الاكتئاب الخريفي يهددك بالانهيار العصبي.. تجنب العزلة والخمول
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
الاكتئاب الخريفي.. تتباين درجات الحرارة منذ نهاية شهر سبتمبر وحتى في بداية شهر أكتوبر فنجد ارتفاعا في درجات الحرارة ونسمات خريفية من وقت لآخر، مما أدى إلى اختلاف درجات الحرارة عن الفترة الصيفية، كما أحدثت العديد من التغيرات الموسمية تغيرا في الحالة النفسية والصحية للأشخاص، خاصة كبار السن من الأفراد.
قال الدكتور محمد كواش، المتخصص في الصحة العامة إن التقلبات الجوية متغيرة باستمرار خلال فصل الخريف، وتتخللها نسمات باردة، وانتشار لحبوب اللقاح في الهواء، وهو ما يؤدي إلى الحساسية والإنفلونزا الموسمية، والالتهابات الملتحمة نتيجة للغبار والأتربة، حبوب لقاح الأشجار والنباتات الأخرى.
وأشار كواش إلى أنه يتعرض بعض الأشخاص خلال فصل الخريف، إلى تورم العين وتهيجها، وخروج إفرازات منها، كما يعاني البعض أيضا، من حساسية شديدة للضوء.
وأكد المتخصص في الصحة العامة لـ«الشروق» الجزائرية أن كل الاضطرابات الموسمية، تسبب حالة اكتئاب وشعور بالإزعاج، والمزاج السيئ الذي يدوم بحسبه، فترة طويلة عند البعض، ونجد فئة النساء أو كبار السن الأكثر عرضه لذلك، وأيضا من الذين فقدوا الاهتمام أو حرموا من التمتع بنشاطات يومية، والذين أحيلوا على التقاعد.
وحذر الدكتور كواش من «الاكتئاب الخريفي»، لأنه مرض بحسبه، يصيب الأغلبية ويجهله الكثير، حيث دعا إلى الانتباه إلى مثل هذه الأمراض النفسية الموسمية، «لأنها خطوات نحو الأزمة النفسية الخطيرة»، وأضاف إن الاكتئاب الخريفي، حالة نفسية تصيب الكثير من الأشخاص بفعل عوامل نفسية ومناخية، فالأفراد الذين يحبون فصل الصيف والمتميزون بالسهر والسفر، يتغير مزاجهم مع بداية الدخول الاجتماعي، حيث يصبح اليوم قصيرا والليل طويلا.
وشدد على أن هذا التغير للنمط المعيشي من الصيف إلى الخريف يؤثر بشكل كبير عند بعض الأشخاص ويؤدي إلى نوبات تسمى الاكتئاب الخريفي، والعزلة والخوف، الأرق، واضطراب النوم والكوابيس الليلية، مشيرا إلى أن اغلب هؤلاء من مواليد فصل الصيف.
وأوضح أن تساقط الأوراق في الخريف سببه الإضاءة التي تقل في الخريف وخاصة في الفترة المسائية حيت تأتي بشكل مبكر جدا، وهذا ما يؤدي إلى انخفاض تعرض الأشجار للإضاءة وتوقف تركيب اليخضور وتتساقط الأوراق وموتها.
ونجد للإنسان مماثلا لذلك، فيؤدي انخفاض الضوء إلى نقص فتامين «دال» الذي يدخل في تركيب الكثير من الهرمونات، من بينها هرمون السعادة والنشاط، والنمو، وقوة العظام، حيث يؤدي ذلك، إلى ظهور الخمول الاكتئاب والانهيار البدني والعصبي أو ما يسمى «الاكتئاب الخريفي».
واختتم كواش، بالانتباه لخطورة الاكتئاب الخريفي، خاصة عند الشباب والذين يعيشون العزلة، قائلا: «إن الاكتئاب الخريفي قد يؤدي للانهيار العصبي فنحذر ويجب علينا أن ننشط خلال الفترة الخريفية، وأن نسافر وتطالع ونتجنب العزلة وأن نتعرض لأشعة الشمس ونمارس الرياضة والمشي في هذه الفترة من السنة».
