هل نُزع فتيل الصراع بين كوسوفو وصربيا قبل اشتعاله؟
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
شهدت الحدود بين كوسوفو وصربيا تصاعدا في حدة التوترات في الآونة الأخيرة بعد هجوم غير مسبوق تعرضت له شرطة كوسوفو شنه 30 مسلحا ما أدى إلى مقتل شرطي كوسوفي ألباني، وسط حشد عسكري صربي على حدود الدولة الحديثة التي لا تعترف بها.
ونشرت صحيفة "الغارديان" مقالا أشار إلى أن الدلائل التي ظهرت في نهاية هذا الأسبوع تدل على أن الأزمة الحالية بشأن كوسوفو قد تم نزع فتيلها، موضحا أن بعض القوات الصربية انحسبت من الحدود، كما تراجع التهديد بالعودة إلى الصراع المسلح في الوقت الحالي.
وقال المقال الذي أعده محرر شؤون العالم، جوليان بورغر، وترجمته "عربي21" إن إدارة بايدن تصرفت بشكل حاسم الجمعة الماضي، مستفيدة من بعض الدروس في الفترة التي سبقت غزو أوكرانيا، وكشفت للعلن عن معلومات استخباراتية أمريكية حول تحركات القوات الصربية، واتصلت ببلغراد مهددة بالعقوبات والنبذ. وتم تعزيز قوة حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي على الفور من خلال نقل قيادة كتيبة من القوات البريطانية التي كانت في المنطقة للتدريب.
ورغم أن الخطر المباشر قد انتهى غالبا بحسب بورغر، إلا أن الأزمة المزمنة بشأن كوسوفو لا تزال تتفاقم؛ فبعد مرور خمسة عشر عاما على إعلان الإقليم الصربي السابق استقلاله، لا تزال كوسوفو في حالة من النسيان على الساحة العالمية، مع اعتراف ما يزيد قليلا عن نصف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة.
وأضاف المقال أن صربيا كافحت في أواخر التسعينيات لمنع انفصالها بعد سنوات من القمع الذي تعرض له سكانها من ذوي الأصول الألبانية. وأدت حملة مكافحة التمرد الوحشية وحملة التطهير العرقي التي قامت بهما بلغراد إلى تدخل حلف شمال الأطلسي وحملة قصف جوي في عام 1999 أدت في النهاية إلى انسحاب الصرب.
وذكر معد المقال أن استقلال كوسوفو الرسمي لم يأت إلا بعد تسع سنوات من مشاورات برعاية الأمم المتحدة وخطة تهدف إلى توفير حماية كبيرة للأقلية الصربية في الدولة الجديدة.
ومنذ ذلك الحين، خاضت صربيا وداعمتها الرئيسية روسيا حملة خلفية لمنع عضوية كوسوفو في الهيئات الدولية، وقد تعززت هذه الحملة بفعل مخاوف العديد من الدول، بما في ذلك خمس دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، من أن هذا الاعتراف سوف يشكل سابقة لانفصال الأقليات العرقية في هذه الدول، بحسب كاتب المقال.
وذكر بورغر أن بلغراد أبقت الوضع في أربع بلديات شمالية ذات أغلبية صربية في حالة من التوتر المستمر، وقد ساعدت في بعض الأحيان الجهود المضنية التي بذلتها الحكومة في بريشتينا لإثبات سيادتها. ولا تزال كوسوفو غير قادرة على اعتبار وجودها أمرا مفروغا منه.
ووفقا للكاتب، يمكن أن تكون أحداث الأسبوع الماضي نقطة انعطاف، اعتمادا على ما إذا كانت ستؤدي إلى إعادة التفكير في السياسة في واشنطن وبروكسل. قد استثمر كلاهما بكثافة في خطة فرنسية ألمانية لتطبيع العلاقات، والتي لن تضطر صربيا بموجبها إلى منح الاعتراف الكامل ولكن على الأقل الاعتراف بجوازات سفر كوسوفو وعلمها وخصائص الأمة الأخرى، وستتوقف بلغراد عن منع كوسوفو من عضوية المؤسسات المتعددة الأطراف. وفي المقابل ستسمح بريشتينا بتكوين رابطة للبلديات ذات الأغلبية الصربية، ما يعزز استقلالها.
وأوضح بورغر أن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، ورئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي، قد وافقا على هذه المبادئ في الاجتماعات التي توسط فيها الاتحاد الأوروبي، لكن فوتشيتش رفض التوقيع على أي وثيقة، وطمأن شعبه بأنه لن يسمح أبدا لكوسوفو بأن تصبح عضوا في الأمم المتحدة.
