جوانتانامو، وأن تنسحب من قاعدة جوانتانامو في أقرب وقت ممكن، وفق ما ذكرت صحيفة تشاينا دايلي.

أدلى المتحدث باسم الوزارة لين جيان بهذه التصريحات عندما طُلب منه التعليق على استفسار ذي صلة في مؤتمر صحفي يومي يوم الجمعة.

وتشير التقارير إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت مؤخراً عن إعادة أحد المعتقلين من معتقل خليج جوانتانامو، ولا يزال 29 معتقلاً هناك، وفي السنوات الأخيرة، وعدت الإدارات المتعاقبة عدة مرات بإغلاق معتقل خليج جوانتانامو، ولكنها لم تتصرف على هذا النحو حتى الآن،
وعلى الرغم من الاحتجاجات المتكررة من جانب الحكومة الكوبية، احتلت الولايات المتحدة جزءاً من خليج جوانتانامو بشكل غير قانوني لأكثر من 120 عاماً.

وقال لين إن الولايات المتحدة احتلت منذ فترة طويلة جزءا من خليج جوانتانامو بشكل غير قانوني، ونفذت عمليات اعتقال تعسفي واستخدمت التعذيب لانتزاع الاعترافات في منشأة الاحتجاز هناك.

وأضاف: "إن ما فعلته الولايات المتحدة ينتهك القانون الدولي بشكل خطير ويقوض سيادة كوبا وحقوقها ومصالحها".

وأضاف المتحدث أن المجتمع الدولي بما في ذلك الأمم المتحدة أعرب أكثر من مرة عن قلقه بشأن هذه القضية وطلب من الولايات المتحدة إغلاق مركز الاحتجاز هناك ومعاملة المعتقلين بشكل عادل في أقرب وقت ممكن.

وقال المتحدث إن الفشل المتكرر للولايات المتحدة في الوفاء بوعدها بإغلاق "معسكر الاعتقال" الذي تديره الولايات المتحدة لن يؤدي إلا إلى إضافة وصمة عار أخرى إلى السجل الأمريكي السيئ في مجال حقوق الإنسان وكشف عن فراغ التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان.

وأضاف لين إن معتقل جوانتانامو هو الجرح المزمن في كوبا، وهو شاهد حي على أكثر من قرن من التدخل غير القانوني الأميركي في كوبا، مضيفا أن الولايات المتحدة، في حين تدير عمليات اعتقال تعسفية واسعة النطاق في جوانتانامو، تبقي على كوبا على قائمة ما يسمى "الدول الراعية للإرهاب".

وذكر لين إن الصين تدعم كوبا بقوة في الدفاع عن سيادتها الوطنية وكرامتها، وتعارض التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لكوبا، مضيفا أن الولايات المتحدة بحاجة إلى وقف الترهيب والحصار على كوبا، وإعادة أراضي الشعب الكوبي إليه، وإزالة كوبا من قائمة "الدول الراعية للإرهاب".

مقالات مشابهة

  • الكرملين يعلق على أنباء طلب أسماء الطلاق وفرض قيود على تحركات الأسد
  • ترامب يريد منع الحرب العالمية الثالثة وحماية سماء أمريكا بـقبة حديدية
  • إتفاق بين صحة الخرطوم والجامعة الإسلامية على إعادة مستشفاها للخدمة وتدريب الطلاب
  • ما تأثير العقوبات الأمريكية على رئيس البنك المركزي بصنعاء على القطاع المصرفي؟
  • علي الحاج يفجر تصريحات نارية ويهدد قيادة الجيش ويكشف المستور ومن أشعل الحرب وأسقط نظام البشير ويعترف :نحن الإسلاميين يجب ان نكفر عن سيئاتنا
  • أمريكا تفرض قيودًا على منح تأشيرات لأشخاص من جنوب السودان
  • مجلس الأمن الدولى نادى للكلام وقِلة الأفعال
  • السودان يطلب من أمريكا تصنيف المليشيا مجموعة إرهابية والضغط على الإمارات لوقف مدها بشحنات السلاح
  • سودانيون يحيون ذكرى ثورة 19 ديسمبر بـ«احتجاجات إسفيرية» .. أنصار البشير يتحدونهم بالنزول إلى الشوارع
  • الصين تنتقد أمريكا بسبب جوانتانامو