اقرأ أيضاًالأرصاد الجوية تكشف عن موعد بدء فصل الشتاء
الأرصاد الجوية توضح حقيقة سيول البحر الأحمر في «الخريف»
قبل فصل الشتاء 2023.. الفئات المستثناة من قرار تنظيم المواعيد الشتوية للمحلات
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فصل الخريف الاكتئاب شتاء مرض الاكتئاب الموسمي العزلة خريف خلال فصل الخریف
إقرأ أيضاً:
العزلـة فـي زمـن الوبـاء.. نظـرة نحـو المـوت والحيـاة!
عبرت شهور العزلة العجاف في زمن الوباء كسواد حالك، لا شمس فيه تنير عتمة الخوف، ولا قمر يضيء مسارات الحياة. كانت الظروف أصعب مما يمكن أن نتصوره يومًا، أشياء تفوق مخيلتنا البسيطة، كنا نسمع عن العزلة في زمن الوباء، لكننا لم نكن نعلم أن واقعها سيكون بهذه الصعوبة.
شهور وليالٍ طويلة عاشها العالم تحت رحمة مظلة الخوف، ثم بأمر الله تعالى انجلت تلك الغيمة السوداء المُعبأة بمزن المرض والفراق، رحلت بعد أن أنهكت الجائحة نفوس البشر تعبًا وألمًا لفقد من يحبون، أو بسبب آثار لن تنتهي بسهولة. تركهم البلاء الغامض بعد أن عبث بأروقة المستشفيات وأماكن العزل، وتحكم في مصير الناس يمينًا ويسارًا، حتى انقضى ذلك الكابوس المخيف.
ذهب «كوفيد» بعيدًا عن الأماكن التي واجهته، ليس استسلامًا منه، ولكن بفضل التزام بشري وحرص على البقاء والصمود أمام هذا الفيروس القاتل. ورغم هذه القطيعة عن الأجواء التي كان يسكنها، والأجساد التي كان يتغذى منها وينتشر عبرها، إلا أنه ترك في قلوب الأحياء حسرات مكتومة، وملأ البيوت بأماكن شاغرة لن يعوضها شيء جديد قد يولد مع الوقت، فـ«الأشياء التي تذروها الرياح لا تعود إلى الوراء». انفرج الكرب، ودارت ساقية الحياة في جدول الزمن، وانكشف المستور، فأبصرت عيوننا مشهدًا مروعًا أشبه بـ«كارثة إنسانية» حلت بنا وأزهقت الأرواح البريئة.
لقد أصبحت شواهد القبور الندية تذكرنا بالذين ترجلوا وذهبوا إلى خالقهم، ولم يبقَ لنا سوى الدعاء والترحم على موتانا وموتى المسلمين في كل مكان. عدنا إلى الحياة من جديد، لكن عيوننا لا تزال، حتى هذه اللحظة، بعد سنوات من انقضاء الجائحة، مملوءة بالدموع، وقلوبنا يعتصرها الانكسار، فلا الواقع يكفكف دمعًا، ولا عقولنا ستنسى وجوهًا أصبحت غائبة عن مشهد الحياة، ولا القلوب ستجد من يسد فجوات البعد.
في وهج الوباء الشرس، كان كل شيء في الحياة يبدو مختلفًا عن أي وقت آخر عشناه سابقًا، الموت كان يتربص بنا وبمن حولنا بلا هوادة، فلا يكاد يمر يوم دون أن يكون هناك زائر جديد لقبر مفتوح. أبواب جحيم المرض قد فُتحت على مصراعيها، وأصبح الفقد أمرًا واقعًا وحتميًا في بعض الحالات، فالأرواح البشرية لا تملك القدرة على المقاومة إلى الأبد، خاصة بعد أن ينهكها الفيروس القاتل بقوته وصلابته واختبائه عن الأنظار تحت أسقف الأشياء الجميلة.
