ود مدني السودان: أحمد يونس

‏أول مرة يعلن فيها عن وجود «كتائب الظل»، التابعة لتنظيم الحركة الإسلامية السودانية، جاء إبان اندلاع ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، حين أعلن الأمين العام السابق للحركة، علي عثمان محمد طه، مقولته الشهيرة: «لدينا كتائب ظل تعرفونها». انحنت هذه الكتائب، والمجموعات المدنية المسلحة، والذراع المسلحة للتنظيم، التي كانت تقود فعلاً الجيش وقوات الدفاع الشعبي، لعاصفة الثورة، فأخفت وجودها العسكري، بيد أنها استمرت في التواصل ولم تنقطع علاقاتها بعضها ببعض، وظلت تعمل على زعزعة الحكومة الانتقالية المدنية حتى انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021 حيث ظهرت للعلن مرة أخرى، وأعلنت تأييدها له.

وعندما اندلعت الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، أعلنوا عن أنفسهم وعن مشاركتهم في القتال إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع، وضد من يسمونهم «الخونة والعملاء»، وهم من المدنيين الذين أسهموا في إسقاط حكمهم، وخاصة تحالف «الحرية والتغيير» المدني، وأعلن بشكل مباشر عن كتيبة ظل تحمل اسم «كتيبة البراء بن مالك».

و«كتائب الظل» هي ميليشيات «إخوانية» كانت تقاتل إلى جانب الجيش في حروبه في جنوب السودان والنيل الأزرق وجنوب كردفان، إلى جانب لعب الأدوار الخفية في تصفية المتظاهرين والمعارضين السياسيين، وقد نشأت عن قوات الدفاع الشعبي، سيئة الصيت.

‏السيطرة على الجيش

إلى جانب «الكتائب»، يتهم كثيرون في السودان الحركة الإسلامية بالسعي إلى السيطرة على الجيش وتحويله من جيش وطني إلى «جيش تنظيم»، واتبعت في ذلك سلسلة حيل، بدأتها بإحالة آلاف الضباط الوطنيين إلى التقاعد، بل اغتالت أعداداً كبيرة منهم، ثم اتجهت إلى السيطرة على الدخول للكلية الحربية، بجانب استقطاب الضباط عن طريق الإغراء والتهديد، وفي النهاية حين سقط نظام الرئيس السابق عمر البشير، ترك للسودان جيشاً تحكمه «آيديولوجيا الإخوان»، وتسيطر عليه «اللجنة الأمنية» المكونة من عناصرهم.

وفقاً للكاتب الإسلامي السابق أشرف عبد العزيز، فإن الأمين العام الحالي لـ«الحركة الإسلامية» علي أحمد كرتي، الذي صدرت بحقه عقوبات أميركية الأسبوع الماضي، منذ أن كان طالباً في الجامعة، كان مفرغاً للعمل وسط الضباط والجيش، هو واثنان آخران، هما أحمد محمد علي الفششوية، والزبير أحمد الحسن، وكانوا يعرفوا وقتها باسم «السواقين»، يقومون بالإشراف على تنظيم «الضباط الإخوان» داخل الجيش.

ومع احتفاظه بوظيفته بين «السواقين»، فإن كرتي عمل منسقاً لقوات الدفاع الشعبي، التي كانت تمثل ميليشيا «إخوانية»، تزعم أنها مساندة للجيش، بما مكّنه من تمتين علاقته مع المنظومة العسكرية، من خلال علاقته بتنظيم «الضباط الإخوان» أو قوات الدفاع الشعبي، ما جعل يده على الأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى هي الأقوى.

وقال عبد العزيز إن كرتي من خلال إشرافه على التنظيم العسكري لـ«الإخوان» أدخل كثيراً من أبناء منطقته في الجيش والأجهزة النظامية الأخرى، خاصة جهاز الأمن والمخابرات، ما وسّع نطاق سيطرته على العسكريين، فأصبح وحده الآمر الناهي في الشأن العسكري لـ«الإخوان».

‏تفويض علي كرتي

بعد سقوط حكم الرئيس السابق عمر البشير، تم تفويض كرتي «أميناً عاماً للحركة الإسلامية»، بعد القبض على قياداتها، ومن بينهم البشير، وإلقائهم في السجن. لم تفلح أجهزة أمن الحكومة الانتقالية في القبض على كرتي، على الرغم من أنه كان أحد كبار المطلوبين، وظل مختبئاً، وتردد أن قيادات في الجيش موالية لـ«الإخوان» كانت توفر له الملاذ الآمن. ووفقاً لعبد العزيز، فإن الرجل بالتنسيق مع القيادات العسكرية أفلح في عرقلة جهود الحكومة الانتقالية، وأفلح في إفشال «الاتفاقية الإطارية» بشن الحرب الحالية.