وبالتالي رفض كورتي المضي قدما في رابطة البلديات الصربية، ورفض الثقة في التأكيدات من وسطاء الاتحاد الأوروبي بأن صربيا ستفي بوعودها في وقت لاحق، وفقا لنص المقال.
ورأى الكاتب أن رد واشنطن وبروكسل كان عبارة عن إلقاء اللوم حصريا على كورتي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن فوتشيتش كان قادرا على إثارة تنافس الحكومات الغربية مع روسيا والصين لصالح بلغراد. على سبيل المثال، كانت الولايات المتحدة ممتنة لتصويت صربيا ضد روسيا في مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن أوكرانيا، على الرغم من معارضة بلغراد القوية للعقوبات المفروضة على موسكو.
ويجب على إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي الآن بحسب بورغر، دراسة ما إذا كان قد تم التلاعب بهم. وبينما قال فوتشيتش كل الأشياء الصحيحة في السر، كانت الحكومة تعمل على بناء الجيش الصربي، وإغراق وسائل الإعلام في البلاد بالكراهية والخوف من كوسوفو، واتهمت كورتي زورا بتنفيذ "تطهير عرقي وحشي".
وفي 24 أيلول / سبتمبر، نصبت مجموعة شبه عسكرية من صرب كوسوفو المسلحين تسليحا جيدا كمينا لدورية شرطة كوسوفو، وفي القتال الذي أعقب ذلك، قُتل ضابط شرطة وثلاثة مسلحين صرب. وقدمت حكومة كوسوفو أدلة تثبت أن المجموعة كانت مسلحة وتُدار من بلغراد، وقد أوضح المسؤولون الأمريكيون في أحاديثهم الخاصة أنهم يجدون أن هذه الأدلة مقنعة.
وبحسب بورغر، فقد كان من الممكن أن يكون الكمين مصمما لإشعال صراع في شمال كوسوفو، الأمر الذي من شأنه أن يوفر غطاء لبلغراد لإرسال قوات ظاهريا لحماية العرق الصربي. وكان من الممكن أن يكون الهدف البديل هو إرغام قوات السلام على تعزيز وجودها واستعادة المسؤولية الأساسية عن الأمن في شمال كوسوفو من بريشتينا. وسيكون ذلك خطوة إلى الوراء بالنسبة لسيادة البلاد.
إذا كان الأمر كذلك، "فقد نجح فوتشيتش جزئيا بالفعل"، ويعتمد فوزه الآن بشكل كامل على اتجاه السياسة الغربية، وفقا لكاتب المقال.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة كوسوفو صربيا الألبانية امريكا صربيا كوسوفو الألبان صحافة صحافة صحافة تغطيات سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
رفض اتفاقية الحكم الذاتي ثم شارك في الانتخابات التي أجريت بموجبها (3- 15)
نواصل عرض ونقاش تجارب الحزب الشيوعي في التحالفات. في المقال السابق أوضحنا العداء الذي كان يكنه الحزب الشيوعي (الجبهة المعادية للاستعمار آنذاك) للأحزاب، وخاصة حزب الامة، وركز حملاته العدائية القوية على السيد عبد الرحمن المهدي، راعي حزب الامة. وأوضحنا انه عندما صارت قضية الاستقلال او الوحدة مع مصر، هي التدي الأساسي، قرر الحزب الانضمام للجبهة الاستقلالية التي يتزعمها السيد عبد الرحمن المهدي، وتضم أيضا الحزب الاشتراكي الجمهوري وهو حزب رجال الإدارة والشيوخ، ويتهم بأنه صنيعة الدولة الاستعمارية، بالإضافة للحزب الجمهوري المعروف. هذا المثال يؤكد ان الخلافات مهما تعمقت والعداوات مهما تجذرت، يجب الا تقف امام الوحدة عند اللحظات التاريخية والمفصلية.
نعرض اليوم مثالا آخر من أحداث تلك الفترة الهامة في تاريخ بلادنا.:
ذكر فيصل عبد الرحمن على طه في كتابه " السودان على مشارف الاستقلال الثاني" في صفحة 25:
" عارض الحزب الشيوعي اتفاقية الحكم الذاتي ونشر أحد كوادره وهو قاسم امين ضابط نقابة عمال السكة الحديد كتيبا بعنوان " اتفاقية السودان في الميزان" عرض فيه لبعض أوجه الاتفاقية وتناولها بنقد وتحليل اتسم في بعض جوانبه بالمبالغة والتهويل".