في ذروة الوباء وانتشاره تناثر الناس عن بعضهم البعض، لكن الإصابات بقيت مرتفعة، والواقع ازداد حيرة، لم يكن هناك سبيل سوى التباعد، والالتزام بربط «حزام الأمان»، فامتثل الناس لما طُلب منهم، وظلّت الأحزمة مربوطة لفترة ليست بالقصيرة، وأصبح الانتقال من مكان إلى آخر محددًا بأوقات معينة.
كل يوم كانت هناك إحصائيات محلية ودولية تفيد بأن الوباء قد انتشر بين الناس بصورة مرعبة، وأن حالات الإصابة والوفيات تتصاعد لحظة بلحظة!
في غرف العزل، كان ثمة موت آخر يواجه المرضى، موت لا يدرك شدته إلا الناجون من غرق الموت. بعض الشهادات كانت صادمة للغاية، فعدد من الناجين وصفوا ما مروا به بأنه «انتقام» لا يرحم من فيروس خانق. كانت الطعنات التي يسددها الوباء في صدور المصابين تترك جرحًا داميًا لا يتوقف نزيفه بسهولة، بل يظل يضغط على أعناقهم حتى يقطع أنفاسهم عن أجسادهم، فيموتون متأثرين به.
أيام قد مضت على الجائحة، ولكن من عاش تفاصيلها فسيظل يتذكرها، ولا يتمنى أن يعيشها مرة أخرى. بعد سنوات من الاستشفاء النفسي، لا تزال أجساد بعض المصابين تعاني من تداعيات الوباء وآثاره. بعض الذين اعتقدوا أنهم قد نجوا من مضاعفاته، سرعان ما لحقوا بمن سبقهم إلى القبر دون وداع، والبعض الآخر يحاول مع الزمن التعافي، والصمود لأطول وقت ممكن، والتآلف مع محنة المرض التي أصابته.
صفحة الوباء لن تطوى بهذه السهولة كما نعتقد؛ لأن أنهار الدموع التي سالت من مقل العيون بسبب الألم النفسي والعضوي لم تجف بعد، وجيش من الأفئدة المحطمة وآثار سقوطها في ساحات المعارك مع المرض العضال ما زالت باقية. هناك قائمة طويلة من «الأطفال والنساء والشيوخ الطاعنين في السن» لم يكن لهم نصيب لرؤية العالم من جديد ما بعد الجائحة، ولم يُكتب لهم الله أن يخرجوا من فوهة المرض سالمين، بل زهقت أرواحهم من تأثير الجائحة، فلهم الرحمة والمغفرة من الله تعالى».
إن الشعور بانشطار الروح هو من أصعب المراحل والقرارات التي تحسم الواقع الذي يعيشه الإنسان؛ فالخوف ليس مجرد رهبة من المرض بقدر ما هو فاجعة تتجلى في إحساس بأن الموت سينتزع كل شيء يربط الشخص منا بالحياة. فقد يترك أطفالًا صغارًا وعائلة كاملة بدون عائل يعيلهم بعد الله. لذا كان المرضى يحسون بوجع الفراق قبل وصوله إلى مرحلة النهاية. الألم لم يكن جسديًا بقدر ما كان نفسيًا. تصور أنك تخطو خطواتك في قفار من الألغام المخبأة عن الأنظار، هكذا كان الفيروس هو اللغم الذي يمكن أن ينفجر سريعًا ويصيبك بأذى، وأنت لا تراه بعينك المجردة، ينتقل من جسد إلى آخر ومن دولة إلى أخرى بسهولة تامة.