ويؤكد عبد العزيز أن كرتي بعد أن شعر بأن توقيع الاتفاق الإطاري قد يكون النهاية لمطامع تنظيمه في العودة للحكم أو الحياة السياسية مجدداً، حرّك كتائبه لإطلاق رصاصة الحرب لقطع الطريق على تنفيذ الاتفاق الإطاري، فظهرت للعلن كتيبة «البراء بن مالك» والمجاهدون الذين يشاركون في القتال مع الجيش الآن.

ويوضح عبد العزيز أن «كتيبة البراء بن مالك» هي الكتيبة الوحيدة المتبقية للإسلاميين، التي بمقدورها القتال مع الجيش، بيد أنه يقول: «من خلال بعض البيانات التي أصدرها عبد الرؤوف أبو زيد محمد حمزة، وذكر فيها أن جماعته (النصرة) تشارك في هذه الحرب، ومقتل محمد الفضل عبد الواحد ابن أخ وزير الخارجية السابق مصطفى عثمان إسماعيل في معارك سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة، المعروف بعلاقته المستمرة بتنظيم (داعش)، وفي ذات الوقت يشغل منصب أمين الفكر في الحركة الإسلامية، هناك ثمة إشارات لمشاركة التنظيمات الإرهابية في القتال إلى جانب الجيش».

وأصيب أمير كتيبة «البراء بن مالك»، المصباح أبو زيد طلحة، في معارك المدرعات، وزاره بعد خروجه من الحصار مباشرة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وهو يستشفي من إصابته في مدينة عطبرة. يقول عبد العزيز: «يزعم أمير (كتيبة البراء) أن عددها يتجاوز 20 ألفاً من المجاهدين، لكن الحقيقة أن قوتها الفعلية لا تتجاوز 2000 مقاتل، وتعمل على استقطاب الشباب المستنفرين للقتال مع الجيش، لتضخيم عددها».

‏كتيبة «البراء بن مالك»

أرجع عبد العزيز ما أسماه «تحقيق بعض الثبات للجيش في بعض المناطق» إلى قتال «كتيبة البراء بن مالك» إلى جانبه، لأنهم يقاتلون باعتبار الحرب عملية «انتحارية» بالنسبة لهم، ولا يملكون خياراً غير الانتصار فيها، يسخرون لها آلتهم الإعلامية والعسكرية، ويضيف: «لكن في الآونة الأخيرة برزت خلافات بينهم وبين ضباط الجيش، كامتداد لخلافات قديمة بين أفراد الدفاع الشعبي وقيادات الجيش، فقيادات الجيش بدأت تشعر أن هناك تمييزاً بينهم وبين أفراد الجيش، وتتذمر من محاولاتهم فرض سيطرتهم على الجيش»، وتابع: «هذه الخلافات تسببت في حالات تسرب من الجيش».

من جهته، أوضح خبير في الجماعات الإسلامية، طلب عدم كشف اسمه، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن أصل «كتيبة البراء بن مالك» هو قوات الدفاع الشعبي، وأن أغلب المنضوين لها هم مقاتلون سابقون في الميليشيا «الإخوانية» الشهيرة، وقاتلوا مع الجيش في جنوب السودان ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة جون قرنق دمبيور. وتابع الخبير: «بعد حل (الدفاع الشعبي) وإلغاء قانونه، اكتفت الكتيبة بالعمل الاجتماعي، وتركت العمل القتالي، واقتصر نشاطها على لقاءات أخوية، ليالي قمرية، لقاءات، زيارات لأسر الشهداء»، وأضاف: «هناك جزء منهم يعمل في الإسناد المدني ضد الكوارث والفيضانات، لكن تواصلهم لم ينقطع كتنظيم بعد سقوط النظام».

وتعمل إلى جانب «كتيبة البراء» مجموعات من المقاتلين السابقين المتطرفين، من بينهم جماعة «الدبابين» التي ذاع صيتها إبان الحرب في جنوب السودان، وجماعة «الطيارين» الذين كانوا يعملون في شرق السودان. ويقول الخبير إن نشاط كتائب الإسلاميين تزايد بصورة مكثفة بعد الحرب، وإنها استقطبت مقاتلين سابقين، من بينهم مهندسون وفنيون عملوا على تطوير الأسلحة في التصنيع الحربي، بما في ذلك «المسيرات»، على نفس منوال حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، يصنعون أسلحة خاصة بهم.