ما حقيقة موقف الحزب الشيوعي من الاتفاقية: كتب عبد الخالق محجوب في كتاب لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني:
"ان الدعاوي العريضة للاستعماريين وللدوائر المصرية التي تتبجح بانها، منحت، الشعب السوداني استقلاله مجافية للواقع ووقحة في نفس الوقت فالاستعماريون نجوا بجلودهم من وطننا وكانت الاتفاقية انقاذا لهم من تطور الحركة الجماهيرية بطابعها الجديد.
لقد وقعت اتفاقية فبراير 1953 في ظرف كانت الحركة الجماهيرية فيها تسير بخطوات سريعة في نضالها ضد المستعمرين وتتخذ طابعا جديدا بظهور الجبهة المتحدة لتحرير السودان وقيام النقابات العمالية بدور فعال فيها. لقد كانت الحركة الجماهيرية تطالب بالجلاء الناجز للمستعمرين وحق الشعب السوداني في تقرير مصيره وفي بناء سودان ديمقراطي حر، ولكن الاتفاقية لم تحقق هذا المطلب الشعبي، بل اجلته الى ثلاث سنوات ووضعت قيودا عدة على حرية الشعب السوداني وأعطت الحاكم العام البريطاني سلطات خطرة ليستغلها في تقوية النفوذ البريطاني والضغط على البرلمان. لقد اتخذت أحزاب الطبقة الوسطى موقف التبعية فقبلت الاتفاقية دون تعديل أو نقد ومن وراء ظهر الجبهة المتحدة لتحرير السودان التي كانوا يشتركون فيها.
رغم هذا الجو التهريجي الذي خلقته تلك الأحزاب وقف الحزب الشيوعي ناقدا لتلك الاتفاقية وموضحا مزالقها ومشيرا الى انها لا تتمشي مع الرغبة الجماهيرية الملحة في وجوب الجلاء الناجز للمستعمرين قبل اجراء أي انتخابات في بلادنا.
ان التاريخ يثبت ان الحزب الشيوعي السوداني كان الحزب الوحيد في السودان الذي نظر للاتفاقية المصرية البريطانية نظرة ناقدة وكشف عيوبها ومزالقها التي اتضحت لدي الناس فيما بعد. "
كما قاد اتحاد العمال، الذي كان يسيطر الحزب الشيوعي على قيادته، حملة قوية ضد الاتفاقية، ونشر قاسم أمين كتابه الشهير ضد الاتفاقية. ورغم كل ذلك العداء الشديد والحملة القوية والرفض التام للاتفاقية، قرر الحزب الشيوعي (الجبهة المعادية للاستعمار آنذاك) ان يشارك في الانتخابات التي أجريت بموجب الاتفاقية التي رفضها. ونلاحظ هنا انه رغم كل النقائص التي ذكرها الحزب الشيوعي في نقده للاتفاقية واتهامه للأحزاب الأخرى بانها ايدت الاتفاقية من خلف ظهر الجبهة المتحدة لتحرير السودان، لم يقاطع وانما قرر ان يحول المعركة الانتخابية لحملة ضد الاستعمار. وفعلا خاض الحزب الشيوعي (الجبهة المعادية للاستعمار آنذاك) الانتخابات التي فاز فيها حسن الطاهر زروق عن إحدى دوائر الخريجين، ويقال انه اول نائب شيوعي ينتخب في برلمان في العالم العربي.
نلاحظ هنا ان الحزب الشيوعي هو الأكثر تمسكا بالجبهة المتحدة رغم خلافه الحاد مع الأحزاب حول الموقف من الاتفاقية، وينقدها بانها تخلت عنها، وأيدت الاتفاقية من وراء ظهر الجبهة.
مما يجدر ذكره، هنا، ان الحزب الشيوعي قام، لاحقا، بتصحيح موقفه من الاتفاقية. وقال أنه أخطأ في النظر اليها من زاوية واحدة، نظر الى مزالقها التي يستغلها المستعمرون، والى كونها مناورة للمستعمرين ليخلقوا وضعا شرعيا في البلاد لاستمرار نفوذهم ولم ينظر اليها باعتبارها نتاجا من نتاج الكفاح الشعبي الذي كان في الإمكان ان يثمر أوفر منها لو تقيدت أحزاب الطبقة الوسطى بحلفها في الجبهة المتحدة لتحرير السودان.
siddigelzailaee@gmail.com