الحقيقة التي رسختها الجائحة عمليًا تؤكد أن الإنسان ضعيف أمام الكائنات الدقيقة، فلا يعتقد شخص ما أنه قادر على مواجهة عدو لا يراه، أو أن يهزم شبحًا لا يُحدد مكانه وتفاصيله، ومن ثم يدّعي بأن مناعته قوية، قادرة على فعل المستحيل؛ فالذي لا تراه بعينك قد يكون سهمًا يخترق رئتيك، فتُصبح عاجزًا عن التنفس أو الحديث، أو تشعر بنزعات الموت في كل ثانية تمر عليك بعد الإصابة، ويمكن أن تُصاب بالفيروس ولا تعرف ذلك، بل تظل واهمًا بأنك شخص قوي قادر على المواجهة حتى تسقط على الأرض لتدرك أنك ضعيف للغاية.
المرض لا يهاجم الضعفاء فقط، بل يتسلل إلى الأقوياء فيضعفهم بقوته وشدته مع مرور الوقت. فهناك من ادعى بأنه في مأمن من الوباء القاتل، وسرعان ما وجد نفسه محاصرًا بين أسرّة المرضى وعاجزًا عن دفع هذا الفيروس خارج جسده، يصرخ بأعلى صوته طالبًا المساعدة للتغلب على ألمه.
إن مرحلة الوباء لم تكن سهلة أو مجرد فترة عابرة في حياة الشعوب، بل كانت مأساة إنسانية أوجدت مساحات كبيرة من الأرض لتكون قبورًا للموتى، حيث دُفنت فيها أجساد المصابين بالوباء بعد أن فارقوا الحياة. ربما لم نرَ بعض أقاربنا الذين توفوا بالوباء لصعوبة تلك المرحلة، لكن صورهم القديمة لا تزال عالقة في أذهاننا، نتذكرهم كلما هبت نسائم الذكرى.
في قمة الوباء وشدته، كانت هناك ملاحم بطولية تشكّلت من أشخاص وهبوا حياتهم ليعيش غيرهم. المستشفيات والطواقم الطبية كانوا خير من تصدَّى لهذه الجائحة، وأيضًا هناك شخصيات ظلَّت في الظل، لكنها كانت جنودًا مجهولين عنا رغم دورهم الكبير في التوجيه والمتابعة، لم ترهبهم بشاعة المرض أو المصير الذي يمكن أن ينتظرهم في غرف تعج بأنين المرضى وأجهزة التنفس وغيرها، ومع كل الحذر والصمود، خسرنا عددًا من أبطالنا الأوفياء لمهنتهم ولوطنهم، لكنهم سيظلون في عيوننا أبطالًا إلى الأبد.
إن فرحة الاستشفاء من الجائحة وإعلان نهايتها، جعلتنا ننسى فصولًا من بطولات كانت واقعًا مشرفًا، وسببًا في خروج بعض المرضى من غرف العزل، والعودة إلى ديارهم وحياتهم، وإلى أسرهم التي اشتاقت لهم، لكن بين فترة وأخرى علينا أن نتذكر الأبطال الذين قدموا حياتهم فداءً لرسالتهم العظيمة في الحياة، وتضحياتهم من أجل أن يعيش وطنهم بأمان واطمئنان.
وأخيرًا كما قيل قديمًا: «سيمضي كل شيء مع الوقت إلا شيئا واحدا لن يمضي، ولن يستطيع أن يمضي أبدًا... إنه الشيء العالق في قاع القلب، يتغذى بصمت... ربما يكون حزنًا دفينًا... ربما شخصًا فقدناه وخسرناه في معركة البقاء... وربما حديثًا لا نستطيع البوح به، لا بشق الأنفاس؛ لأن الكلمات لن تمنحه حقه... لكننا مع كل ذلك الوجع، لا نستطيع اجتيازه بهدوء... لا نستطيع أبدًا... لا لشيء... إلا لأنه حقيقتنا الوحيدة الراسخة في الذاكرة والوجود... وعلى وجه هذا العالم.