‏آيديولوجيا «الإخوان»

ويرى الخبير أن الكتائب التي تقاتل الآن أقرب إلى حزب المؤتمر الشعبي من حزب المؤتمر الوطني، وتحكمها آيديولوجيا «الإخوان»، وأميرهم الحالي المصباح أبو زيد طلحة، وقتل من بين قياداتها في القتال على المدرعات أكثر من 4 قادة، أشهرهم محمد الفضل، وهو ابن أخي وزير الخارجية الأسبق مصطفى عثمان إسماعيل. وقال إن المجموعات الجهادية الإسلامية كانت تقاتل مع الجيش في مصنع «اليرموك» الحربي، وبعد أن استولى عليه «الدعم السريع»، انتقلوا إلى قيادة المدرعات في الشجرة، وأضاف: «لا توجد إحصاءات عن أعدادهم، لكنهم في بداية الحرب كانوا حوالي 200، وتزايدت أعدادهم من خلال الاستقطاب من الشباب المستنفرين».

واستبعد الخبير أن تكون لهم علاقات مباشرة مع التنظيمات الجهادية الإرهابية، بيد أنه وصفهم بأنهم واقعون تحت تأثيرها، ويتبادلون المعلومات والأدوار معهم، وقال: «(القاعدة) و(داعش) لا تقاتلان تحت راياتهم لأنهما تكفرانهم، لكنهم جميعاً يتفقون على الحرب على الوجود العسكري الأجنبي، ولا توجد علاقات مباشرة، بل تأثير متبادل بعضهم مع بعض».

ويقطع الخبير بأنهم يستهدفون معاً الأجانب والسفراء والسفارات ومن يطلقون عليهم «الخونة والعملاء»، ويقسمونهم إلى مجموعتين؛ «مجموعة العدو الصائل» الممثل في المنظمات الأجنبية والسفارات والسفراء ووكالات العون الإنساني، و«مجموعة العملاء»، وتتمثل هذه المجموعة بالنسبة لهم في قوات الدعم السريع والقوى المدنية. وعلى رأسها «الحرية والتغيير» ومنظمات الأمم المتحدة التي تسعى نحو الديمقراطية والحكم المدني.

* نقلا عن الشرق الاوسط

الوسومأشرف عبد العزيز الإخوان الجيش السوداني السودان الضباط الإخوان جهاز الأمن والمخابرات علي كرتي عمر البشير كتائب الظل كتيبة البراء بن مالك

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أشرف عبد العزيز الإخوان الجيش السوداني السودان الضباط الإخوان جهاز الأمن والمخابرات علي كرتي عمر البشير كتائب الظل كتيبة البراء بن مالك قوات الدفاع الشعبی الحرکة الإسلامیة إلى جانب الجیش الدعم السریع عبد العزیز فی القتال مع الجیش من خلال من بین

إقرأ أيضاً:

الإمارات صوت الحكمة دعماً للشعب السوداني

أحمد مراد وشعبان بلال (أبوظبي)
مع كل أزمة تعصف بالسودان الشقيق، تسارع الإمارات للعب دور دبلوماسي محوري، من أجل سلام واستقرار الشعب السوداني، وبقائه بعيداً عن أيادي العبث التي تسعى لإغراقه في دوامة صراعات تأتي على مقدرات السودان، وترهق شعبه التواق للسلام والعيش الكريم.
ومنذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل 2023، قدمت الدولة مقترحات ومبادرات عدة على مختلف الصعد دولياً وعربياً وأفريقياً، تهدف من خلالها لعودة السلام والاستقرار من أجل الشعب السوداني الشقيق. وشددت الإمارات، عبر المنصات كافة وفي المحافل الدولية، على ضرورة وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة، كما أكدت مراراً وتكراراً على موقفها من دعم إيجاد حل سلمي لإنهاء الصراع، خلال اجتماعات مجلس الأمن الدولي ومجلس الأمن والسلام للاتحاد الأفريقي.
 وأكد خبراء ومحللون على أهمية الدور الدبلوماسي الذي تلعبه دولة الإمارات للتوصل إلى تسوية سلمية للأزمة السودانية، مشيدين بالدعم الذي قدمته الدولة لمحادثات السلام التي استضافتها مدينة جدة السعودية، بحضور طرفي النزاع.
وثمن الخبراء والمحللون، في تصريحات لـ«الاتحاد»، المبادرات الإماراتية الرامية لإرساء السلام والاستقرار في السودان، ما تجسد في جهود دؤوبة لوقف إطلاق النار، والعودة إلى طاولة الحوار، وحماية المدنيين.
وأكدوا أن الإمارات تقدم نموذجاً يُحتذى به في التعامل مع الأزمة السودانية، يجمع بين الجهود السياسية والدبلوماسية، والتدخل الإنساني الإغاثي، والعمل البنّاء ضمن أطر جماعية.
منصات دولية
فور اندلاع النزاع في السودان، خلال أبريل 2023، سارعت دولة الإمارات إلى إصدار بيان طالبت فيه الأطراف المتنازعة بالتهدئة، وخفض التصعيد، والعمل على إنهاء الأزمة بالحوار والتفاوض.
وعلى مدى عامين، شاركت الإمارات بفاعلية في غالبية الجهود الإقليمية والدولية الرامية لإنهاء الأزمة السودانية دبلوماسياً وسياسياً، ما أسهم في إنشاء منصة دولية باسم «متحالفون لتعزيز إنقاذ الحياة والسلام في السودان» (ALPS)، وتضم في عضويتها الإمارات والسعودية والولايات المتحدة ومصر وسويسرا والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وبدأت اجتماعاتها في سويسرا خلال أغسطس من العام الماضي.
وكانت الإمارات و14 دولة أخرى قد أصدرت في يوليو الماضي بياناً حذرت فيه من التأثيرات الوخيمة للوضع المتدهور على سلامة المدنيين، وتفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في السودان.

وفي الإطار نفسه، دعت الإمارات، في رسالة لمجلس الأمن الدولي، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب حدوث مجاعة وشيكة في السودان، وأكدت دعمها لجميع المبادرات الرامية لتحقيق وقف إطلاق النار، والعودة إلى حكومة شرعية تمثل جميع فئات الشعب السوداني.
محادثات سلام
أوضح أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي، الدكتور هيثم عمران، أن دولة الإمارات تلعب دوراً بارزاً ومتعدد الأبعاد لإحلال السلام في السودان، يجمع بين الجهود السياسية والدبلوماسية والإنسانية، في محاولة جادة لإرساء الاستقرار وإنهاء النزاع.
وقال عمران، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن دولة الإمارات تُعد فاعلاً إقليمياً ودولياً مهماً. وفي هذا الإطار، تسعى منذ سنوات إلى تعزيز مكانتها كوسيط نزيه ومؤثر، خصوصاً في الأزمات التي تمس الأمن القومي العربي. 
وأضاف أنه في حالة السودان، تتبنى الإمارات سياسة قائمة على الحياد البنّاء، إذ إنها تدعم التهدئة دون فرض أجندات، ما يجعلها تحظى بتقدير إقليمي ودولي.
وذكر عمران أن الإمارات شاركت بشكل مؤثر في دعم محادثات السلام في مدينة جدة، والتي قادتها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لإنهاء الأزمة السودانية، مع تأكيدها على ضرورة وقف إطلاق النار، والعودة إلى طاولة الحوار، وحماية المدنيين.
وفي الإطار نفسه، دعمت الإمارات الجهود الدبلوماسية التي قادتها تركيا لإيجاد حل للأزمة السودانية، معربة عن استعدادها للتعاون والتنسيق مع الجهود التركية لإنهاء الصراع.
وشددت وزارة الخارجية الإماراتية، في بيان، على موقف دولة الإمارات الواضح والراسخ تجاه الأزمة في السودان، إذ إن تركيزها الأساسي انصب ولا يزال على الوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار، ووقف الاقتتال الداخلي في أقرب وقت، ومعالجة الأزمة الإنسانية من خلال تقديم الدعم الإنساني والإغاثي العاجل للشعب السوداني.
وطالبت «الخارجية» الإماراتية أطراف النزاع باحترام التزاماتهم وفق إعلان جدة، ووفق آليات منصة «متحالفون لتعزيز إنقاذ الحياة والسلام في السودان» (ALPS)، مشددة على أهمية الحوار والتفاوض كسبيل وحيد لإنهاء الصراع، وتأمين عملية سياسية، وإجماع وطني نحو حكومة بقيادة مدنية.
قوة ناعمة
أكد أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي أن الجهود السياسية والدبلوماسية التي تبذلها الإمارات لإنهاء الأزمة السودانية سلمياً لم تنحصر في المسار الخليجي أو الدولي فقط، حيث دعمت أيضاً جهود الاتحاد الأفريقي، ومنظمة «الإيغاد»، والجامعة العربية، وعملت على التوصل لتسوية سياسية تُبقي السودان موحداً، وتمنع انزلاقه نحو الفوضى الشاملة.
وأشار عمران إلى أن الإمارات تسعى لتعزيز صورتها كقوة ناعمة تجمع بين الدبلوماسية، والمساعدات الإنسانية، والاستثمار في التنمية، مؤكداً أنها تتعامل مع الملف السوداني من منطلق هذا التوجه الأوسع.
وخلال بيانها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ79 التي عُقدت خلال سبتمبر الماضي، حثت الإمارات الأطراف المتنازعة في السودان على وقف القتال بشكلٍ فوري ودائم، والسماح بدخول المساعدات عبر الحدود وخطوط النزاع بشكل مستدام ودون عوائق.
وشددت على عملها مع الشركاء الإقليميين والدوليين لرفع المعاناة عن الشعب السوداني الشقيق من أجل حياة أكثر أماناً وازدهاراً.
وشارك معالي الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير دولة، في الاجتماع الوزاري تحت شعار «متحدون من أجل السلام في السودان» الذي ضم ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأقيم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكداً التزام دولة الإمارات بدعم مبادرات السلام، وبذل الجهود للعودة إلى مسار العملية السياسية للتوصل إلى تسوية دائمة للأزمة السودانية.
آليات دبلوماسية
من جانبه، شدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، نبيل ميخائيل، على أن مواقف دولة الإمارات راسخة في حل الخلافات العربية سلمياً عبر الآليات السياسية والدبلوماسية، مؤكداً أن الإمارات تسهم بصورة كبيرة في التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة السودانية، مع التركيز على خطط تنموية لإعادة إعمار السودان.
وذكر ميخائيل، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الإمارات تقوم دائماً بمساعدة أي دولة تحتاج للمعونة، وهو ما يتضح جلياً في دعمها الإنساني المتواصل للفلسطينيين في قطاع غزة. وفي الإطار ذاته، تقدم مساعدات كبيرة لمئات الآلاف من السودانيين النازحين واللاجئين، وتسهم بسخاء في المؤتمرات الدولية المعنية بإعادة إعمار السودان.
وأوضح أن الإمارات تقدم نموذجاً يُحتذى به في التعامل مع الأزمة السودانية، يجمع بين الجهود السياسية والدبلوماسية، والتدخل الإنساني السريع، والعمل البنّاء ضمن أطر جماعية، ما يمنحها موقعاً متقدماً في جهود إحلال السلام في السودان، ويعزز صورتها كقوة مسؤولة على المستويين الإقليمي والدولي.
وكانت الإمارات قد شاركت في قمة دول حركة عدم الانحياز في العاصمة الأوغندية «كامبالا» في يناير الماضي، وأكدت خلالها دعمها للجهود المبذولة للتهدئة، وخفض التصعيد في السودان.

أخبار ذات صلة الإمارات تجدد التزامها بالتعاون متعدد الأطراف «يونيفيل»: وقف إطلاق النار في لبنان يتطلب مساراً سياسياً

وفي يناير الماضي، دعا بيان مشترك صادر عن الإمارات ونيوزيلندا إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وتسهيل الوصول الإنساني الآمن والسريع دون عراقيل، والانخراط في محادثات السلام، والعمل على تشكيل حكومة مدنية تلبي تطلعات الشعب السوداني.
وأصدرت الإمارات، في 26 يناير الماضي، بياناً جددت فيه موقفها الداعي للتوصل إلى حل سلمي للصراع، وضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وعدم استهداف المدنيين والمؤسسات المدنية، وحماية المرافق والمؤسسات الطبية والعاملين في القطاع الصحي، مؤكدة أهمية العمل الجماعي من أجل تحقيق السلام والاستقرار في السودان.
مبادرات وساطة 
تحرص دولة الإمارات على نشر مبادئ السلام إقليماً ودولياً، عبر إطلاق العديد من مبادرات الوساطة لإنهاء النزاعات والخلافات بين الأطراف المتنازعة سلمياً، وعلى مائدة المفاوضات، وعبر الحوار الدبلوماسي الجاد والهادئ، بعيداً عن أصوات الرصاص والقنابل والمدافع.
وفي هذا السياق، تساند الإمارات تطلعات الشعب السوداني نحو تحقيق السلام والاستقرار، والوصول بالسودان إلى بر الأمان، عبر حزمة مبادرات سياسية ودبلوماسية تؤدي إلى الانتقال السياسي السلمي في إطار من التوافق والوحدة الوطنية.
وكانت الإمارات قد لعبت منذ سنوات عدة دوراً محورياً في تحقيق التوافق بين الحكومة الانتقالية في السودان وبعض الحركات الأخرى، ما أسفر عن توقيع اتفاق سلام بين الجانبين أنهى سنوات من الصراعات المسلحة في إقليم دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
وفي أكتوبر 2020، جرت في عاصمة جنوب السودان «جوبا» مراسم التوقيع على اتفاق سلام مع مجموعات رئيسية في إقليم دارفور، وتضمن الاتفاق 6 بروكوتولات، من بينها تقاسم السلطة، والترتيبات الأمنية، وتقاسم الثروة.
وعملت الإمارات على إنجاز هذا الاتفاق، حرصاً منها على ترسيخ السلام في السودان، ما يحقق تطلعات الشعب السوداني نحو السلام والاستقرار، ويعود بالخير والمنفعة على المنطقة بأسرها.
جهود تنموية
يتزامن الدور السياسي والدبلوماسي الفاعل الذي تلعبه الإمارات لإيجاد حلول سلمية للأزمة السودانية مع دور إنساني متواصل لنقل المساعدات الغذائية والطبية لملايين السودانيين، بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة، مثل برنامج الأغذية العالمي، و«اليونيسف»، ومفوضية اللاجئين، وذلك لضمان توزيع المساعدات بطريقة عادلة وآمنة، وتقديم الدعم اللوجستي.
ولا تقتصر المساعدات الإماراتية على المجالات الإغاثية، بل تمتد أيضاً إلى دعم مشروعات تنموية في المناطق الهادئة نسبياً لتعزيز صمود المجتمعات المحلية، من خلال بناء مدارس ميدانية، وتأمين مصادر مياه نظيفة، وتوفير سبل العيش المؤقتة.
مكانة عالمية
قالت الباحثة في الشؤون الدولية، إيرينا تسوكرمان، إن الإمارات تبذل جهود رائدة لإحلال السلام والاستقرار في السودان، وغيرها من البلدان التي تشهد صراعات مسلحة، ما يجعل الدبلوماسية الإماراتية تحظى بمكانة عالمية مرموقة، في ظل التزامها بترسيخ آليات الحوار والحلول السلمية للأزمات والنزاعات الإقليمية والدولية. وأضافت تسوكرمان، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الإمارات حرصت، منذ بداية الأزمة السودانية، على المشاركة في جميع المبادرات والجهود الإقليمية والدولية التي تستهدف وقف الحرب، مؤكدة أن إحلال السلام في السودان بات ضرورة ملحة في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية.
وأوضحت أن تحقيق السلام في السودان يُعد أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للبنية الأمنية الأوسع في شمال وشرق أفريقيا، مشيرة إلى أن النظر إلى السلام كغاية أخلاقية أو إنسانية ليس إلا نصف الحقيقة، أما المنظور الأشمل فهو أن السلام شرط أساسي لأي شرعية سياسية مستدامة، ونمو اقتصادي، وأمن وطني طويل الأمد.

مقالات مشابهة

  • قبيل جلسة محكمة العدل الدولية.. الجيش السوداني: الإمارات تغذي الحرب منذ عامين
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 12 مدنيا وإصابة 17 في قصف مدفعي للدعم السريع
  •  الجيش السوداني يتهم الإمارات بأداء "دور محوري" في الحرب
  • تعقيبا على مقال الأستاذ ياسر عرمان .. ورداً على سؤاله لماذا لا يفاوض الجيش ويقاتل في آن واحد ؟ (1-2)
  • الفاشر ،،، لن تقاتل وحدها
  • الإمارات صوت الحكمة دعماً للشعب السوداني
  • الجيش السوداني يكشف تفاصيل الهجوم على سد مروي
  • الجيش السوداني يسيطر على معسكر النسور ويتقدم في أم درمان
  • رئيسا المخابرات العامة المصرية ومجلس السيادة السوداني يبحثان استعادة الاستقرار وإنهاء الحرب في السودان
  • الجيش السوداني يقطع الطريق على المتمردين بالفاشر ويكبدهم خسائر كبيرة